في ربيع عام 2011، هزّت منطقةَ الشرق الأوسط سلسلةٌ من المظاهرات والثورات ضد القادة “الاستبداديين” القدامى في العديد من بلدان المنطقة. وبعض هؤلاء القادة كان يُنظر إليهم على أنهم حلفاء للولايات المتحدة، مثل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في حين أن البعض الآخر، مثل الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد، كانوا يُعتَبرون من المناهضين للولايات المتحدة. وقد استشرت الانتفاضات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كالنار في الهشيم، وازداد الوضع سوءاً في المنطقة لمحاولة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تسخير القوى الإسلامية -وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين- في الشرق الأوسط من خلال مد يد العون لهم.
وفي كتاب جديد بعنوان: “مكيدة الربيع العربي: كيف خدع الإخوان المسلمون واشنطن في ليبيا وسوريا؟”، يوضح جون روسوماندو، وهو محلل وخبير أمني في مركز أبحاث السياسة الأمنية بواشنطن، الخلل الذي اعترى السياسة الخارجية الأميركية إبان إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وكيف أفضى تمكينه القوى الإسلامية في الشرق الأوسط إلى تفاقم الاضطرابات وازدياد الوضع سوءاً في المنطقة. ويكشف روسوماندو في كتابه الدور الذي لعبته الولايات المتحدة لأكثر من عقد لتسهيل صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي.
بدايةً، يقول روسوماندو إنه “حين انطلق الربيع العربي سنة 2011، تم توصيف كل ثورة على أنها تحمل صحوة للديمقراطية طال انتظارها في الشرق الأوسط. ومع ذلك كان الواقع أكثر تعقيداً”. ويعزو الكاتب ذلك جزئياً إلى تعرّض المجتمع المدني للقمع على مدى فترات طويلة، وإلى افتقار الأصوات الديمقراطية للمؤسسات والقيادات الفاعلة والتنظيم والمال.
وكتب روسوماندو: “قلة من الناس أدركوا كيف غيّرت إدارة أوباما بشكل كبير سياسة الحكومة الأميركية الرسمية تجاه جماعة الإخوان المسلمين حتى اللحظة التي استولت فيها أحزاب الإخوان المسلمين المدعومة من الولايات المتحدة على السلطة في مصر وليبيا وسوريا”. ويرى الخبير الأمني أن إدارة أوباما انحرفت عن مسار السياسة الخارجية الأميركية السابقة، تاركةً سياسة كانت ثابتة لسنوات عديدة. فلم تتعامل الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة علناً مع جماعة الإخوان المسلمين أو الشراكات التابعة لها؛ فلطالما كان رؤساء الحزبَيْن يدركون في قرارة أنفسهم أن جماعة الإخوان المسلمين أو التنظيمات التابعة لها خطيرة وإرهابية. وعليه، يمكن القول إن قرار إدارة أوباما بتجاهل سياسات أسلافها تجاه جماعة الإخوان المسلمين مثّل تحولاً خطيراً في مسار الأحداث.
فقد كان قرار إشراك الإخوان المسلمين بمثابة تغيير تاريخي في السياسة الخارجية الأمريكية، وخَلْقِ نموذج جديد للحكم في الشرق الأوسط، وأَطْلَقَ سلسلة من الأحداث التي كانت لها نتائج كارثية، مثل: عودة ظهور الإخوان المسلمين، وتحول القاعدة في العراق إلى خلافة داعش، وصعود الحكومات الفاشلة في سوريا والعراق، ونزوح الملايين من وطنهم، وتنامي أعداد اللاجئين وما ترتب عليه من تقويض لاستقرار الدول الأخرى المضيفة. وبحسب الكتاب، اعتقدت إدارة أوباما أنه من الضروري الفصل بين الإخوان المسلمين والقاعدة، وأن تمكين الإخوان المسلمين سيُقوّض شوكة القاعدة، وهو اعتقاد يمكن اعتباره من أكبر حالات السذاجة السياسية في العصر الحديث، على حد قول روسوماندو.
