إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

استشرافات لعام 2022- متحورات كورونا وانتشار التطبيع وعودة المسارات الديمقراطية

عبد الحميد صيام يكتب للصباح

يسدل عام 2021 سدوله وننتظر انبلاج فجر عام جديد.  جائحة كورونا ومتحوراتها الجديدة مثل دلتا وأوميكرون ما زالت تنتشر في عالمنا وتنشر معها الذعر والاحتراز والقيود على السفر والتجمعات والتعليم والتزاحم على أبواب المشافي والعيادات.ونحن نكتب هذه الكلمات ينتشر الفايروس المتحور أوميكرون ليصل إلى أكثر من 100 دولة.  وقد تخطى هذا المتحور سرعة انتشار متحور دلتا الذي انتشر في أشهر الصيف. ويؤكد المسؤولون  الأمريكيون أن الوباء قد وصل الخمسين ولاية وأنه ما زال في بداياته ومن المتوقع أن ينتشر بشكل أوسع مع أشهر الشتاء القادمة ليعيد كوكبنا إلى وضع الإغلاق الذي شهدناه مع بداية انتشار كوفيد -19 في ربيع 2020.

ونود أن نذكر أن عدد المصابين عالميا بوباء الكورونا وتفريعاتها وصل إلى أكثر من 280,505,000 مليون وعدد الضحايا إلى نحو خمسة ملايين ونصف الميلون. ولا يتوقعن أحد أن العام القادم سيشهد نهاية الفيروس. فحتى ينحسر هذا الوباء لا بد أن يصل معدل التتطعيم العالمي إلى 70 بالمائة، كما يقول مسؤولو منظمة الصحة العالمية، وهو هدف بعيد المنال خاصة بالنسبة للدول الفقيرة.

كذلك لا بد أن نحذر من آثار التغيرات المناخية التي بدأت تطال كل أركان الكرة الأرضية.  فقد شهد عام 2021 أكثر من 13 كارثة طبيعية تركت خسائر تقدر ب 170 مليار دولار إضافة إلى آلاف الضحايا. ولم تسلم منطقة في العالم من أثر هذه الكورات التي شملت الزلازل والأعاصير والعواصف والأمطار الشددية والفياضانات والقحط والانهيارات والبراكين.

لا يتوقعن أحد أن هذه الكوارث ستختفي أو تقل عنفا أو دمارا ما دام بنو البشر ينفثون سمومهم في الفضاء المحيط بكوكب الأرض ما يسبب ارتفاعا في حراراتها.

أزمات مُرحّلة إلى العام المقبل

لقد شهد العام الفارط عددا من الأزمات الكبرى والمواجهات الدامية والحروب الأهلية والانقلابات. وهذه اللأزمات ما زالت مفتوحة على العديد من الاحتمالات. ولنراجع أهم تلك الأزمات:

* أفغانستان: خرجت الولايات المتحدة مهزومة من أفغانستان بعد عشرين سنة من الاحتلال. وسيظل انسحابها بالطريقة المذلة التي شاهدناها في مطار كابل علامة فارقة في تاريخ النزاعات المسلحة وهزيمة الدولة العظمى الثالثة، بعد بريطانيا وروسيا، على أيدي أبناء هذا البلد العنيد.   الولايات المتحدة تعلمت درسا قاسيا،على الأقل نأمل ذلك، مفاده أن الاحتلالات الأجنبية إلى زوال وأن تصدير الديمقراطية عبث ما بعده عبث وأن إهانة الشعوب الفقيرة المظلومة له ثمن باهظ.

لكن أوضاع أفغانستان لا تبشر بالخير فهي محاصرة من كل جانب ويكاد اقتصادها ينهار تماما.  ووصل عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 22 مليونا أي أكثر من نصف السكان.  فالغرب الذي انهزم عسكريا يحاصرها ماليا واقتصاديا.  وتقول الأمم المتحدة إن أفغانستان تواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، بينما حذر برنامج الأغذية العالمي من مجاعة خطيرة مقبلة وإذا لم يتم انتشال الاقتصاد الأفغاني فلنتوقع تحول البلاد إلى بؤرة قابلة للانفجار.  لعل اجتماع منظمة التعاون الإسلامي يوم 19 ديسمبر في إسلام أباد يفي بما وعد به وينتشل البلاد من انهيار محتم.

