تونس- الصباح
مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات العراقية تتجه الأنظار إلى بلاد الرافدين في انتظار ما يمكن أن تفرزه الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والتي ستكون الانتخابات الخامسة منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003. وقد استبقت اثنتا عشرة دولة
بينها أمريكا واستراليا وكندا وفنلندا وألمانيا وإيطاليا وهولاندا بالدعوة إلى أن تكون الانتخابات العراقية فرصة نحو الديمقراطية.. وتأتي هذه الانتخابات السابقة لأوانها في ظل تحديات اقتصادية وأمنية واجتماعية غير مسبوقة في العراق وفي مناخ سياسي تحكمه الطائفية والمحاصصة الحزبية والنفوذ المتزايد لفصائل مسلحة، وفساد مزمن متحكم بمفاصل الدولة في بلد عانى لعقود من الحروب والعنف، حيث تبلغ نسبة العاطلين عن العمل فيه بين الشباب 40%، ويتفاقم فيه الفقر بفعل تفشي وباء كوفيد-19 رغم ثرواته النفطية، وقبل ساعات على فتح مكاتب الاقتراع لا يبدو ان الانتخابات المبكرة تثير كثيرا من الاهتمام والحماسة بين الناخبين البالغ عددهم 25 مليوناً، فيما يتوقع المراقبون نسبة مشاركة منخفضة...
الانتخابات المبكرة فرضتها احتجاجات تشرين والانتفاضة الشعبية التي تأججت قبل سنتين في شوارع العراق وانتهت بـ600 قتيل و30 ألف جريح، ومطالب بإسقاط النظام.
العراق، أيضا هو ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم، بنسبة 90% على النفط في إيراداته على الرغم من ثروته النفطية، إلا أن ثلث سكانه البالغ عددهم 40 مليونا، فقراء، بحسب الأمم المتحدة...أكثر من ثلاثة آلاف مترشح يتنافسون في هذه الانتخابات واغلبهم من المستقلين مع تفاقم الإحباط وتراجع الثقة في اغلب الأحزاب الكلاسيكية.. "الصباح" تابعت تطورات المشهد العراقي في الساعات الأخيرة التي سبقت موعد الانتخابات العراقية وحاورت سياسيين ونقابيين ومحللين عراقيين بينهم الدكتور مهند حسام الدين رئيس ديوان رئاسة جمهورية العراق وضياء السعدي نقيب المحامين العراقيين فرهان علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي..
-د مهند حسام الدين رئيس ديوان رئاسة جمهورية العراق لـ"الصباح":
العَامل الطائفي في أضعف حالاته داخل العراق.. ولهذه الأسباب ستكون هذه الانتخابات أنضج من سابقاتها...
قال الدكتور مهند حسام الدين رئيس ديوان رئاسة جمهورية العراق في حديثه الذي خص به "الصباح" عشية الانتخابات التشريعية العراقية " إن العَامل الطائفي اليوم في أضعف حالاته داخل العراق، وأن قوة تأثيره مجتمعياً هي في تراجع مستمر وإمكانيّة توظيفه سياسياً باتت معدومة تقريباً. واعتبر محدثنا أن هذه الانتخابات ستكون الأنضج والأكثر نزاهة وشفافية من التي سبقتها ..وخلص رئيس ديوان رئاسة جمهورية العراق إلى أن هاجس العزوف يبقى قائما عند الشباب بسبب إفرازات سنوات اليأس والإحباط، وتكرار أكثر من تجربة انتخابية كانت لا تأتي بثمار أو نتائج ملموسة.. وفيما يلي نص الحديث.
*يستعد العراق لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها على وقع تحديات سياسية وأمنية واقتصادية غير مسبوقة، فهل بالإمكان تجاوز الصراعات الطائفية هذه المرة التي أرهقت العراق؟
-في البدء نود القول إنها فرصة طيبة لنطل عبر صحيفتكم "الغراء" على القارئ العربي والتونسي على وجه الخصوص.
والحقُ أن ما جرى في العراق تداخلت فيه الكثير من العوامل، ليست فقط السياسية منها حصراً، وإنما الاجتماعية والثقافية عملت برمتها وفق منظومة متغيرات في السلوك المجتمعي، ولم تكن فقط الطائفية بمفردها، بل كانت هناك نعرات عرقِية ونعراتُ قومية، إضافة إلى أيديولوجيات متنوعة متعددة، وخلص هذا كنتيجة طبيعة للفراغ السياسي الذي سمح بتَوغّلِ وتَغوّل هذه العوامل.
ولكن بحكم التجربة وتكرارها وما رافق العمليات الانتخابية السابقة من ملاحظات كان لها الأثر السلبي على الوضع الاجتماعي العام من خلال التراجع في تقديم الخدمات، إلى القصور في توفير فرص العمل، ناهيكم عن صفحات الإرهاب التي أخَذَت الكثير من جهد المؤسسات الحكومية.
وما نود قوله إن هذه الانتخابات في اعتقادنا، ستكون الأنضج والأكثر نزاهة وشفافية من التي سبقتها كونها تتصف بتوافقية جميع الأحزاب السياسية في العراق، إضافة إلى قناعة الشعب العراقي بأنها السبيل الوحيد لأحداث التغيير بعد انتهاء زمن الانقلابات العسكرية، ومن هنا نقول إن العَامل الطائفي اليوم أصبح في أضعف حالاته داخل العراق، وأن قوة تأثيره مجتمعياً هي في تراجع مستمر وإمكانيّة توظيفه سياسياً باتت معدومة تقريباً.
