إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. الحبيب بورقيبة

 

يرويها: أبوبكر الصغير

القيادة الناجحة ليست إلقاء الخطب، أو الإعجاب بها أو أن يكون لها دور رمزي، إنها القدرة على تحقيق الهدف .

وهي أكثر من مجرد احتكار وإدارة حكم: إنها تدور حول قيادة التغيير وتحسين النتائج من خلال الشخصية والقدرة على تحفيز الآخرين .

تنقل مراجع "معهد الآباء البيض" بتونس في باب التعريف بالحبيب بورقيبة انّه من مواليد "رسميا" يوم  3 أوت  1903، كأنّ  في تقديم هذه المعلومة وإرفاقها بكلمة "رسميا" يوجه لتحفّظ "الآباء" عن مدى صحّة تاريخ  ميلاد الزعيم  المعلن  .

جرى حديث وتم نقل شهادات حتى في زمن حكم بورقيبة عن مدى صحّة  تاريخ الميلاد هذا   !.

كان بورقيبة سياسيا ذكيا صاحب كاريزما، جعل دائما من أولوياته الحفاظ على حكمه وسلطته، كلّ السلطة، لا شيء غير السلطة. لا يريد أن يشاركه فيها أحد بما في ذلك اقرب الناس إليه ابنه أو زوجته وسيلة بورقيبة .

لم يعط بورقيبة أهمية للجوانب المادية للحياة والمال .

لم يكن بورقيبة يهتم إلا بالحكم وقيادة شعبه، لهذا، كان عليه أن يتخلص في كلّ مرّة ومحطّة من مسيرة حكمه  للبلاد من منافسيه، وهو أمر نجح فيه ببراعة وبامتياز، في كلّ مرّة بطريقة وسيناريو لا يشبه احدهما الآخر .

ترك بورقيبة مئات الضحايا من السياسيين أغلبهم ممّن عارضوا حكمه وغيرهم وكان أشهرهم رفيقه في النضال الوطني ضد المحتل الفرنسي صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري الجديد.

تخلص منه بعد تأليب قيادات الحزب والنضال ضده في مؤتمر صفاقس نوفمبر 1955، نجح بورقيبة في طرده من البلاد الى أن أغتيل في غرفة بفندق رويال في مدينة فرانكفورت الألمانية في 12 أوت 1961. فكانت أول عملية اغتيال سياسي بعد الاستقلال لتظلّ الجريمة مخفية الى ما بعد 14 جانفي 2011  ليعاد الاعتبار له ولأسرته  .

دفع رجالات دولة وسياسيون آخرون ثمن سطوة بورقيبة  وحكمه بيد من حديد، من بينهم أحمد بن صالح في  ستينيات القرن الماضي، الذي أقيل وحوكم أمام محكمة أمن الدولة، قبل أن يفر من السجن ومن البلاد، كذلك محمد مزالي الوزير الأول الأسبق الى حدّ أن الزعيم وصف نفسه بأنه "آكل الرجال".

كان بورقيبة صاحب رؤية يتمتع بالبصيرة عندما يتعلق الأمر بتوقع تطور المواقف، على وجه الخصوص، على المستوى الدولي .

تكفي حقيقتان لتأكيد هذه الرؤية بشكل مثالي وهذه القدرة على التمييز في الأوقات المربكة، رفضه دعم الألمان  على حساب الحلفاء في الحرب الكونية الثانية، وخطاب  أريحا الذي ألقاه في 3 مارس 1965، ودعا فيه الى أن يقبل الفلسطينيون قرار التقسيم لعام 1947، وأن يواصلوا القتال ضد العدو الإسرائيلي، بانتهاج سياسة "خذ وطالب"  العزيزة عليه .

ذكاء بورقيبة جعله دائما يخرج من كلّ أزمة تعرفها البلاد ضحية بريئة من أي مسؤولية فيها، ليلقيها على غيره ممن رافقوه وعاضدوه في حكم  تونس .

كان بورقيبة في نفس الوقت صاحب مشروع ورؤية، مقاتلا صلبا ذا الأنا المتضخمة، بل ظهر كوحش  سياسي بين عمالقة القرن العشرين، الزعيم ورجل الدولة  بامتياز بإرث لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، وحتى "ممثل" بارع ساخر على الرغم من الشيخوخة ، لكن في شفق حياته، وجد نفسه معزولا، متروكا حتى من قبل اقرب الناس إليه  .

يبقى بورقيبة ونحن نعيش ذكرى وفاته باني تونس الحديثة، المرشد الأعلى، المجاهد الأكبر، رجل الاستقلال .

طموح بورقيبة كان أن يجعل من تونس سويسرا العالم العربي، احترمه قادة العالم، نال إعجاب مانديلا، حظي بأكبر تكريم أمريكي من قبل الرئيس كينيدي، خشيه العرب، جعل التونسي معزّزا مكرما حيثما اتجه وسافر  ..

لكن يبقى الجدل قائما حول شخصه وحكمه وانجازاته وما صنعه بتونس وما حقّقه لشعبها، المؤكّد أن الشجرة العاقر لا يقذفها أحد بحجر .