* إثيوبيا اختتم عام 2021 بشبه اتفاق بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير تغراي. فبعد أن لقنت الجبهة رئيس الوزراء الإثيوبي درسا لن ينساه وكادت تحتل العاصمة أديس أبابا  استنجد الأخير بعدد من الحلفاء وشركاء التجارة والاستثمارات مثل الصين وروسيا وتركيا والإمارات فأقاموا جسرا جويا لنجدته.  حدث نوع من التوازن بعدها أدى إلى قبول الوساطة الأفريقية برئاسة أوليسغون أوباسانجو، رئيس نيجيريا السابق وتوصل إلى اتفاق مع آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تغراي وحلفائها على وقف القتال وقبول  البحث عن حل سياسي.  وأعلنت الجبهة عن انسحابها من إقليمي عفار وأمهرة والعودة إلى إقليم تغراي. الفرصة الآن لطي صفحة الحرب واردة خلال عام 2022، لكن الإصبع على الزناد وقد تتجدد إذا اكتشف ثوار جبهة تحرير تغراي وحلفاؤهم أن هناك مكيدة ما يدبرها آبي أحمد.

إيران- الولايات المتحدة: المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول العودة إلى اتفاقية 2015 والمتعلقة ببرنامج إيران النووي دخلت جولتها الثامنة.  الولايات المتحدة تريد العودة للاتفاقية بعد تحصيل تنازلات إيرانية في مواضيع لا علاقة لها بالاتفاقية وإيران تريد أن تعود بدون شروط وتصر على أن رفع العقوبات يجب أن يكون نقطة البداية، وإسرائيل وحلفاؤها العرب يعملون على تخريب أي فرصة للعودة للاتفاقية. إسرائيل تستعد لعمليات عسكرية واسعة وإيران تعدها أن يكون الرد ساحقا ماحقا. هذا هو المشهد خلال هذه الأيام. ونتوقع أن يحصل تقدم كبير في المفاوضات وقد تقوم إسرائيل بتخريب عملية المفاوضات بالقيام بعملية عسكرية محدودة لاستفزاز النظام الإيراني لعله ينسحب من المفاوضات وتنهار عملية المفاوضات برمتها.

سد النهضة:  لقد فشلت محاولات مصر والسودان تدويل الأزمة عام 2021.  وقد أغلق مجلس الأمن هذا الملف بإصداره بيانا بتاريخ 15 سبتمبر يرفض فيه تصنيف الأزمة على أنها تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.  فالبيان  أكد أن بحث هذه المسألة في المجلس لا يعتبر سابقة لحل أي منازعات تتعلق بالمياه العابرة للحدود ووصف الأزمة في بيانه بأنها "فنية وإدارية".  الأزمة بين الدول الثلاث ستعود إلى الواجهة بعد استقرار الأمور في كل من السودان وإثيوبيا. الأزمة الداخلية في إثيوبيا جاءت لتقوي من موقف مصر لولا أن بعض الدول العربية تقف إلى جانب النظام الإثيوبي وتستثمر في عدة مجالات بما فيها سد النهضة نفسه.

أوكرانياالأزمة الروسية الأوكرانية التي وصلت حد التخوف من غزو عسكري روسيا لأوكرانيا ما زالت تتفاعل.  لا نشك في أن محاولة الغرب ضم أوكرانيا لحلف الناتو خط أحمر بالنسبة لموسكو ولا يمكن لها أن تبلع مثل هذه السكين وعلى استعداد أن تلخبط أوراق أوكرانيا إذا ما أصرت على ذلك.  ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقدم على هذه الخطوة لما تحمله من مخاطر.  لقاءات عديدة ستتم خلال الأيام والأسابيع القادمة بين روسيا والولايات المتحدة وبين روسيا وحلف الناتو وقد يعود الجميع من حافة الانفجار إلى طاولة المفاوضات.

