تنطلق قمة مجموعة العشرين في البرازيل وسط تحديات اقتصادية وجيوسياسية معقدة، مما يجعلها محط أنظار العالم، مع مشاركة أكبر الاقتصادات العالمية، وبما يتيح لها دوراً محورياً في تحديد مسارات الاقتصاد الدولي.
وفي ظل تزايد الأزمات على الساحة الدولية، من حرب أوكرانيا إلى التوترات في الشرق الأوسط، تصبح المناقشات المتعلقة بالتوترات الجيوسياسية وقضايا مثل الأمن الغذائي والطاقة والتغير المناخي، والإصلاحات الاقتصادية ذات أهمية خاصة.
في هذا السياق، تطرح القمة ملفات أساسية تشمل تعزيز الشمول الاجتماعي وتطوير الحوكمة العالمية، ودعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة، إضافة إلى قضايا تتعلق بالسلام في النزاعات الحالية.
إلى جانب القضايا الاقتصادية الملحة، يواجه المشاركون تحديات تتعلق بكيفية معالجة التغيرات السياسية العالمية والصراعات المستمرة في مناطق عديدة. ومن المتوقع أن يتناول الزعماء في القمة موضوعات متنوعة، مثل أزمة الديون العالمية، مع التركيز على تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.
أبرز ملفات القمة
من المقرر أن تركز مناقشات القمة هذا العام على عددٍ من الملفات الأساسية، حسب ما تُظهره بيانات المجمعة المنشورة على موقعها الإلكتروني، وعلى رأسها:
الشمول الاجتماعي: تعزيز التعاون الدولي في مجالات مكافحة الجوع والفقر، بما في ذلك إطلاق التحالف العالمي ضد الجوع والفقر الذي يهدف إلى تسريع الجهود في مواجهة هذه القضايا بحلول عام 2030.
إصلاح الحوكمة العالمية: مناقشة كيفية تحديث المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لتتناسب مع الواقع المعاصر وتعزز الحوكمة العادلة والفعالة.
الانتقالات الطاقوية: بحث استراتيجيات لدعم الاقتصاد العالمي الأخضر والمستدام في مواجهة الأزمة المناخية العالمية، مع التركيز على توفير الطاقة النظيفة مع مراعاة الواقع المحلي.
تعزيز السلام في النزاعات العالمية: لتأكيد على أهمية تعزيز السلام في النزاعات الحالية مثل الحرب في أوكرانيا والقضية الفلسطينية، مع تسليط الضوء على ضرورة تخصيص الموارد السياسية والمالية لأهداف المجتمع الدولي العليا، مثل مكافحة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة.
توقيت حيوي
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يؤكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث أبوبكر الديب، أن اجتماعات قمة العشرين لهذا العام تأتي في وقت بالغ الأهمية للأسباب التالية:
يعد هذا المنتدى أبرز منصة عالمية لاتخاذ القرارات الاقتصادية الكبرى. وتشكل دول القمة الحصة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة الدولية، ما يجعلها محورية في تحديد مسار الاقتصاد العالمي.
تنعقد هذه القمة في البرازيل وسط تحديات اقتصادية هائلة، مع تراجع معدلات التنمية المستدامة على مستوى العالم، فضلاً عن الأزمات المستمرة التي تواجهها الدول منذ تفشي جائحة كورونا، مروراً بالحرب الروسية الأوكرانية، وتوترات منطقة الشرق الأوسط، وأخيراً التصعيد في الصراع الإيراني-الإسرائيلي.
القمة في ضوء ذلك ستتناول عدداً من القضايا الملحة، من أبرزها التهديدات البحرية الدولية في ظل التصاعد المستمر للتوترات الجيوسياسية، بالإضافة إلى مستويات التضخم على المستوى العالمي، وغيرها من القضايا الاقتصادية الملحة.
ويشير إلى أن القمة ستسعى أيضاً إلى مناقشة قضايا حيوية مثل مكافحة التغير المناخي والتحول إلى الطاقة النظيفة والمستدامة، مع التركيز على الأزمة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الديون في عديد من الدول.
كما من المتوقع أن يتم طرح مناقشة حول مبادرة الرئيس البرازيلي المتعلقة بفرض ضرائب على أثرياء العالم، وهي فكرة تثير جدلاً واسعاً بين الدول الأعضاء، في ظل التركيز المتزايد على تزايد الثروات التي يسيطر عليها عدد محدود من رجال الأعمال، والتي تفوق ما تمتلكه بعض الدول نفسها من موارد.
وكانت تقرير لـ "رويترز" قد نقل عن دبلوماسيين شاركوا في الاجتماعات التحضيرية للقمة، قولهم إن الدبلوماسيين المشاركين اصطدموا بقضية فرض ضرائب على الثروات الكبيرة، وهو اقتراح يهتم به الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مضيف قمة مجموعة العشرين، بحجر عثرة. وفي تغيير في اللحظة الأخيرة، رفضت الأرجنتين التوقيع على إدراج الاقتراح في البيان الختامي.
ومن البنود الخلافية المماثلة، ما يتعلق بالخلافات بشأن تدبير الأموال للتعامل مع قضية تغير المناخ ومعالجة حرب أوكرانيا وذلك خلال التفاوض.