ووفقاً لروسوماندو، أوعز أوباما إلى الدبلوماسيين الأميركيين بتوسيع اتصالاتهم مع جماعة الإخوان المسلمين، والتنسيق معها لتمكين عناصرها من تولي السلطة في سورية وليبيا وتونس ومصر، وهو ما أفضى -في نهاية المطاف- إلى صعود الإخوان إلى سدة الحكم. واستطرد المؤلف: “بدأ الربيع العربي بخطاب عن الحرية والديمقراطية، لكننا نعلم الآن أنه ربيع إسلامي لم يجلب سوى الموت والمعاناة والقمع. ومن يدري ماذا كان يمكن أن يحدث لو كان باراك أوباما قد وقف ضد جماعة الإخوان وأنصارها”.
وبحسب الكتاب، حاول أوباما أن يمد يد العون للإسلاميين، وأن يجعلهم أكثر اعتدالاً، وأن يُشركهم في الشؤون السياسية، ليُصبحوا شركاء إقليميين للولايات المتحدة، وذلك اعتقاداً من أوباما أنه إذا كانت الولايات المتحدة لطيفة مع منافسيها فعندها سيُبادلها هؤلاء الجميل ويتركونها وشأنها. ولعل السبب الآخر الذي جعل هذه السياسة منطقية بالنسبة إلى البيت الأبيض يكمن في أن العديد من الأشخاص الذين كانوا موجودين في محيط الرئيس كانوا يميلون لدعم الجماعات الإسلامية. وقد أمّن الربيع العربي فرصة مثالية لاختبار التطبيع مع المتطرفين الإسلاميين، على حد قول روسوماندو.
وأردف الكتاب موضحاً أن إدارة أوباما اختارت دعم قادة الإخوان المسلمين الليبيين الذين تربطهم صلات بالمليشيات المقرّبة من القاعدة، من أجل الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي. ومن خلال الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين الليبية، وجدت الحكومة الأمريكية نفسها تتعاون مع الجماعات المتطرفة المعروفة. ووفقاً لما ورد في الكتاب، أبلغ جيك سوليفان، الذي يشغل حالياً منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي للرئيس بايدن، وزيرة الخارجية -آنذاك- هيلاري كلينتون، بهذه الروابط الإرهابية قبل أن تلتزم بدعم الثورة ضد القذافي.
ومن وجهة نظر الخبير الأمني، أفضى دعم واشنطن للمتمردين المتطرفين في ليبيا مباشرةً إلى تعرض القنصلية الأمريكية في بنغازي لهجوم كارثي. كما قتلت جماعة أنصار الشريعة 4 أمريكيين كان من بينهم السفير الأميركي كريس ستيفنز. وفي سوريا، اعتقدت إدارة أوباما أن دعمها المقاتلين المتطرفين قد يمكّنها من دحر تنظيم داعش ونظام الأسد، وعليه وفّرت أسلحة بملايين الدولارات وغيرها من المساعدات للجماعات المرتبطة بالقاعدة. وللأسف وقعت معظم هذه الأسلحة في قبضة تنظيم القاعدة ومتطرفي داعش. ويُذكر أن أنس عبيد، زعيم المتمردين السوريين الذي دربته الولايات المتحدة، أعلن خداعه الأميركيين وانضمامه إلى جبهة النصرة بأسلحته التي زوّدته بها الولايات المتحدة.
ويرى روسوماندو أن سياسات أوباما الخارجية جرى إحياؤها في عهد إدارة بايدن، حيث عاد أغلب أعضاء فريق أوباما إلى الإدارة الحالية. وبينما لا تضرب الصاعقة المكان ذاته مرتين، فقد فعلت سياسات أوباما ذلك. فقد اعتقدت الأصوات غير المسؤولة في الإدارة الأمريكية الحالية أن طالبان الجديدة ستكون أقل رعباً من طالبان القديمة. ولطالما بدا فريق بايدن راغباً في إرضاء الحركة. وبشكل غير مفاجئ، لم تكن هذه السياسة فعّالة. ومن وجهة روسوماندو، كانت إدارة أوباما، بالإضافة إلى الدول الداعمة للإخوان في تركيا وقطر، تفتقر إلى الرصانة عند تعاطيها مع الإسلاميين، مما ساهم في انتشار العنف الإرهابي الإسلامي على نطاق عالمي خلال فترة حكم الرئيس الأسبق.