إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحلية مياه البحر.. الحلّ المرّ!

 

تونس – الصباح

يستغرب البعض الى اليوم كيف يمكن لمياه البحر شديدة الملوحة أن تصبح مياها صالحة للشرب وللزراعة..، وأمام اجتياح العطش وندرة موارد المياه الصالحة للشراب بما بات يهدّد حياة ملايين البشر في مناطق مختلفة من العالم ومنها تونس التي تُصنّف ضمن الدول المهدّدة بالعطش والتي بدأت تعاني من الفقر المائي، بات لزاما على كل الدول أمام مخاطر العطش استنباط حلول لأزمة العطش بتوظيف تقنيات فعّالة وآمنة للاستخدام البشري مثل تحلية مياه البحر أو رسكلة المياه المستعملة واستغلالها في الزراعة لتخفيف الضغط على موارد المياه الصالحة للشرب.

وحسب آخر تقدير لمنظمة الصحة العالمية، فان اليوم هناك أكثر من 785 مليون شخص على مستوى العالم يعانون من صعوبة توفير حاجياتهم من المياه الصالحة للشرب ويعاني نحو785 مليونا على مستوى العالم من صعوبة الوصول إلى مصادر نظيفة لمياه الشرب، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وهي مشكلة تزداد سوءا مع استمرار أزمة المناخ الحالية وارتفاع درجة الأرض وشحّ الموارد المائية الجوفية.

وفي هذا الوضع المخيف باعتبار أن الماء هو العنصر الأساسي في الحياة على وجه الكوكب لا يمكن عدم التفكير في معالجة المياه المالحة التي تشكل حوالي97% من المياه الموجودة على كوكب الأرض.

وتونس من بين الدول التي خاضت تجربة تحلية مياه البحر واليوم هناك اعلان رسمي على الانطلاق في تشغيل محطات تحلية جديدة تباعا، ولكن اليوم يرى بعض المهتمين بملف المياه أن هذه المحطات ليست الحلّ السحري كما يحاول البعض التسويق والترويج له، بل هناك حلول أخرى تتغاضى عنها الدولة والمسؤولين لأسباب سنكشفها في هذا الملف ونكشف لماذا يتم اهمال تلك الحلول التي تقدّم ضمانات طويلة المدى حتى لا يعطش التونسيون في حين يهرول المسؤولون إلى تبني حلول مكلفة وباهظة مثل تقنية تحلية المياه.

ولكن هذا لا يعني أن محطات تحلية المياه لا تعد حلاّ، ولكنه حلّ كان يجب أن يأتي في الأخير لا أن يكون بداية الحلول..، كل هذا وغيره من الإشكاليات التي تحفّ بملف تحلية المياه سنتعرّض له تباعا في هذا الملف.

ملف من إعداد: منية العرفاوي

 

محطة جربة الأولى.. ولكن بأي نتائج؟

 

كانت محطة جربة لتحلية مياه البحر ثاني محطة تم إنشاؤها لتحلية مياه البحر بتونس بطريقة التناضح العكسي وهي عملية تقنية تقوم على نظام تصفية للمياه يتمّ عبر نظام رشح دقيق للغاية لا يسمح بمرور سوى جزيئات المياه. وذلك بعد محطة التحلية بقرقنة التي انطلق العمل بها منذ سنة 1984 وبنفس تقنية التناضح العكسي، حيث تم بتاريخ 22 أوت 2012 إبرام اتفاق قرض بين الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه "الصوناد" وبين البنك الألماني لإعادة البناء بمبلغ قدره 600 مليون أورو أي ما يعادل 120 مليون دينار، لتمويل مشروع تحلية مياه البحر في جربة وهو مشروع يعود الإعلان عليه إلى ما قبل الثورة ويعتبر قديما نسبيا إذ تم الإعلان عنه منذ عهد بن علي.

 وبعد الثورة أعيد طرح الموضوع على الطاولة وكانت أشغال الإنجاز قد انطلقت في 2015، وكان من المقرر أن تمتد هذه الأشغال على 32 شهرا بكلفة جملية قدّرت بـ153 مليون دينار، ولكن تم التأجيل أكثر من مرة لعدة أسباب تتعلّق بظروف الإنجاز إلى حين دخول المشروع حيز الاستغلال في نهاية شهر ماي 2018. وقد خصصت وحدة التحلية لتلبية حاجيات المياه الصالحة للشراب للجزيرة والتي تقدّر بـ 40000متر مكعب في اليوم خلال فصل الشتاء و75000متر مكعّب خلال فصل الصيف حسب مؤشرات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. ووفق بعض الدراسات التي أعدت في الغرض قبل انطلاق مشروع المحطة كان يمكن لوحدة التحلية بجربة أن توفّر 50000 متر مكعّب من المياه المحلّاة في اليوم إذا اشتغل خطّا التصنيع بشكل جيد. وهذه الكمية كان يمكن أن تسمح بتغطية احتياجات الجهة من الماء وكان من المتوقع أن تتم توسعة وحدة التحلية في 2023 وهو ما سيمكّن من إنتاج 75000 متر مكعّب من المياه المحلاّة في اليوم.

ولكن هذا الرقم ما زال بعيدا عن الادراك في الوقت الحالي كما أن جزيرة جربة ما زالت مهددة بالعطش كغيرها ولم تحلّ المحطة المشكل كما كان متوقعا..

وتشير كل الدراسات والتقارير الجدية إلى أنه وبداية من عام 2030 يتوقع أن تواجه تونس مشكلة ندرة وشح في المياه. وأن الموارد المائية المتاحة سنويا ستتدنى إلى 360 مليون متر مكعب بعد أن كانت سنة 2006 في حدود 420 مليون متر مكعب وذلك وفق دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول الأمن الغذائي، والتي ذكرت أن بلوغ مستوى 532 مترا مكعبا للفرد الواحد سنويا هو الحد الذي يشير الى بلوغ مرحلة الفقر المائي..

ومنذ سنوات دقّت نواقيس الخطر حول شح المياه في تونس وبدأت في السنوات الأخيرة ظاهرة الانقطاعات المتكررة للمياه تتسع بشكل كبير حيث سجّل المرصد التونسي للمياه سنة 2020 حوالي ألف تبليغ عن انقطاع المياه الصالحة للشراب في مختلف مناطق البلاد.

 

 محطات جديدة..

منذ أشهر قليلة تحوّل ملف المياه وندرتها وانقطاعاتها المتكررة واضطرار "الصوناد" إلى قطع الماء ليلا وبشكل دائم في بعض المناطق الى ملف كبير يشغل الرأي العام ويتصدّر العناوين الإعلامية..، وكخطوة حكومية للبحث عن حلول عقدت رئيسة الحكومة سلسلة من المجالس الوزارية تم تخصيصها لوضع خطط لمجابهة الشح المائي وكان من بين هذه المجالس، مجلس وزاري خصّص لمحور تحلية مياه البحر وقد عرض خلاله الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، تقدم تنفيذ الخطة الوطنية في مجال تحلية مياه البحر ودخول عدد من محطات التحلية حيز الاستغلال. واستعرض المجلس تقدم تنفيذ إنجاز محطات تحلية مياه البحر ومحطات تحلية المياه الجوفية المالحة المبرمجة للفترة القادمة كما أكد المجلس على ضرورة العمل على ترشيد استهلاك الماء والعمل على الاستفادة بشكل أفضل من مواردنا المائية.