تونس والسودان

أهم التطورات على مستوى العالم العربي، في رأينا، هو الحركة التي قام بها الرئيس قيس سعيد في تونس يوم 25 جويلية وعبد الفتاح البرهان في السودان يوم 25 أكتوبر.  هناك تشابه إلى حد ما بين الحركتين إلا أن السيد سعيّد يمتلك الشرعية الدستورية التي أوصلته كرسي الرئاسة عن طريق الصندوق. أما البرهان فقد وصل إلى موقعه عبر اتفاق سياسي بين المكونين المدني والعسكري للثورة السودانية التي أطاحت بالبشير.  لكن كلا المسؤولين برر الحركة بأنها ضرورة لحماية البلاد من الانهيار، وأعطى نفسه صلاحيات واسعة تشمل السلطتين القضائية والتشريعية إضافة إلى السلطة التنفيذية.

الرئيس سعيّد جمد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وطرد رئيس الوزراء المشيشي وضيق مجال حرية الرأي وأغلق بعض القنوات الفضائية ووضع في السجن العديد من المعارضين.  والغريب أنه اختار في أول أكتوبر، نجلاء بودن رمضان، لتكون أول رئيسة للوزراء في تونس والعالم العربي، إلا أنه عاد  وعطل كل الحياة السياسية مقابل وعود بالاستفتاء على دستور جديد ثم انتخابات لبرلمان جديد في نهاية عام 2022 رغم أن الحراك الجماهيري والنقابي ضد هذه الخطوات لم يتوقف.  لكننا ما زلنا نعلق الأمل على أن 2022 ستشهد عودة تونس إلى المسار الديمقراطي بعد تصفية بعض الشوائب وبؤر الفساد.  الشعب التونسي، في رأينا، لا يمكن أن يتقبل حاكما مستبدا حتى ولو كان عادلا.

على نفس الخطى قال الفريق البرهان إن الجيش السوداني استولى على السلطة لتجنب اندلاع حرب أهلية ولتصحيح مسار الانتقال السياسي لكن الشعب السوداني خرج بالملايين رفضا للانقلاب وواجه الرصاص والاعتقالات، وهو ما حرك المجتمع الدولي بسرعة فأطبق الخناق على البرهان ولم يكن أمامه إلا التراجع على الأقل مؤقتا وخاصة بعد المواقف الحادة من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.  وهكذا تحايل البرهان على الوضع وأعاد حمدوك إلى رئاسة الوزراء ظنا منه أن الشارع السوداني الذي كسر حاجز الخوف سيستكين ويتراجع إلا أن العكس هو الذي يحصل حيث تواصلت المليونيات حتى أعلن حمدوك أنه على وشك الاستقالة.  ولا نتوقع أمام هذا العناد يستطيع البرهان وحميدتي أن يثبتا في مواقعهما إلا بالحديد والنار وهي النصيحة التي قدمها لهما راعي تدمير ثورات الربيع العربي والمسنود إسرائيليا ومن يشكك في هذا فليراجع تفاصيل لقاء نتياهو بالبرهان في فبراير 2020 قبل اتفاقيات التطبيع.

اتفاقيات التطبيع

إذا كان عام 2020 عام الاختراق الصهيوني لأربع دول عربية فعام 2021 شهد توسيع التعاون وإعادة الاصطفاف مع الكيان الصهيوني ضد الأخ والجار وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ونتوقع أن ترتفع وتيرة التطبيع من جهة لتشمل دولا أخى تنتظر قطار التطبيع لتأخذ مكانها فيه.  لكننا في نفس الوقت سنشهد معارضة للتطبيع شعبيا  خاصة في المغرب والأردن.

لقد شملت زيارات رموز الكيان الصهيوني كلا من الإمارات والبحرين والسودان والأردن ومصر والمغرب. وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس وقع مع نظيره المغربي اتفاقية أمنية وعسكرية واستخباراتية يوم 24 نوفمبر يتمكن المغرب بموجبها من الحصول على معدات أمنية إسرائيلية متطورة إضافة إلى التخطيط وإجراء مناورات مشتركة. وهو ما عقد العلاقات مع الجزائر التي كانت قد وصلت حد القطيعة منذ أغسطس. أضف إلى ذلك توقيع الإمارات لعدد من الاتفاقيات من بينها شراء منتوجات المستوطنات الإسرائيلية وهي خطوة تنتهك القانون الدولي ولم تقبل بها دول أوروبا جميعها. كما وقع الأردن وإسرائيل في دبي برعاية الإمارات يوم 22 نوفمبر اتفاقية لإنتاج الطاقة الشمسية  مقابل تحلية المياه بحيث يقوم الأردن بإنتاج االكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل مقابل تزويد الأردن بالمياه.

ليبيا واليمن

انهارت في ليبيا فرصة عقد الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر كما كان مأمولا. ولا نعتقد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمالنية ستعقد قريبا بسبب الخلافات العميقة حول قانون الانتخابات  حيث يصر كل طرف أن يفصل القوانين على هواه ليضمن مرشحه الفوز في الانتخابات الرئاسية.  هناك قوى خارجية لا تقبل أن ترى ليبيا تسير نحو الاستقرار والديمقراطية وتفضل أن يحكمها رجل عسكري قوي يؤمن لتلك الدول مصالحها.  نخشى أن تعود الأمور إلى مربع المواجهات إذا لم يتفق الليبيون قريبا على قواعد انتخابات بالتوفق.

حرب اليمن – اتسعت المواجهات مؤخرا في اليمن كثيرا وشملت أراضي السعودية. لقد تفاقمت الأمور والصراع يدخل عامه السابع. الغارات الجوية لا تتوقف وشملت مطار صنعاء حيث توقفت حركة الطيران الإنساني منه وإليه، وبالمقابل يعمل الحوثيون بدعم إيراني على توسيع رقعة الاشتباكات لتشمل السعودية ومنشئاتها الحيوية بما في ذلك مصافي البترول.  الإمارات المتحدة من جهتها انسحبت من الحديدة وتركز على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على عدن وعدد من ولايات الجنوب. 

  ويرى مبعوث الأمين العام غروندبيرغ أن "حل الصراع ينبغي أن يكون عبر تسوية سياسية تفاوضية شاملة، مع ضرورة التزام أطراف النزاع بالتقيّد بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية".

الساحة الفلسطينية

إسرائيل تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين مستخدمة المستوطنين كرأس حربة. السلطة الفلسطينية ألغت  الانتخابات بعد أن تأكد أن الشعب الفلسطيني سيطيح بها، وعادت لأحضان التنسيق الأمني وتسليم المناضلين. لكن من جهة ثانية شهدت فلسطين انطلاقا من القدس الشريف في رمضان هبة شعبية شاملة تلاحمت فيها جماهير الشعب الفلسطيني في كل الوطن والشتات مع رجال المقاومة في عملية "سيف القدس" والتي استطاعت أن تهزم مسيرة الأعلام وتدخل مئات الألوف من الإسرائيليين الملاجئ وعجزت ترسانة الكيان عن الانتصار الساحق عسكريا على المقاومة فاضطرت لقبول وقف إطلاق النار.  اننا ننتظر هبة شعبية جديدة بسبب إمعان الكيان الصهيوني ومستوطنيه في قهر الشعب الفلسطيني وقواه الحية بينما تصر السلطة  على التسيق الأمني وتفضيل مصالحها الشخصية على مصالح الشعب الفلسطيني.  لقد طفح الكيل ولم يبق أمام هذا الشعب الصابر المناضل إلا الانفجار في وجه الظلم  الآتي من ذوي القربى ومن الأعداء.  الفرج آت رغم حلكة الظلام التي تسبق ساعات الفجر. وسنة سعيدة للجميع

*محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي الأمريكية

استشرافات لعام 2022-  متحورات كورونا وانتشار التطبيع وعودة المسارات الديمقراطية

عبد الحميد صيام يكتب للصباح

يسدل عام 2021 سدوله وننتظر انبلاج فجر عام جديد.  جائحة كورونا ومتحوراتها الجديدة مثل دلتا وأوميكرون ما زالت تنتشر في عالمنا وتنشر معها الذعر والاحتراز والقيود على السفر والتجمعات والتعليم والتزاحم على أبواب المشافي والعيادات.ونحن نكتب هذه الكلمات ينتشر الفايروس المتحور أوميكرون ليصل إلى أكثر من 100 دولة.  وقد تخطى هذا المتحور سرعة انتشار متحور دلتا الذي انتشر في أشهر الصيف. ويؤكد المسؤولون  الأمريكيون أن الوباء قد وصل الخمسين ولاية وأنه ما زال في بداياته ومن المتوقع أن ينتشر بشكل أوسع مع أشهر الشتاء القادمة ليعيد كوكبنا إلى وضع الإغلاق الذي شهدناه مع بداية انتشار كوفيد -19 في ربيع 2020.

ونود أن نذكر أن عدد المصابين عالميا بوباء الكورونا وتفريعاتها وصل إلى أكثر من 280,505,000 مليون وعدد الضحايا إلى نحو خمسة ملايين ونصف الميلون. ولا يتوقعن أحد أن العام القادم سيشهد نهاية الفيروس. فحتى ينحسر هذا الوباء لا بد أن يصل معدل التتطعيم العالمي إلى 70 بالمائة، كما يقول مسؤولو منظمة الصحة العالمية، وهو هدف بعيد المنال خاصة بالنسبة للدول الفقيرة.

كذلك لا بد أن نحذر من آثار التغيرات المناخية التي بدأت تطال كل أركان الكرة الأرضية.  فقد شهد عام 2021 أكثر من 13 كارثة طبيعية تركت خسائر تقدر ب 170 مليار دولار إضافة إلى آلاف الضحايا. ولم تسلم منطقة في العالم من أثر هذه الكورات التي شملت الزلازل والأعاصير والعواصف والأمطار الشددية والفياضانات والقحط والانهيارات والبراكين.

لا يتوقعن أحد أن هذه الكوارث ستختفي أو تقل عنفا أو دمارا ما دام بنو البشر ينفثون سمومهم في الفضاء المحيط بكوكب الأرض ما يسبب ارتفاعا في حراراتها.

أزمات مُرحّلة إلى العام المقبل

لقد شهد العام الفارط عددا من الأزمات الكبرى والمواجهات الدامية والحروب الأهلية والانقلابات. وهذه اللأزمات ما زالت مفتوحة على العديد من الاحتمالات. ولنراجع أهم تلك الأزمات:

* أفغانستان: خرجت الولايات المتحدة مهزومة من أفغانستان بعد عشرين سنة من الاحتلال. وسيظل انسحابها بالطريقة المذلة التي شاهدناها في مطار كابل علامة فارقة في تاريخ النزاعات المسلحة وهزيمة الدولة العظمى الثالثة، بعد بريطانيا وروسيا، على أيدي أبناء هذا البلد العنيد.   الولايات المتحدة تعلمت درسا قاسيا،على الأقل نأمل ذلك، مفاده أن الاحتلالات الأجنبية إلى زوال وأن تصدير الديمقراطية عبث ما بعده عبث وأن إهانة الشعوب الفقيرة المظلومة له ثمن باهظ.

لكن أوضاع أفغانستان لا تبشر بالخير فهي محاصرة من كل جانب ويكاد اقتصادها ينهار تماما.  ووصل عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 22 مليونا أي أكثر من نصف السكان.  فالغرب الذي انهزم عسكريا يحاصرها ماليا واقتصاديا.  وتقول الأمم المتحدة إن أفغانستان تواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، بينما حذر برنامج الأغذية العالمي من مجاعة خطيرة مقبلة وإذا لم يتم انتشال الاقتصاد الأفغاني فلنتوقع تحول البلاد إلى بؤرة قابلة للانفجار.  لعل اجتماع منظمة التعاون الإسلامي يوم 19 ديسمبر في إسلام أباد يفي بما وعد به وينتشل البلاد من انهيار محتم.