*هناك تقارير كثيرة تتخوف من عزوف الناخبين لا سيما الشباب منهم في بلد بلغت نسبة البطالة فيه 40 بالمائة هل من توضيح في هذا الشأن؟
-طبيعي أن يبقى هاجس العزوف قائما عند الشباب بسبب إفرازات سنوات اليأس والإحباط، وتكرار أكثر من تجربة انتخابية كانت لا تأتي بثمار أو نتائج ملموسة في تحسين مستوى العيش أو تطوير مستوى دخل الفرد أو معالجة البطالة .
وكانت هناك لدينا ظواهر عبّر خلالها جيل الشباب عن رفضه للواقع العام، وما شهدناه من أحداث تشرين وتظاهراتها وما صاحبها من مآس، ومن نتائج سياسية أيضا، وما آلت إليه من إقالة الحكومة وإقرار انتخابات مبكرة، والتي أتت بناءً على مطالب هؤلاء الشباب، نعتقد بالتالي أن عليهم لزاماً المشاركة الفاعلة في الانتخابات بغية الظفر بتحقيق حلم التغيير الذي كان وما زال هاجسهم.
*لوحظ أن هناك تراجعا في عدد المترشحات في هذا السباق الانتخابي، أليس في ذلك دليلا على فشل الطبقة السياسية في كسب ثقة المرأة العراقية بل والناخب العراقي؟
-لقد أقرّ الدُّستُور العراقي والنظم القانونية حق تمثيل المرأة العراقية برلمانياً في حده الأدنى والذي يصل إلى 25% من مجموع المقاعد النيابية ووفق نظام (الكوتا)، ويمكن أن يزداد أيضا إذا ما حققت المرأة نجاحاً في التصويت العام .
والمرأة لدينا مُشاركة فاعلة في جميع الأنشطة الحكومية بلا استثناء ونأمل أن نراها في أحد المناصب الرئاسية كما حدث في تونس الشقيقة السباقة دوماً في إعطاء حواء مساحة سياسية تؤهلها لقيادة الحكومة.
*العراق يظل ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم ومع ذلك فإن الأرقام تتحدث عن امتداد رقعة الفقر ومعها امتداد رقعة الفساد، فلماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في حربها على الفساد؟
-نحن نُؤمن بأن الفساد والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة، ويشكلان عاملين أساسيين في تهديم البنى التحتية ويقوضان مفهوم الحكم الرشيد في إدارة شؤون البلاد .
هناك تجارب دولية اعتمدت حسن الإدارة مع فقر الموارد ونجحت في خلق مناخ مجتمعي مستقر، وهذا يعني مهما تكن قيمة الموارد يصاحبها الفساد والإرهاب وغياب الحكم الرشيد فلا استقرار ولا سيادة لأي منظومة سياسية.
والعراق ما زال بحاجة إلى سلسلة من الثورات التي تتضافر بمجملها لدحر الفساد متعدد الأوجه، ونعقد الأمل بالتغييرات السياسية الإيجابية المرتقبة، لتفضي بنا إلى تطبيقات واقعية تحاصر الفساد وتضيق الخناق على مؤسساته.
*وكيف يمكن تفسير سطوة الشبكات المسلحة والجماعات الإرهابية في عدد من المدن العراقية؟ ولماذا لا يزال تنظيم "داعش" عنصر تهديد للعراق؟
-لم يكن العراق لوحده ساحة للتصفيات السياسية والأجندات الإقليمية والدولية، ومجاميع الإرهاب لم تكن على أرض العراق فقط، بل نعتقد أن الشرق الأوسط بدوله من باكستان إلى مصر عرضة لهذه التشكيلات المسلحة والإرهابية، لكن ما يميز العراق أنه قاتل الإرهاب على أراضيه ودحره نيابة عن العالم رغم انه كان يعاني ظروفاً سياسية غير منتظمة وغير مستقرة .
واليوم هو يتعافى بتوحيد صفوفه مجتمعياً وتفعيل مشتركات التوافق السياسي التي ستؤدي بالمحصلة إلى سيادة القانون وتراجع الإرهاب والانفلات المسلح قطعاً.
*إلى أي مدى يستمر التأثير الإيراني على المشهد العراقي بعد نحو عقدين من الاجتياح الأمريكي وانهيار نظام صدام؟
-وفق قوانين طبيعة الجغرافية السياسية فإن أية منطقة تشهد فراغاً لابد أن تنفذ إليها مختلف أنواع الطاقات أو الضغوط التي تحيط بها.
وما حدث في العراق بعد عام 2003 هو يشبه منطقة فراغ سياسي، كان من الطبيعي جدا أن تنفذ إليها جميع الأقاليم السياسية والدولية، ويمكن أن تتعدد الأجندات على مختلف أنواعها ومصادرها .
أمّا فيما يخص إيران فالعراق يشترك معها بحدود تتجاوز أكثر من 1400 كم، مضافا لجذور مجتمعية تاريخية تمتد إلى آلاف السنين فيها مشتركات ثقافية متعددة وحالات انصهار اجتماعي واقتصادي، وبالتالي فإن قوى التأثير والتأثر قائمة بمختلف الأنظمة السياسية في العراق، لكن قوة مداها تتناسب عكسياً مع استقرار النظام السياسي وسيادة الدولة.
*هل تخشون انسحابا أمريكيا مماثلا لما حدث في أفغانستان؟ وكيف يمكن الاستعداد لذلك مع نهاية العام؟
-العراق ليس أفغانستان، وبعد الانتصارات التي شهدها على يد أبنائه في دحر الإرهاب تولدت هناك حصانة هامة (مجتمعية - حكومية - سياسية) في الحفاظ على العراق بمجمله والدفاع عنه، وبالتالي لا تأثير كبير في انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
*هل من توضيح بشأن مؤتمر كردستان للتطبيع، وملابسات وتداعيات هذا المؤتمر وموقف السلطة العراقية من ذلك؟
-ليس هناك شيء اسمه مؤتمر كردستان وأن ما حدث أن هناك فعالية بنطاق ضيق، صدرت في أثرها إدانات حكومية من السلطات المركزية وكذلك من حكومة إقليم كردستان كما أن الفئات المشاركة في المؤتمر ليس لها سلطة رسمية ولا حتى شبه رسمية، وإنما كانت عبارة عن أشخاص يمثلون أنفسهم، بالتالي لا قيمة اعتبارية لمثل هكذا نشاطات.
*وماذا عن العلاقات مع سوريا، وهل هناك توجه لعودة العلاقات مع دمشق؟
-نحن نُؤمن أن تأثير قوى الجوار عابر للحدود، والعراق عانى من صفحات الإرهاب للمجاميع المتطرفة بشكل كبير، وكل ذلك كان نتاجا حتميا لما حدث في سوريا، وبالتالي على جميع الدول الإقليمية العمل لعودة الاستقرار السوري .
واليوم العراق يسعى جاهداً (دبلوماسيا وسياسياً) لتعود سوريا إلى شكلها الطبيعي وتؤدي دورها الطبيعي في منظومة الأمن العربي والإقليمي، ووضع حد لمعاناة الشعب السوري.
*أخيراً وليس آخراً متى وكيف يمكن للعراق استعادة دوره إقليميا وعربيا لإعادة رسم الخارطة العربية المخترقة وضمان حماية الحد الأدنى من المصالح العراقية والعربية والدفاع عن القضايا المشروعة؟
-العراق لم يترك القضية العربية ولم يغادر مسؤوليته الأخلاقية يوماً، وهو متواجد شعبياً ورسمياً في محورها الفاعل ومحافلها المتعددة.
وفي زمن العولمة والحداثة أصبح مفهوم التكامل الاقتصادي جزءا من أساسيات استقرار الشعوب وهو نهج العراق القائم في خلق هذه المنظومات، مما يعود بأثره الإيجابي على استقرار الشعوب وهو أهم الأسباب الطاردة للأيديولوجيات والأفكار الدخيلة.
ومثال على ذلك ما حدث مؤخراً في هذا العام من احتضان العراق لمؤتمر بغداد أو ما عرف بمؤتمر "دول جوار العراق للتعاون والشراكة".
وقبله مؤتمر القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، فضلاً عن مؤتمر القمة العربية الذي عقد عام 2012.
ومن المؤكد أن هناك خطوات مقبلة في ذات البيان تجسد حرص العراق على أداء دوره الإيجابي تجاه القضايا العربية.
*في انتظار نتائج الانتخابات أي رسالة يمكن توجيهها من العراق؟
-في الختام لا بدّ لَنا من تحية الشعب التونسي الشقيق، ذلك الشعب الحيّ الذي طالما أراد ونَشَدَ الحياة الكريمة وأجبَر القدر على الاستجابة.
ضياء السعدي نقيب المحامين العراقيين لــ"الصباح":
العراق مفتوح على الكثير من السيناريوهات ونتائج الانتخابات ستكون مفصلية
حذر الأستاذ ضياء سعدي من تزوير الانتخابات وهو ما سيحصل باستعمال القوة أو باستمالة الناخبين أو بالرشوة وشراء الأصوات وهو ما سيؤثر على النتائج وبالتالي يمكن أن نقول أنها لن تكون انتخابات نزيهة أو عادلة..
*كيف هو المشهد العراقي اليوم خلال ما بقي من هذه الساعات لتنظيم الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها؟
-المشهد العراقي مزدحم بأمور متعلقة أساسا بالانتخابات وعضوية مجلس النواب وهناك قوى سياسية وقطاعات شعبية تدعو إلى المقاطعة ولكن أيضا في المقابل هناك دعوات لضرورة توسيع المشاركة الانتخابية لتكون انتخابات مفصلية يمكن أن يذهب معها الشعب العراقي إلى اختيار ممثليه بعيدا عن الوجوه السابقة التي جاءت بالتزوير كما هو حال انتخابات 2016 والتي يشار إليها بعدم الناجعة وعدم العدالة, وكل من تابع على المستوى الدولي أو الوطني يعرف أنه تم فتح الصناديق والتلاعب بالنتائج ثم انه لم تكن هناك مشاركة واسعة في الانتخابات السابقة من الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب اليوم. ورغم تشكيل المفوضية العليا التي تدير الانتخابات فان هناك خوفا من قبل الشعب العراقي من التزوير وهو ما سيحصل في قناعتنا باستعمال القوة أو باستمالة الناخبين أو بالرشوة وشراء الأصوات وهو ما سيؤثر على النتائج وبالتالي يمكن أن نقول إنها لن تكون انتخابات نزيهة أو عادلة. وفي اعتقادي أن الرهان على مشاركة واسعة أيضا لن يحصل والمقاطعة قد تكون غير مبررة لان تغيير الوجوه والتخلص من النظام القابض على السلطة والذين قادوا الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال الأمريكي في 2003 ضروري. حكومة الكاظمي لم تستطع إدارة الأزمة ولا إنقاذ الاقتصاد أو إصلاح التعليم أو الصحة أو بناء الدولة أو الحد من البطالة أو تحقيق التنمية. والسبب في ذلك جزء منه يعود إلى النظام المحاصصي وتقسيم الشعب وإقامة محاصصات حزبية وطائفية وهو ما لا يساعد على بناء الدولة. والدولة شخصية اعتبارية ويفترض أن ترصد لها كل الطاقات والكفاءات الوطنية ويجب أن تدار أيضا من قبل الخبراء والمتخصصين وليس من قبل متحزبين. ما حدث ويحدث أن الدولة وزعت على الأحزاب والطوائف فكانت الحصيلة كما نراها اليوم. ما نحتاجه اليوم قدرات وطنية ترسم خطة واضحة ضد الإرهاب والفساد المالي المستشري في البلاد وأغلب العقود الحكومية تقوم على الرشوة. لقد سقطنا نحو أخونة الدولة وما نعيشه اليوم أن الانطباعات الجغرافية والطائفية باتت عنوانا للتحالفات السياسية التي تقود البلاد إلى الإفلاس الواقع مع تواتر فشل الحكومات بعد الاجتياح. العراق بلد له تاريخ ويفترض أن يكون دولة قانون تحقق الازدهار.
