رغم أن الكوارث الطبيعية هي حقيقة من حقائق الحياة، ظهرت علامات مشجعة للقدرة على الصمود بفضل التعاون عبر الحدود
سيظل صيف عام 2023 عالقاً في الأذهان باعتباره بين أكثر الفترات تعرضاً للظواهر المناخية المتطرفة على ضفتي المتوسط في ظل ما شهدته المنطقة من عواصف، وجفاف، وموجات حرارة، وحرائق للغابات،وزلازل.
فبينما واجهت كرواتيا وإيطاليا والجزائر فيضانات مفاجئة، استمر النقص التاريخي في هطول الأمطار في التأثير على إسبانيا، واشتعلت الحرائق في مختلف أنحاء تونس، وحطم البحر المتوسط رقما قياسيا آخر في ارتفاع درجات الحرارة، كما شهد المغرب أيضا أكبر زلزال في تاريخه منذ أكثر من 100 عام بعد أشهر فقط من الهزات العنيفة التي ضربت تركيا وسوريا.
وعلى الرغم من أن الكوارث الطبيعية هي حقيقة من حقائق الحياة في المنطقة، فقد ظهرت أيضًا علامات مشجعة للقدرة على الصمود بفضل التعاون عبر الحدود. فقد تأثر ثلثي أراضي سلوفينيا بموجد فيضانات مزمرة، أرسلت آلية الاتحاد للحماية المدنية، وهي نظام تنسيق الاستجابة للكوارث التابع للمفوضية الأوروبية، حفارات ومروحيات وأفراد إنقاذ من سبع دول، في حين قدم حلف شمال الأطلسي المزيد من المساعدات المادية والبشرية. وحينما اندلعت مئات الحرائق ــ بما في ذلك الحرائق الأضخم على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي ــ في اليونان وقبرص، سارعت الدول المجاورة، إسرائيل ولبنان والأردن ومصر، إلى حشد المساعدات، وعندما ضربت العاصفة دانيال ليبيا، انتشرت فرق الإنقاذ المصرية والجزائرية والتونسية والفلسطينية في مكان الحادث.
وعلى نحو متزايد، تُعزى العديد من هذه الأحداث المتطرفة إلى تغير المناخ، وهي القضية التي ربما تكون أكثر إلحاحاً في منطقة المتوسط من أي مكان آخر في العالم. وكما أثبت خبراء من شبكة خبراء البحر الأبيض المتوسط حول المناخ والتغير البيئي (MedECC)، المدعومة من الاتحاد من أجل المتوسط (UfM)، فإن المنطقة ترتفع درجة حرارتها بمعدل 20% أسرع من المتوسط العالمي، مما يعني أنه من المتوقع أن يعاني ما يقدر بنحو 250 مليون من سكانها من فقر مائي في غضون 20 عامًا. ومن المؤسف أن هذه الحقائق ليست سوى تذكير اخر بأنه حان الوقت للتحرك الآن قبل أن يزداد الدمار الناجم عن الأحوال الجوية القاسية.
إن الكوارث الطبيعية، التي غالباً ما تشتد بسبب تغير المناخ، لا تعرف حدوداً، ومن ثم هناك حاجة ماسة لأن تتخذ المنطقة الأورومتوسطية إجراءات لتجسيد جهود التنسيق والتعاون في مجال الحماية المدنية. كما أن توظيف القدرات بكفاءة يعد أمرًا أساسيًا لتوقع الكوارث بشكل فعال عبر أنظمة الإنذار المبكر والاستجابة للتحديات الماثلة أمامنا بطريقة تعاونية ومنظمة، وتلك هي أفضل طريقة لتعظيم الاستفادة من الموارد وحماية المواطنين، دون أن نترك أحد خلف الركب عند وقوع الكوارث.
لقد تم إحراز بعض التقدم في هذا المجال في الأشهر الأخيرة، وتحديداً من خلال برنامج "الوقاية من الكوارث الطبيعية وتلك الناجمة عن النشاط البشري والتأهب والاستجابة لها PPRD-Med في دول الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، والذي أطلقته المفوضية الأوروبية في يونيو/حزيران الماضي بروما عقب الفيضانات القاتلة التي اجتاحت منطقة إميليا رومانيا. وعلى الرغم من أن هذا البرنامج الطموح يسعى إلى تعزيز الشراكات بالمنطقة الأورومتوسطية، إلا أننا في الاتحاد من أجل المتوسط نرى أن هناك حاجة ماسة لفعل المزيد.
ولذلك نقترح إنشاء إطار متوسطي حول الحماية المدنية لتنسيق المساعدة عبر الحدود بفاعلية أكبر في حالة وقوع كوارث طبيعية، ليكون بمثابة رابطة بين بلدان شمال وجنوب البحر المتوسط، وامتدادا إقليميا ومؤسسيا حقيقيا لآلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد.
يؤيد الاتحاد من أجل المتوسط بوضوح إضفاء الطابع الرسمي على إطار تطوعي جديد يتم تشكيله بواسطة كافة الجهات الفاعلة والأدوات الحالية، بما في ذلك الاتحاد من أجل المتوسط والدول الأعضاء فيه. وسيوفر هذا الحيز الدائم لتبادل الآراء بشأن الوقاية والتأهب والاستجابة منصة للمساعدة المتبادلة والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ.
عقد الاجتماع الرابع للاتحاد من أجل المتوسط للمديرين العامين للحماية المدنية من جميع أنحاء أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط يومي 18 و19 أكتوبر في فالنسيا لمناقشة الوسائل اللوجستية لتسخير الموارد وتقاسمها، مع التشديد على أهمية العمل على هذه الملف دون أبطاء.
ناقش الحاضرون خطة عمل لتقديم دعم مؤثر لسلطات الحماية المدنية الأورومتوسطية وذلك من خلال تقييم المخاطر، توفير أنظمة الإنذار المبكر، وصور الأقمار الصناعية، وبناء القدرات، وممارسة التدريبات المشتركة، والقيام بالتدخلات الطارئة، فضلا عن تنسيق الاستجابة والتعاون وعرض أفضل الممارسات وإنشاء مرصد للعمل التطوعي.
إن الكوارث الطبيعية التي ألحقت دمارا في المنطقة هذا الصيف تشكل دليلاً كافياً على الحاجة إلى الدخول في عصر جديد من الحوكمة الأورومتوسطية. لا شك أن تحسين تكامل الموارد وتقاسمها سوف يسمح لنا ببناء المزيد من القدرة على التكيف مع تغير المناخ وغيره من المخاطر الناشئة إلا أن الأمر يتطلب أيضا العمل على تحسين استجابتنا لحالات الطوارئ.
وتتلخص المسألة في أنه إذا كانت لدينا القدرة على العمل وحماية المزيد من الأرواح معا، ككيان واحد، فعلينا القيام بذلك على الفور.
*الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط
بقلم:ناصر كامل(*)
رغم أن الكوارث الطبيعية هي حقيقة من حقائق الحياة، ظهرت علامات مشجعة للقدرة على الصمود بفضل التعاون عبر الحدود
سيظل صيف عام 2023 عالقاً في الأذهان باعتباره بين أكثر الفترات تعرضاً للظواهر المناخية المتطرفة على ضفتي المتوسط في ظل ما شهدته المنطقة من عواصف، وجفاف، وموجات حرارة، وحرائق للغابات،وزلازل.
فبينما واجهت كرواتيا وإيطاليا والجزائر فيضانات مفاجئة، استمر النقص التاريخي في هطول الأمطار في التأثير على إسبانيا، واشتعلت الحرائق في مختلف أنحاء تونس، وحطم البحر المتوسط رقما قياسيا آخر في ارتفاع درجات الحرارة، كما شهد المغرب أيضا أكبر زلزال في تاريخه منذ أكثر من 100 عام بعد أشهر فقط من الهزات العنيفة التي ضربت تركيا وسوريا.
وعلى الرغم من أن الكوارث الطبيعية هي حقيقة من حقائق الحياة في المنطقة، فقد ظهرت أيضًا علامات مشجعة للقدرة على الصمود بفضل التعاون عبر الحدود. فقد تأثر ثلثي أراضي سلوفينيا بموجد فيضانات مزمرة، أرسلت آلية الاتحاد للحماية المدنية، وهي نظام تنسيق الاستجابة للكوارث التابع للمفوضية الأوروبية، حفارات ومروحيات وأفراد إنقاذ من سبع دول، في حين قدم حلف شمال الأطلسي المزيد من المساعدات المادية والبشرية. وحينما اندلعت مئات الحرائق ــ بما في ذلك الحرائق الأضخم على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي ــ في اليونان وقبرص، سارعت الدول المجاورة، إسرائيل ولبنان والأردن ومصر، إلى حشد المساعدات، وعندما ضربت العاصفة دانيال ليبيا، انتشرت فرق الإنقاذ المصرية والجزائرية والتونسية والفلسطينية في مكان الحادث.
وعلى نحو متزايد، تُعزى العديد من هذه الأحداث المتطرفة إلى تغير المناخ، وهي القضية التي ربما تكون أكثر إلحاحاً في منطقة المتوسط من أي مكان آخر في العالم. وكما أثبت خبراء من شبكة خبراء البحر الأبيض المتوسط حول المناخ والتغير البيئي (MedECC)، المدعومة من الاتحاد من أجل المتوسط (UfM)، فإن المنطقة ترتفع درجة حرارتها بمعدل 20% أسرع من المتوسط العالمي، مما يعني أنه من المتوقع أن يعاني ما يقدر بنحو 250 مليون من سكانها من فقر مائي في غضون 20 عامًا. ومن المؤسف أن هذه الحقائق ليست سوى تذكير اخر بأنه حان الوقت للتحرك الآن قبل أن يزداد الدمار الناجم عن الأحوال الجوية القاسية.
إن الكوارث الطبيعية، التي غالباً ما تشتد بسبب تغير المناخ، لا تعرف حدوداً، ومن ثم هناك حاجة ماسة لأن تتخذ المنطقة الأورومتوسطية إجراءات لتجسيد جهود التنسيق والتعاون في مجال الحماية المدنية. كما أن توظيف القدرات بكفاءة يعد أمرًا أساسيًا لتوقع الكوارث بشكل فعال عبر أنظمة الإنذار المبكر والاستجابة للتحديات الماثلة أمامنا بطريقة تعاونية ومنظمة، وتلك هي أفضل طريقة لتعظيم الاستفادة من الموارد وحماية المواطنين، دون أن نترك أحد خلف الركب عند وقوع الكوارث.
لقد تم إحراز بعض التقدم في هذا المجال في الأشهر الأخيرة، وتحديداً من خلال برنامج "الوقاية من الكوارث الطبيعية وتلك الناجمة عن النشاط البشري والتأهب والاستجابة لها PPRD-Med في دول الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، والذي أطلقته المفوضية الأوروبية في يونيو/حزيران الماضي بروما عقب الفيضانات القاتلة التي اجتاحت منطقة إميليا رومانيا. وعلى الرغم من أن هذا البرنامج الطموح يسعى إلى تعزيز الشراكات بالمنطقة الأورومتوسطية، إلا أننا في الاتحاد من أجل المتوسط نرى أن هناك حاجة ماسة لفعل المزيد.
ولذلك نقترح إنشاء إطار متوسطي حول الحماية المدنية لتنسيق المساعدة عبر الحدود بفاعلية أكبر في حالة وقوع كوارث طبيعية، ليكون بمثابة رابطة بين بلدان شمال وجنوب البحر المتوسط، وامتدادا إقليميا ومؤسسيا حقيقيا لآلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد.
يؤيد الاتحاد من أجل المتوسط بوضوح إضفاء الطابع الرسمي على إطار تطوعي جديد يتم تشكيله بواسطة كافة الجهات الفاعلة والأدوات الحالية، بما في ذلك الاتحاد من أجل المتوسط والدول الأعضاء فيه. وسيوفر هذا الحيز الدائم لتبادل الآراء بشأن الوقاية والتأهب والاستجابة منصة للمساعدة المتبادلة والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ.
عقد الاجتماع الرابع للاتحاد من أجل المتوسط للمديرين العامين للحماية المدنية من جميع أنحاء أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط يومي 18 و19 أكتوبر في فالنسيا لمناقشة الوسائل اللوجستية لتسخير الموارد وتقاسمها، مع التشديد على أهمية العمل على هذه الملف دون أبطاء.
ناقش الحاضرون خطة عمل لتقديم دعم مؤثر لسلطات الحماية المدنية الأورومتوسطية وذلك من خلال تقييم المخاطر، توفير أنظمة الإنذار المبكر، وصور الأقمار الصناعية، وبناء القدرات، وممارسة التدريبات المشتركة، والقيام بالتدخلات الطارئة، فضلا عن تنسيق الاستجابة والتعاون وعرض أفضل الممارسات وإنشاء مرصد للعمل التطوعي.
إن الكوارث الطبيعية التي ألحقت دمارا في المنطقة هذا الصيف تشكل دليلاً كافياً على الحاجة إلى الدخول في عصر جديد من الحوكمة الأورومتوسطية. لا شك أن تحسين تكامل الموارد وتقاسمها سوف يسمح لنا ببناء المزيد من القدرة على التكيف مع تغير المناخ وغيره من المخاطر الناشئة إلا أن الأمر يتطلب أيضا العمل على تحسين استجابتنا لحالات الطوارئ.
وتتلخص المسألة في أنه إذا كانت لدينا القدرة على العمل وحماية المزيد من الأرواح معا، ككيان واحد، فعلينا القيام بذلك على الفور.