القضايا العامة
من جانبه، يلفت الكاتب الصحافي علي فرحات، المقيم في البرازيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه رغم الحروب المستمرة في المنطقة العربية والصراع الروسي الأوكراني، فإن قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد في البرازيل من المتوقع أن تتخذ طابعاً تقنياً تقليدياً في مناقشاتها، بعيداً عن معالجة الانقسامات الدولية والصراعات في المنطقة.
ويضيف: "من أبرز الملفات التي سيتم تناولها في فعاليات القمة هي قضايا مكافحة الفقر، ومعالجة عدم المساواة الاجتماعية، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بتغير المناخ"، مؤكداً أن النقاش في القمة سيركز على هذه القضايا الأساسية التي تمس حياة الشعوب بشكل مباشر، دون أن يتوقع أن تشمل القمة تغييرات كبيرة على المستوى السياسي العالمي.
كما يشير إلى أن البرازيل قد تثير ملف "تغيير القيادة العالمية"، وهو الملف الذي من المحتمل أن يبقى على الهامش، حيث لن يكون للدول المشاركة في القمة تأثير جوهري على التغييرات السياسية العالمية. فالنقاشات في هذه القمة ستكون محورية حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والمناخ، في حين يُرجح أن يكون البيان الختامي للقمة عاماً ويحث الدول على وضع حدود للصراعات الإقليمية، مع التأكيد على أهمية التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.
بيان القادة
بحسب ممثل البرازيل في مجموعة العشرين، السفير ماوريسيو ليريو، فإن إعلان القادة المرتقب صدوره عن المجموعة، يتضمن رسالة حول تعزيز السلام في الصراعات العالمية، وخاصة الحرب في أوكرانيا وفلسطين.
وقال السفير: "إنها رسالة مفادها أننا بحاجة إلى تحقيق السلام، ليس فقط فيما يتعلق بهذا الصراع (أوكرانيا)، بل وأيضاً جميع الصراعات، وهو ما يعزز في الواقع الأولوية البرازيلية لإصلاح الحوكمة العالمية.. نحن بحاجة إلى السلام حتى نتمكن من التركيز على الاهتمام السياسي والموارد المالية على ما ينبغي أن يكون أعلى أهداف المجتمع الدولي، وهي مكافحة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة، بما في ذلك معالجة تغير المناخ".
أبرز القضايا
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، إن قمة مجموعة العشرين في البرازيل ستناقش مجموعة من الملفات الهامة في ظل الانقسام العالمي الذي يعيشه الاقتصاد الدولي حالياً.
ويوضح أن من أبرز القضايا التي ستطرح على الطاولة هي:
الأمن الغذائي والطاقة، حيث من المتوقع أن تركز الاجتماعات على تحديات الأمن الغذائي، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على سلاسل التوريد العالمية، بالإضافة إلى استعراض الجهود المشتركة لتأمين مصادر طاقة مستدامة والتعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار التي تشكل ضغطًا كبيرًا على الدول النامية.
قضية التغير المناخي والبيئة ستكون من الموضوعات الرئيسية أيضاً، حيث من المرجح أن يعمل القادة على وضع خطط للتخفيف من الانبعاثات الكربونية، في ظل تصاعد تأثيرات التغير المناخي. وسيتناول النقاش بشكل خاص الانقسام حول مسؤوليات الدول المتقدمة في مواجهة هذه الأزمة تجاه الدول النامية.
كما ستتناول القمة موضوع الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، حيث يتوقع أن يتم بحث تعزيز الاقتصاد الرقمي وإتاحة التكنولوجيا للدول النامية، مع التركيز على قضايا حوكمة الإنترنت والأمن السيبراني.
من المتوقع أيضاً أن تُجرى مناقشة قضية التضخم العالمي وارتفاع الأسعار، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية التي تؤثر على الاستقرار المالي. ومن المرجح أن تركز الاجتماعات على سياسات تهدف إلى دعم استقرار الاقتصاد العالمي، مع وضع حلول لمكافحة التضخم والحد من تأثيراته على الفئات الأقل دخلًا والدول النامية.
وبالإضافة إلى ذلك، ستشمل المناقشات إصلاح النظام المالي العالمي، مع التركيز على ضرورة تعديل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتصبح أكثر عدلاً وشفافية، لا سيما في تعاملها مع الدول النامية. كما سيشهد الاجتماع مناقشة التعاون الصحي في ظل التحذيرات من أزمات صحية محتملة، حيث سيتم التأكيد على تعزيز الاستعدادات الصحية العالمية وتمويل الاستجابة للأوبئة، خاصة في الدول الفقيرة التي تعاني من نقص في الإمدادات الصحية.
أما في ما يتعلق بالتوترات التجارية والجيوسياسية، فمن المتوقع أن تركز القمة على تعزيز الحوار بين القوى العالمية المتباينة والعمل على احتواء الصراعات التجارية والسياسية المستمرة، مثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، مع السعي لوضع أطر تعاونية تهدف إلى تقليل حدة الانقسام العالمي، وفق الإدريسي.
المصدر: سكاي نيوز عربية