مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": تسرب ثقافة العنف.. تراجع الخطاب الإعلامي عن دوره وغياب مشروع مجتمعي عوامل غذت الجريمة
تونس-الصباح
جدّت خلال الأسبوع المنقضي جريمتا قتل بشعتين الأولى بمدينة بوسالم من ولاية جندوبة وراحت ضحيّتها امرأة في العقد الرابع من عمرها بعد أن اعتدى عليها زوجها بواسطة ساطور على مستوى الرأس فتوفيت على عين المكان. والثانية بمعتمدية الميدة من ولاية نابل، راحت ضحيتها امرأة في العشرينات من عمرها بعد أن عمد زوجها إلى خنقها بواسطة "كابل". الجريمتان أعادتا الحديث عن ظاهرة العنف الزوجي الذي ينتهي بجريمة قتل إلى الواجهة.
صباح الشابي
القتيلتان ليستا الوحيدتين ضحيتي جرائم العنف الزوجي فقد سبق وان عاشت مدينة نصر الله بولاية القيروان خلال شهر افريل 2023 على وقع جريمة قتل راحت ضحيتها امرأة تبلغ من العمر 32 عاما وهي أم لطفلين لم يتجاوزا سن الـ10 أعوام حيث عثرت عليها الوحدات الأمنية جثة هامدة في منزلها في مدينة نصر الله بالقيروان بعدما أقدم زوجها على خنقها حتى الموت، ثم سلم نفسه إلى السلطات الأمنية. قبل هذه الجريمة كانت كل من رفقة الشارني التي قتلها وزوجها في2021، الذي كان يعمل بسلك الحرس الوطني، بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في ولاية الكاف، ووفاء السبيعي امرأة في العقد الرابع من عمرها، قتلها زوجها حرقا بتاريخ 29 أكتوبر 2022، ضحيتان من ضحايا العنف الزوجي الذي ينتهي بالقتل".
أرقام صادمة..
ووفق آخر الإحصائيات لوزارة المرأة فقد تلقى الخط الأخضر 1899 خلال الفترة الممتدّة بين 25 أفريل 2023 إلى 25 ماي من نفس السنة 1669 مكالمة، ليسجّل هذا العدد ارتفاعا بمرة ونصف مقارنة بالفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل2023 التي بلغت 1106 مكالمة.
وعلى اعتبار أنّه يمكن لحالة عنف واحدة أن تشمل كل أشكال العنف، تتوزّع المكالمات الواردة على الخط الأخضر 1899 بين 232 مكالمة تتعلّق بإشعارات حول العنف ضد المرأة بنسبة 24 % و740 مكالمة في الإرشاد القانوني و523 مكالمة خاطئة أو شغب أو تهجم على الخط و119 مكالمة إداريّة و50 مكالمة تهمّ توضيح مهام الخطّ.
في حين تتوزّع إشعارات العنف ضدّ المرأة البالغ عددها 232 إلى 193 إشعارا بعنف لفظي و132 إشعارا عن عنف نفسي ومعنوي و167 مكالمة عن عنف جسديّ ومادّي و57 إشعارا عن عنف اقتصاديّ و4 مكالمات بخصوص عنف جنسيّ، ويمثّل العنف الزوجي أكبر نسبة تقدّر بـ81% من مجموع حالات العنف ضد المرأة مقابل 72% خلال الفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل 2023.
ووردت إشعارات العنف ضد المرأة من كل الولايات تقريبا وبلغ عددها 92 مكالمة من تونس الكبرى حيث سُجل أكبر عدد بولاية تونس (35) ثم ولاية بن عروس (25) وولاية أريانة (22) وولاية منوبة (10) مقابل صفاقس (13) والقيروان (13) والمنستير (11) على سبيل المثال.
وتتوزّع المتّصلات بالخط الأخضر 1899 حسب الفئة العمريّة إلى 27% من النساء ينتمين إلى الفئة العمرية بين 30سنة و39سنة (63 حالة) و19% ينتمين إلى الفئة العمرية (40-49 سنة) (44حالة)، وحسب المستوى التعليمي فإنّ 18% من النساء ضحايا العنف المتصلات بالخط الأخضر لهن مستوى تعليمي جامعي (41حالة) و22% لهنّ مستوى تعليمي ثانوي و16% إعدادي وأقلّ من 5% من الأميات، إلى جانب تسجيل خلال الفترة ذاتها نسبة 73% من النساء ضحايا العنف المتصلات بالخط الأخضر متزوجات (169 حالة).
وبالنسبة للإجراءات المتخذة في توجيه الضحية حسب طلبها، تمكّن الخط الأخضر من توجيه 92% من النساء ضحايا العنف إلى مؤسسات أمنيّة (214 حالة) و55 % إلى مؤسسات قضائية (128 حالة) و30% إلى مؤسسات صحيّة (77 حالة) و19% إلى المندوبيات الجهويّة للمتابعة و20% من النساء ضحايا العنف تم توجيه أطفالهنّ إلى مكتب مندوب حماية الطفولة (47 حالة).
وقد تضاعف العدد الجملي للمكالمات الواردة على الخط الأخضر1899 خلال هذه الفترة مقارنة بنفس الفترة لسنة 2022 وارتفعت بأكثر من 3 مرات ويعود ذلك إلى تأمين عمل الخط الأخضر بداية من 25 نوفمبر 2022 على مدى ساعات اليوم وكامل أيّام الأسبوع دون انقطاع وتعزيز فريق المكلفات بالإنصات إلى جانب الترويج الإعلامي للخط الأخضر والخطة الاتصالية المتنوعة التي تنتهجها الوزارة لمزيد التعريف بخدماته.
كما يوزّع مجموع المكالمات الواردة على الخط الأخضر خلال الفترة الممتدة من 25 أفريل إلى 25 ماي 2023 إلى 505 مكالمة خلال الحصة الصباحية بنسبة 30% و494 مكالمة خلال الحصة المسائية بنسبة 29% و700 مكالمة خلال الحصة الليلة بنسبة 42% .
15 جريمة للزوجات في 2022
وحسب وزارة المرأة فقد تم خلال 2022 تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات، مشيرة إلى أن "تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّاً تقريباً وهو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر.
بين التهوين والتهويل
رغم انه يتم كل سنة تسجيل العديد من جرائم القتل التي تكون ضحايا ها زوجات أنهيت حياتهن بطريقة بشعة على يد أزواجهنّ إلا أن المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين يعتبر أن العنف الزوجي الذي ينتهي بقتل الأزواج التونسيين لزوجاتهم لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر (16 مقابل ما يقارب 562جريمة قتل سنويا) ولكن ما يلفت الانتباه حسب رأيه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الإعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.
في الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول أن الأمن العام بات مهددا والأسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ2015.
الجو العام غذى الجرائم
عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة، إذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا إلى فاعلين ومرتكبين لها. ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا) اختصاص ذكوري بحت، أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ أصبحت تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل كذلك كبار السن، بعد دخول المرأة عالم الجريمة حيث شملتها عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.
الجرائم العائلية أكثر دموية
من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً. كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الإجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التباهي والاستعراض.
العوامل المؤدية للجريمة
من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية:
_تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والإدماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية، وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الأسرية التي تجمعهم.
تسرب ثقافة العنف صلب العائلة
كما أن تسرب ثقافة العنف صلب العائلة والتي أصبحت سلوكا تواصليا، هذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش والسلوكيات المنافية للحياء، وأصبح العنف هو المغذي لإثبات الذات وإبرازها. ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية. وبالتالي أصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية أفرادها من العنف والجريمة بل باتت بؤرة لإنتاجها. من ناحية أخرى نجد أن المدرسة ومحيطها أصبحت بدورها فضاء للعنف والتنمر.
تراجع الخطاب الإعلامي عن دوره
كذلك الخطاب الإعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على جانب الإثارة، فأصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين.
العنف السياسي
ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.
كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح "بطلا" في بعض الأحياء الشعبية حيث يتم تمجيده من خلال أغاني "الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق قدوة لغيره. كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الإدماج والحماية وأصبح الفرد يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة دائمة ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الإحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.
غياب مشروع مجتمعي
وأضاف المختص في علم الاجتماع بأننا إزاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله، غياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع، كل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواء من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل بالتالي كل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته إلى أن نصل إلى حدود الجريمة والقتل.
واعتبر أن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تقتضي ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة وإصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والإدارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الأزمات بشكل فعال ومجد.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": تسرب ثقافة العنف.. تراجع الخطاب الإعلامي عن دوره وغياب مشروع مجتمعي عوامل غذت الجريمة
تونس-الصباح
جدّت خلال الأسبوع المنقضي جريمتا قتل بشعتين الأولى بمدينة بوسالم من ولاية جندوبة وراحت ضحيّتها امرأة في العقد الرابع من عمرها بعد أن اعتدى عليها زوجها بواسطة ساطور على مستوى الرأس فتوفيت على عين المكان. والثانية بمعتمدية الميدة من ولاية نابل، راحت ضحيتها امرأة في العشرينات من عمرها بعد أن عمد زوجها إلى خنقها بواسطة "كابل". الجريمتان أعادتا الحديث عن ظاهرة العنف الزوجي الذي ينتهي بجريمة قتل إلى الواجهة.
صباح الشابي
القتيلتان ليستا الوحيدتين ضحيتي جرائم العنف الزوجي فقد سبق وان عاشت مدينة نصر الله بولاية القيروان خلال شهر افريل 2023 على وقع جريمة قتل راحت ضحيتها امرأة تبلغ من العمر 32 عاما وهي أم لطفلين لم يتجاوزا سن الـ10 أعوام حيث عثرت عليها الوحدات الأمنية جثة هامدة في منزلها في مدينة نصر الله بالقيروان بعدما أقدم زوجها على خنقها حتى الموت، ثم سلم نفسه إلى السلطات الأمنية. قبل هذه الجريمة كانت كل من رفقة الشارني التي قتلها وزوجها في2021، الذي كان يعمل بسلك الحرس الوطني، بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في ولاية الكاف، ووفاء السبيعي امرأة في العقد الرابع من عمرها، قتلها زوجها حرقا بتاريخ 29 أكتوبر 2022، ضحيتان من ضحايا العنف الزوجي الذي ينتهي بالقتل".
أرقام صادمة..
ووفق آخر الإحصائيات لوزارة المرأة فقد تلقى الخط الأخضر 1899 خلال الفترة الممتدّة بين 25 أفريل 2023 إلى 25 ماي من نفس السنة 1669 مكالمة، ليسجّل هذا العدد ارتفاعا بمرة ونصف مقارنة بالفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل2023 التي بلغت 1106 مكالمة.
وعلى اعتبار أنّه يمكن لحالة عنف واحدة أن تشمل كل أشكال العنف، تتوزّع المكالمات الواردة على الخط الأخضر 1899 بين 232 مكالمة تتعلّق بإشعارات حول العنف ضد المرأة بنسبة 24 % و740 مكالمة في الإرشاد القانوني و523 مكالمة خاطئة أو شغب أو تهجم على الخط و119 مكالمة إداريّة و50 مكالمة تهمّ توضيح مهام الخطّ.
في حين تتوزّع إشعارات العنف ضدّ المرأة البالغ عددها 232 إلى 193 إشعارا بعنف لفظي و132 إشعارا عن عنف نفسي ومعنوي و167 مكالمة عن عنف جسديّ ومادّي و57 إشعارا عن عنف اقتصاديّ و4 مكالمات بخصوص عنف جنسيّ، ويمثّل العنف الزوجي أكبر نسبة تقدّر بـ81% من مجموع حالات العنف ضد المرأة مقابل 72% خلال الفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل 2023.
ووردت إشعارات العنف ضد المرأة من كل الولايات تقريبا وبلغ عددها 92 مكالمة من تونس الكبرى حيث سُجل أكبر عدد بولاية تونس (35) ثم ولاية بن عروس (25) وولاية أريانة (22) وولاية منوبة (10) مقابل صفاقس (13) والقيروان (13) والمنستير (11) على سبيل المثال.
وتتوزّع المتّصلات بالخط الأخضر 1899 حسب الفئة العمريّة إلى 27% من النساء ينتمين إلى الفئة العمرية بين 30سنة و39سنة (63 حالة) و19% ينتمين إلى الفئة العمرية (40-49 سنة) (44حالة)، وحسب المستوى التعليمي فإنّ 18% من النساء ضحايا العنف المتصلات بالخط الأخضر لهن مستوى تعليمي جامعي (41حالة) و22% لهنّ مستوى تعليمي ثانوي و16% إعدادي وأقلّ من 5% من الأميات، إلى جانب تسجيل خلال الفترة ذاتها نسبة 73% من النساء ضحايا العنف المتصلات بالخط الأخضر متزوجات (169 حالة).
وبالنسبة للإجراءات المتخذة في توجيه الضحية حسب طلبها، تمكّن الخط الأخضر من توجيه 92% من النساء ضحايا العنف إلى مؤسسات أمنيّة (214 حالة) و55 % إلى مؤسسات قضائية (128 حالة) و30% إلى مؤسسات صحيّة (77 حالة) و19% إلى المندوبيات الجهويّة للمتابعة و20% من النساء ضحايا العنف تم توجيه أطفالهنّ إلى مكتب مندوب حماية الطفولة (47 حالة).
وقد تضاعف العدد الجملي للمكالمات الواردة على الخط الأخضر1899 خلال هذه الفترة مقارنة بنفس الفترة لسنة 2022 وارتفعت بأكثر من 3 مرات ويعود ذلك إلى تأمين عمل الخط الأخضر بداية من 25 نوفمبر 2022 على مدى ساعات اليوم وكامل أيّام الأسبوع دون انقطاع وتعزيز فريق المكلفات بالإنصات إلى جانب الترويج الإعلامي للخط الأخضر والخطة الاتصالية المتنوعة التي تنتهجها الوزارة لمزيد التعريف بخدماته.
كما يوزّع مجموع المكالمات الواردة على الخط الأخضر خلال الفترة الممتدة من 25 أفريل إلى 25 ماي 2023 إلى 505 مكالمة خلال الحصة الصباحية بنسبة 30% و494 مكالمة خلال الحصة المسائية بنسبة 29% و700 مكالمة خلال الحصة الليلة بنسبة 42% .
15 جريمة للزوجات في 2022
وحسب وزارة المرأة فقد تم خلال 2022 تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات، مشيرة إلى أن "تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّاً تقريباً وهو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر.
بين التهوين والتهويل
رغم انه يتم كل سنة تسجيل العديد من جرائم القتل التي تكون ضحايا ها زوجات أنهيت حياتهن بطريقة بشعة على يد أزواجهنّ إلا أن المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين يعتبر أن العنف الزوجي الذي ينتهي بقتل الأزواج التونسيين لزوجاتهم لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر (16 مقابل ما يقارب 562جريمة قتل سنويا) ولكن ما يلفت الانتباه حسب رأيه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الإعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.
في الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول أن الأمن العام بات مهددا والأسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ2015.
الجو العام غذى الجرائم
عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة، إذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا إلى فاعلين ومرتكبين لها. ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا) اختصاص ذكوري بحت، أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ أصبحت تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل كذلك كبار السن، بعد دخول المرأة عالم الجريمة حيث شملتها عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.
الجرائم العائلية أكثر دموية
من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً. كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الإجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التباهي والاستعراض.
العوامل المؤدية للجريمة
من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية:
_تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والإدماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية، وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الأسرية التي تجمعهم.
تسرب ثقافة العنف صلب العائلة
كما أن تسرب ثقافة العنف صلب العائلة والتي أصبحت سلوكا تواصليا، هذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش والسلوكيات المنافية للحياء، وأصبح العنف هو المغذي لإثبات الذات وإبرازها. ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية. وبالتالي أصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية أفرادها من العنف والجريمة بل باتت بؤرة لإنتاجها. من ناحية أخرى نجد أن المدرسة ومحيطها أصبحت بدورها فضاء للعنف والتنمر.
تراجع الخطاب الإعلامي عن دوره
كذلك الخطاب الإعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على جانب الإثارة، فأصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين.
العنف السياسي
ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.
كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح "بطلا" في بعض الأحياء الشعبية حيث يتم تمجيده من خلال أغاني "الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق قدوة لغيره. كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الإدماج والحماية وأصبح الفرد يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة دائمة ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الإحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.
غياب مشروع مجتمعي
وأضاف المختص في علم الاجتماع بأننا إزاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله، غياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع، كل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواء من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل بالتالي كل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته إلى أن نصل إلى حدود الجريمة والقتل.
واعتبر أن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تقتضي ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة وإصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والإدارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الأزمات بشكل فعال ومجد.