إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الصباح": "قريبا نطرح بدائل لتمويل الاقتصاد التونسي وحل الأزمة المالية"

 

"وثيقة المبادرة جاهزة وترك المنتدى تقدير توقيت الإعلان عنها واختيار السياق السياسي المناسب لاتحاد الشغل باعتباره صاحب المبادرة"

"لا نرى في زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية آفاقا رحبة للتعاون في مجال الهجرة"

"نزيف المفقودين والغرقى في البحر المتوسط لا يمكن أن يمر عبر تعزيز الآليات العسكرية وإنما عبر إلغاء قوانين تجريم الإنقاذ الأوروبية"

"يجب القطع مع أنانية الشمال الذي يميز الهجرة حسب حاجياته"

تونس -الصباح

زيارتان لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في أقل من أسبوع حملت معها على الأغلب اتفاقات جديدة مع الجانب الأوروبي والجزء الشمالي ككل للبحر المتوسط. وكما أرادت أن تعكسه مختلف التصريحات والبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية، لم تتعلق الاتفاقات على ملف الهجرة غير النظامية فقط بل سعت أن تكون شاملة وحملت معها ولو نسبيا ما هو اقتصادي واجتماعي. أين تم الحديث عن مسار مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي وعن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وسبل خلق الثروة في تونس وتحقيق التنمية..

ملفات تتنزل صلب نشاط المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المنظمة التي وعلى امتداد السنوات الماضية كانت لها مقاربات ورؤى مختلفة عن ما هو رسمي، وقدمت في أكثر من مناسبة مقترحات وحلول للملف الاقتصادي والاجتماعي، لمنوال التنمية الفاقد للصلاحية (حسب تقييمه) ولملف الهجرة غير النظامية التي لم تنتهج أيا من الحكومات المسار الصحيح من أجل معالجته واقتصرت جميعها على الحل الأمني وحراسة الحدود. ولمعرفة قراءة المنتدى للوضع العام والمستجدات الأخيرة كان لـ"الصباح" حوار مع مديره التنفيذي علاء الطالبي شمل مختلف الملفات السابقة بالإضافة لمسار الإعلان عن المبادرة الوطنية للإنقاذ باعتباره عضوا في الرباعي المشرف على إعدادها إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان، وفيما يلي نص الحوار..

أجرت الحوار: ريم سوودي

• ما هو تقييم المنتدى للوضع السياسي العام بعد سنتين عن انطلاقة مسار 25 جويلية 2021؟

-تقييمنا لا يختلف عن بقية تقييمات منظمات المجتمع المدني، هناك أزمة اقتصادية واجتماعية وموجة عالية من انتهاك الحريات التي مست سياسيين وحقوقيين وصحفيين وناشطين وحتى مواطنين عاديين فيكفي أن تنشر تدوينة ناقدة أو ساخرة أو حتى تعبر عن رأيك بكل صراحة ووضوح حتى تجد نفسك متابعا على معنى المرسوم 54.

في نفس الوقت تحول القضاء إلى آلية يتم استغلالها وتشغيلها لفائدة أغراض سياسية أين أصبح عبارة عن أداة تنفيذ لتعليمات وأوامر السلطة التنفيذية. وهو ما يتعارض مع كل مبادئ الدول الديمقراطية، ويتعارض مع مختلف الدساتير التونسية، دستور 2014 ودستور 2022، التي تنص وتقر بالمبادئ العامة للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وما يجب أن نقف عنده هو أن المرسوم الـ 54 قد تحول إلى سيف مسلط على رقاب التونسيين والصحفيين والسياسيين يهدد حرية التعبير والرأي بصفة واضحة وصارخة ويتم استعماله لتكميم الأفواه وإسكات كل صوت مخالف.

وفي نفس الوقت تتجه البلاد نحو مزيد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وباختصار يمكن القول أن الوضع العام لا يسر، ونراه كمنتدى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من زاويتين، مسار ديمقراطي يشهد انتكاسة.. رغم أنه كان مسارا متعثرا واليوم يصبح متعثرا وأحاديا، فلا وجود لمبادئ التعددية أين نواجه حكومة تعمل بمفردها، وهو مسار لا يمكنه بناء ديمقراطية حتى وإن كانت في سياق النوايا الطيبة.

كما اعتبر أن المجتمع المدني قد فقد الثقة في المسار والمحطات الانتخابية، لكن مازال يؤمن بقدرته على التغيير وقدرته على استعادة الثقة في الديمقراطية بمفهومها الشامل، بما في ذلك الدفاع عن الحقوق والحريات وعن الديمقراطية الاجتماعية التي تعطي من جديد الثقة للمواطن في منظومة ديمقراطية تحمل إجابات لغلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة ومنها يتم استعادة بريق الديمقراطية.

• حجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية يزداد تفاقما وثقلا يوميا، ما هي رؤيتكم للخروج من هذه الأزمة الخانقة؟

أريد التذكير أنه منذ تأسيس المنتدى كان لنا نوع من القناعة أن ديمقراطيتنا ستبقى هشة ما لم تشمل الباب الاقتصادي والاجتماعي. وللأسف منذ 2011 كانت هناك رؤية منقوصة للديمقراطية غيبت الجانب الاقتصادي والاجتماعي وركزت على ما هو سياسي.