حكاياتهم  .. الحبيب بورقيبة

 

يرويها: أبوبكر الصغير

القيادة الناجحة ليست إلقاء الخطب، أو الإعجاب بها أو أن يكون لها دور رمزي، إنها القدرة على تحقيق الهدف .

وهي أكثر من مجرد احتكار وإدارة حكم: إنها تدور حول قيادة التغيير وتحسين النتائج من خلال الشخصية والقدرة على تحفيز الآخرين .

تنقل مراجع "معهد الآباء البيض" بتونس في باب التعريف بالحبيب بورقيبة انّه من مواليد "رسميا" يوم  3 أوت  1903، كأنّ  في تقديم هذه المعلومة وإرفاقها بكلمة "رسميا" يوجه لتحفّظ "الآباء" عن مدى صحّة تاريخ  ميلاد الزعيم  المعلن  .

جرى حديث وتم نقل شهادات حتى في زمن حكم بورقيبة عن مدى صحّة  تاريخ الميلاد هذا   !.

كان بورقيبة سياسيا ذكيا صاحب كاريزما، جعل دائما من أولوياته الحفاظ على حكمه وسلطته، كلّ السلطة، لا شيء غير السلطة. لا يريد أن يشاركه فيها أحد بما في ذلك اقرب الناس إليه ابنه أو زوجته وسيلة بورقيبة .

لم يعط بورقيبة أهمية للجوانب المادية للحياة والمال .

لم يكن بورقيبة يهتم إلا بالحكم وقيادة شعبه، لهذا، كان عليه أن يتخلص في كلّ مرّة ومحطّة من مسيرة حكمه  للبلاد من منافسيه، وهو أمر نجح فيه ببراعة وبامتياز، في كلّ مرّة بطريقة وسيناريو لا يشبه احدهما الآخر .

ترك بورقيبة مئات الضحايا من السياسيين أغلبهم ممّن عارضوا حكمه وغيرهم وكان أشهرهم رفيقه في النضال الوطني ضد المحتل الفرنسي صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري الجديد.

تخلص منه بعد تأليب قيادات الحزب والنضال ضده في مؤتمر صفاقس نوفمبر 1955، نجح بورقيبة في طرده من البلاد الى أن أغتيل في غرفة بفندق رويال في مدينة فرانكفورت الألمانية في 12 أوت 1961. فكانت أول عملية اغتيال سياسي بعد الاستقلال لتظلّ الجريمة مخفية الى ما بعد 14 جانفي 2011  ليعاد الاعتبار له ولأسرته  .

دفع رجالات دولة وسياسيون آخرون ثمن سطوة بورقيبة  وحكمه بيد من حديد، من بينهم أحمد بن صالح في  ستينيات القرن الماضي، الذي أقيل وحوكم أمام محكمة أمن الدولة، قبل أن يفر من السجن ومن البلاد، كذلك محمد مزالي الوزير الأول الأسبق الى حدّ أن الزعيم وصف نفسه بأنه "آكل الرجال".

كان بورقيبة صاحب رؤية يتمتع بالبصيرة عندما يتعلق الأمر بتوقع تطور المواقف، على وجه الخصوص، على المستوى الدولي .

تكفي حقيقتان لتأكيد هذه الرؤية بشكل مثالي وهذه القدرة على التمييز في الأوقات المربكة، رفضه دعم الألمان  على حساب الحلفاء في الحرب الكونية الثانية، وخطاب  أريحا الذي ألقاه في 3 مارس 1965، ودعا فيه الى أن يقبل الفلسطينيون قرار التقسيم لعام 1947، وأن يواصلوا القتال ضد العدو الإسرائيلي، بانتهاج سياسة "خذ وطالب"  العزيزة عليه .

ذكاء بورقيبة جعله دائما يخرج من كلّ أزمة تعرفها البلاد ضحية بريئة من أي مسؤولية فيها، ليلقيها على غيره ممن رافقوه وعاضدوه في حكم  تونس .

كان بورقيبة في نفس الوقت صاحب مشروع ورؤية، مقاتلا صلبا ذا الأنا المتضخمة، بل ظهر كوحش  سياسي بين عمالقة القرن العشرين، الزعيم ورجل الدولة  بامتياز بإرث لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، وحتى "ممثل" بارع ساخر على الرغم من الشيخوخة ، لكن في شفق حياته، وجد نفسه معزولا، متروكا حتى من قبل اقرب الناس إليه  .

يبقى بورقيبة ونحن نعيش ذكرى وفاته باني تونس الحديثة، المرشد الأعلى، المجاهد الأكبر، رجل الاستقلال .

طموح بورقيبة كان أن يجعل من تونس سويسرا العالم العربي، احترمه قادة العالم، نال إعجاب مانديلا، حظي بأكبر تكريم أمريكي من قبل الرئيس كينيدي، خشيه العرب، جعل التونسي معزّزا مكرما حيثما اتجه وسافر  ..

لكن يبقى الجدل قائما حول شخصه وحكمه وانجازاته وما صنعه بتونس وما حقّقه لشعبها، المؤكّد أن الشجرة العاقر لا يقذفها أحد بحجر .