جرى قبل سنوات في أوساط النخب الأوروبية، تحديدا الفلاسفة وعلماء الاجتماع نقاش مثير تحت عنوان نظري وهو: "هل السجن ممكن؟ "
إن فكرة الإيقاف والإيداع بالسجن تحضر بقوّة في مشهدنا السياسي اليوم، بحكم التصادم الذي نشهده بين حكم ومعارضيه، ليبدو الأمر كأننا محكومون بثنائية الحرية أو الاستبداد!. كيف يمكن للمرء أن يبرر، في نظام يريد أن يعطي لنفسه انّه ديمقراطي، دوام الأداة التي تعتبر ضرورية للحفاظ على النظام الاجتماعي، في حين أن هذه الأداة في حد ذاتها تتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها هذه الديمقراطية نفسها؟ بمنع قمع حقّ الآخر في الاختلاف وإبداء الرأي والاجتماع والمعارضة.
حفلت منصات التواصل الاجتماعي بجدل كبير بين شامت ومتعاطف ومتعجّب أو في حيرة من إيقافات نهاية الأسبوع الماضي، كثرت وتنوعت الشروح والتسريبات والتفسيرات والتبريرات في غياب بيان أو توضيح صادر من قبل السلطات المعنية.
لا، ولن أدافع عن مجرم أو من انتهك قانونا أو تجاوز حدوده أو تلاعب بملفات أو قوت شعب. لكن الجانب الذي قد يشغل الحقوقيين والمعنيين بمجال الحريات سواء في الدّاخل أو الخارج هو التعرّض لعقوبة لمجرّد إبداء رأي أو موقف من وضع سياسي ما، لعل ما هو بالمرصاد لفعل الحرية الإنساني ذلك المرسوم 54 الذي أجمعت كلّ القوى الوطنية داخل المجتمع المدني على اعتبار انّه يتضمّن انتهاكا صارخا وخطيرا للحقوق والحريات الأساسية .
استحضر بالمناسبة تلك الجملة المهمة التي كان أعلنها رئيس الدولة قيس سعيد في أول خطاب له بعد انتخابه لمنصب الرّئاسة، ذكر أن: "حرية الرأي والتعبير، حرية أساسية، وأنّ العصفور الذي غادر القفص لا يمكن أن يعود إليه"..
شخصيا لا اعرف كمال اللطيف ولم ألتقه على انفراد ولو مرّة واحدة ولم أطمح يوما أن أكون ضمن "فلكه" أو أحد أتباعه، كذلك نفس الشيء مع خيام التركي الذي لدي الكثير من التحفّظات عن مساره المهني والسياسي والأستاذ محرز بوصيان يعلم الكثير في هذا الجانب، لم التق بهما ولا اتفق معهما في كثير من المواقف والسلوكات والأعمال، ليس المجال هنا لكشف المزيد بما أعلمه عنهما، حتى إن كان البعض يصف اللطيف بكونه أقوى شخصية من خارج دوائر الحكم والسلطة وهو الماسك الفعلي بما يُعرف بالدولة العميقة، عمود الكهرباء في نهج بيروت لو "ينطق" يوما لكشف الكثير الكثير عن عشرات المسؤولين الذين اتّكأوا عليه انتظارا وطمعا في موعد أو خدمة شخصية منه.. في حين يقال عن خيام التركي انّه رجل حركة "النهضة" للمرحلة القادمة وأنها تراهن على أن يكون له شان سياسي مستقبلا !.
نحن أمام "جريمة" متعدّدة الأبعاد، سياسية، اقتصادية، فساد مالي.. تتمثل الحدود التقليدية لافتراض البراءة حولها في وجود افتراضات بالذنب من ناحية، ومن ناحية أخرى في إعمال حرية التعبير والحقّ في الاجتماع كما إن تطبيق مبدأ افتراض البراءة يضع عبء الإثبات على عاتق المتهم.
إن تأخّر صمت السلطات لتوضيح ما جرى وما خلفيته والاهمّ تفاصيل ما أشيع حول "التخطيط لمؤامرة" ترك المجال لكلّ من هبّ ودبّ لان يعطي المعلومات ويفتي بما يجهل بل حتى إن ينتصب قاضيا لمحاكمة. أمران يحسب انجازهما لقيس سعيد، لم يقم بهما لا بورقيبة ولا بن علي ولا الباجي قائد السبسي، هما تسمية امرأة على رأس الحكومة وإيقاف كمال اللطيف !
هناك أحداث وأوقات نشعر فيها أنها النهاية، ثمّ نكتشف أنها البداية!