وما يقلقنا أكثر هو عدم وجود رؤية اقتصادية واجتماعية للدولة، فإلى غاية اليوم نحن نعتمد على منوال تنموي غير قادر على الصمود أكثر. يسقط من اعتباراته السياسات العمومية من تعليم وصحة ونقل.

وفي نفس الوقت من المهم جدا تناول وضع حد للمقاربة الأمنية في علاقة بالملف الاجتماعي، أين تواصل الحكومات المتعاقبة اعتماد المحاكمات والمتابعات القضائية لإسكات صوت المطلبية والاحتجاجات وآخرها سجل مؤخرا في الأحكام الصادرة في حق أبناء عقارب على خلفية احتجاجاتهم المطالبة ببيئة سليمة، والدولة مازالت ترى أن المتابعات القضائية هي الحل لإسكات كل الأصوات المطالبة بحقوق كالصحة والتعليم والبيئة.

أما بالنسبة للحلول التي يمكن أن يقترحها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فانا أعلن عبر جريدة "الصباح" أنه قريبا سنصدر دراسة ستتناول بدائل لتمويل الاقتصاد التونسي وقادرة أن تكون حلا للازمة المالية وإشكاليات التمويل المطروحة اليوم.

وتشمل الدراسة6 أجزاء تناولت في جزئها الأول الجذور التاريخية لإشكالية التمويل وكيف كانت السبب في التجائنا للتداين المتنامي، وفي جزئها الثاني فسيتناول بالتحليل في نقطة أولى حصيلة مساهمة المنظومة البنكية التونسية في تمويل الاقتصاد التونسي، أما النقطة الثانية ستؤكد على ضرورة القيام بتحول عميق في النظام المصرفي التونسي قصد الرفع من أداء هذا الأخير في مجال تمويل الاقتصاد والأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

أما الجزء الثالث سيقوم في نقطة أولى بتشخيص حصيلة مساهمة التمويل الخارجي في تدعيم التجربة التنموية التونسية، وفي نقطة ثانية سيتعرض للإجراءات الكفيلة بتطوير جاذبية الاقتصاد التونسي من أجل استقطاب أكثر استثمارات أجنبية مع تحسين الاندماج الاقتصادي الوطني.

وفي الجزء الرابع سيقع التركيز على ضرورة النهوض بالادخار الوطني كوسيلة أساسية لتمويل الاستثمارات وتدعيم المسار التنموي. أما الجزء الخامس فقد ركزت الدراسة على ضرورة تنمية الاقتصاد الاجتماعي التضامني كمصدر إضافي للتمويل وعنصر هام لإثراء النسيج الاقتصادي والمؤسساتي والرفع من وتيرة خلق الثروة وتدعيم المسار التنموي ومواجهة انتشار التهميش وارتفاع الفوارق الاجتماعية والجهوية وتراجع ثقافة التضامن والتآزر.

وسيتناول الجزء السادس مسألة التمويل الصغير كوسيلة رئيسية للرفع من الاندماج المالي لشرائح واسعة من المقصيين من الدورة الاقتصادية ونشر ثقافة المبادرة والمخاطرة ومقاومة ظاهرة الفقر والتهميش.

• كان لكم على الدوام رؤية مخالف للرؤية الرسمية في علاقة بصندوق النقد الدولي ومسألة التداين الخارجي، هل مازال أمام تونس اليوم حل غير ذلك؟

-نحن دائما وفيين لمقارباتنا ولا نعتبر الحل في التداين الخارجي، ولا في الرضوخ لاملاءات الصندوق النقد الدولي والصناديق المانحة خاصة أنها تأتي دائما في سياقين، السياق الأول مبني على الابتزاز، مساعدات اقتصادية أو ضمانات مالية مقابل املاءات في علاقة بملف الهجرة والاتجار بالبشر والإرهاب.. والنقطة الثانية نتجه دائما لصندوق النقد الدولي لسداد عجز الميزانية في غياب لرؤية اقتصادية واضحة تقوم على التأسيس للمنوال تنموي يؤدي إلى العدالة الاجتماعية. وما نلاحظه اليوم أن هناك تناقضا في الخطاب بين رئيس الدولة وحكومته، فأحيانا نسمع خطابا يرفض رفضا قاطعا التعامل مع صندوق النقد الدولي وأحيانا أخرى نسمع عن سياق مفاوضات متقدمة مع الصندوق بجانبيه التقني والسياسي. وفي كلا الحالتين هناك انعدام للشفافية ومشكل في التواصل الرسمي إلى جانب أن الرفض أو القبول بالتعامل مع صندوق النقد الدولي يأتي في سياق رسمي لا يؤمّن بدائل عن المؤسسات المالية الدولية المانحة، كما لا يستبق الكلفة الاجتماعية في صورة إمضاء هذا الاتفاق.

ونحن ما نقترحه هو التخطيط لمنوال اقتصادي جديد برؤية اقتصادية واضحة والقطع مع الممارسات البيروقراطية منها محاولة الربط بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتعزيز ومقاومة الفساد وترسيخ الحوكمة ودعم جودة الخدمات وعدم تخلي الدولة ومؤسسات على دورها الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب إيجاد مقترحات جديدة لتمويل الاقتصادي الوطني.