وكان الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) مصباح الهلالي أعلن منذ أسابيع قليلة أنهم في طور إنجاز 3 محطات لتحلية مياه البحر في كل من قابس وصفاقس وسوسة ستدخل حيز الاستغلال موفى سنة 2024..، وكل هذه المحطات تأتي كمشاريع في إطار سياسة الدولة لمواجهة أزمة الجفاف التي تمر بها بلادنا مند أربعة مواسم متتالية. وقد دخلت بلادنا حالة طوارئ مائية تتمثل في نظام مقنن يستمر عدة أشهر لتوزيع الماء الصالح للشرب، ومنع استعماله لأغراض أخرى بسبب أزمة الجفاف الحادة. كما فرضت وزارة الفلاحة نظام الحصص في توزيع مياه الشرب وحجرت استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للأغراض الفلاحية ولري المساحات الخضراء ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة ولغسل السيارات. وبدورها أعلنت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه "الصوناد" عن قطع الماء خلال الفترة الليلية بدءا من الساعة التاسعة ليلا إلى حدود الساعة الرابعة صباحاوذلك حسب الموارد المائية المتوفرة مع إمكانية تعديل الفترة لكل جهة حسب الطلب على المياه وتطور الظروف المناخية وخاصة درجات الحرارة.

ورغم كل هذه الإجراءات العاجلة لمحاولة تخفيف الضغط على الموارد المائية واستنزافها الا أن الرهان الاستراتيجي اليوم للدولة بدا واضحا أنه يتركّز بالأساس على التوجّه الى تحلية مياه البحر.

وأهم هذه المحطات التي تراهن عليها الدولة اليوم هي محطة تحلية مياه البحر بصفاقس التي تعاني من شح مائي كبير، ويعتبر مشروع محطة تحلية مياه البحر في صفاقس الأضخم في البلاد بكلفة تتجاوز 210 ملايين دولار. وسيوفر في مرحلة أولى كمية مائة ألف متر مكعب من المياه الخاضعة للتحلية يوميا وصولا إلى 200 ألف متر مكعب يوميا في المرحلة الثانية علما وأن احتياجات ولاية صفاقس من الماء تبلغ 150 ألف متر مكعّب يوميا. وتمتد فترة الإنجاز على سنتين ونصف حيث ستحدد حصة مساهمة الدولة بمبلغ 45 مليون دولار في حين يجري تمويل المبلغ الباقي من قرض مقدم من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي مع تحديد مهلة استرجاعه خلال 25 عاما.

والى جانب محطة صفاقس هناك محطة ثانية هي محطة تحلية مياه البحر في قابس وهي محطة الزارات التي ستنطلق في العمل.

التحلية والتكلفة الباهظة!

أكدت "الصوناد" في أواخر 2018 أن اللجوء لتحلية مياه البحر لتأمين التزود بمياه الصالحة للشراب إلى سنة 2035 دفع بالشركة إلى رصد 1.4 مليار  دينار. وأكد الرئيس المدير العام لـ"الصوناد" بمناسبة توقيع اتفاقية ألمانية تونسية وقتها لإحداث محطة لتحلية مياه البحر بالزارات بولاية قابس أن الشركة مضطرة لتحلية مياه البحر لعدم وجود بديل في ظلّ ندرة المياه السطحية بالجنوب، مشيرا إلى أن كلفة تحلية متر مكعب يتجاوز 3 دنانير في حين أنّ سعر البيع للمستهلك يقدّر بـ 200 مليم فقط وهو ما يفرض على الشركة كلفة استثمارات باهظة ويؤثر على التوازنات المالية للشركة.

ويؤكد القائمون على الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه أنه في حال أنهت الشركة برنامجها من محطات التحلية بجربة والزارات وصفاقس سيتم تأمين التزود بالماء الصالح للشراب إلى حدود سنة 2035.

السدود.. ثروة مائية مستنزفة

تُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن طاقة تعبئتها لا تتجاوز النصف سنويا بسبب الجفاف وبسبب الطمي المتواجد بهذه السدود والذي منع استغلال الحوض بالكامل في تعبئة الموارد المائية.

ولسنوات أدت سدود عملاقة مثل ملاق وسيدي سالم دورها في تأمين حاجيات تونس المائية، فسد مثل سد سيدي سالم الذي تم إنجازه في بداية الثمانينات، تقدر طاقة استيعابه الحالية دون احتساب الترسبات بالحوض حوالي 550 مليون م3 من المياه، ويعتبر سيدي سالم القلب النابض لمنظومة التحويل لمياه الشمال حيث يقع استغلاله لتوليد الطاقة وبدرجة أولى للري والشرب بأغلب جهات البلاد، حيث يضخ كميات هامة لقنال مجردة الوطن القبلي لتأمين مياه الشرب لولايات تونس الكبرى ونابل والولايات الساحلية وصفاقس. وقد ساهم بصفة كبيرة في إنقاذ غابات القوارص بالوطن القبلي منذ أكثر من عشرين سنة وذلك بري حوالي 16000 هك تقريبا من أشجار القوارص. والمخزون الحالي للسدّ بعد الأمطار الأخيرة يقدر بحوالي 161 مليون م3 بنسبة امتلاء دون 30%، وفق المهندس الخبير في المياه محمد صالح قٌلايد في تصريح لـ»الصباح«. 

ولكن ورغم دخول سدود جديدة حيز العمل في العقود الأخيرة الا أن تمدد سنوات الجفاف جعلت هذه السدود عاجزة عن تلبية حاجيات البلاد بالإضافة إلى أن بعضها امتلأ بالترسبات ولم يعد قادرا على التعبئة الكاملة لمياه الأمطار.

رسكلة المياه المستعملة.. حلّ ومشكل!

منذ أسابيع قليلة وقّع وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد ووالممثل المقيم للبنك الدولي بتونس بحضور وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي والرئيس المدير العام للديوان الوطني للتطهير، على اتفاقية تمويل بين الجمهورية التونسية والبنك، تبلغ قيمتها113،6 مليون أورو أي ما يناهز 377،620 مليون دينار لفائدة مشروع دعم استغلال عدد من منشآت التطهير بتونس الشمالية أي ولايتي تونس وأريانة وبالجنوب في كل من صفاقس وقابس ومدنين وتطاوين عن طريق اللزمة. وتبلغ الكلفة الجملية لهذا المشروع حوالي 1746 مليون دينار سيتم تنفيذه على امتداد 10 سنوات. ويساهم البنك الدولي للإنشاء والتعمير في إنجاز هذا المشروع من خلال التمويل الذي تم توقيعه حيث سيخصص للمساهمة في إنجاز الأشغال الضرورية لتأهيل وتجديد التجهيزات الثابتة والمتقادمة بمحطات التطهير ومحطات الضخ فضلا عن دعم القدرات ومصاحبة الديوان الوطني للتطهير في تنفيذ المشروع الذي يعتبر الأوّل من نوعه باعتباره سينجز بين القطاع العام والقطاع الخاص.