* إثيوبيا اختتم عام 2021 بشبه اتفاق بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير تغراي. فبعد أن لقنت الجبهة رئيس الوزراء الإثيوبي درسا لن ينساه وكادت تحتل العاصمة أديس أبابا  استنجد الأخير بعدد من الحلفاء وشركاء التجارة والاستثمارات مثل الصين وروسيا وتركيا والإمارات فأقاموا جسرا جويا لنجدته.  حدث نوع من التوازن بعدها أدى إلى قبول الوساطة الأفريقية برئاسة أوليسغون أوباسانجو، رئيس نيجيريا السابق وتوصل إلى اتفاق مع آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تغراي وحلفائها على وقف القتال وقبول  البحث عن حل سياسي.  وأعلنت الجبهة عن انسحابها من إقليمي عفار وأمهرة والعودة إلى إقليم تغراي. الفرصة الآن لطي صفحة الحرب واردة خلال عام 2022، لكن الإصبع على الزناد وقد تتجدد إذا اكتشف ثوار جبهة تحرير تغراي وحلفاؤهم أن هناك مكيدة ما يدبرها آبي أحمد.

إيران- الولايات المتحدة: المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول العودة إلى اتفاقية 2015 والمتعلقة ببرنامج إيران النووي دخلت جولتها الثامنة.  الولايات المتحدة تريد العودة للاتفاقية بعد تحصيل تنازلات إيرانية في مواضيع لا علاقة لها بالاتفاقية وإيران تريد أن تعود بدون شروط وتصر على أن رفع العقوبات يجب أن يكون نقطة البداية، وإسرائيل وحلفاؤها العرب يعملون على تخريب أي فرصة للعودة للاتفاقية. إسرائيل تستعد لعمليات عسكرية واسعة وإيران تعدها أن يكون الرد ساحقا ماحقا. هذا هو المشهد خلال هذه الأيام. ونتوقع أن يحصل تقدم كبير في المفاوضات وقد تقوم إسرائيل بتخريب عملية المفاوضات بالقيام بعملية عسكرية محدودة لاستفزاز النظام الإيراني لعله ينسحب من المفاوضات وتنهار عملية المفاوضات برمتها.

سد النهضة:  لقد فشلت محاولات مصر والسودان تدويل الأزمة عام 2021.  وقد أغلق مجلس الأمن هذا الملف بإصداره بيانا بتاريخ 15 سبتمبر يرفض فيه تصنيف الأزمة على أنها تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.  فالبيان  أكد أن بحث هذه المسألة في المجلس لا يعتبر سابقة لحل أي منازعات تتعلق بالمياه العابرة للحدود ووصف الأزمة في بيانه بأنها "فنية وإدارية".  الأزمة بين الدول الثلاث ستعود إلى الواجهة بعد استقرار الأمور في كل من السودان وإثيوبيا. الأزمة الداخلية في إثيوبيا جاءت لتقوي من موقف مصر لولا أن بعض الدول العربية تقف إلى جانب النظام الإثيوبي وتستثمر في عدة مجالات بما فيها سد النهضة نفسه.

أوكرانياالأزمة الروسية الأوكرانية التي وصلت حد التخوف من غزو عسكري روسيا لأوكرانيا ما زالت تتفاعل.  لا نشك في أن محاولة الغرب ضم أوكرانيا لحلف الناتو خط أحمر بالنسبة لموسكو ولا يمكن لها أن تبلع مثل هذه السكين وعلى استعداد أن تلخبط أوراق أوكرانيا إذا ما أصرت على ذلك.  ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقدم على هذه الخطوة لما تحمله من مخاطر.  لقاءات عديدة ستتم خلال الأيام والأسابيع القادمة بين روسيا والولايات المتحدة وبين روسيا وحلف الناتو وقد يعود الجميع من حافة الانفجار إلى طاولة المفاوضات.