*ما الذي يمكن للانتخابات القادمة تغييره؟
-الحقيقة أن المراهنة على التفاؤل بالانتخابات محدود ذلك أن العقلية الطاغية في اختيار مجلس النواب مرهون بثقافة انتخابية تقوم على الانتماءات العشائرية والطائفية في حين أن ما يحتاجه العراق اليوم ثقافة انتخابية يتمتع فيها الناخب العراقي بالقدرة على الاختيار الصائب ولكن عندما يكون هذا الناخب يعيش في الخصاصة والفقر وهذه أغلبية الشعب العراقي فانه سيقع في فخ المال السياسي المنهوب وهو للأسف كثير ومن هنا يمكن القول انه عندما يكون قرار الناخب مستقل يمكنه المشاركة في إنقاذ الدولة ولكن حتى الآن فان الطاغي هو الانتماء العشائري والطائفي. هناك ممارسات معلنة لبعض المترشحين وتمارس على الملأ لشراء الأصوات. من شروط الانتخابات الناجحة أن تكون للناخب ثقافة عالية حتى لا يقع تحت الضغط .
*هذا التقييم يضعنا في الحقيقة في إطار قاتم فهل تبخر حلم الديموقراطية في العراق نهائيا؟ أليس هذا ما بشر به الأمريكان زمن الرئيس بوش قبل عقدين من الزمن؟
-الأمريكان بالعراق قادوا عملية سياسية خاطئة من البداية اذ وبدل ان يتم التعاطي مع الشعب العراقي كشعب واحد في مكوناته تم تكريس الفروقات الطائفية والعشائرية وهذا للأسف ما كرسه أيضا دستور2005 فقد أرادت أمريكا أن تنقل بمقتضاه النموذج اللبناني في نظام الحكم في العراق فكانت أزمات نظام الحكم نتيجة للمحاصصة الطائفية. اذكر أننا في ستينات وسبعينات القرن الماضي في كل صراعات المعارضة كان الشائع أن الأكراد والشيعة هم المضطهدون في النظام العراقي في الوقت الذي كانت كل مكونات الشعب العراقي مضطهدة. لقد أدركت منذ تلك المرحلة خطورة هذا الشعار الذي يدفع إلى تحالفات تقود إلى صراع مع السنة وبالتالي فان كل العملية السياسية كانت تقوم على نظرية بديلة للشعب العراقي إلى أن بلغ الصراع الطائفي بلغ حد الدم والاقتتال .
*لماذا بلغ العراق هذه المرحلة من الانهيار والقتامة؟
-عوامل كثيرة وراء ذلك ولكن يجب الإشارة إلى أن قانون المساءلة والعدالة الانتقائية فشل في هذا المسار اذ لا يمكن لقوانين العدالة الانتقالية ان تقوم على الطائفية وطبيعة القوانين الانتقالية يجب ان تكون مؤقتة. ثم كانت هناك أخطاء كبيرة ارتبطت باجتثاث البعث. نعم البعثيون صادروا الحقوق ولكن وجب محاكمتهم وإغلاق الملف نهائيا كما حدث في جنوب إفريقيا .
ما يحدث اليوم لا يخدم العدالة التي باتت تهدف الى التصفية وإسقاط الحقوق ولذلك نقول إن العملية السياسية تحتاج للمراجعة وهناك دعوة لتعديل الدستور وهو ما سبق للرئيس الاعتراف به أيضا فدستور 2005 كتب على عجل في ظل الاحتلال. تعديل الدستور مسالة ملحة لتحديد المرحلة المقبلة هناك لجنة في مجلس النواب معنية بذلك ولكن انجازاتها غير موجودة على أرض الواقع ونحن في نقابة المحامين لدينا مشروع في هذا الغرض لتعديل الدستور ومعه تعديل القانون السياسي وتعزيز الوحدة الوطنية بالاستفتاء العام .
*اليوم إلى أين يتجه العراق وهو يحتفل بمئوية التأسيس؟
-هذا يعتمد على المشاركة في الانتخابات هناك مؤشرات ان نسبة المشاركة لم تكون واسعة وبالتالي سيكون المشهد شبيها بالحالي هناك أحزاب تسعى للحصول على أغلبية حتى تستطيع تشكيل حكومة وكل شيء محكوم بنتائج الانتخابات. قبل سنتين عاش شعب العراق انتفاضة تشرين التي سالت فيها الدماء وطالب خلالها العراقيون بمكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وإعادة الأموال المهربة والأكيد أن تداعيات انتفاضة تشرين ستتضح على ضوء نتائج الانتخابات فالشعب يرصد ويراقب وسيتعين على الحكومة القادمة أن تحسب حسابها .