بقلم: أبوبكر الصغير
جرى قبل سنوات في أوساط النخب الأوروبية، تحديدا الفلاسفة وعلماء الاجتماع نقاش مثير تحت عنوان نظري وهو: "هل السجن ممكن؟ "
إن فكرة الإيقاف والإيداع بالسجن تحضر بقوّة في مشهدنا السياسي اليوم، بحكم التصادم الذي نشهده بين حكم ومعارضيه، ليبدو الأمر كأننا محكومون بثنائية الحرية أو الاستبداد!. كيف يمكن للمرء أن يبرر، في نظام يريد أن يعطي لنفسه انّه ديمقراطي، دوام الأداة التي تعتبر ضرورية للحفاظ على النظام الاجتماعي، في حين أن هذه الأداة في حد ذاتها تتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها هذه الديمقراطية نفسها؟ بمنع قمع حقّ الآخر في الاختلاف وإبداء الرأي والاجتماع والمعارضة.
حفلت منصات التواصل الاجتماعي بجدل كبير بين شامت ومتعاطف ومتعجّب أو في حيرة من إيقافات نهاية الأسبوع الماضي، كثرت وتنوعت الشروح والتسريبات والتفسيرات والتبريرات في غياب بيان أو توضيح صادر من قبل السلطات المعنية.
لا، ولن أدافع عن مجرم أو من انتهك قانونا أو تجاوز حدوده أو تلاعب بملفات أو قوت شعب. لكن الجانب الذي قد يشغل الحقوقيين والمعنيين بمجال الحريات سواء في الدّاخل أو الخارج هو التعرّض لعقوبة لمجرّد إبداء رأي أو موقف من وضع سياسي ما، لعل ما هو بالمرصاد لفعل الحرية الإنساني ذلك المرسوم 54 الذي أجمعت كلّ القوى الوطنية داخل المجتمع المدني على اعتبار انّه يتضمّن انتهاكا صارخا وخطيرا للحقوق والحريات الأساسية .
استحضر بالمناسبة تلك الجملة المهمة التي كان أعلنها رئيس الدولة قيس سعيد في أول خطاب له بعد انتخابه لمنصب الرّئاسة، ذكر أن: "حرية الرأي والتعبير، حرية أساسية، وأنّ العصفور الذي غادر القفص لا يمكن أن يعود إليه"..
شخصيا لا اعرف كمال اللطيف ولم ألتقه على انفراد ولو مرّة واحدة ولم أطمح يوما أن أكون ضمن "فلكه" أو أحد أتباعه، كذلك نفس الشيء مع خيام التركي الذي لدي الكثير من التحفّظات عن مساره المهني والسياسي والأستاذ محرز بوصيان يعلم الكثير في هذا الجانب، لم التق بهما ولا اتفق معهما في كثير من المواقف والسلوكات والأعمال، ليس المجال هنا لكشف المزيد بما أعلمه عنهما، حتى إن كان البعض يصف اللطيف بكونه أقوى شخصية من خارج دوائر الحكم والسلطة وهو الماسك الفعلي بما يُعرف بالدولة العميقة، عمود الكهرباء في نهج بيروت لو "ينطق" يوما لكشف الكثير الكثير عن عشرات المسؤولين الذين اتّكأوا عليه انتظارا وطمعا في موعد أو خدمة شخصية منه.. في حين يقال عن خيام التركي انّه رجل حركة "النهضة" للمرحلة القادمة وأنها تراهن على أن يكون له شان سياسي مستقبلا !.
نحن أمام "جريمة" متعدّدة الأبعاد، سياسية، اقتصادية، فساد مالي.. تتمثل الحدود التقليدية لافتراض البراءة حولها في وجود افتراضات بالذنب من ناحية، ومن ناحية أخرى في إعمال حرية التعبير والحقّ في الاجتماع كما إن تطبيق مبدأ افتراض البراءة يضع عبء الإثبات على عاتق المتهم.
إن تأخّر صمت السلطات لتوضيح ما جرى وما خلفيته والاهمّ تفاصيل ما أشيع حول "التخطيط لمؤامرة" ترك المجال لكلّ من هبّ ودبّ لان يعطي المعلومات ويفتي بما يجهل بل حتى إن ينتصب قاضيا لمحاكمة. أمران يحسب انجازهما لقيس سعيد، لم يقم بهما لا بورقيبة ولا بن علي ولا الباجي قائد السبسي، هما تسمية امرأة على رأس الحكومة وإيقاف كمال اللطيف !
هناك أحداث وأوقات نشعر فيها أنها النهاية، ثمّ نكتشف أنها البداية!