تونس والسودان

أهم التطورات على مستوى العالم العربي، في رأينا، هو الحركة التي قام بها الرئيس قيس سعيد في تونس يوم 25 جويلية وعبد الفتاح البرهان في السودان يوم 25 أكتوبر.  هناك تشابه إلى حد ما بين الحركتين إلا أن السيد سعيّد يمتلك الشرعية الدستورية التي أوصلته كرسي الرئاسة عن طريق الصندوق. أما البرهان فقد وصل إلى موقعه عبر اتفاق سياسي بين المكونين المدني والعسكري للثورة السودانية التي أطاحت بالبشير.  لكن كلا المسؤولين برر الحركة بأنها ضرورة لحماية البلاد من الانهيار، وأعطى نفسه صلاحيات واسعة تشمل السلطتين القضائية والتشريعية إضافة إلى السلطة التنفيذية.

الرئيس سعيّد جمد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وطرد رئيس الوزراء المشيشي وضيق مجال حرية الرأي وأغلق بعض القنوات الفضائية ووضع في السجن العديد من المعارضين.  والغريب أنه اختار في أول أكتوبر، نجلاء بودن رمضان، لتكون أول رئيسة للوزراء في تونس والعالم العربي، إلا أنه عاد  وعطل كل الحياة السياسية مقابل وعود بالاستفتاء على دستور جديد ثم انتخابات لبرلمان جديد في نهاية عام 2022 رغم أن الحراك الجماهيري والنقابي ضد هذه الخطوات لم يتوقف.  لكننا ما زلنا نعلق الأمل على أن 2022 ستشهد عودة تونس إلى المسار الديمقراطي بعد تصفية بعض الشوائب وبؤر الفساد.  الشعب التونسي، في رأينا، لا يمكن أن يتقبل حاكما مستبدا حتى ولو كان عادلا.

على نفس الخطى قال الفريق البرهان إن الجيش السوداني استولى على السلطة لتجنب اندلاع حرب أهلية ولتصحيح مسار الانتقال السياسي لكن الشعب السوداني خرج بالملايين رفضا للانقلاب وواجه الرصاص والاعتقالات، وهو ما حرك المجتمع الدولي بسرعة فأطبق الخناق على البرهان ولم يكن أمامه إلا التراجع على الأقل مؤقتا وخاصة بعد المواقف الحادة من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.  وهكذا تحايل البرهان على الوضع وأعاد حمدوك إلى رئاسة الوزراء ظنا منه أن الشارع السوداني الذي كسر حاجز الخوف سيستكين ويتراجع إلا أن العكس هو الذي يحصل حيث تواصلت المليونيات حتى أعلن حمدوك أنه على وشك الاستقالة.  ولا نتوقع أمام هذا العناد يستطيع البرهان وحميدتي أن يثبتا في مواقعهما إلا بالحديد والنار وهي النصيحة التي قدمها لهما راعي تدمير ثورات الربيع العربي والمسنود إسرائيليا ومن يشكك في هذا فليراجع تفاصيل لقاء نتياهو بالبرهان في فبراير 2020 قبل اتفاقيات التطبيع.

اتفاقيات التطبيع

إذا كان عام 2020 عام الاختراق الصهيوني لأربع دول عربية فعام 2021 شهد توسيع التعاون وإعادة الاصطفاف مع الكيان الصهيوني ضد الأخ والجار وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ونتوقع أن ترتفع وتيرة التطبيع من جهة لتشمل دولا أخى تنتظر قطار التطبيع لتأخذ مكانها فيه.  لكننا في نفس الوقت سنشهد معارضة للتطبيع شعبيا  خاصة في المغرب والأردن.