*كيف يمكن تفسير ظهور تنظيم داعش في بلد بحجم العراق؟ وأين تتنزل اليوم أهداف الحرب على الإرهاب؟
-يبدو أن هناك تخاذلا في مواجهة الإرهاب والفساد السائد في الدولة والمجتمع فساد مالي وإداري ونهب وتدمير لمؤسسات الدولة والواضح ان هناك تناغما بين الإرهاب وبين سوء الإدارة وهذا الكلام تقر به بيانات الحكومة، الإرهاب لا يزال يشكل مصدر خطر وهناك الكثير من الخلايا النائمة التي تظهر بين فترة وأخرى وتنفذ هجمات إرهابية لتؤكد بقاءها واستمرارها من خلال عمليات دموية تستهدف الشعب العراقي. المطلوب اليوم برامج عملية وقليلا من الموضوعية في كيفية مواجهة الظاهرة وتعقب هؤلاء بقوة القانون والمحاكمات. أيضا هناك عديد المؤسسات الرسمية التي تكافح الفساد المالي والإداري وحتى الآن لم يتم التحقيق مع اللصوص الكبار داخل حدود العراق أو خارجها. مؤتمر مكافحة الفساد الذي نظمه العراق مؤخرا يؤكد حسن النوايا ولكن هذا لا يكفي وسيتعين الاعتماد على مؤسسات دولية قادرة على تعقب المال المهرب واستعادته ولذلك لا بد من إسقاط السرية عن المعاملات والحسابات البنكية ولا بد من إجراءات عملية لإعادة الأموال المهربة ومحاكمة هؤلاء. حتى الآن لم نشهد إجراءات فاعلة رغم تعدد أجهزة التحقيق في الفساد.
*أي السيناريوهات تنتظر العراق في هذه المرحلة؟ وهل يمكن تكرار المشهد الأفغاني في العراق مع انسحاب ما بقي من القوات الأمريكية نهاية العام؟
-العراق مفتوح على كل الاحتمالات والسيناريوهات هناك معارك معلنة وأخرى غير معلنة صراع أمريكا وإيران على ارض الواقع وتواجد عسكري تركي بالعراق وهناك الكثير من الصراعات ذات الصلة مع دول الجوار. لا نعرف الكثير عن حجم وانتشار القوات الأمريكية في العراق لا نعرف عددهم ولا موقعهم ولا دورهم رغم الإعلان عن الانسحاب ولا نعرف إن كان لحماية السفارات أو لتدريب الجيش العراقي أو ما إذا كانت هناك مهام أخرى يقوم بها ولكن ما نعلمه أن هناك تواجدا عسكريا أجنبيا في الوقت الذي يجب أن يكون العراق حرا مستقلا ويكون بمنأى عن التدخلات والضغوطات وهو يعيش على وقع مئوية الدولة. العراق مفتوح على الكثير من الاحتمالات والسيناريوهات ولا مبالغة إذا اعتبرنا أن نتائج الانتخابات ستكون مفصلية .
فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي: المال السياسي الفاسد مؤثر والكلمة في الانتخابات ستكون في جزء منها للأحزاب التي توزع الأموال ..
..
قال فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي إن الكلمة في الانتخابات العراقية ستكون في جزء منها للأحزاب التي توزع الأموال، المال السياسي مؤثر ويمكن القول في الانتخابات الراهنة أن الطائفية ليست بذات اللون البراق كما في الانتخابات السابقة.. يذكر أن فرهاد علاء الدين باحث في الشأن السياسي الكردي والعراقي والدولي. وهو كاتب وخبير في شؤون إدارة الأزمات والإدارة العامة وعمل مستشارا سياسيا للرئيس العراقي الأسبق فؤاد معصوم وفيما يلي نص الحديث .
*ما الذي سيتغير بعد انتخابات الغد وإلى أين يتجه العراق؟
-التوقعات تذهب إلى انه لن يتغير الكثير.. والذين طالبوا بتنظيم الانتخابات يتجهون اليوم إلى مقاطعتها...
إطار الانتخابات العراقية مرتبط باحتجاجات 2019 التي نادت بالإصلاح وتغيير النظام السياسي وهو ما أدى آنذاك إلى استقالة الحكومة وتشكل حكومة انتقالية ووعود بانتخابات مبكرة وهذا ما التزمت به هذه الحكومة بعد ستة أشهر، والسؤال اليوم ما لذي سيتغير؟ أكثر التكهنات والتوقعات تذهب إلى انه لن يتغير الكثير. فالذين طالبوا بتنظيم الانتخابات يتجهون اليوم إلى مقاطعتها ويدعون إلى ذلك والأرجح أن الأحزاب التقليدية هي الأوفر حظا للفوز بهذه الانتخابات وهذه هي المفارقة والسبب في ذلك أن الذين دعوا إلى الانتخابات المبكرة من الشباب وغيرهم من الفئات العراقية لم يستطيعوا رص الصفوف ليكون صوتهم مؤثرا في هذه الانتخابات. وقد انقسموا اليوم بين مشارك ومقاطع ولكن الأغلبية تتجه إلى العزوف عن المشاركة.
الأحزاب التقليدية التي تهيمن على المشهد تعد بالتغيير والإصلاح ولكن الحقيقة على ارض الواقع مغايرة تماما وهناك مخاوف من مقاطعة الانتخابات وهو ما يعني أن الوضع سيستمر على ما هو عليه وسيرفعون نفس الشعارات للإصلاح .
*لماذا استشرى الفساد في العراق إلى هذه الدرجة؟
-الأحزاب الحاكمة مستفيدة من النظام الحالي والفساد قائم على مرأى الجميع والكل مشاركين في الفساد بشكل أو بآخر فكيف يمكن لهؤلاء محاربة الفساد وهم جزء منه.