وتقنية معالجة المياه المستعملة في تونس هي تقنية قديمة ولكنها كثيرا ما أثارت الانتقادات ويعتبرها البعض غير مطابقة للمواصفات الدولية وهي تتم بمواصفات تونسية لا تستجيب لمعايير الجودة في حين يرى البعض الآخر أنه لو تمت المراهنة بجدية على هذه التقنية لكنت أنجع من تحلية مياه البحر وأقل تكلفة، حيث هناك اليوم دول تقوم بالمعالجة الثلاثية لهذه المياه وتستعملها حتى في الشرب ولكن كمّيات المياه المستعملة التي يقوم ديوان التطهير بمعالجتها تبدو بسيطة جدا مقارنة بتلك غير المعالجة حيث تقدّر المياه التي لا يتولّ الدّيوان معالجتها بالوسطين الحضري والرّيفي 75.8 مليون متر مكعّب إذ يتم سكبها مباشرة في الوسط الطبيعي.

وفي واحد من تقاريرها الرقابية الهامة تقول محكمة المحاسبات في تقريرها لسنة 2015 أن كل محطات التطهير التي يشرف عليها ديوان التطهير تعاني من مشاكل عدة منها القدم ونقص التقنيات الحديثة وقد أدّت هذه الوضعية إلى التدهور البيئيّ مثل ما هو حاصل في خليج تونس ووادي مجردة، حيث تبيّن ضعف نسق ومجال الرقابة التي تقوم بها وزارة الصحة والوكالة الوطنية لحماية المحيط على محطات التطهير والمياه التي تفرزها. وتقتصر رقابة الوزارة المكلفة بالصحة على البحث الجرثومتي والكوليرا والسالمونيلا دون القيام بتحليل بعض المواد الصلبة الخطيرة على الصحة. فيما كادت رقابة الوكالة تغيب عن محطّات التطهير واقتصرت عمليات الرقابة على 37% من جملة المحطات ولم تشمل التحاليل في المعدل سوى 11% من عدد العناصر المبينة في المواصفة.

وتؤكد أيضا محكمة المحاسبات أن نسبة المؤسسات الصناعيّة التي تسكب مياه مستعملة غير مطابقة للمواصفات التونسيّة 74% في سنة 2011. ويعود ذلك أساسا إلى عدم التزام بعض المؤسسات الصناعيّة بالمعالجة الأوّليّة حيث أنّ ثلث هذه المؤسّسات في وضعية مخالفة للقوانين ولكرّاسات الشروط. كما أنّ بعضها يقوم بمعالجة غير ملائمة أمام محدوديّة رقابة الدّيوان الوطني للتّطهير التي لم تتعدّ 20% في سنة 2011مثلا..

وقد بلغت نسبة عدم مطابقة المياه الصادرة عن محطات التطهير للمواصفة في المجال الفلاحي 50% في 18 محطة منها 10 محطات وصلت 100% من جملة 27 محطة وفق تقرير دائرة المحاسبات التي تضيف أن هذه النسب تبقى قابلة للارتفاع حيث تمّ إجراء الفحوصات المعنية على المياه عند خروجها مباشرة من المحطات وبالتالي فهي قابلة للمزيد من التلوّث أثناء مرحلة وصولها للمناطق السقوية.

كما أشار التقرير إلى أن عمليّة التّصرّف في المناطق الخضراء المرويّة بالمياه المستعملة المعالجة وملاعب الصولجان دون وجود نصّ قانوني ينظّم مجالات وحدود هذا الاستعمال ويحدد الشروط الكفيلة بحماية المستعملين وفي غياب مواصفات خاصة بهذا المجال. واتّضح أيضا عدم استجابة المياه المعالجة المستعملة في المناطق الخضراء وملاعب الصّولجان للمواصفات الخاصة بنوعية المياه التي يقع سكبها بالمحيط حيث أنّ نسب عدم المطابقة قد فاقت 50% في ستّ محطات من مجموع ثماني محطّات خلال الفترة 2009-2011.

وقد ارتفع في السنوات الأخيرة الحجم السنوي للمياه غير التقليدية التي ينتجها الديوان الوطني للتطهير من 140 مليون متر مكعب خلال التسعينات إلى 275 مليون متر مكعب حاليا فيما تطورت الكميات الموزعة من 5.5 مليون متر مكعب الى 18 مليون متر مكعب حاليا وهو ما قد يعادل مخزون سد واحد .
الا أن الاستعمال المناسب للمياه المستعملة في المناطق السقوية يتطلب نوعية جيدة من المياه المطابقة للمواصفات والمحاصيل المسموح بها وتصرف ملائم في المياه والتربة والمراقبة الدورية للمياه والتربة والمحاصيل والفلاحين.
في حين أن أغلب مياه الصرف الصحي الموزعة لا تستجيب الى المعايير المعمول بها خاصة وأن الديوان الوطني للتطهير على غرار أغلب المؤسسات العمومية، يعاني من مشاكل مادية حالت دون تنفيذ برامجه، إلى درجة هناك من ينادي لاعتبار الديوان الوطني للتطهير بمثابة هيكل ملوث.

علاء المرزوقي (المرصد الوطني للمياه): التوجّه إلى محطات تحلية مياه البحر فرضته الجهات المانحة والممولة..!

 

من الجمعيات المدنية التي لها اهتمام كبير بملف المياه وقدمت مقترحات مهمة جدّا في علاقة بمواجهة شحّ الموارد المائية نجد المرصد الوطني للمياه، وفي هذا السياق كان لنا لقاء مع منسق المرصد علاء المرزوقي الذي قال حول ملف تحلية مياه البحر أنه»حق أريد به باطل«، مضيفا:»كدولة يُفترض أن تكون تحلية مياه البحر آخر حلّ تذهب إليه، أولا لأن كلفته باهظة جدا في وضع اقتصادي منهار، فهي تنتج المتر مكعب مياه في هذه المحطات بـ 3.5 دينار لتبيعه بـ 400 مليم، هذا بالإضافة إلى الأضرار البيئية العميقة التي تلحقها هذه المحطات، ولكن للأسف أقول أن التوجّه نحو محطات التحلية فرضته الجهات المانحة الممولة لهذه المحطات، والسؤال اليوم ماذا حققت محطة مثل محطة جربة لتحلية المياه..، استفادت بعض النزل ليس إلا..، ربما بالنسبة لصفاقس الأمر مختلف لأنها ولاية تعيش فقرا مائيا مدقعا، وبالتالي فان محطة تحلية مياه بحر بالجهة يمكن أن يكون حلا من بين حلول أخرى، ولكن التوجّه الكلي نحو محطات التحلية وبتوظيف قروض دولية كبيرة فان ذلك سيرهن البلاد في مديونية الى ثلاثين سنة قادمة في حين هناك حلول أخرى تقوم على المعالجة الجذرية للمشكل«.

وفي هذا السياق أشار علاء المرزوقي إلى أن التسرّبات في قنوات المياه تصل الى50 بالمائة في بعض القنوات وبعض المناطق مثل قابس وتطاوين بالنظر الى اهتراء شبكة القنوات وتهالكها وهي التي يصل عمر بعضها الى أربعين سنة، وهذه التسربات تعتبر لوحدها ثروة مائية مهدورة، ويقول المرزوقي:"كان يفترض بالدولة أن تفكر في تجديد شبكة القنوات وهي بذلك ستربح كميات مياه هائلة كانت تُهدر بسبب التسربات".

ويضيف علاء المرزوقي أن من القطاعات التي تستنزف الموارد المائية بشكل كبير نجد القطاع الفلاحي الذي يحتكر 80 بالمائة من الموارد، وأن جزءا كبيرا من المنتوجات الفلاحية المستنزفة للموارد المائية معدة للتصدير، وأنه كان يفترض إيقاف هذا الاستنزاف بالالتزام بخارطة انتاج فلاحي كما يحدث في كل الدول، تراعي خصوصيات المناطق المنتجة الطبيعية كما تراعي حاجياتنا من ذلك الإنتاج، فلا يمكن أن تكون زراعات مصدّرة كليا وتستنزف الموارد المائية التي تؤمنها "الصوناد" وتنفق عليها المجموعة الوطنية.

ويقول المرزوقي: "في دولة تعاني شحا مائيا ويستهلك قطاع الفلاحة 80 بالمائة من مواردها المائية نحن لا نملك الى اليوم خريطة انتاج فلاحي حسب حاجياتنا وحسب الخصوصيات المناخية لكل جهة كما هو معمول به في مختلف الدول".

وعن رسكلة المياه المستعملة يقول علاء المرزوقي، أن هذه التقنية تطورت بشكل كبير في دول كثيرة من العالم ووصلت أحيانا الى المعالجة الثلاثية التي تؤدي الى انتاج ماء زلال صالح حتى إلى الشرب، قائلا: "نسبة المياه المستعملة تبلغ سنويا 300 مليون متر مكعب وهو ما قد يمثل طاقة 3 سدود متوسطة من الموارد..، ولكن هذه الثروة تهدر دون أن نستفيد منها، ولا نستغل منها الا ما نسبته 5 بالمائة، هذا بالإضافة أنها تكبدنا كلفة أخرى وهي كلفة التلوث".

وقد أشار علاء المرزوقي إلى أنه قبل التفكير في التحلية كان يفترض أن نتجه لتجديد القنوات لتفادي التسرّبات، هذا بالإضافة إلى التحوّل كليا  إلى المعالجة الثنائية على الأقل للمياه المستعملة في جزء من الفلاحة السقوية، بالإضافة إلى مكافحة ظاهرة الآبار العشوائية وغير المراقبة التي قال عنها منسق مرصد المياه انها بلغت حوالي 21 ألف بئر عشوائي تستنزف الموارد الجوفية من المياه دون مراقبة.

ويختم علاء المرزوقي حديثه بالقول أن بلادنا مستباحة اليوم بسبب ضغط لوبيات الجهات المانحة وفرض التوجّه الى تحلية المياه والذي تستفيد منها بتسويق تقنيات بلدانها وخبراتها، قائلا: "أنا لا ألوم من يبحث عن مصلحة بلده، ولكن ألوم الدولة التونسية التي تتجه إلى حلول مكلفة وباهظة ولا تتوجّه نحو الحلول الجذرية والتاريخية التي ستمنحنا أمانا مائيا لعقود وسنوات قادمة".

 

المهندس المختص في المياه محمد صالح قلايد: تحلية مياه البحر.. شرّ لا بد منه!

 

حول أزمة المياه ومحطات تحلية مياه البحر يقول المهندس المختص في المياه والناشط في جمعيات وطنية ودولية تهتم بأزمة الموارد المائية، محمد صالح قلايد، أن أزمة المياه ليست أزمة مستجدة في تونس وأن بلادنا تعاني من فقر مائي منذ أكثر من عشرية وخاصة على مستوى المياه السطحية والأودية وذلك بسبب تغيّر المناخ..

ويضيف محمد صالح قلايد: "هذه الأزمة تحدّثنا عنها منذ سنة 2007 عندما بدأت التساقطات المائية تتقلّص ما بين 15 و25% وذلك سيكون إلى موفى سنة 2030..، وطبيعي أن يؤثر ذلك على منسوب السدود خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تحفّز على التبخّر السريع على المخزونات المائية في تلك السدود، هذا على مستوى الموارد السطحية، وبالنسبة للموارد الجوفية فلدينا اليوم أكثر من 20 ألف بئر عشوائية وهو ما يساهم بشكر كبير في استنزاف الموارد المائية الجوفية خاصة مع تفاقم الطلبات فإن الأزمة ستتفاقم تدريجيا..، هذا بالإضافة إلى تتالي أزمة الجفاف على سبع سنوات متواصلة وهو ما انعكس سلبا على امتلاء السدود".

وحول الأمطار الأخيرة يقول محمد صالح القلايد أنه في الوقت الحالي تم تسجيل نسبة امتلاء بـ34%، كما أشار محدّثنا إلى أن الفلاحة لوحدها تستهلك ما بين 78 و80% من المياه حيث تنتشر زراعات مستنزفة للموارد المائية مثل الخضروات وخاصة الطماطم والدلاع.

وفي علاقة بتحلية مياه البحر يقول محمد صالح قلايد أنه شرّ لا بد منه، مضيفا: »هي من الحلول الاستراتيجية لتفادي أزمة شح الموارد المائية والعطش وخاصة في بعض مناطق الجمهورية التي تشهد ندرة خطيرة في الموارد مثل الجنوب الشرقي ونحن بعد محطة جربة ومحطة صفاقس التي على وشك الاشغال أن تنتهي هناك محطة الزارات التي هي اليوم على وشك أن ينطلق العمل بها، كما أن هناك محطة صغيرة الحجم بمنطقة سيدي عبد الحميد بسوسة، ورغم أهمية هذه المحطات ولكن كلفتها الباهظة في إنتاج المتر مكعب التي تفوق 3 دنانير مقابل بيعها بسعر أقل للمستهلك تجعل منها حلولا أخيرة لا نلجأ اليها الا في الضرورة القصوى«.  

وبالنسبة لتنقية معالجة المياه المستعملة التي يقترحها البعض كحل لمعضلة شحذ الموارد المائية يقول، محمد صالح قلايد، أنه كان يفترض أن يتم العمل أكثر على معالجة المياه واستعمالها في الفلاحة، كما أشار محدثنا إلى أن هناك اليوم 120 محطة يشرف عليها ديوان التطهير وأن هذه المياه كان يمكن أن تكون حلا وتستعمل بوصفة آمنة، خاصة وأن اليوم هناك تأكيد على أن70 بالمائة من هذه المياه المعالجة هي بمواصفات تونسية، تتم تحت إشراف ديوان التطهير ويتم استعمالها في الفلاحة، بينما نجد جزءا كبيرا منها تذهب في البحار والسباخ..

ويقول محمد صالح قلايد: "الفلسفة العامة لمعالجة المياه المستعملة كان تثمينها واستعمالها في بعض الزراعات بشكل كامل مثل زراعة الأعلاف، ولكن ذلك لم يحصل، واليوم نجد أن الأعلاف وتقريبا بنسبة مائة في المائة مروية بالمياه الصالحة للشرب".  مشيرا الى أن ذلك يمثل اهدارا كبيرا للموارد المائية.

تحلية مياه البحر.. الحلّ المرّ!

 

تونس – الصباح

يستغرب البعض الى اليوم كيف يمكن لمياه البحر شديدة الملوحة أن تصبح مياها صالحة للشرب وللزراعة..، وأمام اجتياح العطش وندرة موارد المياه الصالحة للشراب بما بات يهدّد حياة ملايين البشر في مناطق مختلفة من العالم ومنها تونس التي تُصنّف ضمن الدول المهدّدة بالعطش والتي بدأت تعاني من الفقر المائي، بات لزاما على كل الدول أمام مخاطر العطش استنباط حلول لأزمة العطش بتوظيف تقنيات فعّالة وآمنة للاستخدام البشري مثل تحلية مياه البحر أو رسكلة المياه المستعملة واستغلالها في الزراعة لتخفيف الضغط على موارد المياه الصالحة للشرب.

وحسب آخر تقدير لمنظمة الصحة العالمية، فان اليوم هناك أكثر من 785 مليون شخص على مستوى العالم يعانون من صعوبة توفير حاجياتهم من المياه الصالحة للشرب ويعاني نحو785 مليونا على مستوى العالم من صعوبة الوصول إلى مصادر نظيفة لمياه الشرب، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وهي مشكلة تزداد سوءا مع استمرار أزمة المناخ الحالية وارتفاع درجة الأرض وشحّ الموارد المائية الجوفية.

وفي هذا الوضع المخيف باعتبار أن الماء هو العنصر الأساسي في الحياة على وجه الكوكب لا يمكن عدم التفكير في معالجة المياه المالحة التي تشكل حوالي97% من المياه الموجودة على كوكب الأرض.

وتونس من بين الدول التي خاضت تجربة تحلية مياه البحر واليوم هناك اعلان رسمي على الانطلاق في تشغيل محطات تحلية جديدة تباعا، ولكن اليوم يرى بعض المهتمين بملف المياه أن هذه المحطات ليست الحلّ السحري كما يحاول البعض التسويق والترويج له، بل هناك حلول أخرى تتغاضى عنها الدولة والمسؤولين لأسباب سنكشفها في هذا الملف ونكشف لماذا يتم اهمال تلك الحلول التي تقدّم ضمانات طويلة المدى حتى لا يعطش التونسيون في حين يهرول المسؤولون إلى تبني حلول مكلفة وباهظة مثل تقنية تحلية المياه.

ولكن هذا لا يعني أن محطات تحلية المياه لا تعد حلاّ، ولكنه حلّ كان يجب أن يأتي في الأخير لا أن يكون بداية الحلول..، كل هذا وغيره من الإشكاليات التي تحفّ بملف تحلية المياه سنتعرّض له تباعا في هذا الملف.

ملف من إعداد: منية العرفاوي

 

محطة جربة الأولى.. ولكن بأي نتائج؟

 

كانت محطة جربة لتحلية مياه البحر ثاني محطة تم إنشاؤها لتحلية مياه البحر بتونس بطريقة التناضح العكسي وهي عملية تقنية تقوم على نظام تصفية للمياه يتمّ عبر نظام رشح دقيق للغاية لا يسمح بمرور سوى جزيئات المياه. وذلك بعد محطة التحلية بقرقنة التي انطلق العمل بها منذ سنة 1984 وبنفس تقنية التناضح العكسي، حيث تم بتاريخ 22 أوت 2012 إبرام اتفاق قرض بين الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه "الصوناد" وبين البنك الألماني لإعادة البناء بمبلغ قدره 600 مليون أورو أي ما يعادل 120 مليون دينار، لتمويل مشروع تحلية مياه البحر في جربة وهو مشروع يعود الإعلان عليه إلى ما قبل الثورة ويعتبر قديما نسبيا إذ تم الإعلان عنه منذ عهد بن علي.

 وبعد الثورة أعيد طرح الموضوع على الطاولة وكانت أشغال الإنجاز قد انطلقت في 2015، وكان من المقرر أن تمتد هذه الأشغال على 32 شهرا بكلفة جملية قدّرت بـ153 مليون دينار، ولكن تم التأجيل أكثر من مرة لعدة أسباب تتعلّق بظروف الإنجاز إلى حين دخول المشروع حيز الاستغلال في نهاية شهر ماي 2018. وقد خصصت وحدة التحلية لتلبية حاجيات المياه الصالحة للشراب للجزيرة والتي تقدّر بـ 40000متر مكعب في اليوم خلال فصل الشتاء و75000متر مكعّب خلال فصل الصيف حسب مؤشرات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. ووفق بعض الدراسات التي أعدت في الغرض قبل انطلاق مشروع المحطة كان يمكن لوحدة التحلية بجربة أن توفّر 50000 متر مكعّب من المياه المحلّاة في اليوم إذا اشتغل خطّا التصنيع بشكل جيد. وهذه الكمية كان يمكن أن تسمح بتغطية احتياجات الجهة من الماء وكان من المتوقع أن تتم توسعة وحدة التحلية في 2023 وهو ما سيمكّن من إنتاج 75000 متر مكعّب من المياه المحلاّة في اليوم.

ولكن هذا الرقم ما زال بعيدا عن الادراك في الوقت الحالي كما أن جزيرة جربة ما زالت مهددة بالعطش كغيرها ولم تحلّ المحطة المشكل كما كان متوقعا..

وتشير كل الدراسات والتقارير الجدية إلى أنه وبداية من عام 2030 يتوقع أن تواجه تونس مشكلة ندرة وشح في المياه. وأن الموارد المائية المتاحة سنويا ستتدنى إلى 360 مليون متر مكعب بعد أن كانت سنة 2006 في حدود 420 مليون متر مكعب وذلك وفق دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول الأمن الغذائي، والتي ذكرت أن بلوغ مستوى 532 مترا مكعبا للفرد الواحد سنويا هو الحد الذي يشير الى بلوغ مرحلة الفقر المائي..

ومنذ سنوات دقّت نواقيس الخطر حول شح المياه في تونس وبدأت في السنوات الأخيرة ظاهرة الانقطاعات المتكررة للمياه تتسع بشكل كبير حيث سجّل المرصد التونسي للمياه سنة 2020 حوالي ألف تبليغ عن انقطاع المياه الصالحة للشراب في مختلف مناطق البلاد.

 

 محطات جديدة..

منذ أشهر قليلة تحوّل ملف المياه وندرتها وانقطاعاتها المتكررة واضطرار "الصوناد" إلى قطع الماء ليلا وبشكل دائم في بعض المناطق الى ملف كبير يشغل الرأي العام ويتصدّر العناوين الإعلامية..، وكخطوة حكومية للبحث عن حلول عقدت رئيسة الحكومة سلسلة من المجالس الوزارية تم تخصيصها لوضع خطط لمجابهة الشح المائي وكان من بين هذه المجالس، مجلس وزاري خصّص لمحور تحلية مياه البحر وقد عرض خلاله الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، تقدم تنفيذ الخطة الوطنية في مجال تحلية مياه البحر ودخول عدد من محطات التحلية حيز الاستغلال. واستعرض المجلس تقدم تنفيذ إنجاز محطات تحلية مياه البحر ومحطات تحلية المياه الجوفية المالحة المبرمجة للفترة القادمة كما أكد المجلس على ضرورة العمل على ترشيد استهلاك الماء والعمل على الاستفادة بشكل أفضل من مواردنا المائية.

وكان الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) مصباح الهلالي أعلن منذ أسابيع قليلة أنهم في طور إنجاز 3 محطات لتحلية مياه البحر في كل من قابس وصفاقس وسوسة ستدخل حيز الاستغلال موفى سنة 2024..، وكل هذه المحطات تأتي كمشاريع في إطار سياسة الدولة لمواجهة أزمة الجفاف التي تمر بها بلادنا مند أربعة مواسم متتالية. وقد دخلت بلادنا حالة طوارئ مائية تتمثل في نظام مقنن يستمر عدة أشهر لتوزيع الماء الصالح للشرب، ومنع استعماله لأغراض أخرى بسبب أزمة الجفاف الحادة. كما فرضت وزارة الفلاحة نظام الحصص في توزيع مياه الشرب وحجرت استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للأغراض الفلاحية ولري المساحات الخضراء ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة ولغسل السيارات. وبدورها أعلنت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه "الصوناد" عن قطع الماء خلال الفترة الليلية بدءا من الساعة التاسعة ليلا إلى حدود الساعة الرابعة صباحاوذلك حسب الموارد المائية المتوفرة مع إمكانية تعديل الفترة لكل جهة حسب الطلب على المياه وتطور الظروف المناخية وخاصة درجات الحرارة.

ورغم كل هذه الإجراءات العاجلة لمحاولة تخفيف الضغط على الموارد المائية واستنزافها الا أن الرهان الاستراتيجي اليوم للدولة بدا واضحا أنه يتركّز بالأساس على التوجّه الى تحلية مياه البحر.

وأهم هذه المحطات التي تراهن عليها الدولة اليوم هي محطة تحلية مياه البحر بصفاقس التي تعاني من شح مائي كبير، ويعتبر مشروع محطة تحلية مياه البحر في صفاقس الأضخم في البلاد بكلفة تتجاوز 210 ملايين دولار. وسيوفر في مرحلة أولى كمية مائة ألف متر مكعب من المياه الخاضعة للتحلية يوميا وصولا إلى 200 ألف متر مكعب يوميا في المرحلة الثانية علما وأن احتياجات ولاية صفاقس من الماء تبلغ 150 ألف متر مكعّب يوميا. وتمتد فترة الإنجاز على سنتين ونصف حيث ستحدد حصة مساهمة الدولة بمبلغ 45 مليون دولار في حين يجري تمويل المبلغ الباقي من قرض مقدم من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي مع تحديد مهلة استرجاعه خلال 25 عاما.

والى جانب محطة صفاقس هناك محطة ثانية هي محطة تحلية مياه البحر في قابس وهي محطة الزارات التي ستنطلق في العمل.

التحلية والتكلفة الباهظة!

أكدت "الصوناد" في أواخر 2018 أن اللجوء لتحلية مياه البحر لتأمين التزود بمياه الصالحة للشراب إلى سنة 2035 دفع بالشركة إلى رصد 1.4 مليار  دينار. وأكد الرئيس المدير العام لـ"الصوناد" بمناسبة توقيع اتفاقية ألمانية تونسية وقتها لإحداث محطة لتحلية مياه البحر بالزارات بولاية قابس أن الشركة مضطرة لتحلية مياه البحر لعدم وجود بديل في ظلّ ندرة المياه السطحية بالجنوب، مشيرا إلى أن كلفة تحلية متر مكعب يتجاوز 3 دنانير في حين أنّ سعر البيع للمستهلك يقدّر بـ 200 مليم فقط وهو ما يفرض على الشركة كلفة استثمارات باهظة ويؤثر على التوازنات المالية للشركة.

ويؤكد القائمون على الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه أنه في حال أنهت الشركة برنامجها من محطات التحلية بجربة والزارات وصفاقس سيتم تأمين التزود بالماء الصالح للشراب إلى حدود سنة 2035.

السدود.. ثروة مائية مستنزفة

تُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن طاقة تعبئتها لا تتجاوز النصف سنويا بسبب الجفاف وبسبب الطمي المتواجد بهذه السدود والذي منع استغلال الحوض بالكامل في تعبئة الموارد المائية.

ولسنوات أدت سدود عملاقة مثل ملاق وسيدي سالم دورها في تأمين حاجيات تونس المائية، فسد مثل سد سيدي سالم الذي تم إنجازه في بداية الثمانينات، تقدر طاقة استيعابه الحالية دون احتساب الترسبات بالحوض حوالي 550 مليون م3 من المياه، ويعتبر سيدي سالم القلب النابض لمنظومة التحويل لمياه الشمال حيث يقع استغلاله لتوليد الطاقة وبدرجة أولى للري والشرب بأغلب جهات البلاد، حيث يضخ كميات هامة لقنال مجردة الوطن القبلي لتأمين مياه الشرب لولايات تونس الكبرى ونابل والولايات الساحلية وصفاقس. وقد ساهم بصفة كبيرة في إنقاذ غابات القوارص بالوطن القبلي منذ أكثر من عشرين سنة وذلك بري حوالي 16000 هك تقريبا من أشجار القوارص. والمخزون الحالي للسدّ بعد الأمطار الأخيرة يقدر بحوالي 161 مليون م3 بنسبة امتلاء دون 30%، وفق المهندس الخبير في المياه محمد صالح قٌلايد في تصريح لـ»الصباح«. 

ولكن ورغم دخول سدود جديدة حيز العمل في العقود الأخيرة الا أن تمدد سنوات الجفاف جعلت هذه السدود عاجزة عن تلبية حاجيات البلاد بالإضافة إلى أن بعضها امتلأ بالترسبات ولم يعد قادرا على التعبئة الكاملة لمياه الأمطار.

رسكلة المياه المستعملة.. حلّ ومشكل!

منذ أسابيع قليلة وقّع وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد ووالممثل المقيم للبنك الدولي بتونس بحضور وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي والرئيس المدير العام للديوان الوطني للتطهير، على اتفاقية تمويل بين الجمهورية التونسية والبنك، تبلغ قيمتها113،6 مليون أورو أي ما يناهز 377،620 مليون دينار لفائدة مشروع دعم استغلال عدد من منشآت التطهير بتونس الشمالية أي ولايتي تونس وأريانة وبالجنوب في كل من صفاقس وقابس ومدنين وتطاوين عن طريق اللزمة. وتبلغ الكلفة الجملية لهذا المشروع حوالي 1746 مليون دينار سيتم تنفيذه على امتداد 10 سنوات. ويساهم البنك الدولي للإنشاء والتعمير في إنجاز هذا المشروع من خلال التمويل الذي تم توقيعه حيث سيخصص للمساهمة في إنجاز الأشغال الضرورية لتأهيل وتجديد التجهيزات الثابتة والمتقادمة بمحطات التطهير ومحطات الضخ فضلا عن دعم القدرات ومصاحبة الديوان الوطني للتطهير في تنفيذ المشروع الذي يعتبر الأوّل من نوعه باعتباره سينجز بين القطاع العام والقطاع الخاص.

وتقنية معالجة المياه المستعملة في تونس هي تقنية قديمة ولكنها كثيرا ما أثارت الانتقادات ويعتبرها البعض غير مطابقة للمواصفات الدولية وهي تتم بمواصفات تونسية لا تستجيب لمعايير الجودة في حين يرى البعض الآخر أنه لو تمت المراهنة بجدية على هذه التقنية لكنت أنجع من تحلية مياه البحر وأقل تكلفة، حيث هناك اليوم دول تقوم بالمعالجة الثلاثية لهذه المياه وتستعملها حتى في الشرب ولكن كمّيات المياه المستعملة التي يقوم ديوان التطهير بمعالجتها تبدو بسيطة جدا مقارنة بتلك غير المعالجة حيث تقدّر المياه التي لا يتولّ الدّيوان معالجتها بالوسطين الحضري والرّيفي 75.8 مليون متر مكعّب إذ يتم سكبها مباشرة في الوسط الطبيعي.

وفي واحد من تقاريرها الرقابية الهامة تقول محكمة المحاسبات في تقريرها لسنة 2015 أن كل محطات التطهير التي يشرف عليها ديوان التطهير تعاني من مشاكل عدة منها القدم ونقص التقنيات الحديثة وقد أدّت هذه الوضعية إلى التدهور البيئيّ مثل ما هو حاصل في خليج تونس ووادي مجردة، حيث تبيّن ضعف نسق ومجال الرقابة التي تقوم بها وزارة الصحة والوكالة الوطنية لحماية المحيط على محطات التطهير والمياه التي تفرزها. وتقتصر رقابة الوزارة المكلفة بالصحة على البحث الجرثومتي والكوليرا والسالمونيلا دون القيام بتحليل بعض المواد الصلبة الخطيرة على الصحة. فيما كادت رقابة الوكالة تغيب عن محطّات التطهير واقتصرت عمليات الرقابة على 37% من جملة المحطات ولم تشمل التحاليل في المعدل سوى 11% من عدد العناصر المبينة في المواصفة.

وتؤكد أيضا محكمة المحاسبات أن نسبة المؤسسات الصناعيّة التي تسكب مياه مستعملة غير مطابقة للمواصفات التونسيّة 74% في سنة 2011. ويعود ذلك أساسا إلى عدم التزام بعض المؤسسات الصناعيّة بالمعالجة الأوّليّة حيث أنّ ثلث هذه المؤسّسات في وضعية مخالفة للقوانين ولكرّاسات الشروط. كما أنّ بعضها يقوم بمعالجة غير ملائمة أمام محدوديّة رقابة الدّيوان الوطني للتّطهير التي لم تتعدّ 20% في سنة 2011مثلا..

وقد بلغت نسبة عدم مطابقة المياه الصادرة عن محطات التطهير للمواصفة في المجال الفلاحي 50% في 18 محطة منها 10 محطات وصلت 100% من جملة 27 محطة وفق تقرير دائرة المحاسبات التي تضيف أن هذه النسب تبقى قابلة للارتفاع حيث تمّ إجراء الفحوصات المعنية على المياه عند خروجها مباشرة من المحطات وبالتالي فهي قابلة للمزيد من التلوّث أثناء مرحلة وصولها للمناطق السقوية.

كما أشار التقرير إلى أن عمليّة التّصرّف في المناطق الخضراء المرويّة بالمياه المستعملة المعالجة وملاعب الصولجان دون وجود نصّ قانوني ينظّم مجالات وحدود هذا الاستعمال ويحدد الشروط الكفيلة بحماية المستعملين وفي غياب مواصفات خاصة بهذا المجال. واتّضح أيضا عدم استجابة المياه المعالجة المستعملة في المناطق الخضراء وملاعب الصّولجان للمواصفات الخاصة بنوعية المياه التي يقع سكبها بالمحيط حيث أنّ نسب عدم المطابقة قد فاقت 50% في ستّ محطات من مجموع ثماني محطّات خلال الفترة 2009-2011.

وقد ارتفع في السنوات الأخيرة الحجم السنوي للمياه غير التقليدية التي ينتجها الديوان الوطني للتطهير من 140 مليون متر مكعب خلال التسعينات إلى 275 مليون متر مكعب حاليا فيما تطورت الكميات الموزعة من 5.5 مليون متر مكعب الى 18 مليون متر مكعب حاليا وهو ما قد يعادل مخزون سد واحد .
الا أن الاستعمال المناسب للمياه المستعملة في المناطق السقوية يتطلب نوعية جيدة من المياه المطابقة للمواصفات والمحاصيل المسموح بها وتصرف ملائم في المياه والتربة والمراقبة الدورية للمياه والتربة والمحاصيل والفلاحين.
في حين أن أغلب مياه الصرف الصحي الموزعة لا تستجيب الى المعايير المعمول بها خاصة وأن الديوان الوطني للتطهير على غرار أغلب المؤسسات العمومية، يعاني من مشاكل مادية حالت دون تنفيذ برامجه، إلى درجة هناك من ينادي لاعتبار الديوان الوطني للتطهير بمثابة هيكل ملوث.

علاء المرزوقي (المرصد الوطني للمياه): التوجّه إلى محطات تحلية مياه البحر فرضته الجهات المانحة والممولة..!

 

من الجمعيات المدنية التي لها اهتمام كبير بملف المياه وقدمت مقترحات مهمة جدّا في علاقة بمواجهة شحّ الموارد المائية نجد المرصد الوطني للمياه، وفي هذا السياق كان لنا لقاء مع منسق المرصد علاء المرزوقي الذي قال حول ملف تحلية مياه البحر أنه»حق أريد به باطل«، مضيفا:»كدولة يُفترض أن تكون تحلية مياه البحر آخر حلّ تذهب إليه، أولا لأن كلفته باهظة جدا في وضع اقتصادي منهار، فهي تنتج المتر مكعب مياه في هذه المحطات بـ 3.5 دينار لتبيعه بـ 400 مليم، هذا بالإضافة إلى الأضرار البيئية العميقة التي تلحقها هذه المحطات، ولكن للأسف أقول أن التوجّه نحو محطات التحلية فرضته الجهات المانحة الممولة لهذه المحطات، والسؤال اليوم ماذا حققت محطة مثل محطة جربة لتحلية المياه..، استفادت بعض النزل ليس إلا..، ربما بالنسبة لصفاقس الأمر مختلف لأنها ولاية تعيش فقرا مائيا مدقعا، وبالتالي فان محطة تحلية مياه بحر بالجهة يمكن أن يكون حلا من بين حلول أخرى، ولكن التوجّه الكلي نحو محطات التحلية وبتوظيف قروض دولية كبيرة فان ذلك سيرهن البلاد في مديونية الى ثلاثين سنة قادمة في حين هناك حلول أخرى تقوم على المعالجة الجذرية للمشكل«.

وفي هذا السياق أشار علاء المرزوقي إلى أن التسرّبات في قنوات المياه تصل الى50 بالمائة في بعض القنوات وبعض المناطق مثل قابس وتطاوين بالنظر الى اهتراء شبكة القنوات وتهالكها وهي التي يصل عمر بعضها الى أربعين سنة، وهذه التسربات تعتبر لوحدها ثروة مائية مهدورة، ويقول المرزوقي:"كان يفترض بالدولة أن تفكر في تجديد شبكة القنوات وهي بذلك ستربح كميات مياه هائلة كانت تُهدر بسبب التسربات".

ويضيف علاء المرزوقي أن من القطاعات التي تستنزف الموارد المائية بشكل كبير نجد القطاع الفلاحي الذي يحتكر 80 بالمائة من الموارد، وأن جزءا كبيرا من المنتوجات الفلاحية المستنزفة للموارد المائية معدة للتصدير، وأنه كان يفترض إيقاف هذا الاستنزاف بالالتزام بخارطة انتاج فلاحي كما يحدث في كل الدول، تراعي خصوصيات المناطق المنتجة الطبيعية كما تراعي حاجياتنا من ذلك الإنتاج، فلا يمكن أن تكون زراعات مصدّرة كليا وتستنزف الموارد المائية التي تؤمنها "الصوناد" وتنفق عليها المجموعة الوطنية.

ويقول المرزوقي: "في دولة تعاني شحا مائيا ويستهلك قطاع الفلاحة 80 بالمائة من مواردها المائية نحن لا نملك الى اليوم خريطة انتاج فلاحي حسب حاجياتنا وحسب الخصوصيات المناخية لكل جهة كما هو معمول به في مختلف الدول".

وعن رسكلة المياه المستعملة يقول علاء المرزوقي، أن هذه التقنية تطورت بشكل كبير في دول كثيرة من العالم ووصلت أحيانا الى المعالجة الثلاثية التي تؤدي الى انتاج ماء زلال صالح حتى إلى الشرب، قائلا: "نسبة المياه المستعملة تبلغ سنويا 300 مليون متر مكعب وهو ما قد يمثل طاقة 3 سدود متوسطة من الموارد..، ولكن هذه الثروة تهدر دون أن نستفيد منها، ولا نستغل منها الا ما نسبته 5 بالمائة، هذا بالإضافة أنها تكبدنا كلفة أخرى وهي كلفة التلوث".

وقد أشار علاء المرزوقي إلى أنه قبل التفكير في التحلية كان يفترض أن نتجه لتجديد القنوات لتفادي التسرّبات، هذا بالإضافة إلى التحوّل كليا  إلى المعالجة الثنائية على الأقل للمياه المستعملة في جزء من الفلاحة السقوية، بالإضافة إلى مكافحة ظاهرة الآبار العشوائية وغير المراقبة التي قال عنها منسق مرصد المياه انها بلغت حوالي 21 ألف بئر عشوائي تستنزف الموارد الجوفية من المياه دون مراقبة.

ويختم علاء المرزوقي حديثه بالقول أن بلادنا مستباحة اليوم بسبب ضغط لوبيات الجهات المانحة وفرض التوجّه الى تحلية المياه والذي تستفيد منها بتسويق تقنيات بلدانها وخبراتها، قائلا: "أنا لا ألوم من يبحث عن مصلحة بلده، ولكن ألوم الدولة التونسية التي تتجه إلى حلول مكلفة وباهظة ولا تتوجّه نحو الحلول الجذرية والتاريخية التي ستمنحنا أمانا مائيا لعقود وسنوات قادمة".

 

المهندس المختص في المياه محمد صالح قلايد: تحلية مياه البحر.. شرّ لا بد منه!

 

حول أزمة المياه ومحطات تحلية مياه البحر يقول المهندس المختص في المياه والناشط في جمعيات وطنية ودولية تهتم بأزمة الموارد المائية، محمد صالح قلايد، أن أزمة المياه ليست أزمة مستجدة في تونس وأن بلادنا تعاني من فقر مائي منذ أكثر من عشرية وخاصة على مستوى المياه السطحية والأودية وذلك بسبب تغيّر المناخ..

ويضيف محمد صالح قلايد: "هذه الأزمة تحدّثنا عنها منذ سنة 2007 عندما بدأت التساقطات المائية تتقلّص ما بين 15 و25% وذلك سيكون إلى موفى سنة 2030..، وطبيعي أن يؤثر ذلك على منسوب السدود خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تحفّز على التبخّر السريع على المخزونات المائية في تلك السدود، هذا على مستوى الموارد السطحية، وبالنسبة للموارد الجوفية فلدينا اليوم أكثر من 20 ألف بئر عشوائية وهو ما يساهم بشكر كبير في استنزاف الموارد المائية الجوفية خاصة مع تفاقم الطلبات فإن الأزمة ستتفاقم تدريجيا..، هذا بالإضافة إلى تتالي أزمة الجفاف على سبع سنوات متواصلة وهو ما انعكس سلبا على امتلاء السدود".

وحول الأمطار الأخيرة يقول محمد صالح القلايد أنه في الوقت الحالي تم تسجيل نسبة امتلاء بـ34%، كما أشار محدّثنا إلى أن الفلاحة لوحدها تستهلك ما بين 78 و80% من المياه حيث تنتشر زراعات مستنزفة للموارد المائية مثل الخضروات وخاصة الطماطم والدلاع.

وفي علاقة بتحلية مياه البحر يقول محمد صالح قلايد أنه شرّ لا بد منه، مضيفا: »هي من الحلول الاستراتيجية لتفادي أزمة شح الموارد المائية والعطش وخاصة في بعض مناطق الجمهورية التي تشهد ندرة خطيرة في الموارد مثل الجنوب الشرقي ونحن بعد محطة جربة ومحطة صفاقس التي على وشك الاشغال أن تنتهي هناك محطة الزارات التي هي اليوم على وشك أن ينطلق العمل بها، كما أن هناك محطة صغيرة الحجم بمنطقة سيدي عبد الحميد بسوسة، ورغم أهمية هذه المحطات ولكن كلفتها الباهظة في إنتاج المتر مكعب التي تفوق 3 دنانير مقابل بيعها بسعر أقل للمستهلك تجعل منها حلولا أخيرة لا نلجأ اليها الا في الضرورة القصوى«.  

وبالنسبة لتنقية معالجة المياه المستعملة التي يقترحها البعض كحل لمعضلة شحذ الموارد المائية يقول، محمد صالح قلايد، أنه كان يفترض أن يتم العمل أكثر على معالجة المياه واستعمالها في الفلاحة، كما أشار محدثنا إلى أن هناك اليوم 120 محطة يشرف عليها ديوان التطهير وأن هذه المياه كان يمكن أن تكون حلا وتستعمل بوصفة آمنة، خاصة وأن اليوم هناك تأكيد على أن70 بالمائة من هذه المياه المعالجة هي بمواصفات تونسية، تتم تحت إشراف ديوان التطهير ويتم استعمالها في الفلاحة، بينما نجد جزءا كبيرا منها تذهب في البحار والسباخ..

ويقول محمد صالح قلايد: "الفلسفة العامة لمعالجة المياه المستعملة كان تثمينها واستعمالها في بعض الزراعات بشكل كامل مثل زراعة الأعلاف، ولكن ذلك لم يحصل، واليوم نجد أن الأعلاف وتقريبا بنسبة مائة في المائة مروية بالمياه الصالحة للشرب".  مشيرا الى أن ذلك يمثل اهدارا كبيرا للموارد المائية.