لقد شملت زيارات رموز الكيان الصهيوني كلا من الإمارات والبحرين والسودان والأردن ومصر والمغرب. وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس وقع مع نظيره المغربي اتفاقية أمنية وعسكرية واستخباراتية يوم 24 نوفمبر يتمكن المغرب بموجبها من الحصول على معدات أمنية إسرائيلية متطورة إضافة إلى التخطيط وإجراء مناورات مشتركة. وهو ما عقد العلاقات مع الجزائر التي كانت قد وصلت حد القطيعة منذ أغسطس. أضف إلى ذلك توقيع الإمارات لعدد من الاتفاقيات من بينها شراء منتوجات المستوطنات الإسرائيلية وهي خطوة تنتهك القانون الدولي ولم تقبل بها دول أوروبا جميعها. كما وقع الأردن وإسرائيل في دبي برعاية الإمارات يوم 22 نوفمبر اتفاقية لإنتاج الطاقة الشمسية  مقابل تحلية المياه بحيث يقوم الأردن بإنتاج االكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل مقابل تزويد الأردن بالمياه.

ليبيا واليمن

انهارت في ليبيا فرصة عقد الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر كما كان مأمولا. ولا نعتقد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمالنية ستعقد قريبا بسبب الخلافات العميقة حول قانون الانتخابات  حيث يصر كل طرف أن يفصل القوانين على هواه ليضمن مرشحه الفوز في الانتخابات الرئاسية.  هناك قوى خارجية لا تقبل أن ترى ليبيا تسير نحو الاستقرار والديمقراطية وتفضل أن يحكمها رجل عسكري قوي يؤمن لتلك الدول مصالحها.  نخشى أن تعود الأمور إلى مربع المواجهات إذا لم يتفق الليبيون قريبا على قواعد انتخابات بالتوفق.

حرب اليمن – اتسعت المواجهات مؤخرا في اليمن كثيرا وشملت أراضي السعودية. لقد تفاقمت الأمور والصراع يدخل عامه السابع. الغارات الجوية لا تتوقف وشملت مطار صنعاء حيث توقفت حركة الطيران الإنساني منه وإليه، وبالمقابل يعمل الحوثيون بدعم إيراني على توسيع رقعة الاشتباكات لتشمل السعودية ومنشئاتها الحيوية بما في ذلك مصافي البترول.  الإمارات المتحدة من جهتها انسحبت من الحديدة وتركز على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على عدن وعدد من ولايات الجنوب. 

  ويرى مبعوث الأمين العام غروندبيرغ أن "حل الصراع ينبغي أن يكون عبر تسوية سياسية تفاوضية شاملة، مع ضرورة التزام أطراف النزاع بالتقيّد بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية".

الساحة الفلسطينية

إسرائيل تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين مستخدمة المستوطنين كرأس حربة. السلطة الفلسطينية ألغت  الانتخابات بعد أن تأكد أن الشعب الفلسطيني سيطيح بها، وعادت لأحضان التنسيق الأمني وتسليم المناضلين. لكن من جهة ثانية شهدت فلسطين انطلاقا من القدس الشريف في رمضان هبة شعبية شاملة تلاحمت فيها جماهير الشعب الفلسطيني في كل الوطن والشتات مع رجال المقاومة في عملية "سيف القدس" والتي استطاعت أن تهزم مسيرة الأعلام وتدخل مئات الألوف من الإسرائيليين الملاجئ وعجزت ترسانة الكيان عن الانتصار الساحق عسكريا على المقاومة فاضطرت لقبول وقف إطلاق النار.  اننا ننتظر هبة شعبية جديدة بسبب إمعان الكيان الصهيوني ومستوطنيه في قهر الشعب الفلسطيني وقواه الحية بينما تصر السلطة  على التسيق الأمني وتفضيل مصالحها الشخصية على مصالح الشعب الفلسطيني.  لقد طفح الكيل ولم يبق أمام هذا الشعب الصابر المناضل إلا الانفجار في وجه الظلم  الآتي من ذوي القربى ومن الأعداء.  الفرج آت رغم حلكة الظلام التي تسبق ساعات الفجر. وسنة سعيدة للجميع

*محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي الأمريكية

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews