إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أخطبوط التسول يتغول: "قطاع" تديره شركات وجمعيات وقوده الأطفال.. المعوزون واللاجئون

تونس-الصباح

تعيش بلادنا على وقع معضلة حقيقية وهي انتشار ظاهرة التسول التي عمت كل مناطق البلاد دون استثناء من المدن إلى الأرياف. التسول الذي بات مهنة قارة وسهلة للمحتاجين فعلا وحتى غير المحتاجين فاختلط الحابل بالنابل وأصبح من الصعب التمييز بين هذا وذاك، حتى ان شبكات باتت تدير هذا "القطاع" الذي انخرطت فيه عائلات وشباب من الجنسين وحتى لاجئين من جنسيات افريقية وسورية..، كما أن الاطفال والرضع اصبحوا "سلعة" للإيجار لمن يدفع اكثر.

ولا يمكن التغاضي عند الحديث عن انتشار ظاهرة التسول عما تعاينه بلادنا من أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت مع أزمة كوفيد-19 والحرب الروسية والأوكرانية، وهو ما أكده تقرير البنك العالمي الذي كشف عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 21 بالمائة من مجموع سكان تونس وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة قبل الثورة التي قدرت بـ20 بالمائة مقابل نسبة 15,5 بالمائة ما قبل الجائحة.

 وحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" فقد ارتفع عدد الإشعارات المتعلقة باستغلال الأطفال والتي تلقاها مندوب حماية الطفولة سنة 2021 اذ بلغت الإشعارات المتعلقة بتعرض الطفل للتشرد 1600 إشعار، كما بلغ عدد الإشعارات المتعلقة باستغلال الأطفال في الإجرام المنظم 130 إشعارا، ليترفع الرقم فيما يتعلق بالاستغلال الاقتصادي الى 392 خلال نفس السنة، مما يعني أن عددا كبيرا من الأطفال يفوق عددهم الـ 2000 طفل قد انخرطوا في أخطبوط التسول مع كل ما ينجر عن ذلك من استغلال من جميع النواحي لاسيما الاستغلال الجنسي.

قسم الجهات بجريدة "الصباح" تناول بالدرس استفحال ظاهرة التسول في عدد من الولايات وهي سوسة ومدنين وسيدي بوزيد ومنوبة وصفاقس وبنزرت، وهذا ما تم استخلاصه...

إشراف: حنان قيراط

سوسة: أطفال ورضّع يؤجّرون بالساعة واليوم!

p6n2.jpg

أصبحت ظاهرة التسوّل من الظواهر الملفتة للانتباه والتي لا يكاد يخلو منها شارع رئيسيّ من شوارع مدينة سوسة وبخاصّة في محيط المناطق السياحيّة والفضاءات التجاريّة الكبرى والبنوك والمرافق العموميّة وبمحيط محطّة القطار ومقر المندوبية الجهويّة للسياحة. ورغم القناعة بأنّ هذه الظاهرة تعكس جانبا كبيرا من واقع مرير تعيشه فئات اجتماعيّة ترزح تحت خطّ الفقر وتشكو من نقص في الإحاطة النّفسيّة والاجتماعيّة إلاّ أنّ الإيمان راسخ بأن ليس كلّ من يتواجد في هذه الشّوارع هو فعلا محتاج وغير قادر على العمل وبه عاهة فضروب الحيل وصنوف التحيّل والمغالطة والايهام بالإعاقة التي يعتمدها بعض المتسوّلين تتجاوز الخيال لتحيك فصول مسرحيّة تراجيديّة لا يتورّع مُخرجها في اعتماد شتّى طرق الخداع استجداء للعطف فلا يجد حرجا حتّى في ابتزاز وتوظيف طفولة مغتصبة.

التسوّل محضنة للجريمة المنظّمة

يرى أخصائيو علم الاجتماع أنّ ظاهرة التّسوّل هي مظهر من مظاهر الفساد الاجتماعي ونتيجة طبيعيّة للاخلالات التي تصيب التّوازنات الاقتصادية والاجتماعية ويعتبر أهل الاختصاص أن هذه الظاهرة تزداد خطورة عندما يقع توظيفها في مجالات أوسع وأخطر في صلب تشكيلات وتنظيمات وعصابات منظّمة تعمل في مجال المخدّرات والسّرقة ورصد تحرّكات وتنقّلات أصحاب المحلاّت والمنازل مستغلّين في ذلك المراهقين والأحداث ممّن أقصوا مبكّرا من الدّراسة لأسباب اقتصاديّة أو اجتماعية أو لقصور في دور المؤسّسة التربوية ممّا يجعل من التّسوّل حاضنا لكلّ الظواهر الاجتماعية السّلبيّة من عنف وغضب اجتماعي وجريمة منظمة، فما نعيشه اليوم إنّما هو في الأصل نتيجة لاختلال اقتصادي وثقافيّ وتربويّ يستوجب إصلاحا جذريّا لعديد المناهج والمنظومات وإعادة النّظر في منوال التنمية والّتوزيع العادل للثّروات.

طفولة تتسوّل تحت غطاء أبوي

تنتشر بأغلب شوارع مدينة سوسة وسهلول وجوهرة والخزامتيْن الشرقية والغربية ظاهرة التسوّل باصطحاب أطفال وحتى رضّع إذ يعمد بعض أولياء العائلات المعوزة بعدد من الأحياء الشعبيّة بسوسة الجنوبية إلى الزجّ بأبنائهم داخل عالم التسوّل وإرغامهم على امتهان هذه الظّاهرة بعد تسليحهم بكلّ ما تتطلّبه "الصّنعة" من عبارات التزلّف والتملّق وفصول روايات محبوكة تثير المشاعر وتستميل القلوب ضاربين عرض الحائط بأحاسيس ومشاعر نفوس هشّة وبكلّ قيم النّخوة والكرامة فيربّون صغارا منذ حداثة أعمارهم على سياسة التّواكل والكسب السّهل بل تعمد بعض المتسوّلات، حسب ما أفاد به أحد أصحاب المحلاّت التّجاريّة بشارع الطاهر صفر قبالة المندوبيّة الجهويّة للسّياحة، إلى اصطحاب بُنيّة من ذوي الاحتياجات الخصوصيّة من بنات جارتها لابتزاز المارّة ومحاولة التأثير عليهم مقابل معلوم ماديّ تسلّمه للأم عند إرجاعها آخر النهار. وفي ذات السّياق أكّد عامل بأحدى محلاّت بيع الملابس الجاهزة بشارع الحبيب بورقيبة أنّ شخصا يرتدي كسوة محترمة وربطة عنق يُنزل يوميا فتاة تجلس على كرسيّ متحرّك لممارسة التسوّل ثمّ يعود إليها آخر النّهار ليقلّها على متن سيّارته وهو ما يطرح أكثر من تساؤل عن توظيف واستغلال الطّفولة والإعاقة لابتزاز النّاس والتأثير فيهم في ظلّ غياب تفعيل ترسانة القوانين الصارمة التي تجرّم مثل هذه الممارسات.

  الحل في تفعيل قانون 2016 المتعلّق بتجريم الاتجار بالبشر

واعتبر أحد المختصّين والمتكوّنين في مجال جرائم الاتجار بالبشر أن ظاهرة التسوّل باستغلال القصّر لا يجب أن ننظر إليها من زاوية التسوّل والحاجة وإنّما اعتبارها جريمة موصوفة ومكتملة الأركان في استغلال البشر ورأى أنّه للقضاء على ظاهرة التّسوّل باستغلال الأطفال أو الرضّع لابدّ أوّلا من الإشعار المحمول على كلّ مواطن وعلى كل من له علاقة بالطفل (مربّون ,أطباء...) يرون طفلا مهدّدا ليتدخّل بذلك قاضي الأسرة ويتمّ بإذن منه استدعاء الوليّ الذي يثبت تورّطه في توظيف طفله في التسوّل وإلزامه بقوّة القانون على التّوقيع على تعهّد بعدم عرض منظوره للخطر مجدّدا أو إرغامه أو تشريكه في التسوّل وفي صورة عدم الالتزام يقع تتبّع الولي قضائيّا وإيواء الطفل بأحد مراكز حماية الطّفولة ورأى محدّثنا أن الحرص على تفعيل قانون سنة 2016 كفيل بالحدّ من تنامي ظاهرة التسوّل والاتجار بالبشر غير أنّ ضعف الجهاز التنفيذي من ناحية أولى ونقص تكوين بعض القضاة في مجال الاتجار بالبشر يجعل عددا منهم لا يكيّفون الواقعة بالشكل المستوجب رغم وضوح معالمها في أنها جريمة اتجار بالبشر ما يجعل عددا من المورّطين يُفلتون من العقاب ويتمادون في استغلال الطفولة وتوظيفها .