• وضعية الحريات والتراجع المسجل، ما هي خططكم في علاقة بوضع منظمات المجتمع المدني المهدد؟

-بالنسبة لنا، نحن ملتزمون بدورنا الرئيسي في خلق سلطة مضادة للدفاع على الحقوق والحريات في شموليتها، والتصدي لكل أشكال التضييق والسعي إلى إلغاء كل المراسيم الماسة بالحقوق والحريات وعلى رأسها المرسوم 54، كما أننا واعون بالخطابات الشعبوية وتهديدها للحريات والسلم الاجتماعية وتصاعد ظاهرة العنصرية والوصم وعدم الالتزام بالقوانين المناهضة للعنصرية أو الاتجار بالبشر..، في مقابل تواصل ظاهرة عدم المساواة أمام القانون والإفلات من العقاب وملاحقة الحركات الاجتماعية.

أما في علاقة بالمجتمع المدني، اعتبر انه يعيش أصعب فترات التحريض عليه سواء من ناس مقربين من السلطة أو من ناشطين مع تضييق على عمل بعض المنظمات وخاصة الصغرى منها، إلى جانب تشويه عمل المجتمع المدني وربطه بأجندات أجنبية سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر خطابات رسمية وتهديد بتغيير المرسوم 88، من اجل تقنين التضيقات على منظمات المجتمع المدني وإخماد الأصوات المدافعة على الحقوق والحريات ونسف دور المجتمع المدني الذي لعب دورا مهما منذ الثورة سواء عبر آلية اقتراح القوانين (قانون مناهضة الميز العنصري مكافحة العنف ضد المرأة..) أو كعين ساهرة على مسار النظام الديمقراطية وحمايته من الانحرافات الممكنة أو عبر إسناد الحركات الميدانية والمواطنية المهمشة والمعزولة وإبلاغ صوتها أو عبر الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية للمواطنين والمواطنات وعن حقهم في مستقبل تسوده العدالة والمساوة والحريات.

• أنتم طرف في رباعي مبادرة الإنقاذ الوطني التي يبدو أنها تأخرت كثيرا، هل هناك مواعيد قريبة للإعلان عنها؟

-المنتدى شارك في المبادرة ليس لغاية الحوار في حد ذاته، ولكن كجزء من مساهمته الدورية المناطة على عاتقه، في الدفع للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تمر بها بلادنا.

وكانت مساهمته فعالة في أشغال اللجان من خلال الوثائق والبدائل والحلول التي قدمها، وبعد انتهاء الأعمال وجلسات الحوار، تم الوصول إلى صيغة نهائية لوثيقة المبادرة في جانبها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وترك المنتدى تقدير توقيت الإعلان عنها واختيار السياق السياسي المناسب للاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره صاحب المبادرة.

ويرى المنتدى أن إطلاق المبادرة ليس هدفا وغاية في حد ذاته بقدر ما تمثل محتوياتها أرضية للنضالات المدنية والاجتماعية والشبابية للخروج ببلادنا من الأزمة.

• ما هو تقييم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للزيارتين الأخيرتين لرئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني؟

-إذا قمنا باحتساب عدد زيارات الشخصيات الرسمية الإيطالية منذ 2011، سنجد أنها حطمت رقما قياسيا غير مسبوق، وتأتي جميعها في سياق الضغط على تونس من اجل أمننة الحدود أو عسكرتها، واعتراض قوارب المهاجرين، وبمنطق الأرقام سجل فيها الحرس الحدودي التونسي نجاحا، أين تم منع عبور71 ألف مهاجر ومهاجرة منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم منهم 38 ألفا طيلة السنة الأولى و23 ألفا منذ بداية السنة حتى الأسبوع الأول من شهر جوان الجاري.

وفي السياق الإقليمي، الأوروبي، تأتي الزيارتان بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على قانون الهجرة واللجوء الجديد والذي يتبنى الطرح الإيطالي للذي يعتبر الدول الثالثة من خارج الاتحاد الأوروبي مناطق آمنة يمكن أن ينقل إليها المهاجرون وطالبي اللجوء واللاجئون، الذين لا يتم قبول طلباتهم، بمعنى أن تونس تمثل "فرصة" تطبيقية كما جاء على لسان احد المسؤولين الايطاليين، لتطبيق هذا القانون الجديد والحد من ثقل ملف الهجرة داخل الحدود الأوروبية.

ونحن إلى غاية اليوم، وباستثناء تصريحات المسؤولين الأوروبية وما ورد على صفحة رئاسة الجمهورية، لا نملك معلومات أو معطيات كافية رسمية من الجانب التونسي حول محتوى الاتفاق بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية، أو على الأقل مخرجات ملف الهجرة.

فان كان شراكة اقتصادية، من المهم أن نذكر بمواقفنا السابقة والتي طالما نادت بضرورة تقييم اتفاقات الشراكة السابقة بداية من 1995، مرورا بمرتبة الشريك المميز بعد 2011 وصولا إلى مسار اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق "ALECA"، حتى تكون لنا رؤية واضحة لمسار الشراكة ومنها بناء شراكة فاعلة نديّة تعود بالنفع على الاقتصاد التونسي حتى يستطيع خلق الثورة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وان كانت شراكة، تسند أساسا على مبدأ المقايضة، عبر مساعدات اقتصادية ودعم لدى المانحين مقابل التنازل في ملف الهجرة وتدعيم دورنا، الذي انطلق منذ 2014 كحراس حدود، ومنذ 2018 كدولة إعادة قبول والتعاون في الترحيل القسري للتونسيين والتونسيات، فإننا نذكر كمنتدى أن ذلك لم يأخذ بعين الاعتبار بعض الأحكام التي صدرت على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح مهاجرين تونسيين أصيلي الرديف وألزمت الدولة الإيطالية بتعويضات مالية بعد انتهاك حقوقهم وترحيلهم إلى تونس. كما لم تأخذ أيضا بعين الاعتبار فقه القضاء بالنسبة للاحتجاز التلقائي لطالبي اللجوء. وهنا نذكر بقرار المحكمة الدستورية في ليتوانيا لصالح مهاجر عراقي طالب لجوء، في 7 جوان 2023، والقاضي بعدم دستورية هذه القوانين لتعارضها مع اتفاقية حقوق الإنسان. والثالثة من خلال الإشارة إلى مسالة إعادة القبول في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان التي وردت في بيان رئاسة الجمهورية الأخير والذي لا نجد له منظومة قانونية تدعمه باعتبار أن تونس لا تتوفر بها قوانين تحمي المهاجرين وطالبي اللجوء ولم يتم إلى غاية اليوم المصادقة على الإستراتيجية الوطنية للهجرة دون الحاجة إلى التذكير بعدم احترام القوانين الموجودة.

هذا دون ننسى التذكير بتواصل تجاهل الجهات الرسمية في تونس وإيطاليا لملف المفقودين حيث نذكر أن اللجنة الوطنية للتقصي حول ملف المفقودين 2011، كان يفترض أن تصدر تقريرها سنة 2016 وعلقت أشغالها دون نشره.

• ألا تحمل مخرجات الزيارة أي عناصر إيجابية يمكن البناء عليها في علاقة بملف الهجرة أو الملف الاقتصادي الاجتماعي؟

-بداية لا نرى في الزيارة آفاقا رحبة للتعاون في مجال الهجرة تنبني على كشف الحقيقة بالنسبة للمفقودين، وعلى احترام حقوق المهاجرين التونسيين في إيطاليا على الشراكة الاقتصادية الشاملة القائمة على حرية التنقل للبضائع كما ضمانها لحرية التنقل بالنسبة للتونسيين مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية أو كفاءتهم العلمية.

ثانيا، في تصورنا لا تعتبر الهجرة مشكلا حتى نبحث عن حلول لها، وأن عسكرة الحدود أو الترحيل القسري لا يمكن أن يؤدي إلا إلى انتشار الخطاب اليميني المتطرف الشعبوي. ويمكن الاستعاضة عن الترحيل عبر تثمين تجارب مثل توفير الإقامة للأشخاص المسجلين كما حصل في بلجيكيا وهولندا، أو قانون فرص الإقامة في المانيا الذي تم إقرار في سنة 2022، أو وقف تنفيذ ترحيل المهاجرين غير النظاميين كما حدث في إيرلندا واسبانيا، إلى جانب الالتزام بعدم احتجاز الأطفال القصر كما قامت به بلجيكيا وألمانيا.

وهذا في مجمله يكون بالتوازي مع الإشارة إلى أن نزيف المفقودين والغرقى في البحر المتوسط لا يمكن أن يمر عبر تعزيز الآليات العسكرية وإنما عبر إلغاء قوانين تجريم الإنقاذ الأوروبية.

• وما هي رؤيتكم المستقبلية لهذه العلاقة شمال جنوب؟

-خلافا للدعوة الإيطالية التونسية لعقد قمة لمعالجة أسباب الهجرة، فأننا نرى أولا: من الضروري أن تكون هناك مقاربة شاملة تشمل الأطر الرسمية والمجتمع المدني والباحثين في ميادين الهجرة وعلم الاجتماع والديمغرافيا والاقتصاد والبسيكولوجيا..، تؤسس لمقاربة جديدة تفهم تغيرات المشروع الهجري لدى مواطني ومواطنات الجنوب سواء المؤمنين بحرية التنقل أو الهاربين من جحيم الحروب والأزمات أو الذين اضطرتهم التغيرات المناخية إلى البحث عن مكان جديد آمن.

ثانيا يجب أن يكون هناك تقييم لكل المقاربات السابقة والقطع مع أن حل مشكل الهجرة يتم أساسا عبر إصدار القوانين وعسكرة الحدود. فلا شيء يمنع المواطنين من التنقل بحثا عن أفق أرحب، وهذا ما يفسر تعدد مسارات الهجرة غير النظامية حتى وإن كانت عالية الخطورة.