*هل يمكن أن يتكرر المشهد الأفغاني في العراق؟
-العراقيون يعتقدون أن المشهد في العراق مختلف عن المشهد الأفغاني وإذا حصل الانسحاب فلن يكون هناك سقوط. هناك مجموعة محدودة تريد انهاء التواجد الأمريكي ولكن الأكثرية ليست مع هذا الخيار والأرجح أن التحول سيتضح أكثر مع الحكومة القادمة السلطات الأمريكية تؤكد أنها تؤيد البقاء وتقول إنها تدعم العراق في محاربة الإرهاب في كل الحالات الأمر مرتبط بتوجهات الحكومة بعد الانتخابات. هناك حوالي 2500 جندي وعملهم يتمثل في حماية المنشآت الأمريكية وتدريب القوات العراقية والدعم اللوجستي في الحرب على داعش والجانب الأمريكي يقول انه ليس بإمكانه العمل بأقل من هذا العدد. صحيح أن المشهد تغير فيما يتعلق بدور الجيش الأمريكي وكذلك الأمر بالنسبة لخطر تنظيم داعش الذي تراجع كثيرا حتى وان لم يتم القضاء عليه نهائيا. داعش لا يزال متواجدا في المناطق النائية شمال عربي العراق أو الوسط في صلاح الدين وكركوك حيث يقودون هجمات إرهابية ولكن لو تم تركهم سيعودون وسينتشرون. داعش فكرة عقائدية متطرفة وهي موجودة ومحاربته ليس بالأمر السهل وهو أيضا أمر لا علاقة له بالجامعة، التحدي الأكبر كيف يمكن إقناع هؤلاء بان ما يدعونه من صواب هو عين الخطأ. العراق كان منشغلا بمحاربة هذا التنظيم المهم اليوم أن الأكثرية الداعمة لهذه التنظيمات أخذت درسا مهما وأدركت خطر هذا التنظيم ولم تعد حاضنة له.. وهنا أيضا مسؤولية المجتمع والسياسيين والأيمة والمثقفين والمؤسسة التربوية باعتبار أن التهديد موجه للكل ..
اليوم العراق مسرح للفقر وسوء الإدارة للموارد البشرية والمالية والطبيعية والفساد وغيره من الآفات التي كانت السبب الرئيسي بما حل ويحل بالاقتصاد العراقي ونقص في القرار السياسي والكادر الإداري وغياب الإصلاح واستشراء الفساد وكلها أسباب ساعدت في ظهور وانتشار داعش الحركات الإرهابية .
ولكن الحقيقة انه مقارنة بالخمس سنوات الأخيرة فقد قطعنا خطوات مهمة وبدأنا ندرك أن الطائفية تؤدي إلى الانهيار وأن العدو وحده مستفيد من الانقسامات والتمييز العرقي وقد بدا العراقيون يستحضرون الخطر ولذلك فان انتخابات اليوم ترفع شعارات عابرة للطوائف وللقومية وللحزبية .
*وماذا عن الدور الإيراني وقد سمعنا من قبل من يتباهي من المسؤولين الإيرانيين بالتحكم في أربع عواصم عربية؟
-باعتقادي أن ما يقال عن الدور الإيراني في العراق مبالغ فيه هناك طبعا دور إيراني وتأثير على العراق ولإيران مصالح كثيرة والإيرانيون ربما يعتقدون أنهم أصحاب القرار في العراق ولكن الأمر غير صحيح, الإيرانيون لا يقررون الشأن العراقي واختيار مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة الانتقالية يؤكد ذلك لان إيران كانت معارضة لتعيينه .
*لمن ستكون الكلمة في هذه الانتخابات؟
الكلمة في جزء منها للأحزاب التي توزع الأموال، المال السياسي الفاسد مؤثر ويمكن القول في هذه الانتخابات الراهنة أن الطائفية ليست بذات اللون البراق كما في الانتخابات السابقة .
*وماذا عن التأثير الأمريكي بعد نحو عقدين من الاجتياح؟
-التأثير الأمريكي أيضا لم يعد كما هو الحال في السابق وهم اليوم لا يتدخلون في المسائل اليومية يراقبون الوضع يؤيدون الحكومة الحالية ويؤيدون النظام السياسي القائم
ما قبل 2003 وبين 2021 عراق صدام وعراق اليوم
نظامان مختلفان لم يعد هناك دكتاتور ولا مقابر جماعية ولكن الفقر هو العنصر المشترك اليوم الأكثرية العراقية استفادت من الوضع الجديد ولا مجال للمقارنة بين النظامين على خطي نقيض حتى وان كان لكل منهما سلبياته وايجابياته نظام صدام لم يكن أفضل للعراقيين .
الباحث الاستراتيجي العراقي هاني عاشورلـ"الصباح":
* الصراع الإيراني الأمريكي يظهر جليا في هذه الانتخابات والانقسامات داخل الطوائف قد تؤدي لتغيير على المنظومة السياسية العراقية
قال السياسي المستقل والاكاديمي والباحث الاستراتيجي العراقي الدكتور هاني عاشور أن هناك مال سياسي فاسد مصدره من الدول المؤثرة في العراق سيستخدم خلال الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة.
وأضاف عاشور في حواره لـ"الصباح" أن هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها، في السابق كانت هناك دوائر انتخابية على مستوى المحافظة ولكن هذه المرة قسمت كل محافظة إلى عدة دوائر انتخابية وهذا ما يعني ان التمثيل سيكون أقرب للمواطن وأن النائب الذي سيفوز هو أقرب لمنطقته ولتلبية احتياجاتها.
وأشار أن هناك خلافات داخل الطوائف الثانية والدينية العراقية وأنها قد تكون إيجابية قد تؤدي الى التنويع في أعضاء البرلمان مضيفا أنه في نفس الوقت ستجبر النواب المنتخبين على التحالف بعد الانتخابات لانهم لن يكون بمقدورهم ترشيح شخصيات سياسية لمناصب حكومية من دون ان تكون هناك صفقات خارجية ومحاصصة وتفاهمات وقد تكون هذه التفاهمات أيضا بتأثيرات خارجية.
وفي التالي نص الحوار
* عديدون يشيرون الى ان هذه الانتخابات ستكون مفصلية في تاريخ العراق ومستقبله، فما مدى صحة هذه المقولة؟
هذه الانتخابات هي أولا انتخابات مبكرة تجري في العراق وجاءت بطلب من الجمهور العراقي وبإرادة شعبية بعد مظاهرات أكتوبر 2019، ولذلك يعول الكثير من العراقيين على هذه الانتخابات باعتبارها ستكون فرصة للتغيير الجديد في العراق بعد وجود منظومة سياسية لم تتغير كثيرا منذ عام 2003.ثم بعد انتكاسات كبيرة في النظام السياسي وفي الوضع الأمني والاقتصادي مما أشار إلى أن العراق اذا ما استمر على هذا التوجه سيواجه انهيارا كبيرا مستقبلا ولذلك غالبية العراقيين تعول كثيرا على هذه الانتخابات.
ولكن من المشاكل المهمة التي يعاني منها الوضع السياسي العراقي هو أن أغلب العراقيين الذين طالبوا بهذه الانتخابات وأن تكون مبكرة سوف لا يذهبون للتصويت وهذه مشكلة تواجه الوضع السياسي العراقي ولذلك نجد الحكومة والأحزاب والشخصيات السياسية والدينية تدعو المواطنين للذهاب لصناديق الاقتراع والادلاء بأصواتهم وهذا يعني ان هناك إرادة موجودة للحث على التصويت وتلبية متطلبات العراقيين. المهم أن هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها، في السابق كانت هناك دوائر انتخابية على مستوى المحافظة ولكن هذه المرة قسمت كل محافظة إلى عدة دوائر انتخابية وهذا ما يعني ان التمثيل سيكون أقرب للمواطن وأن النائب الذي سيفوز هو أقرب لمنطقته ولتلبية احتياجاتها.
ولكن في نفس الوقت هذا يعني ان النائب الفائز سيحاول إرضاء جمهوره ولا يناقش القضايا المهمة على مستوى العراق ويضاف الى ذلك ان من حسنات الدوائر الانتخابية الصغيرة هو انها تأتي بنواب ربما يكونون أقرب إلى واقع المدينة والمنطقة الاقتصادي مما سيحفز على أن تكون هناك مطالب لتحسين الوضع الاقتصادي، ولكن في نفس الوقت قد يكون خللا في تحسين الوضع الاقتصادي المستقبلي للعراق باعتبار أن الاستراتيجية العراقية ستتحول من استراتيجية بلد الى استراتيجيات مناطق.
ولكن في النتيجة هذا سيبعث الأمل إلى أن هناك من سيحاسب بشكل مباشر النائب ومن هنا تنطلق محاسبة ومعاقبة منظومة الفساد التي حكمت العراق لفترة طويلة ونهبت بسببها مليارات الدولارات.
هناك أمل نعم، ولكنه مرتبك لأننا لا نعرف حتى هذه اللحظة من الذي سيفوز وان الأحزاب القديمة مازالت مسيطرة على الوضع العراقي.
* هل أن دخول بعض الدول المؤثرة على المشهد العراقي قد تساهم في عدم إحداث تغيير على المشهدية السياسية العراقية؟
لا ينكر أن أغلب هذه الأحزاب له علاقات داخلية وخارجية، فهناك أحزاب قريبة من ايران وأخرى قريبة من الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى قريبة من تركيا وكلك أحزاب تؤثر عليها بعض دول الجوار مثل بعض الدول الخليجية.
هناك مال سياسي يستخدم في الانتخابات وهو مال سياسي فاسد وهذا يعني أن التأثير الخارجي وتأثير الفساد المدعوم خارجيا والمحمي خارجيا وهذا سيؤثر بكل تأكيد على ألا تكون هذه الانتخابات بعيدة عن التأثيرات الخارجية.
ثم أن الصراع الإيراني الأمريكي يظهر جليا في هذه الانتخابات فهناك من يدعم من الأحزاب القريبة من ايران وهناك من يقع تحت تأثير الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك التأثير الخارجي موجود كما في أي انتخابات سابقة ولا يمكن اعتباره أنه انتهى، فالقوات الأمريكية مازالت موجودة والأحزاب الموالية لإيران موجودة والشخصيات الموالية لعدد من الدول موجودة وهذا ما يعني أن الأمل ضعيف لتغيير المنظومة العراقية السياسية والمجيء بمنظومة وطنية.
* هل أن الخلافات السياسية داخل المكونات الاثنية والطائفية للعراق قد تساهم في بناء مشهد سياسي قائم على تحالفات تجاوز الطوائف؟
هذه المسألة مهمة هناك خلافات داخل الطوائف، الشيعة منقسمون فهناك تيار صدري وهناك أحزاب تمثل فصائل موالية لإيران وهناك أحزاب تمثل الشيعة القريبة من المراجع الدينية وهناك أحزاب أخرى شيعية لها علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية وشخصيات كذلك، وهذا جعل هناك عدة انقسامات في الوسط الشيعي.
وكذلك هناك انقسامات في الوسط السني، نحن نرى الآن أن رئيس البرلمان يقود جبهة من السنة وهو السيد محمد الحلبوسي يقابله جبهة أخرى للسنة يقودها الشيخ ورجل الاعمال السيد خميس الخنجر إضافة لأحزاب أخرى وكتل صغيرة وشخصيات مستقلة تساعد على أن يكون هناك اختيار ربما يكون افضل لكن يبقى تأثير المال السياسي هو الذي يقسم هذه الأحزاب ويجعل الجمهور ينقسم بين هذا الحزب او ذاك وبين هذه الجهة او تلك.
وهذا كذلك ينطبق على الوضع الكردي، فهناك أحزاب إسلامية كردية وهناك الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود البرزاني وهناك حزب الاتحاد الوطني الكردي الذي يعاني من مشكلات وانقسامات وهناك أحزاب كردية أخرى ان تغيير من الوضع الكردي في العراق وهذا ما يعني ان هذه الاختلافات قد تكون إيجابية من ناحية ان الناخب العراقي سيلجأ الى التنويع في أعضاء البرلمان ولكن في نفس الوقت ستجبر هؤلاء على التحالف بعد الانتخابات لانهم لن يكون بمقدورهم ترشيح شخصيات سياسية لمناصب حكومية من دون ان تكون هناك صفقات خارجية ومحاصصة وتفاهمات وقد تكون هذه التفاهمات أيضا بتأثيرات خارجية.
*هل ستؤثر نتائج الانتخابات العراقية على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة؟
بكل تأكيد سيكون هناك تأثير بالمنطقة، وجود منظومة سياسية جديدة تدرك تماما أهمية العراق ودوره في المنطقة سيكون نقطة حوار وتقارب بين دول كثيرة كما يحدث الآن في الحوار بين ايران والسعودية الذي يجري في بغداد، يضاف على ذلك ان الولايات المتحدة اذا ما انسحبت نهاية هذا العام ستكون هناك فرصة جيدة لأي قيادة عراقية تتولى إدارة السلطة في العراق، ألا تخضع لمطالب سوى من طهران أو من الولايات المتحدة الأمريكية.
يضاف إلى ذلك اذا ما جاءت حكومة لها مساندة شعبية كبيرة وبرلمان له تأييد شعبي كبير، يعني أنه يستطيع اتخاذ قرارات في المنظومة السياسية العراقية الداخلية وفي المنظومة الخارجية وعقد اتفاقات مع دول أخرى مجاورة للعراق وذلك لتصفير الأزمات وصناعة علاقات جديدة ربما تخدم العراق.
عبد الرحمان الجبوري المستشار السابق لرئيس الوزراء العراقي لـ"الصباح": الانتخابات المبكرة مختلفة.. والجبهة الداخلية ضعيفة ضد التدخل الخارجي
تونس-الصباح
قال المستشار السابق لرئيس الوزراء العراقي عبد الرحمان الجبوري، أن الانتخابات البرلمانية العراقية السابقة لأوانها تعتبر مفصلية لتاريخ ومستقبل العراق.
وأشار الجبوري، في حوار لـ"الصباح" أن هذه الانتخابات تكتسب أهميتها لأنها جاءت نتيجة ضغط احتجاجات الشارع وخارج المواقيت الدستورية المحددة مسبقا.
وأضاف الجبوري قائلا "بغض النظر عن النتائج سترسم هذه الانتخابات مسار وشكل الدولة او نرجع الى الفوضى والشارع إذا كانت النتائج غير مرضيه لجيل الشباب".
وحول دور بعض الدول المؤثرة على المشهد العراقي وإسهامها في إحداث تغيير على المشهدية السياسية العراقية قال الجبوري إن دخول دول الجوار والدول ذات المصالح لضمان وجود نظام سياسي يضمن مصالحها في العراق.
وأضاف قائلا إن الجبهة الداخلية العراقية ضعيفة وغير محصنة بالوقت الحاضر ضد هذا التدخل.
وأشار قائلا "لا اعتقد سيكون الامر مختلفا لسنوات قادمة.. وبذلك سيكون التغير طفيفا جدا كنتيجة لهذه الانتخابات".
وأكد الجبوري أن التحالفات السياسية العابرة للمكونات الاثنية والطائفية في العراق يعتبر جزءا من النظام السياسي العراقي، مضيفا أنه لا أحد قادر ان يحكم العراق بمفرده.
وأكد قائلا "لذلك تم انتاج نظام محاصصة بالحقيقة للحكم وليس لعبور هذا التمزيق المجتمعي".
وأكد الجبوري أن هذه الانتخابات جاءت نتيجة ضغط الشارع بعد احتجاجات أكتوبر سنة 2019 كونها أحد الطلبات، مشيرا إلى أنها تجرى بقانون انتخابي مختلف عن المرات السابقة. وأضاف الجبوري أن اختلاف هذه الانتخابات عن سابقاتها يكمن في أن معظم المرشحين هم انتاج محلي من الدوائر الانتخابي.
وأردف الجبوري أن الاحزاب القديمة والتقليدية اختارت شخصيات أفضل معظمها من خارج الاحزاب
وأشار أن نسبة المرشحين المستقلين ارتفعت إلى الثلث في هذه الانتخابات المبكرة.
وأكد أن الاختلاف كذلك يكمن في أن الفائز في الدائرة الانتخابية والمتحصل على أعلى الأصوات لا يمكن تحويل فائض أصواته الى القائمة كما حدث في الانتخابات السابقة، مضيفا أنه لأول مرة في تاريخ العراق فإن الحكومة لن تكون ممثلة في هذه الانتخابات كقائمة انتخابية.
إعداد آسيا العتروس ونزار مقني