أنور قلاّلة

مدنين: ظاهرة أبطالها لاجئون!!؟

p6n3.jpg

تعيش مختلف معتمديات ولاية مدنين على وقع تفشي ظاهرة التسول مراسل "الصباح" بولاية مدنين جمع عدد من الآراء حول هذه المسالة فتعددت الآراء والمواقف والبداية كانت مع الأخصائية الاجتماعية نسرين لعماري..

شهادات مؤلمة

حيث أكدت لعماري أنه "حسب رأيي فإن تفشي ظاهرة التسول في مختلف مناطق ولاية مدنين، أصبحت ملفتة في الآونة الأخيرة، كالورم اللصيق بالجسد ولا يمكن التعافى منه خاصة أمام التضاعف اليومي لعدد المتسولين بمختلف أعمارهم، أجناسهم (ذكورا أو إناثا ) وجنسياتهم وأعراقهم ( لاجئين، تونسيين من داخل الولاية أو خارجها... )، حيث أصبح من المألوف أن تجد في كل ممّر وشارع ومقهى ومكان عمومي أو جامع وايضا أمام داخل المحلات التجارية، وفي الأسواق الأسبوعية، ومحطات النقل وحتى في وسائل النقل، وأنت تهم بأن تقطع طريقك من يمد يده طالبا الصدقة " بجاه ربي حويجة لله خوك من بارح مكليت شيء"... أقاويل تترد على مسامعنا يوميا، حيث بات التحيّل على المارة واستغلال واستعطاف ذواتهم فنّا يتقنه المتسولون حسب المكان والزمان الذي يتواجد فيه وهو ما جعل المواطن اليوم في حيرة وترّدد من أمره أمام نوعين من المتسولين فمنهم المحتاجين فعلا ويعيشون وضعيات اجتماعية هشة وصعبة، ومنهم الذين يمتهنون التسول لضمان لقمة عيش سهلة ."

 وبينت محدثتنا أن الصورة النمطية التقليدية للمتسول قديما والمتعارف عليها كانت تختزل في صورة إمراة طاعنة في السن وفي حضنها طفل يرتديان ثيابا بالية تحاكي ما فعله الزمان بهما تطلب يد المساعدة وتستعطف المارة أو مسّن أفترش الأرض وجعلها مسكنا له يرتعش من البرد والجوع،أو كهل مقعد على كرسي متحرك بالكاد يتحدث ...إلا أن هذه الصورة تزعزعت حيث أصبح البعض يلتجئ للتسول بالرغم من توافر فرص العمل إلا أنّه يفضل التظاهر بالمرض أو استعطاف قلوب المارة لشراء الأدوية وغيرها لنيل نصيب من صدقة المارة. وأضافت انه وأمام هذه المشاهد الجديدة والمستجدة أصبح القائم بالصدقة أومن يرغب بالتصدق يبحث من خلال جيرانه، وزملائه، وأقاربه على من هم بحاجة فعلية للمساعدة.

اللاجئون الأكثر تسولا

 القاطنون بمدنين من اللاجئين على اعتبار أن ولاية مدنين منطقة حدودية تزخر بعدد لا بأس به من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين من مختلف البلدان الذين استوطنوا المدينة بحثا عن الأمن والأمان هروبا من الحرب في بلدانهم أو البحث عن فرص عيش أفضل ورغم تكفل بعض المنظمات بالجهة بهذه الفئة إلا أنه أمام تضخم عددهم وضعف التدخل لمساعدتهم فإن الحاجة ترمي بهم للشارع لطلب يد المساعدة أو يقع استغلالهم داخل شبكات التسول المنظمة لكسب القليل من المال حتى يضمنوا قوتهم اليومي.

فظاهرة التسول بحسب الأخصائية الاجتماعية نسرين لعماري أصبحت معضلة حقيقة تنخر مجتمعنا رويدا رويدا فبالرغم من أنها تحط من كرامة الفرد إلا أنها باتت منهجها سهلا لسدّ احتياجات المتسول الضرورية منها أو غير الضرورية، واعتبرت أنه لابد من تتضافر جهود الدولة بمختلف هياكلها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لمزيد التوقي من مثل هذه الظواهر غير الحميدة وتكثيف حملات المراقبة و التحسيس والتوعية إلى جانب مزيد تقديم خدمات الرعاية والعناية لضعاف الحال ممَنْ يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة خاصة في ظل غلاء المعيشة اليوم وتردي الوضع الاقتصادي وخاصة في ظل غياب بعض المواد الغذائية الأساسيّة، مؤكدة على انه لابد من العمل على احتواء الظاهرة والعمل على التخفيف منها عبر اعتماد مقاربة اجتماعية وأمنية شاملة وردعية، لأن استفحالها أضحى يمثل كارثة حقيقية تترتب عنها عدة ظواهر اجتماعية أخرى وسلوكيات محفوفة بالمخاطر خاصة في صفوف الأطفال والشباب( كالتعرض للعنف أو استخدام العنف، استغلالهم في شبكات بيع وتعاطي المخدرات، السرقة ...الخ ).

احتراف التسول

اما مصباح مارس،وهو مهتم بالشان العام، فقد اعتبر في تصريح لـ"الصباح" أن التسول في ولاية مدنين لم يتفش فقط بسبب الفقر الناجم عن الأزمة الاقتصادية وإنما بسبب عوامل خارجية سببها الوافدين من دول أجنبية افريقية وعربية ومن باقي الولايات إذ أن جزءا هاما منهم احترف مهنة التسول التي يجني منها دخلا وفيرا دون مشقة أو تعب وقلة بسبب ضيق ذات اليد وخاصة من الوافدين من دول جنوب الصحراء والذين رفضت مطلبهم في الحصول على بطاقة لاجئ من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ظاهرة تهدد السلم الاجتماعية

زهير بن تردليت وهو أستاذ جامعي أكد لـ"الصباح" أن ظاهرة التسول تفشت في مختلف مدن ولاية مدنين حيث لم تعد حكرا على كبريات المدن كمدنين وجربة وجرجيس، ولا على شرائح معينة كالعجائز والشيوخ بل أصبحت المرأة الشابة والطفل اليافع يتسولون ويدخلون المقاهي والمطاعم لطلب المعونة بمختلف أشكالها بدأ بالطعام إلى طلب ثمن دواء أو مقابل تذكرة سفر واختلط المتسول المضطر بالمتسول المحترف واستخدمت تقنيات مختلفة كاللعب على العاطفة والمشاعر الدينية بالوقوف أمام المساجد خاصة يوم الجمعة حيث لا يشارك المتسول في الصلاة ولا يضيره أن يحدث ضجيجا أثناءها وأصبح المتسول يلعب أدوارا كدور اللاجئ السوري مثلا فيغير لهجته بل إن بعض السوريين والسوريات أصبحوا جزءا من شبكات التسول تراهم يبحثون عن سيارات أجرة مباشرة بعد انتهاء عملهم نحو نقطة معينة، سيارة أجرة يصعب على المواطن العادي أن يستأجرها بمفرده.

وبين محدثنا أن السائح الاجنبي لم ينج من التحرش به من طرف بعض المتسولين،ويخاطب احيانا بطريقة فجّة من أجل إرغامه على دفع بعض المال ما يضر بصورة البلاد ويمس قطاع السياحة بصفة عامة.

ميمون التونسي

سيدي بوزيد.. فتيات للإيجار.. والفقر في قفص الاتهام

p7n1.jpg

ظاهرة اطفال الشوارع او اطفال التسول كما يسميهم عدد من المواطنين بولاية سيدي بوزيد زادة حجمها وارتفعت في الفترة الأخيرة ما اثار حفيظة متساكني الجهة على اعتبارها عادة دخيلة على المنطقة نظرا لخصوصيتها الاجتماعية وفق تصريح عدد منهم لمراسل لـ"الصباح".

وسط المدينة أين تحدثنا مع عدد من المواطنين شد انتباهنا طفل لم يتجاوز الـ11 سنة كان يبيع المناديل الورقية، ووفق رواية عدد من مواطني الجهة اكدوا انه يدعى "أحمد" وقد اعتاد القدوم من احدى المناطق لبيع المناديل الورقية صحبة إبنيْ عمّه الّلذين يكبرانه سنّا ليؤكدوا ان ما يقومون به هو نوع من « التسوّل المقنّع ».

مراهقات في الشارع

مشاهد يومية اخرى اعتاد عليها الشارع في سيدي بوزيد لفتيات تمتهن التسوّل رغم صغر سنهن فان عائلاتهن تجبرهن على التسول بالشوارع المليئة بالتهديدات والمخاطر وتحملهن مسؤولية توفير دخل للعائلة.

وقد أفادت مصادر أمنية لمراسل "الصباح" ان الفرق الامنية بالجهة تسعى الى مقاومة هذه الظاهرة من خلال الزام الولي بحماية طفله او ابنته ومنعه مستقبلا من الخروج للتسول، ولكن الظاهرة تفاقمت وعدد الاطفال من الجنسين في تزايد و هو ما يتطلب عملا مشتركا لحماية الأطفال من الخروج للتسول.

رضع للإيجار!!؟

 في احد الانهج وسط سيدي بوزيد المدينة تجلس امرأة في أواخر عقدها السادس من العمر أمام فضاء تجاري صحبة رضيع.

ترتدي وشاحا يغطي ملامح وجهها متوّسلة المارّة اعطاءها المال للاعتناء بحفيدها، حسب ما تزعمه، ولما سُئلت عن اسم الرضيع وهويّته، سارعت المرأة بالوقوف والمغادرة، وحسب أحد المتساكنين بالمنطقة ممن تعوّدوا على رؤيتها بنفس المكان أكد لنا أن المرأة العجوز تصطحب في كل مرة رضيعا وتزعم انه حفيدها لكن حسب قوله لا يربطها بالرضيع أي رابط عائلي .

 وبالتحري في هذه الوضعية تبين ان هذه السيدة تقوم باستئجار الرّضع من عائلاتهم واستعمالهم في أعمال التسول ويتم الاتفاق مسبقا على المبلغ الذي سيدفع للعائلة.

الفقر في قفص الاتهام

وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور في علم الاجتماع عمر زعفوري في تصريح لمراسل "الصباح" أن التسول ظاهرة قديمة قدم الانسان وليست ظاهرة جديدة.

 ويرى الزعفوري أن الحلول تكمن في اعادة النظر في دور المجتمع من خلال ارساء سياسة في البلاد تعيد دور الأسرة من جديد في التنشئة والتربية وبناء شخصية الطفل و اعداده لمواجهة وضعيات اجتماعية مختلفة بطرق مقبولة في المجتمع وإعادة دور المدرسة.

وأكد الزعفوري ان على دور الدولة اعداد برنامج معالجة بمقومات صحيحة وليس ببرنامج مغلوط ومسقط، اضافة الى دور وسائل الاعلام التي يجب أن تكشف حقيقة الوضع وأهمية دور كل طرف لحل هذا المشكل.

إبراهيم سليمي

منوبة: غرباء ينتهجون رحلة الكسب السهل !

p7n2.jpg

 تزايد عدد المتسولين من يوم لاخر خاصة خلال الاشهر والسنوات الاخيرة بشكل اصبح من الصعب تمييز المحتاج من غيره في ولاية منوبة وهو ما يجعل فاعلي الخير يتريثون كثيرا قبل تقديم مساعداتهم المالية او العينية لاي طالب لها.

 انتشار الغرباء في الولاية !

انتقلت ظاهرة التسول بمظاهرها الجديدة من وسط العاصمة تدريجيا الى المدن المجاورة وكانت منوبة اولها لتتنامى مشاهد النساء الحاملات للرضع او المصطحبات للاطفال في حالة رثة ومخزية لا تليق باعمارهم لهدف التسول والتاثير العاطفي على الناس على قارعة الطريق او وسط الشوارع او داخل عربات المترو. في ذات السياق انتشر الاطفال دون سن 12 في الطرقات فرادى وجماعات للتسول بطرق مختلفة اما بطلب المال مباشرة او بتقديم خدمات سريعة كتنظيف بلور السيارات او بيع العلك وغيره وعادة ما ينحدرون من غير نفس المنطقة فيتحولون مثلا من حي خالد بن الوليد نحو مدينتي منوبة والدندان الاكثر ثراء وبحبوحة مقارنة بالمعتمديات المتبقية التي لم تخل ايضا من تطور الظاهرة لتكون في جزء منها محلية صرفة بتواصل امتهان التسول لبعض من ابناء المنطقة وتواجدهم وانتشارهم في اماكن بعينها حسب تقسيم متفق عليه امام المستشفيات والصيدليات والاسواق والمغازات التجارية وفي ذلك ذكاء مفرط في الاختيار للتاثير على الناس.

 كما ان بعض العائلات تتعمد استغلال بعض الاوضاع الصحية لافراد منها لطلب المساعدات بشتى انواعها مستظهرين بشهادات طبية وبطاقات العلاج والوصفات الطبية ليكون العمل كل يوم في حي من الاحياء وهكذا دواليك لتصبح العملية مستمرة وذات مردود قار.

والجديد في هذه الظاهرة لوحظ تزايد المتسولين من جنسيات اجنبية اهمها الافارقة والسوريون وعلى وجه الخصوص النساء منهم ويكون ظهورهم مرتبطا بصلاة الجمعة بموعديها الاول والثاني فيكون تحولهن الى الجوامع والمساجد الكبرى وسط المدن بمنوبة ودوار هيشر ووادي الليل وطبربة والمرابطة بها عند التوقيت الاول س 13 ثم التحول لاقرب مسجد تقام فيه صلاة الجمعة في موعدها الثاني س 14 و30 دق وبذلك ينتهي عملهن واسترزاقهن السهل ليختفين بعد ذلك الى موعد الجمعة الموالية..

 يلححن في الطلب ويصرفن بسخاء !

حول هؤلاء المتسولين الغرباء هناك تأكيدات بانهم محل متابعة من الجهات الامنية وانه تم جلبهم في كثير من المرات لمراكز الامن للاطلاع على هوياتهم ومقرات استقرارهم وما يتصل بممارساتهم على غرار ما يتم القيام به في مركز الامن الوطني بطبربة المدينة، متسولات تحت المراقبة والمتابعة يواصلن التسول بإلحاح واصرار واثارة للعواطف في حين يصرفن المال بسخاء ! الناصر الطرابلسي سائق سيارة تاكسي يتحدث عنهن بأنهن يصرفن بسخاء عند تنقلاتهن فيتركن "الصرف والبوربوار" ويتوجهن اثر انتهاء تسولهن الى افخر المقاهي وسط العاصمة اثر خلع الجلابيب التي كن يرتدينها وهو ما عايشه ورآه بأم عينه، وبذلك يتأكد جليا ان التسول لم يصبح لسد باب الحاجة بل اصبح مهنة الكسب السريع والسهل في زمن اشتدت فيه الازمات اقتصاديا واجتماعيا.. وأخلاقيا..

عادل عونلي

صفاقس.. شبكات عائلية منظمة في مفترق الطرقات الكبرى

p7n3.jpg

على أرصفة الشوارع الرئيسية لمدينة صفاقس وبين مفترقات طرقاتها الكبرى نساء يتسولن رفقة أطفال ورضع يستملن المارة ويستعطفنهم للتحصل على مبلغ مالي متحججات بالفقر والخصاصة والمرض لكنها ليست إلا تجارة مربحة وشكلا من اشكال استغلال الاطفال.

مندوب حماية الطفولة.. لابد من سن قانون يجرم التسول

في حديثه لـ"الصباح" أكد مندوب حماية الطفولة بصفاقس "علي الفارحي" ان ظاهرة التسول منتشرة بصورة لافتة في المجتمع التونسي وفي الجهة، ومن بين أهم الإشكاليات التي تواجهها مندوبية الطفولة في علاقة بجريمة التسول هو التعامل اللاجدي مع ظاهرة التسول والافلات من العقاب والتتبع العدلي لمرتكبي هذه الجرائم،مؤكدا ضرورة سن نص قانوني خاص بالتسول يجرم استغلال الاطفال في التسول وتشديد العقوبة السجنية إلى 3 سنوات أو5 سنوات وتطبيقه بكل صرامة ودون تأويل.

وبين انه تم إصدار عقوبة "اتجار بالأشخاص" في حق أربعة أشخاص في جريمة استغلال أطفال في التسول استوفت أركان هذه الجريمة،معتبرا ان التعامل مع الجرائم المرتكبة في حق الاطفال خاصة المتعلقة منها باستغلال الاطفال اقتصاديا غالبا ما توجه للمتهمين تهمة اهمال شؤون قاصر في حين انها جريمة ترتقي إلى حد جريمة اتجار بالأشخاص وجريمة في حق الطفل تكون ٱثارها قاسية على الطفل سيما وأن أغلبهم منقطعين عن الدراسة من شأنها ان تؤسس الى ظواهر اجتماعية سلبية أخرى،قائلا ان المتسولين هم بالأساس متحيلون في المجتمع يستغلون الأطفال اقتصاديا يتشكلون داخل مجموعات منظمة وهو إجرام في حق الطفل والمجتمع ويساهم في انحراف الطفل وتدميره .

معتمد صفاقس المدينة: مجموعات منظمة تستغل الاطفال في التسول ليلا

من جهته يقول معتمد صفاقس المدينة "خليل العكروتي" في حديثه لـ"الصباح" أن حوالي سبع "عائلات"،(نساء وأطفال) يجوبون كل ليلة عددا من مفترقات الطرق الكبرى بشوارع مدينة صفاقس على غرار مفترق ڨرمدة والعين و5 أوت بغاية التسول واستمالة المارة ليلا لمدهم ببعض النقود في فترة زمنية تمتد مابين الساعة الثامنة مساء إلى الساعة منتصف الليل .

مبينا ان هؤلاء المتسولين يتشكلون في مجموعات منظمة ويستغلون أطفالهم وأطفال أقاربهم في التسول ليلا ويستأجرون مخزنا بإحدى المناطق بجهة صفاقس، مؤكدا أنه تم الاتصال لهذه العائلات ومعاينتها من قبل المندوبية الجهوية لحماية الطفولة وتحذيرهم من استغلال الأطفال في عملية التسول كما رفضوا دعوة الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية في التوجه إلى مراكز الإيواء بالجهة .

وأضاف "خليل العكروتي" أن وحدات أمنية تابعة لمنطقة صفاقس المدينة تقوم بحملات أمنية مكثفة للحد من ظاهرة التسول واستغلال الأطفال موضحا انه تم إلقاء القبض على بعض العائلات وجهت لها تهمة إهمال قاصر وخطية تسول قيمتها 40 دينارا، معتبرا أن هذه العقوبات غير ناجعة في الحد من هذه الظاهرة التي تعد خرقا وتعديا على حقوق الطفل ووجب تكثيف الحملات الأمنية لمعالجة هذه الظاهرة وتطبيق القانون في ظل رفض هذه العائلات مقترح الإيواء من قبل مصالح الشؤون الاجتماعية بالجهة سيما وأن الغالبية منهم منقطعون عن الدراسة.

ويذكر أن المندوبية الجهوية لحماية الطفولة بصفاقس دعت إلى تشكيل لجنة جهوية تنعقد اليوم الخميس بمقر معتمدية صفاقس المدينة محورها "حماية الطفولة المهددة " ومن بينها قضايا التسول لدى الأطفال.

بلدية صفاقس تصدر قرارا يمنع التسول

 للحد من ظاهرة التسول داخل المنطقة البلدية قال المدير العام للشؤون البلدية ببلدية صفاقس "شكري اللوز" الكبرى التي تضم سبع دوائر بلدية أن بلدية صفاقس اصدرت في أوت سنة 2021 قرارا يقضي بتحجير التسول داخل المنطقة البلدية لمجابهة التسول وظاهرة تشغيل الاطفال مضيفا انه تم توزيع القرار على الهياكل المعنية للتصدي الى هذه الظاهرة التي تتداخل فيها عدة اطراف قانونية، حقوقية وأمنية فضلا عن تنظيمها ورشات عمل بالشراكة مع جمعية براءة التي تعنى بمسائل حقوقية لدى الطفل.

عتيقة العامري

في غياب الزجر.. التسول يتغول في بنزرت

p7n4.jpg

عند تقاطع نهجي بلجيكيا وابن خلدون في قلب مدينة بنزرت يستجدي شاب ثلاثيني فارع الطول لا يعاني من عاهات ظاهرة المارة 200 مليم فقط وهو مبلغ هين في نظر البعض لكن عبور مئات الاشخاص المسار المؤدي الى محطات النقل الحضري والميناء التجاري يوفر له مداخيل هامة تغنيه شقاء العمل كالعشرات من زملائه الذين ينتشرون في مدن بنزرت قليلهم في حالة رثة والبقية بلباس لائق يرابطون صيفا شتاء قرب الفروع البنكية ومراكز البريد والاسواق وحتى المطاعم ضمن مجموعات عائلية اغلبها اصيلة احدى ولايات الوسط الغربي تتقاسم الادوار او تنتصب للحساب الخاص في مناطق مختلفة  لاستجلاب عطف العابرين طلب ثمن غذاء، دواء او حليب لابن رضيع في حين يختار اخرون بيع الورق الصحي، الحشائش الطبية وحتى التوابل كغطاء على المهنة الجزية حيث عثر يوم 27 افريل 2016 على قرابة 30 ألف دينار لدى كفيفة مسنة تعتمد على كرسي متحرك اصيلة مدينة ماطر في حين استثمر احد زملائها من منزل جميل "عرقه" في شراء ارض مساحتها 600 م² في منزل عبد الرحمان ولكن مداخيل المتسولين المحليين شهدت تراجعا خلال السنوات الماضية بسبب الازمة الاقتصادية التي مست كل الفئات الاجتماعية اضافة الى ظهور منافسين أجانب.

انتشار المتسولين الأجانب

قرب المساجد والفضاءات التجارية الكبرى في مدن بنزرت تستجدي اسر كاملة من دولة شرق أوسطية العابرين الذي يقدمون الأموال بسخاء لإحياء قيم التضامن والاخوة بين الشعوب وهو ما تفطن له بعض المتسولين المحليين فانتشرت عائلات ملامح افرادها تونسية تتقن لهجات مختلفة تلاحق المارة لتمكينها مما " كتب " في حين كشفت تحريات الوحدات الامنية بمنزل بورقيبة يوم 30 جوان 2016 ان احدى المتسولات هي طالبة جامعية تونسية متزوجة ولها ابنة افتعلت جواز سفر اجنبي وقد اذنت حينها النيابة العمومية بالاحتفاظ بها لتواجه تهما ثقيلة .

 وان كان الحضور العربي لافتا فانه يواجه خلال السنوات الاخيرة منافسة حادة من شبان أفارقة يجيدون الكلمات الفرنسية الكافية لاستجداء العابرين او يقدمون خدمة تنظيف بلور السيارات او بيع سلع بسيطة خاصة قرب الجسر المتحرك ببنزرت ليحصلوا على مبالغ متفاوتة تؤمن مصاريف بقائهم في بلادنا الى حين.

تغول التسول

الى غاية سنة 2011 كان التعامل الرسمي مع المتسولين يعتمد على تنفيذ حملات شبه يومية مع التعهد اجتماعيا بكبار السن والنساء مما يمكن من تقليص الظاهرة دون اجتثاثها لان البقية يعيدون الانتشار دون خوف خاصة بالنسبة للشبكات المنظمة التي تعتمد على الهاتف الجوال لتنسيق تحركاتها واتقاء عيون المراقبين.

بعد الثورة تغولت الظاهرة وفي المقابل اقتصرت التدخلات على حملات امنية مكنت يوم 16 اوت 2017 من القبض على شخصين بصدد التكفف في محيط الجسر المتحرك ويوم 7 سبتمبر 2022 من ضبط شاب عشريني اصيل احدى الدول الافريقية جنوب الصحراء بصدد التسول في فضاء عمومي بحوزته مبلغ مالي هام وحسب مختص في الموضوع اتصلت به "الصباح" فانه لا يمكن احتواء هذه الظاهرة التي تدر عائدات مالية كبيرة لا تقارن بالمساعدات الاجتماعية التي توفرها الدولة رغم ارتفاع قيمتها خلال السنوات ويبقى تطبيق القانون بصرامة على كل مخالف تونسي او اجنبي هو الحل الوحيد للتقليص من هذه الظاهرة

 

 ساسي الطرابلسي

 

 

أخطبوط التسول يتغول:  "قطاع" تديره شركات وجمعيات وقوده الأطفال.. المعوزون واللاجئون

تونس-الصباح

تعيش بلادنا على وقع معضلة حقيقية وهي انتشار ظاهرة التسول التي عمت كل مناطق البلاد دون استثناء من المدن إلى الأرياف. التسول الذي بات مهنة قارة وسهلة للمحتاجين فعلا وحتى غير المحتاجين فاختلط الحابل بالنابل وأصبح من الصعب التمييز بين هذا وذاك، حتى ان شبكات باتت تدير هذا "القطاع" الذي انخرطت فيه عائلات وشباب من الجنسين وحتى لاجئين من جنسيات افريقية وسورية..، كما أن الاطفال والرضع اصبحوا "سلعة" للإيجار لمن يدفع اكثر.

ولا يمكن التغاضي عند الحديث عن انتشار ظاهرة التسول عما تعاينه بلادنا من أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت مع أزمة كوفيد-19 والحرب الروسية والأوكرانية، وهو ما أكده تقرير البنك العالمي الذي كشف عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 21 بالمائة من مجموع سكان تونس وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة قبل الثورة التي قدرت بـ20 بالمائة مقابل نسبة 15,5 بالمائة ما قبل الجائحة.

 وحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" فقد ارتفع عدد الإشعارات المتعلقة باستغلال الأطفال والتي تلقاها مندوب حماية الطفولة سنة 2021 اذ بلغت الإشعارات المتعلقة بتعرض الطفل للتشرد 1600 إشعار، كما بلغ عدد الإشعارات المتعلقة باستغلال الأطفال في الإجرام المنظم 130 إشعارا، ليترفع الرقم فيما يتعلق بالاستغلال الاقتصادي الى 392 خلال نفس السنة، مما يعني أن عددا كبيرا من الأطفال يفوق عددهم الـ 2000 طفل قد انخرطوا في أخطبوط التسول مع كل ما ينجر عن ذلك من استغلال من جميع النواحي لاسيما الاستغلال الجنسي.

قسم الجهات بجريدة "الصباح" تناول بالدرس استفحال ظاهرة التسول في عدد من الولايات وهي سوسة ومدنين وسيدي بوزيد ومنوبة وصفاقس وبنزرت، وهذا ما تم استخلاصه...

إشراف: حنان قيراط

سوسة: أطفال ورضّع يؤجّرون بالساعة واليوم!

p6n2.jpg

أصبحت ظاهرة التسوّل من الظواهر الملفتة للانتباه والتي لا يكاد يخلو منها شارع رئيسيّ من شوارع مدينة سوسة وبخاصّة في محيط المناطق السياحيّة والفضاءات التجاريّة الكبرى والبنوك والمرافق العموميّة وبمحيط محطّة القطار ومقر المندوبية الجهويّة للسياحة. ورغم القناعة بأنّ هذه الظاهرة تعكس جانبا كبيرا من واقع مرير تعيشه فئات اجتماعيّة ترزح تحت خطّ الفقر وتشكو من نقص في الإحاطة النّفسيّة والاجتماعيّة إلاّ أنّ الإيمان راسخ بأن ليس كلّ من يتواجد في هذه الشّوارع هو فعلا محتاج وغير قادر على العمل وبه عاهة فضروب الحيل وصنوف التحيّل والمغالطة والايهام بالإعاقة التي يعتمدها بعض المتسوّلين تتجاوز الخيال لتحيك فصول مسرحيّة تراجيديّة لا يتورّع مُخرجها في اعتماد شتّى طرق الخداع استجداء للعطف فلا يجد حرجا حتّى في ابتزاز وتوظيف طفولة مغتصبة.

التسوّل محضنة للجريمة المنظّمة

يرى أخصائيو علم الاجتماع أنّ ظاهرة التّسوّل هي مظهر من مظاهر الفساد الاجتماعي ونتيجة طبيعيّة للاخلالات التي تصيب التّوازنات الاقتصادية والاجتماعية ويعتبر أهل الاختصاص أن هذه الظاهرة تزداد خطورة عندما يقع توظيفها في مجالات أوسع وأخطر في صلب تشكيلات وتنظيمات وعصابات منظّمة تعمل في مجال المخدّرات والسّرقة ورصد تحرّكات وتنقّلات أصحاب المحلاّت والمنازل مستغلّين في ذلك المراهقين والأحداث ممّن أقصوا مبكّرا من الدّراسة لأسباب اقتصاديّة أو اجتماعية أو لقصور في دور المؤسّسة التربوية ممّا يجعل من التّسوّل حاضنا لكلّ الظواهر الاجتماعية السّلبيّة من عنف وغضب اجتماعي وجريمة منظمة، فما نعيشه اليوم إنّما هو في الأصل نتيجة لاختلال اقتصادي وثقافيّ وتربويّ يستوجب إصلاحا جذريّا لعديد المناهج والمنظومات وإعادة النّظر في منوال التنمية والّتوزيع العادل للثّروات.

طفولة تتسوّل تحت غطاء أبوي

تنتشر بأغلب شوارع مدينة سوسة وسهلول وجوهرة والخزامتيْن الشرقية والغربية ظاهرة التسوّل باصطحاب أطفال وحتى رضّع إذ يعمد بعض أولياء العائلات المعوزة بعدد من الأحياء الشعبيّة بسوسة الجنوبية إلى الزجّ بأبنائهم داخل عالم التسوّل وإرغامهم على امتهان هذه الظّاهرة بعد تسليحهم بكلّ ما تتطلّبه "الصّنعة" من عبارات التزلّف والتملّق وفصول روايات محبوكة تثير المشاعر وتستميل القلوب ضاربين عرض الحائط بأحاسيس ومشاعر نفوس هشّة وبكلّ قيم النّخوة والكرامة فيربّون صغارا منذ حداثة أعمارهم على سياسة التّواكل والكسب السّهل بل تعمد بعض المتسوّلات، حسب ما أفاد به أحد أصحاب المحلاّت التّجاريّة بشارع الطاهر صفر قبالة المندوبيّة الجهويّة للسّياحة، إلى اصطحاب بُنيّة من ذوي الاحتياجات الخصوصيّة من بنات جارتها لابتزاز المارّة ومحاولة التأثير عليهم مقابل معلوم ماديّ تسلّمه للأم عند إرجاعها آخر النهار. وفي ذات السّياق أكّد عامل بأحدى محلاّت بيع الملابس الجاهزة بشارع الحبيب بورقيبة أنّ شخصا يرتدي كسوة محترمة وربطة عنق يُنزل يوميا فتاة تجلس على كرسيّ متحرّك لممارسة التسوّل ثمّ يعود إليها آخر النّهار ليقلّها على متن سيّارته وهو ما يطرح أكثر من تساؤل عن توظيف واستغلال الطّفولة والإعاقة لابتزاز النّاس والتأثير فيهم في ظلّ غياب تفعيل ترسانة القوانين الصارمة التي تجرّم مثل هذه الممارسات.

  الحل في تفعيل قانون 2016 المتعلّق بتجريم الاتجار بالبشر

واعتبر أحد المختصّين والمتكوّنين في مجال جرائم الاتجار بالبشر أن ظاهرة التسوّل باستغلال القصّر لا يجب أن ننظر إليها من زاوية التسوّل والحاجة وإنّما اعتبارها جريمة موصوفة ومكتملة الأركان في استغلال البشر ورأى أنّه للقضاء على ظاهرة التّسوّل باستغلال الأطفال أو الرضّع لابدّ أوّلا من الإشعار المحمول على كلّ مواطن وعلى كل من له علاقة بالطفل (مربّون ,أطباء...) يرون طفلا مهدّدا ليتدخّل بذلك قاضي الأسرة ويتمّ بإذن منه استدعاء الوليّ الذي يثبت تورّطه في توظيف طفله في التسوّل وإلزامه بقوّة القانون على التّوقيع على تعهّد بعدم عرض منظوره للخطر مجدّدا أو إرغامه أو تشريكه في التسوّل وفي صورة عدم الالتزام يقع تتبّع الولي قضائيّا وإيواء الطفل بأحد مراكز حماية الطّفولة ورأى محدّثنا أن الحرص على تفعيل قانون سنة 2016 كفيل بالحدّ من تنامي ظاهرة التسوّل والاتجار بالبشر غير أنّ ضعف الجهاز التنفيذي من ناحية أولى ونقص تكوين بعض القضاة في مجال الاتجار بالبشر يجعل عددا منهم لا يكيّفون الواقعة بالشكل المستوجب رغم وضوح معالمها في أنها جريمة اتجار بالبشر ما يجعل عددا من المورّطين يُفلتون من العقاب ويتمادون في استغلال الطفولة وتوظيفها .

أنور قلاّلة

مدنين: ظاهرة أبطالها لاجئون!!؟

p6n3.jpg

تعيش مختلف معتمديات ولاية مدنين على وقع تفشي ظاهرة التسول مراسل "الصباح" بولاية مدنين جمع عدد من الآراء حول هذه المسالة فتعددت الآراء والمواقف والبداية كانت مع الأخصائية الاجتماعية نسرين لعماري..

شهادات مؤلمة

حيث أكدت لعماري أنه "حسب رأيي فإن تفشي ظاهرة التسول في مختلف مناطق ولاية مدنين، أصبحت ملفتة في الآونة الأخيرة، كالورم اللصيق بالجسد ولا يمكن التعافى منه خاصة أمام التضاعف اليومي لعدد المتسولين بمختلف أعمارهم، أجناسهم (ذكورا أو إناثا ) وجنسياتهم وأعراقهم ( لاجئين، تونسيين من داخل الولاية أو خارجها... )، حيث أصبح من المألوف أن تجد في كل ممّر وشارع ومقهى ومكان عمومي أو جامع وايضا أمام داخل المحلات التجارية، وفي الأسواق الأسبوعية، ومحطات النقل وحتى في وسائل النقل، وأنت تهم بأن تقطع طريقك من يمد يده طالبا الصدقة " بجاه ربي حويجة لله خوك من بارح مكليت شيء"... أقاويل تترد على مسامعنا يوميا، حيث بات التحيّل على المارة واستغلال واستعطاف ذواتهم فنّا يتقنه المتسولون حسب المكان والزمان الذي يتواجد فيه وهو ما جعل المواطن اليوم في حيرة وترّدد من أمره أمام نوعين من المتسولين فمنهم المحتاجين فعلا ويعيشون وضعيات اجتماعية هشة وصعبة، ومنهم الذين يمتهنون التسول لضمان لقمة عيش سهلة ."

 وبينت محدثتنا أن الصورة النمطية التقليدية للمتسول قديما والمتعارف عليها كانت تختزل في صورة إمراة طاعنة في السن وفي حضنها طفل يرتديان ثيابا بالية تحاكي ما فعله الزمان بهما تطلب يد المساعدة وتستعطف المارة أو مسّن أفترش الأرض وجعلها مسكنا له يرتعش من البرد والجوع،أو كهل مقعد على كرسي متحرك بالكاد يتحدث ...إلا أن هذه الصورة تزعزعت حيث أصبح البعض يلتجئ للتسول بالرغم من توافر فرص العمل إلا أنّه يفضل التظاهر بالمرض أو استعطاف قلوب المارة لشراء الأدوية وغيرها لنيل نصيب من صدقة المارة. وأضافت انه وأمام هذه المشاهد الجديدة والمستجدة أصبح القائم بالصدقة أومن يرغب بالتصدق يبحث من خلال جيرانه، وزملائه، وأقاربه على من هم بحاجة فعلية للمساعدة.

اللاجئون الأكثر تسولا

 القاطنون بمدنين من اللاجئين على اعتبار أن ولاية مدنين منطقة حدودية تزخر بعدد لا بأس به من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين من مختلف البلدان الذين استوطنوا المدينة بحثا عن الأمن والأمان هروبا من الحرب في بلدانهم أو البحث عن فرص عيش أفضل ورغم تكفل بعض المنظمات بالجهة بهذه الفئة إلا أنه أمام تضخم عددهم وضعف التدخل لمساعدتهم فإن الحاجة ترمي بهم للشارع لطلب يد المساعدة أو يقع استغلالهم داخل شبكات التسول المنظمة لكسب القليل من المال حتى يضمنوا قوتهم اليومي.

فظاهرة التسول بحسب الأخصائية الاجتماعية نسرين لعماري أصبحت معضلة حقيقة تنخر مجتمعنا رويدا رويدا فبالرغم من أنها تحط من كرامة الفرد إلا أنها باتت منهجها سهلا لسدّ احتياجات المتسول الضرورية منها أو غير الضرورية، واعتبرت أنه لابد من تتضافر جهود الدولة بمختلف هياكلها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لمزيد التوقي من مثل هذه الظواهر غير الحميدة وتكثيف حملات المراقبة و التحسيس والتوعية إلى جانب مزيد تقديم خدمات الرعاية والعناية لضعاف الحال ممَنْ يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة خاصة في ظل غلاء المعيشة اليوم وتردي الوضع الاقتصادي وخاصة في ظل غياب بعض المواد الغذائية الأساسيّة، مؤكدة على انه لابد من العمل على احتواء الظاهرة والعمل على التخفيف منها عبر اعتماد مقاربة اجتماعية وأمنية شاملة وردعية، لأن استفحالها أضحى يمثل كارثة حقيقية تترتب عنها عدة ظواهر اجتماعية أخرى وسلوكيات محفوفة بالمخاطر خاصة في صفوف الأطفال والشباب( كالتعرض للعنف أو استخدام العنف، استغلالهم في شبكات بيع وتعاطي المخدرات، السرقة ...الخ ).

احتراف التسول

اما مصباح مارس،وهو مهتم بالشان العام، فقد اعتبر في تصريح لـ"الصباح" أن التسول في ولاية مدنين لم يتفش فقط بسبب الفقر الناجم عن الأزمة الاقتصادية وإنما بسبب عوامل خارجية سببها الوافدين من دول أجنبية افريقية وعربية ومن باقي الولايات إذ أن جزءا هاما منهم احترف مهنة التسول التي يجني منها دخلا وفيرا دون مشقة أو تعب وقلة بسبب ضيق ذات اليد وخاصة من الوافدين من دول جنوب الصحراء والذين رفضت مطلبهم في الحصول على بطاقة لاجئ من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ظاهرة تهدد السلم الاجتماعية

زهير بن تردليت وهو أستاذ جامعي أكد لـ"الصباح" أن ظاهرة التسول تفشت في مختلف مدن ولاية مدنين حيث لم تعد حكرا على كبريات المدن كمدنين وجربة وجرجيس، ولا على شرائح معينة كالعجائز والشيوخ بل أصبحت المرأة الشابة والطفل اليافع يتسولون ويدخلون المقاهي والمطاعم لطلب المعونة بمختلف أشكالها بدأ بالطعام إلى طلب ثمن دواء أو مقابل تذكرة سفر واختلط المتسول المضطر بالمتسول المحترف واستخدمت تقنيات مختلفة كاللعب على العاطفة والمشاعر الدينية بالوقوف أمام المساجد خاصة يوم الجمعة حيث لا يشارك المتسول في الصلاة ولا يضيره أن يحدث ضجيجا أثناءها وأصبح المتسول يلعب أدوارا كدور اللاجئ السوري مثلا فيغير لهجته بل إن بعض السوريين والسوريات أصبحوا جزءا من شبكات التسول تراهم يبحثون عن سيارات أجرة مباشرة بعد انتهاء عملهم نحو نقطة معينة، سيارة أجرة يصعب على المواطن العادي أن يستأجرها بمفرده.

وبين محدثنا أن السائح الاجنبي لم ينج من التحرش به من طرف بعض المتسولين،ويخاطب احيانا بطريقة فجّة من أجل إرغامه على دفع بعض المال ما يضر بصورة البلاد ويمس قطاع السياحة بصفة عامة.

ميمون التونسي

سيدي بوزيد.. فتيات للإيجار.. والفقر في قفص الاتهام

p7n1.jpg

ظاهرة اطفال الشوارع او اطفال التسول كما يسميهم عدد من المواطنين بولاية سيدي بوزيد زادة حجمها وارتفعت في الفترة الأخيرة ما اثار حفيظة متساكني الجهة على اعتبارها عادة دخيلة على المنطقة نظرا لخصوصيتها الاجتماعية وفق تصريح عدد منهم لمراسل لـ"الصباح".

وسط المدينة أين تحدثنا مع عدد من المواطنين شد انتباهنا طفل لم يتجاوز الـ11 سنة كان يبيع المناديل الورقية، ووفق رواية عدد من مواطني الجهة اكدوا انه يدعى "أحمد" وقد اعتاد القدوم من احدى المناطق لبيع المناديل الورقية صحبة إبنيْ عمّه الّلذين يكبرانه سنّا ليؤكدوا ان ما يقومون به هو نوع من « التسوّل المقنّع ».

مراهقات في الشارع

مشاهد يومية اخرى اعتاد عليها الشارع في سيدي بوزيد لفتيات تمتهن التسوّل رغم صغر سنهن فان عائلاتهن تجبرهن على التسول بالشوارع المليئة بالتهديدات والمخاطر وتحملهن مسؤولية توفير دخل للعائلة.

وقد أفادت مصادر أمنية لمراسل "الصباح" ان الفرق الامنية بالجهة تسعى الى مقاومة هذه الظاهرة من خلال الزام الولي بحماية طفله او ابنته ومنعه مستقبلا من الخروج للتسول، ولكن الظاهرة تفاقمت وعدد الاطفال من الجنسين في تزايد و هو ما يتطلب عملا مشتركا لحماية الأطفال من الخروج للتسول.

رضع للإيجار!!؟

 في احد الانهج وسط سيدي بوزيد المدينة تجلس امرأة في أواخر عقدها السادس من العمر أمام فضاء تجاري صحبة رضيع.

ترتدي وشاحا يغطي ملامح وجهها متوّسلة المارّة اعطاءها المال للاعتناء بحفيدها، حسب ما تزعمه، ولما سُئلت عن اسم الرضيع وهويّته، سارعت المرأة بالوقوف والمغادرة، وحسب أحد المتساكنين بالمنطقة ممن تعوّدوا على رؤيتها بنفس المكان أكد لنا أن المرأة العجوز تصطحب في كل مرة رضيعا وتزعم انه حفيدها لكن حسب قوله لا يربطها بالرضيع أي رابط عائلي .

 وبالتحري في هذه الوضعية تبين ان هذه السيدة تقوم باستئجار الرّضع من عائلاتهم واستعمالهم في أعمال التسول ويتم الاتفاق مسبقا على المبلغ الذي سيدفع للعائلة.

الفقر في قفص الاتهام

وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور في علم الاجتماع عمر زعفوري في تصريح لمراسل "الصباح" أن التسول ظاهرة قديمة قدم الانسان وليست ظاهرة جديدة.

 ويرى الزعفوري أن الحلول تكمن في اعادة النظر في دور المجتمع من خلال ارساء سياسة في البلاد تعيد دور الأسرة من جديد في التنشئة والتربية وبناء شخصية الطفل و اعداده لمواجهة وضعيات اجتماعية مختلفة بطرق مقبولة في المجتمع وإعادة دور المدرسة.

وأكد الزعفوري ان على دور الدولة اعداد برنامج معالجة بمقومات صحيحة وليس ببرنامج مغلوط ومسقط، اضافة الى دور وسائل الاعلام التي يجب أن تكشف حقيقة الوضع وأهمية دور كل طرف لحل هذا المشكل.

إبراهيم سليمي

منوبة: غرباء ينتهجون رحلة الكسب السهل !

p7n2.jpg

 تزايد عدد المتسولين من يوم لاخر خاصة خلال الاشهر والسنوات الاخيرة بشكل اصبح من الصعب تمييز المحتاج من غيره في ولاية منوبة وهو ما يجعل فاعلي الخير يتريثون كثيرا قبل تقديم مساعداتهم المالية او العينية لاي طالب لها.

 انتشار الغرباء في الولاية !

انتقلت ظاهرة التسول بمظاهرها الجديدة من وسط العاصمة تدريجيا الى المدن المجاورة وكانت منوبة اولها لتتنامى مشاهد النساء الحاملات للرضع او المصطحبات للاطفال في حالة رثة ومخزية لا تليق باعمارهم لهدف التسول والتاثير العاطفي على الناس على قارعة الطريق او وسط الشوارع او داخل عربات المترو. في ذات السياق انتشر الاطفال دون سن 12 في الطرقات فرادى وجماعات للتسول بطرق مختلفة اما بطلب المال مباشرة او بتقديم خدمات سريعة كتنظيف بلور السيارات او بيع العلك وغيره وعادة ما ينحدرون من غير نفس المنطقة فيتحولون مثلا من حي خالد بن الوليد نحو مدينتي منوبة والدندان الاكثر ثراء وبحبوحة مقارنة بالمعتمديات المتبقية التي لم تخل ايضا من تطور الظاهرة لتكون في جزء منها محلية صرفة بتواصل امتهان التسول لبعض من ابناء المنطقة وتواجدهم وانتشارهم في اماكن بعينها حسب تقسيم متفق عليه امام المستشفيات والصيدليات والاسواق والمغازات التجارية وفي ذلك ذكاء مفرط في الاختيار للتاثير على الناس.

 كما ان بعض العائلات تتعمد استغلال بعض الاوضاع الصحية لافراد منها لطلب المساعدات بشتى انواعها مستظهرين بشهادات طبية وبطاقات العلاج والوصفات الطبية ليكون العمل كل يوم في حي من الاحياء وهكذا دواليك لتصبح العملية مستمرة وذات مردود قار.

والجديد في هذه الظاهرة لوحظ تزايد المتسولين من جنسيات اجنبية اهمها الافارقة والسوريون وعلى وجه الخصوص النساء منهم ويكون ظهورهم مرتبطا بصلاة الجمعة بموعديها الاول والثاني فيكون تحولهن الى الجوامع والمساجد الكبرى وسط المدن بمنوبة ودوار هيشر ووادي الليل وطبربة والمرابطة بها عند التوقيت الاول س 13 ثم التحول لاقرب مسجد تقام فيه صلاة الجمعة في موعدها الثاني س 14 و30 دق وبذلك ينتهي عملهن واسترزاقهن السهل ليختفين بعد ذلك الى موعد الجمعة الموالية..

 يلححن في الطلب ويصرفن بسخاء !

حول هؤلاء المتسولين الغرباء هناك تأكيدات بانهم محل متابعة من الجهات الامنية وانه تم جلبهم في كثير من المرات لمراكز الامن للاطلاع على هوياتهم ومقرات استقرارهم وما يتصل بممارساتهم على غرار ما يتم القيام به في مركز الامن الوطني بطبربة المدينة، متسولات تحت المراقبة والمتابعة يواصلن التسول بإلحاح واصرار واثارة للعواطف في حين يصرفن المال بسخاء ! الناصر الطرابلسي سائق سيارة تاكسي يتحدث عنهن بأنهن يصرفن بسخاء عند تنقلاتهن فيتركن "الصرف والبوربوار" ويتوجهن اثر انتهاء تسولهن الى افخر المقاهي وسط العاصمة اثر خلع الجلابيب التي كن يرتدينها وهو ما عايشه ورآه بأم عينه، وبذلك يتأكد جليا ان التسول لم يصبح لسد باب الحاجة بل اصبح مهنة الكسب السريع والسهل في زمن اشتدت فيه الازمات اقتصاديا واجتماعيا.. وأخلاقيا..

عادل عونلي

صفاقس.. شبكات عائلية منظمة في مفترق الطرقات الكبرى

p7n3.jpg

على أرصفة الشوارع الرئيسية لمدينة صفاقس وبين مفترقات طرقاتها الكبرى نساء يتسولن رفقة أطفال ورضع يستملن المارة ويستعطفنهم للتحصل على مبلغ مالي متحججات بالفقر والخصاصة والمرض لكنها ليست إلا تجارة مربحة وشكلا من اشكال استغلال الاطفال.

مندوب حماية الطفولة.. لابد من سن قانون يجرم التسول

في حديثه لـ"الصباح" أكد مندوب حماية الطفولة بصفاقس "علي الفارحي" ان ظاهرة التسول منتشرة بصورة لافتة في المجتمع التونسي وفي الجهة، ومن بين أهم الإشكاليات التي تواجهها مندوبية الطفولة في علاقة بجريمة التسول هو التعامل اللاجدي مع ظاهرة التسول والافلات من العقاب والتتبع العدلي لمرتكبي هذه الجرائم،مؤكدا ضرورة سن نص قانوني خاص بالتسول يجرم استغلال الاطفال في التسول وتشديد العقوبة السجنية إلى 3 سنوات أو5 سنوات وتطبيقه بكل صرامة ودون تأويل.

وبين انه تم إصدار عقوبة "اتجار بالأشخاص" في حق أربعة أشخاص في جريمة استغلال أطفال في التسول استوفت أركان هذه الجريمة،معتبرا ان التعامل مع الجرائم المرتكبة في حق الاطفال خاصة المتعلقة منها باستغلال الاطفال اقتصاديا غالبا ما توجه للمتهمين تهمة اهمال شؤون قاصر في حين انها جريمة ترتقي إلى حد جريمة اتجار بالأشخاص وجريمة في حق الطفل تكون ٱثارها قاسية على الطفل سيما وأن أغلبهم منقطعين عن الدراسة من شأنها ان تؤسس الى ظواهر اجتماعية سلبية أخرى،قائلا ان المتسولين هم بالأساس متحيلون في المجتمع يستغلون الأطفال اقتصاديا يتشكلون داخل مجموعات منظمة وهو إجرام في حق الطفل والمجتمع ويساهم في انحراف الطفل وتدميره .

معتمد صفاقس المدينة: مجموعات منظمة تستغل الاطفال في التسول ليلا

من جهته يقول معتمد صفاقس المدينة "خليل العكروتي" في حديثه لـ"الصباح" أن حوالي سبع "عائلات"،(نساء وأطفال) يجوبون كل ليلة عددا من مفترقات الطرق الكبرى بشوارع مدينة صفاقس على غرار مفترق ڨرمدة والعين و5 أوت بغاية التسول واستمالة المارة ليلا لمدهم ببعض النقود في فترة زمنية تمتد مابين الساعة الثامنة مساء إلى الساعة منتصف الليل .

مبينا ان هؤلاء المتسولين يتشكلون في مجموعات منظمة ويستغلون أطفالهم وأطفال أقاربهم في التسول ليلا ويستأجرون مخزنا بإحدى المناطق بجهة صفاقس، مؤكدا أنه تم الاتصال لهذه العائلات ومعاينتها من قبل المندوبية الجهوية لحماية الطفولة وتحذيرهم من استغلال الأطفال في عملية التسول كما رفضوا دعوة الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية في التوجه إلى مراكز الإيواء بالجهة .

وأضاف "خليل العكروتي" أن وحدات أمنية تابعة لمنطقة صفاقس المدينة تقوم بحملات أمنية مكثفة للحد من ظاهرة التسول واستغلال الأطفال موضحا انه تم إلقاء القبض على بعض العائلات وجهت لها تهمة إهمال قاصر وخطية تسول قيمتها 40 دينارا، معتبرا أن هذه العقوبات غير ناجعة في الحد من هذه الظاهرة التي تعد خرقا وتعديا على حقوق الطفل ووجب تكثيف الحملات الأمنية لمعالجة هذه الظاهرة وتطبيق القانون في ظل رفض هذه العائلات مقترح الإيواء من قبل مصالح الشؤون الاجتماعية بالجهة سيما وأن الغالبية منهم منقطعون عن الدراسة.

ويذكر أن المندوبية الجهوية لحماية الطفولة بصفاقس دعت إلى تشكيل لجنة جهوية تنعقد اليوم الخميس بمقر معتمدية صفاقس المدينة محورها "حماية الطفولة المهددة " ومن بينها قضايا التسول لدى الأطفال.

بلدية صفاقس تصدر قرارا يمنع التسول

 للحد من ظاهرة التسول داخل المنطقة البلدية قال المدير العام للشؤون البلدية ببلدية صفاقس "شكري اللوز" الكبرى التي تضم سبع دوائر بلدية أن بلدية صفاقس اصدرت في أوت سنة 2021 قرارا يقضي بتحجير التسول داخل المنطقة البلدية لمجابهة التسول وظاهرة تشغيل الاطفال مضيفا انه تم توزيع القرار على الهياكل المعنية للتصدي الى هذه الظاهرة التي تتداخل فيها عدة اطراف قانونية، حقوقية وأمنية فضلا عن تنظيمها ورشات عمل بالشراكة مع جمعية براءة التي تعنى بمسائل حقوقية لدى الطفل.

عتيقة العامري

في غياب الزجر.. التسول يتغول في بنزرت

p7n4.jpg

عند تقاطع نهجي بلجيكيا وابن خلدون في قلب مدينة بنزرت يستجدي شاب ثلاثيني فارع الطول لا يعاني من عاهات ظاهرة المارة 200 مليم فقط وهو مبلغ هين في نظر البعض لكن عبور مئات الاشخاص المسار المؤدي الى محطات النقل الحضري والميناء التجاري يوفر له مداخيل هامة تغنيه شقاء العمل كالعشرات من زملائه الذين ينتشرون في مدن بنزرت قليلهم في حالة رثة والبقية بلباس لائق يرابطون صيفا شتاء قرب الفروع البنكية ومراكز البريد والاسواق وحتى المطاعم ضمن مجموعات عائلية اغلبها اصيلة احدى ولايات الوسط الغربي تتقاسم الادوار او تنتصب للحساب الخاص في مناطق مختلفة  لاستجلاب عطف العابرين طلب ثمن غذاء، دواء او حليب لابن رضيع في حين يختار اخرون بيع الورق الصحي، الحشائش الطبية وحتى التوابل كغطاء على المهنة الجزية حيث عثر يوم 27 افريل 2016 على قرابة 30 ألف دينار لدى كفيفة مسنة تعتمد على كرسي متحرك اصيلة مدينة ماطر في حين استثمر احد زملائها من منزل جميل "عرقه" في شراء ارض مساحتها 600 م² في منزل عبد الرحمان ولكن مداخيل المتسولين المحليين شهدت تراجعا خلال السنوات الماضية بسبب الازمة الاقتصادية التي مست كل الفئات الاجتماعية اضافة الى ظهور منافسين أجانب.

انتشار المتسولين الأجانب

قرب المساجد والفضاءات التجارية الكبرى في مدن بنزرت تستجدي اسر كاملة من دولة شرق أوسطية العابرين الذي يقدمون الأموال بسخاء لإحياء قيم التضامن والاخوة بين الشعوب وهو ما تفطن له بعض المتسولين المحليين فانتشرت عائلات ملامح افرادها تونسية تتقن لهجات مختلفة تلاحق المارة لتمكينها مما " كتب " في حين كشفت تحريات الوحدات الامنية بمنزل بورقيبة يوم 30 جوان 2016 ان احدى المتسولات هي طالبة جامعية تونسية متزوجة ولها ابنة افتعلت جواز سفر اجنبي وقد اذنت حينها النيابة العمومية بالاحتفاظ بها لتواجه تهما ثقيلة .

 وان كان الحضور العربي لافتا فانه يواجه خلال السنوات الاخيرة منافسة حادة من شبان أفارقة يجيدون الكلمات الفرنسية الكافية لاستجداء العابرين او يقدمون خدمة تنظيف بلور السيارات او بيع سلع بسيطة خاصة قرب الجسر المتحرك ببنزرت ليحصلوا على مبالغ متفاوتة تؤمن مصاريف بقائهم في بلادنا الى حين.

تغول التسول

الى غاية سنة 2011 كان التعامل الرسمي مع المتسولين يعتمد على تنفيذ حملات شبه يومية مع التعهد اجتماعيا بكبار السن والنساء مما يمكن من تقليص الظاهرة دون اجتثاثها لان البقية يعيدون الانتشار دون خوف خاصة بالنسبة للشبكات المنظمة التي تعتمد على الهاتف الجوال لتنسيق تحركاتها واتقاء عيون المراقبين.

بعد الثورة تغولت الظاهرة وفي المقابل اقتصرت التدخلات على حملات امنية مكنت يوم 16 اوت 2017 من القبض على شخصين بصدد التكفف في محيط الجسر المتحرك ويوم 7 سبتمبر 2022 من ضبط شاب عشريني اصيل احدى الدول الافريقية جنوب الصحراء بصدد التسول في فضاء عمومي بحوزته مبلغ مالي هام وحسب مختص في الموضوع اتصلت به "الصباح" فانه لا يمكن احتواء هذه الظاهرة التي تدر عائدات مالية كبيرة لا تقارن بالمساعدات الاجتماعية التي توفرها الدولة رغم ارتفاع قيمتها خلال السنوات ويبقى تطبيق القانون بصرامة على كل مخالف تونسي او اجنبي هو الحل الوحيد للتقليص من هذه الظاهرة

 

 ساسي الطرابلسي