وأخيرا القطع مع أنانية الشمال الذي يميز الهجرة حسب حاجياته فيرحب بالكفاءات والأدمغة إلى درجة استنزاف دول الجنوب ويغلق تأشيراته وحدوده على البقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الصباح":  "قريبا نطرح بدائل لتمويل الاقتصاد التونسي وحل الأزمة المالية"

 

"وثيقة المبادرة جاهزة وترك المنتدى تقدير توقيت الإعلان عنها واختيار السياق السياسي المناسب لاتحاد الشغل باعتباره صاحب المبادرة"

"لا نرى في زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية آفاقا رحبة للتعاون في مجال الهجرة"

"نزيف المفقودين والغرقى في البحر المتوسط لا يمكن أن يمر عبر تعزيز الآليات العسكرية وإنما عبر إلغاء قوانين تجريم الإنقاذ الأوروبية"

"يجب القطع مع أنانية الشمال الذي يميز الهجرة حسب حاجياته"

تونس -الصباح

زيارتان لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في أقل من أسبوع حملت معها على الأغلب اتفاقات جديدة مع الجانب الأوروبي والجزء الشمالي ككل للبحر المتوسط. وكما أرادت أن تعكسه مختلف التصريحات والبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية، لم تتعلق الاتفاقات على ملف الهجرة غير النظامية فقط بل سعت أن تكون شاملة وحملت معها ولو نسبيا ما هو اقتصادي واجتماعي. أين تم الحديث عن مسار مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي وعن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وسبل خلق الثروة في تونس وتحقيق التنمية..

ملفات تتنزل صلب نشاط المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المنظمة التي وعلى امتداد السنوات الماضية كانت لها مقاربات ورؤى مختلفة عن ما هو رسمي، وقدمت في أكثر من مناسبة مقترحات وحلول للملف الاقتصادي والاجتماعي، لمنوال التنمية الفاقد للصلاحية (حسب تقييمه) ولملف الهجرة غير النظامية التي لم تنتهج أيا من الحكومات المسار الصحيح من أجل معالجته واقتصرت جميعها على الحل الأمني وحراسة الحدود. ولمعرفة قراءة المنتدى للوضع العام والمستجدات الأخيرة كان لـ"الصباح" حوار مع مديره التنفيذي علاء الطالبي شمل مختلف الملفات السابقة بالإضافة لمسار الإعلان عن المبادرة الوطنية للإنقاذ باعتباره عضوا في الرباعي المشرف على إعدادها إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان، وفيما يلي نص الحوار..

أجرت الحوار: ريم سوودي

• ما هو تقييم المنتدى للوضع السياسي العام بعد سنتين عن انطلاقة مسار 25 جويلية 2021؟

-تقييمنا لا يختلف عن بقية تقييمات منظمات المجتمع المدني، هناك أزمة اقتصادية واجتماعية وموجة عالية من انتهاك الحريات التي مست سياسيين وحقوقيين وصحفيين وناشطين وحتى مواطنين عاديين فيكفي أن تنشر تدوينة ناقدة أو ساخرة أو حتى تعبر عن رأيك بكل صراحة ووضوح حتى تجد نفسك متابعا على معنى المرسوم 54.

في نفس الوقت تحول القضاء إلى آلية يتم استغلالها وتشغيلها لفائدة أغراض سياسية أين أصبح عبارة عن أداة تنفيذ لتعليمات وأوامر السلطة التنفيذية. وهو ما يتعارض مع كل مبادئ الدول الديمقراطية، ويتعارض مع مختلف الدساتير التونسية، دستور 2014 ودستور 2022، التي تنص وتقر بالمبادئ العامة للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وما يجب أن نقف عنده هو أن المرسوم الـ 54 قد تحول إلى سيف مسلط على رقاب التونسيين والصحفيين والسياسيين يهدد حرية التعبير والرأي بصفة واضحة وصارخة ويتم استعماله لتكميم الأفواه وإسكات كل صوت مخالف.

وفي نفس الوقت تتجه البلاد نحو مزيد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وباختصار يمكن القول أن الوضع العام لا يسر، ونراه كمنتدى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من زاويتين، مسار ديمقراطي يشهد انتكاسة.. رغم أنه كان مسارا متعثرا واليوم يصبح متعثرا وأحاديا، فلا وجود لمبادئ التعددية أين نواجه حكومة تعمل بمفردها، وهو مسار لا يمكنه بناء ديمقراطية حتى وإن كانت في سياق النوايا الطيبة.

كما اعتبر أن المجتمع المدني قد فقد الثقة في المسار والمحطات الانتخابية، لكن مازال يؤمن بقدرته على التغيير وقدرته على استعادة الثقة في الديمقراطية بمفهومها الشامل، بما في ذلك الدفاع عن الحقوق والحريات وعن الديمقراطية الاجتماعية التي تعطي من جديد الثقة للمواطن في منظومة ديمقراطية تحمل إجابات لغلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة ومنها يتم استعادة بريق الديمقراطية.

• حجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية يزداد تفاقما وثقلا يوميا، ما هي رؤيتكم للخروج من هذه الأزمة الخانقة؟

أريد التذكير أنه منذ تأسيس المنتدى كان لنا نوع من القناعة أن ديمقراطيتنا ستبقى هشة ما لم تشمل الباب الاقتصادي والاجتماعي. وللأسف منذ 2011 كانت هناك رؤية منقوصة للديمقراطية غيبت الجانب الاقتصادي والاجتماعي وركزت على ما هو سياسي.

وما يقلقنا أكثر هو عدم وجود رؤية اقتصادية واجتماعية للدولة، فإلى غاية اليوم نحن نعتمد على منوال تنموي غير قادر على الصمود أكثر. يسقط من اعتباراته السياسات العمومية من تعليم وصحة ونقل.

وفي نفس الوقت من المهم جدا تناول وضع حد للمقاربة الأمنية في علاقة بالملف الاجتماعي، أين تواصل الحكومات المتعاقبة اعتماد المحاكمات والمتابعات القضائية لإسكات صوت المطلبية والاحتجاجات وآخرها سجل مؤخرا في الأحكام الصادرة في حق أبناء عقارب على خلفية احتجاجاتهم المطالبة ببيئة سليمة، والدولة مازالت ترى أن المتابعات القضائية هي الحل لإسكات كل الأصوات المطالبة بحقوق كالصحة والتعليم والبيئة.

أما بالنسبة للحلول التي يمكن أن يقترحها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فانا أعلن عبر جريدة "الصباح" أنه قريبا سنصدر دراسة ستتناول بدائل لتمويل الاقتصاد التونسي وقادرة أن تكون حلا للازمة المالية وإشكاليات التمويل المطروحة اليوم.

وتشمل الدراسة6 أجزاء تناولت في جزئها الأول الجذور التاريخية لإشكالية التمويل وكيف كانت السبب في التجائنا للتداين المتنامي، وفي جزئها الثاني فسيتناول بالتحليل في نقطة أولى حصيلة مساهمة المنظومة البنكية التونسية في تمويل الاقتصاد التونسي، أما النقطة الثانية ستؤكد على ضرورة القيام بتحول عميق في النظام المصرفي التونسي قصد الرفع من أداء هذا الأخير في مجال تمويل الاقتصاد والأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

أما الجزء الثالث سيقوم في نقطة أولى بتشخيص حصيلة مساهمة التمويل الخارجي في تدعيم التجربة التنموية التونسية، وفي نقطة ثانية سيتعرض للإجراءات الكفيلة بتطوير جاذبية الاقتصاد التونسي من أجل استقطاب أكثر استثمارات أجنبية مع تحسين الاندماج الاقتصادي الوطني.

وفي الجزء الرابع سيقع التركيز على ضرورة النهوض بالادخار الوطني كوسيلة أساسية لتمويل الاستثمارات وتدعيم المسار التنموي. أما الجزء الخامس فقد ركزت الدراسة على ضرورة تنمية الاقتصاد الاجتماعي التضامني كمصدر إضافي للتمويل وعنصر هام لإثراء النسيج الاقتصادي والمؤسساتي والرفع من وتيرة خلق الثروة وتدعيم المسار التنموي ومواجهة انتشار التهميش وارتفاع الفوارق الاجتماعية والجهوية وتراجع ثقافة التضامن والتآزر.

وسيتناول الجزء السادس مسألة التمويل الصغير كوسيلة رئيسية للرفع من الاندماج المالي لشرائح واسعة من المقصيين من الدورة الاقتصادية ونشر ثقافة المبادرة والمخاطرة ومقاومة ظاهرة الفقر والتهميش.

• كان لكم على الدوام رؤية مخالف للرؤية الرسمية في علاقة بصندوق النقد الدولي ومسألة التداين الخارجي، هل مازال أمام تونس اليوم حل غير ذلك؟

-نحن دائما وفيين لمقارباتنا ولا نعتبر الحل في التداين الخارجي، ولا في الرضوخ لاملاءات الصندوق النقد الدولي والصناديق المانحة خاصة أنها تأتي دائما في سياقين، السياق الأول مبني على الابتزاز، مساعدات اقتصادية أو ضمانات مالية مقابل املاءات في علاقة بملف الهجرة والاتجار بالبشر والإرهاب.. والنقطة الثانية نتجه دائما لصندوق النقد الدولي لسداد عجز الميزانية في غياب لرؤية اقتصادية واضحة تقوم على التأسيس للمنوال تنموي يؤدي إلى العدالة الاجتماعية. وما نلاحظه اليوم أن هناك تناقضا في الخطاب بين رئيس الدولة وحكومته، فأحيانا نسمع خطابا يرفض رفضا قاطعا التعامل مع صندوق النقد الدولي وأحيانا أخرى نسمع عن سياق مفاوضات متقدمة مع الصندوق بجانبيه التقني والسياسي. وفي كلا الحالتين هناك انعدام للشفافية ومشكل في التواصل الرسمي إلى جانب أن الرفض أو القبول بالتعامل مع صندوق النقد الدولي يأتي في سياق رسمي لا يؤمّن بدائل عن المؤسسات المالية الدولية المانحة، كما لا يستبق الكلفة الاجتماعية في صورة إمضاء هذا الاتفاق.

ونحن ما نقترحه هو التخطيط لمنوال اقتصادي جديد برؤية اقتصادية واضحة والقطع مع الممارسات البيروقراطية منها محاولة الربط بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتعزيز ومقاومة الفساد وترسيخ الحوكمة ودعم جودة الخدمات وعدم تخلي الدولة ومؤسسات على دورها الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب إيجاد مقترحات جديدة لتمويل الاقتصادي الوطني.

• وضعية الحريات والتراجع المسجل، ما هي خططكم في علاقة بوضع منظمات المجتمع المدني المهدد؟

-بالنسبة لنا، نحن ملتزمون بدورنا الرئيسي في خلق سلطة مضادة للدفاع على الحقوق والحريات في شموليتها، والتصدي لكل أشكال التضييق والسعي إلى إلغاء كل المراسيم الماسة بالحقوق والحريات وعلى رأسها المرسوم 54، كما أننا واعون بالخطابات الشعبوية وتهديدها للحريات والسلم الاجتماعية وتصاعد ظاهرة العنصرية والوصم وعدم الالتزام بالقوانين المناهضة للعنصرية أو الاتجار بالبشر..، في مقابل تواصل ظاهرة عدم المساواة أمام القانون والإفلات من العقاب وملاحقة الحركات الاجتماعية.

أما في علاقة بالمجتمع المدني، اعتبر انه يعيش أصعب فترات التحريض عليه سواء من ناس مقربين من السلطة أو من ناشطين مع تضييق على عمل بعض المنظمات وخاصة الصغرى منها، إلى جانب تشويه عمل المجتمع المدني وربطه بأجندات أجنبية سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر خطابات رسمية وتهديد بتغيير المرسوم 88، من اجل تقنين التضيقات على منظمات المجتمع المدني وإخماد الأصوات المدافعة على الحقوق والحريات ونسف دور المجتمع المدني الذي لعب دورا مهما منذ الثورة سواء عبر آلية اقتراح القوانين (قانون مناهضة الميز العنصري مكافحة العنف ضد المرأة..) أو كعين ساهرة على مسار النظام الديمقراطية وحمايته من الانحرافات الممكنة أو عبر إسناد الحركات الميدانية والمواطنية المهمشة والمعزولة وإبلاغ صوتها أو عبر الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية للمواطنين والمواطنات وعن حقهم في مستقبل تسوده العدالة والمساوة والحريات.

• أنتم طرف في رباعي مبادرة الإنقاذ الوطني التي يبدو أنها تأخرت كثيرا، هل هناك مواعيد قريبة للإعلان عنها؟

-المنتدى شارك في المبادرة ليس لغاية الحوار في حد ذاته، ولكن كجزء من مساهمته الدورية المناطة على عاتقه، في الدفع للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تمر بها بلادنا.

وكانت مساهمته فعالة في أشغال اللجان من خلال الوثائق والبدائل والحلول التي قدمها، وبعد انتهاء الأعمال وجلسات الحوار، تم الوصول إلى صيغة نهائية لوثيقة المبادرة في جانبها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وترك المنتدى تقدير توقيت الإعلان عنها واختيار السياق السياسي المناسب للاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره صاحب المبادرة.

ويرى المنتدى أن إطلاق المبادرة ليس هدفا وغاية في حد ذاته بقدر ما تمثل محتوياتها أرضية للنضالات المدنية والاجتماعية والشبابية للخروج ببلادنا من الأزمة.

• ما هو تقييم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للزيارتين الأخيرتين لرئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني؟

-إذا قمنا باحتساب عدد زيارات الشخصيات الرسمية الإيطالية منذ 2011، سنجد أنها حطمت رقما قياسيا غير مسبوق، وتأتي جميعها في سياق الضغط على تونس من اجل أمننة الحدود أو عسكرتها، واعتراض قوارب المهاجرين، وبمنطق الأرقام سجل فيها الحرس الحدودي التونسي نجاحا، أين تم منع عبور71 ألف مهاجر ومهاجرة منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم منهم 38 ألفا طيلة السنة الأولى و23 ألفا منذ بداية السنة حتى الأسبوع الأول من شهر جوان الجاري.

وفي السياق الإقليمي، الأوروبي، تأتي الزيارتان بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على قانون الهجرة واللجوء الجديد والذي يتبنى الطرح الإيطالي للذي يعتبر الدول الثالثة من خارج الاتحاد الأوروبي مناطق آمنة يمكن أن ينقل إليها المهاجرون وطالبي اللجوء واللاجئون، الذين لا يتم قبول طلباتهم، بمعنى أن تونس تمثل "فرصة" تطبيقية كما جاء على لسان احد المسؤولين الايطاليين، لتطبيق هذا القانون الجديد والحد من ثقل ملف الهجرة داخل الحدود الأوروبية.

ونحن إلى غاية اليوم، وباستثناء تصريحات المسؤولين الأوروبية وما ورد على صفحة رئاسة الجمهورية، لا نملك معلومات أو معطيات كافية رسمية من الجانب التونسي حول محتوى الاتفاق بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية، أو على الأقل مخرجات ملف الهجرة.

فان كان شراكة اقتصادية، من المهم أن نذكر بمواقفنا السابقة والتي طالما نادت بضرورة تقييم اتفاقات الشراكة السابقة بداية من 1995، مرورا بمرتبة الشريك المميز بعد 2011 وصولا إلى مسار اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق "ALECA"، حتى تكون لنا رؤية واضحة لمسار الشراكة ومنها بناء شراكة فاعلة نديّة تعود بالنفع على الاقتصاد التونسي حتى يستطيع خلق الثورة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وان كانت شراكة، تسند أساسا على مبدأ المقايضة، عبر مساعدات اقتصادية ودعم لدى المانحين مقابل التنازل في ملف الهجرة وتدعيم دورنا، الذي انطلق منذ 2014 كحراس حدود، ومنذ 2018 كدولة إعادة قبول والتعاون في الترحيل القسري للتونسيين والتونسيات، فإننا نذكر كمنتدى أن ذلك لم يأخذ بعين الاعتبار بعض الأحكام التي صدرت على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح مهاجرين تونسيين أصيلي الرديف وألزمت الدولة الإيطالية بتعويضات مالية بعد انتهاك حقوقهم وترحيلهم إلى تونس. كما لم تأخذ أيضا بعين الاعتبار فقه القضاء بالنسبة للاحتجاز التلقائي لطالبي اللجوء. وهنا نذكر بقرار المحكمة الدستورية في ليتوانيا لصالح مهاجر عراقي طالب لجوء، في 7 جوان 2023، والقاضي بعدم دستورية هذه القوانين لتعارضها مع اتفاقية حقوق الإنسان. والثالثة من خلال الإشارة إلى مسالة إعادة القبول في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان التي وردت في بيان رئاسة الجمهورية الأخير والذي لا نجد له منظومة قانونية تدعمه باعتبار أن تونس لا تتوفر بها قوانين تحمي المهاجرين وطالبي اللجوء ولم يتم إلى غاية اليوم المصادقة على الإستراتيجية الوطنية للهجرة دون الحاجة إلى التذكير بعدم احترام القوانين الموجودة.

هذا دون ننسى التذكير بتواصل تجاهل الجهات الرسمية في تونس وإيطاليا لملف المفقودين حيث نذكر أن اللجنة الوطنية للتقصي حول ملف المفقودين 2011، كان يفترض أن تصدر تقريرها سنة 2016 وعلقت أشغالها دون نشره.

• ألا تحمل مخرجات الزيارة أي عناصر إيجابية يمكن البناء عليها في علاقة بملف الهجرة أو الملف الاقتصادي الاجتماعي؟

-بداية لا نرى في الزيارة آفاقا رحبة للتعاون في مجال الهجرة تنبني على كشف الحقيقة بالنسبة للمفقودين، وعلى احترام حقوق المهاجرين التونسيين في إيطاليا على الشراكة الاقتصادية الشاملة القائمة على حرية التنقل للبضائع كما ضمانها لحرية التنقل بالنسبة للتونسيين مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية أو كفاءتهم العلمية.

ثانيا، في تصورنا لا تعتبر الهجرة مشكلا حتى نبحث عن حلول لها، وأن عسكرة الحدود أو الترحيل القسري لا يمكن أن يؤدي إلا إلى انتشار الخطاب اليميني المتطرف الشعبوي. ويمكن الاستعاضة عن الترحيل عبر تثمين تجارب مثل توفير الإقامة للأشخاص المسجلين كما حصل في بلجيكيا وهولندا، أو قانون فرص الإقامة في المانيا الذي تم إقرار في سنة 2022، أو وقف تنفيذ ترحيل المهاجرين غير النظاميين كما حدث في إيرلندا واسبانيا، إلى جانب الالتزام بعدم احتجاز الأطفال القصر كما قامت به بلجيكيا وألمانيا.

وهذا في مجمله يكون بالتوازي مع الإشارة إلى أن نزيف المفقودين والغرقى في البحر المتوسط لا يمكن أن يمر عبر تعزيز الآليات العسكرية وإنما عبر إلغاء قوانين تجريم الإنقاذ الأوروبية.

• وما هي رؤيتكم المستقبلية لهذه العلاقة شمال جنوب؟

-خلافا للدعوة الإيطالية التونسية لعقد قمة لمعالجة أسباب الهجرة، فأننا نرى أولا: من الضروري أن تكون هناك مقاربة شاملة تشمل الأطر الرسمية والمجتمع المدني والباحثين في ميادين الهجرة وعلم الاجتماع والديمغرافيا والاقتصاد والبسيكولوجيا..، تؤسس لمقاربة جديدة تفهم تغيرات المشروع الهجري لدى مواطني ومواطنات الجنوب سواء المؤمنين بحرية التنقل أو الهاربين من جحيم الحروب والأزمات أو الذين اضطرتهم التغيرات المناخية إلى البحث عن مكان جديد آمن.

ثانيا يجب أن يكون هناك تقييم لكل المقاربات السابقة والقطع مع أن حل مشكل الهجرة يتم أساسا عبر إصدار القوانين وعسكرة الحدود. فلا شيء يمنع المواطنين من التنقل بحثا عن أفق أرحب، وهذا ما يفسر تعدد مسارات الهجرة غير النظامية حتى وإن كانت عالية الخطورة.

وأخيرا القطع مع أنانية الشمال الذي يميز الهجرة حسب حاجياته فيرحب بالكفاءات والأدمغة إلى درجة استنزاف دول الجنوب ويغلق تأشيراته وحدوده على البقة.