إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من أسس الديمقراطية.. معادلة ثنائية السلطة والمعارضة تغيب عن بلادنا.. فمن يتحمل المسؤولية؟

 

تونس – الصباح

يبدو أنه لم يعد للمعادلة القائمة على ثنائية السلطة والمعارضة وجود في بلادنا، رغم أن ذلك يعد من أسس الديمقراطية التي تؤسس لمناخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي. إذ تأكد، بما لا يدع مجالا للشك والتكذيب، الفشل الواضح لكل القوى المعارضة سواء تجسد ذلك في غياب برامجها وأنشطتها الميدانية وعدم امتلاكها لقواعد شعبية أو في عدم تجديد أو تطور خطابها وأدوات أو آليات تواصلها. وهو ما فتح الطريق لرئيس الجمهورية قيس سعيد للمضي قدما في مواصلة سياسيته التي انبنت بالأساس وحسب مراحل مختلفة على الدفاع عن صلاحياته كرئيس للجمهورية ليمر، بعد نجاحه في توسيع صلاحيات الرئيس وضمان ذلك دستوريا في الدستور الجديد، إلى مرحلة ما وصفه أحد المنتصرين لمشروعه بـ"إستراتيجية التذويب" تجاه المنظومة السابقة والأحزاب المكونة للمشهد السياسي والمنظمات وغيرها من الأجسام الوسيطة بشكل عام والتي تعد ركائز أساسية أيضا لبناء الديمقراطية والمحافظة عليها وأبرزها الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب.

وكان لوهن الطبقة السياسية لاسيما منها القوى التي اختارت الوقوف في خط المعارضة وفشل كل محاولاتها الحزبية أو الفردية أو الجبهوية في تحيز مكانة وازنة لها في المشهد العام أو لدى سلطة الإشراف كفيلة بترجيح الكفة لفرض شراكتها والإدلاء بدلوها في مواقع القرار أو في مستوى الأوساط السياسية والاجتماعية فضلا عن فشلها في إيصال صوتها إلى القوى الخارجية رغم المحاولات المتكررة عبر المراهنة على هذا الجانب بعد أن انسدت كل الفلول والآفاق داخليا. لأن فشل الطبقة السياسية والأحزاب هذا لم يكن نتيجة لقرار سياسي مباشر وإنما تتحمل هذه الطبقة مسؤوليته فيما تحاول التنصل من ذلك والهروب إلى الأمام. الأمر الذي كان له دور كبير في تيسير مهمة سعيد ليظل "اللاعب" السياسي الوحيد في الساحة وليكون وحده الفاعل في السلطة والمشهد العام رغم أنه لم يكن يمثل جهة سياسية أو أي جسما سياسيا أو مدنيا. ليجد بذلك الطريق مفتوحة أمامه ليدخل بذلك في مرحلة إستراتجية تحصيل القوة تدريجيا عبر تكريس أسس الجمهورية الجديدة وعنوانها نظام رئاسي لدولة اجتماعية وفق مشروع يقوم على البناء القاعدي الذي يعد عنونا كبيرا لمشروعه السياسي، رغم أنه لا يزال يلاقي رفضا في عدة أوساط، وذلك تمهيدا للدخول عمليا في مرحلة الحلول مثلما سبق وأكد على ذلك، وهو ما دفع عدة أصوات غيورة على الدولة والمسار أو من خارج المسار لمطالبة الرئيس بضرورة المراهنة على الكفاءات التونسية دون سواها للنجاح في هذه المرحلة والقطع مع منطق المحاباة والمحسوبية في ظل الغياب الكلي للسياسيين وللمعارضة والمنظمات وغيرها من القوى السياسية.

وحمّل بعض المتابعين للشأن السياسي في بلادنا مسؤولية ما آل إليه الوضع المتردي في الطبقة السياسية اليوم لاسيما في مستوى المعارضة والأحزاب التقليدية والكلاسيكية بالأساس، إلى الطبقة السياسية دون سواها لعدة أسباب لعل من أبرزها غياب التجديد في الشكل والخطاب ومضمون الممارسة السياسية إن وجدت. إضافة إلى عدم الاتعاظ وفهم الرسائل المتواترة منذ سنوات ما بعد 2011 إلى غاية اليوم، والتي كانت في مجملها حمّالة أوجه وبمثابة إنذار وتنبيه للطبق السياسية وترجمت نتائج صناديق الاقتراع في مختلف المحطات الانتخابية جوانب منها. في المقابل انتهجت هذه الطبقة سياسة الهروب إلى الأمام واعتماد نفس الأدوات فكانت لعنة نعرة "الزعامتية" المتفشية في أغلب الأحزاب والانتهازية والاستسهال من العوامل والسمات التي ميزت المرحلة السياسية. وهو العنصر الذي راهن عليه سعيد في سياسته للدولة وتواصله مع المواطنين ليعمق بذلك هوّة التباعد مع الطبقة السياسية.

ويكفي العودة إلى تركيبة المجالس أو المكاتب السياسية وقيادات القوى المعارضة ليتبين الجميع عدم تجديد هذه الهياكل والطبقة لنفسها وتركيبتها وتمسك نفس الأسماء تقريبا بمواقع القيادة في مختلف الأجسام السياسية دون ترك المجال لدخول أسماء وأجيال جديدة إلى مناطق "الأضواء" فيها. وهذا شكل عاملا قويا لفشلها. فحزب العمال أعلن مؤخرا بعد تنظيم مؤتمره عن انتخاب حمة الحمامي أمينا عاما له، ولا يزال الجدل قائما في أوساط حركة النهضة حول تنظيم المؤتمر الحادي عشر الذي تواصل منذ سنوات دون حسم بسبب تمسك رئيسها راشد الغنوشي بمنصبه على رأسها، رغم أن القانون لا يسمح بذلك ورفض شق واسع من قيادييها تنقيح الفصل 31 من القانون الداخلي لهذا الغرض وهو ما أدى إلى حدوث انفجار أفقي وعمودي داخل الحركة، ولا يزال نفس الهاجس يلقي بثقله على النقاش القائم اليوم داخل الحزب حول المؤتمر المؤجل المقرر تنظيمه قبل نهاية العام الجاري. والشأن نفسه تقريبا بالنسبة لأحمد نجيب الشابي وغيره من الأسماء التي انخرطت في ظاهرة السياحة الحزبية أو تأسيس أحزاب بحثا عن مواقع قيادية فيها. فأحزاب الدستوري الحر والتكتل وآفاق تونس ومشروع تونس والجمهوري والمؤتمر من أجل الجمهورية وغيرها من الأحزاب التي تأسست على أنقاض أحزاب أخرى خلال العشرية الماضية تحافظ على نفس تركيبة قيادييها رغم ما تزخر به الساحة من سياسيين شبان اختار أغلبهم التوجه إلى النشاط المدني أو الاستقالة من الممارسة السياسية الحزبية، بعد أن أغلقت الأحزاب السياسية الأبواب أمام مقارباتهم الفكرية والسياسية مكتفية بدورهم كقواعد في الصفوف الخلفية. وعدد كبير من هذه الفئة وجد ضالته في مشروع قيس سعيد ليكون قاعدة واسعة من مناصريه وداعميه.

لذلك لم تنجح أيضا المبادرات الجبهوية والتكتلات في مسارها لمعارضة سياسية سعيد منذ سنتين تقريبا وظلت تراوح مكانها من أجل البقاء لتطلق هذه القوى على نفسا يوم 25 جويلية 2023 رصاصة الرحمة معلنة إفلاسها سياسيا وفكريا وجماهيريا.

فمثل هذه الممارسات طبعت أغلب مكونات الطبقة السياسية المعارضة وكانت سببا وجيها لضربها وضعفها وفشلها، مما ساهم في التأثير سلبيا على مصداقيتها. خاصة أن جل هؤلاء برزوا بنقدهم اللاذع لتفرد سعيد بالرأي والقرار في حين أنهم يأتون نفس الممارسات التي ينتقدونها ويعبرون عن رفضهم لها. لذلك اختارت هذه المعارضة أحزابا وسياسيين كانوا أم مجتمعا مدنيا مدخل الاستنكار وإطلاق صيحات الفزع حول الحريات وحقوق الإنسان كعناصر أساسية للدولة المدنية والنظام الديمقراطي في معارضة سياسية سعيد.

فتداعيات فشل المعارضة وضعفها يتجاوز هذه القوى السياسية والمدنية ليتعداه ليشمل سلطة الإشراف أيضا لأنه لا يمكن لنظام أن يكون ناجحا وناجزا قويا دون وجود معارضة. فهل تستطيع المبادرات السياسية الجديدة أن تلعب دور البديل السياسي؟

نزيهة الغضباني

 

 

من أسس الديمقراطية..   معادلة ثنائية السلطة والمعارضة تغيب عن بلادنا.. فمن يتحمل المسؤولية؟

 

تونس – الصباح

يبدو أنه لم يعد للمعادلة القائمة على ثنائية السلطة والمعارضة وجود في بلادنا، رغم أن ذلك يعد من أسس الديمقراطية التي تؤسس لمناخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي. إذ تأكد، بما لا يدع مجالا للشك والتكذيب، الفشل الواضح لكل القوى المعارضة سواء تجسد ذلك في غياب برامجها وأنشطتها الميدانية وعدم امتلاكها لقواعد شعبية أو في عدم تجديد أو تطور خطابها وأدوات أو آليات تواصلها. وهو ما فتح الطريق لرئيس الجمهورية قيس سعيد للمضي قدما في مواصلة سياسيته التي انبنت بالأساس وحسب مراحل مختلفة على الدفاع عن صلاحياته كرئيس للجمهورية ليمر، بعد نجاحه في توسيع صلاحيات الرئيس وضمان ذلك دستوريا في الدستور الجديد، إلى مرحلة ما وصفه أحد المنتصرين لمشروعه بـ"إستراتيجية التذويب" تجاه المنظومة السابقة والأحزاب المكونة للمشهد السياسي والمنظمات وغيرها من الأجسام الوسيطة بشكل عام والتي تعد ركائز أساسية أيضا لبناء الديمقراطية والمحافظة عليها وأبرزها الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب.

وكان لوهن الطبقة السياسية لاسيما منها القوى التي اختارت الوقوف في خط المعارضة وفشل كل محاولاتها الحزبية أو الفردية أو الجبهوية في تحيز مكانة وازنة لها في المشهد العام أو لدى سلطة الإشراف كفيلة بترجيح الكفة لفرض شراكتها والإدلاء بدلوها في مواقع القرار أو في مستوى الأوساط السياسية والاجتماعية فضلا عن فشلها في إيصال صوتها إلى القوى الخارجية رغم المحاولات المتكررة عبر المراهنة على هذا الجانب بعد أن انسدت كل الفلول والآفاق داخليا. لأن فشل الطبقة السياسية والأحزاب هذا لم يكن نتيجة لقرار سياسي مباشر وإنما تتحمل هذه الطبقة مسؤوليته فيما تحاول التنصل من ذلك والهروب إلى الأمام. الأمر الذي كان له دور كبير في تيسير مهمة سعيد ليظل "اللاعب" السياسي الوحيد في الساحة وليكون وحده الفاعل في السلطة والمشهد العام رغم أنه لم يكن يمثل جهة سياسية أو أي جسما سياسيا أو مدنيا. ليجد بذلك الطريق مفتوحة أمامه ليدخل بذلك في مرحلة إستراتجية تحصيل القوة تدريجيا عبر تكريس أسس الجمهورية الجديدة وعنوانها نظام رئاسي لدولة اجتماعية وفق مشروع يقوم على البناء القاعدي الذي يعد عنونا كبيرا لمشروعه السياسي، رغم أنه لا يزال يلاقي رفضا في عدة أوساط، وذلك تمهيدا للدخول عمليا في مرحلة الحلول مثلما سبق وأكد على ذلك، وهو ما دفع عدة أصوات غيورة على الدولة والمسار أو من خارج المسار لمطالبة الرئيس بضرورة المراهنة على الكفاءات التونسية دون سواها للنجاح في هذه المرحلة والقطع مع منطق المحاباة والمحسوبية في ظل الغياب الكلي للسياسيين وللمعارضة والمنظمات وغيرها من القوى السياسية.

وحمّل بعض المتابعين للشأن السياسي في بلادنا مسؤولية ما آل إليه الوضع المتردي في الطبقة السياسية اليوم لاسيما في مستوى المعارضة والأحزاب التقليدية والكلاسيكية بالأساس، إلى الطبقة السياسية دون سواها لعدة أسباب لعل من أبرزها غياب التجديد في الشكل والخطاب ومضمون الممارسة السياسية إن وجدت. إضافة إلى عدم الاتعاظ وفهم الرسائل المتواترة منذ سنوات ما بعد 2011 إلى غاية اليوم، والتي كانت في مجملها حمّالة أوجه وبمثابة إنذار وتنبيه للطبق السياسية وترجمت نتائج صناديق الاقتراع في مختلف المحطات الانتخابية جوانب منها. في المقابل انتهجت هذه الطبقة سياسة الهروب إلى الأمام واعتماد نفس الأدوات فكانت لعنة نعرة "الزعامتية" المتفشية في أغلب الأحزاب والانتهازية والاستسهال من العوامل والسمات التي ميزت المرحلة السياسية. وهو العنصر الذي راهن عليه سعيد في سياسته للدولة وتواصله مع المواطنين ليعمق بذلك هوّة التباعد مع الطبقة السياسية.

ويكفي العودة إلى تركيبة المجالس أو المكاتب السياسية وقيادات القوى المعارضة ليتبين الجميع عدم تجديد هذه الهياكل والطبقة لنفسها وتركيبتها وتمسك نفس الأسماء تقريبا بمواقع القيادة في مختلف الأجسام السياسية دون ترك المجال لدخول أسماء وأجيال جديدة إلى مناطق "الأضواء" فيها. وهذا شكل عاملا قويا لفشلها. فحزب العمال أعلن مؤخرا بعد تنظيم مؤتمره عن انتخاب حمة الحمامي أمينا عاما له، ولا يزال الجدل قائما في أوساط حركة النهضة حول تنظيم المؤتمر الحادي عشر الذي تواصل منذ سنوات دون حسم بسبب تمسك رئيسها راشد الغنوشي بمنصبه على رأسها، رغم أن القانون لا يسمح بذلك ورفض شق واسع من قيادييها تنقيح الفصل 31 من القانون الداخلي لهذا الغرض وهو ما أدى إلى حدوث انفجار أفقي وعمودي داخل الحركة، ولا يزال نفس الهاجس يلقي بثقله على النقاش القائم اليوم داخل الحزب حول المؤتمر المؤجل المقرر تنظيمه قبل نهاية العام الجاري. والشأن نفسه تقريبا بالنسبة لأحمد نجيب الشابي وغيره من الأسماء التي انخرطت في ظاهرة السياحة الحزبية أو تأسيس أحزاب بحثا عن مواقع قيادية فيها. فأحزاب الدستوري الحر والتكتل وآفاق تونس ومشروع تونس والجمهوري والمؤتمر من أجل الجمهورية وغيرها من الأحزاب التي تأسست على أنقاض أحزاب أخرى خلال العشرية الماضية تحافظ على نفس تركيبة قيادييها رغم ما تزخر به الساحة من سياسيين شبان اختار أغلبهم التوجه إلى النشاط المدني أو الاستقالة من الممارسة السياسية الحزبية، بعد أن أغلقت الأحزاب السياسية الأبواب أمام مقارباتهم الفكرية والسياسية مكتفية بدورهم كقواعد في الصفوف الخلفية. وعدد كبير من هذه الفئة وجد ضالته في مشروع قيس سعيد ليكون قاعدة واسعة من مناصريه وداعميه.

لذلك لم تنجح أيضا المبادرات الجبهوية والتكتلات في مسارها لمعارضة سياسية سعيد منذ سنتين تقريبا وظلت تراوح مكانها من أجل البقاء لتطلق هذه القوى على نفسا يوم 25 جويلية 2023 رصاصة الرحمة معلنة إفلاسها سياسيا وفكريا وجماهيريا.

فمثل هذه الممارسات طبعت أغلب مكونات الطبقة السياسية المعارضة وكانت سببا وجيها لضربها وضعفها وفشلها، مما ساهم في التأثير سلبيا على مصداقيتها. خاصة أن جل هؤلاء برزوا بنقدهم اللاذع لتفرد سعيد بالرأي والقرار في حين أنهم يأتون نفس الممارسات التي ينتقدونها ويعبرون عن رفضهم لها. لذلك اختارت هذه المعارضة أحزابا وسياسيين كانوا أم مجتمعا مدنيا مدخل الاستنكار وإطلاق صيحات الفزع حول الحريات وحقوق الإنسان كعناصر أساسية للدولة المدنية والنظام الديمقراطي في معارضة سياسية سعيد.

فتداعيات فشل المعارضة وضعفها يتجاوز هذه القوى السياسية والمدنية ليتعداه ليشمل سلطة الإشراف أيضا لأنه لا يمكن لنظام أن يكون ناجحا وناجزا قويا دون وجود معارضة. فهل تستطيع المبادرات السياسية الجديدة أن تلعب دور البديل السياسي؟

نزيهة الغضباني

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews