لا يمكن اليوم إخفاء أو إنكار الأزمة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تتخبّط فيها تونس منذ أشهر رغم "اطمئنان" الرواية الرسمية المقدمة من السلطة الى نظرية المؤامرة وإنكارها أن سبب هذا الوضع هو انعدام الرؤية لها صنّاع القرار وأن جزءا من الأزمة الراهنة تسببت فيه سياسات الحكومة الفاشلة رغم صعوبة الوضع الاقتصادي منذ ما قبل 25 جويلية..
لكن الى اليوم عجز المسار الجديد عن التقدّم ولو بخطوة في سبيل إنقاذ الدولة من إنهيار اقتصادي وشيك ومن وضع اجتماعي غاية في الاحتقان والخطوة مع افتقاد السوق لمواد غذائية أساسية وفقدان الأدوية الحياتية.. كل ذلك في غياب حلول في قانون الميزانية ومواصلة سياسية الهرب نحو الاقتراض بكل التكاليف والبحث المتواصل عن ديون خارجية وهبات لتعبئة الموارد أو الاعتماد على مساعدة الأصدقاء والأشقاء فبعد هبة وقرض الجزائر منذ أكثر من شهر والذي لا نعلم شيئا على تفاصيله أو أين تم صرفه.. تلقّى التونسيون خبر وصول شاحنات ليبية محمّلة بالمؤن أمس بالكثير من الحسرة والألم وانعكس ذلك بوضوح في تعليقات رواد التواصل الاجتماعي التي كانت في شكلها ساخر ولكن في عمقها الكثير من المرارة والشعور بالاهانة والألم لما آلت اليه أوضاع البلاد.. شعور بالتيه يملأ الأغلبية مع انعدام الآفاق والحلول ولّد شعورا عاما بالإحباط .
وفي تصريح أمس لـ »الصباح« أكد نعيم العشيبي ، الملحق الإعلامي بالسفارة الليبية بتونس أن هناك96 شاحنة محملة بالمؤن الغذائية الأساسية سكر وزيت ودقيق وأرز دخلت أمس تونس قادمة من ليبيا عبر المنفذ الحدودي راس جدير وأن هذه المؤن عبارة عن "منحة" مقدمة من قبل حكومة الوحدة الوطنية إلى دولة تونس في إطار الدعم والمساندة لما يمر به الشعب التونسي من نقص حاد في السلع الأساسية للمواد الغذائية وفق ما صرّح به العشيبي الذي أضاف أن شحنة اليوم هي دفعة أولى في انتظار بقية الشحنة وعددها 170 شاحنة .
ورغم ما تواجهه تونس من صعوبات اجتماعية واقتصادية إلا أن أغلب التونسيين شعروا بالإهانة وهم يتابعون هذا الخبر لأن البلاد ما كانت لتصل الى هذا الوضع المزري والى انتظار المساعدات الإنسانية من دول الجوار رغم أنها لفتة مشكورة من الحكومة الليبية، لو كانت هناك حكومة وسلطة حريصة على الإنقاذ ولو لم تنشغل الطبقة السياسية بعد الثورة بالصراع على السلطة وإهدار مقدرات البلاد .
علاقات تاريخية وشعب في بلدين
يعترف الليبيون بفضل تونس في إسنادهم والوقوف الى جانبهم إنسانيا بعد سقوط نظام معمر القذافي حيث لاجأ ملايين الليبيين الى تونس هربا من جحيم المعارك وكانت بلادنا عكس بقية دول الجوار الليبي هي الوحيدة التي أبقت على الحدود مفتوحة وقد عاش في تونس ولسنوات حوالي مليوني ليبي يشاركوننا كل تفاصيل حياتنا ويستفيدون مثلنا من المواد المدعمة التي تتحمّل كلفتها الدولة التونسية.. ولعل موقف الحكومة الليبية سواء زمن كورونا أو اليوم بتقديم هذه المساعدات الإنسانية يندرج في باب رد الجميل وترسيخ العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تتجاوز الجوار الى علاقات قرابة ومصاهرة حيث بات الجميع يتحدث عن شعب واحد في بلدين .
ولكن هناك حقائق لا بد من الاعتراف بها ومنها ان نشاط التهريب على الحدود الليبية الذي بلغ في السنوات الماضية أوجه وعجز الدولة التونسية عن مواجهة شبكات التهريب تلك أسهم بشكل أو بآخر في إضعاف الاقتصاد التونسي وعادة ما يستغل المهربون الاشتباكات الدائرة في ليبيا، لتهريب المواد الغذائية المدعمة وهو ما يشكل استنزافا للخزينة العامة وتشير أغلب التقارير الى كون تهريب السلع المدعمة شكل ضغطا إضافيا على نفقات الدعم وخاصة تهريب الزيت والسكر والأدوية.. وهذه المواد كلها لا يتوفر أغلبها اليوم في السوق المحلية. وينشط على الحدود التونسية الليبية مئات صغار المهربين المتخصصين في تهريب البنزين والأجهزة الإلكترونية والكهربائية والسجائر من الجانب الليبي مقابل تهريب سلع استهلاكية مدعومة منخفضة السعر نحو ليبيا.. وتعد الحدود الليبية – التونسية أحد أهم معابر الاقتصاد الموازي الذي استنزف الاقتصاد الوطني.. علما أن ليبيا قبل عام 2011 الشريك الاقتصادي الثاني لتونس حيث وصل رقم المعاملات إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار قبل أن ينزل الى حدود 800 مليون دولار أواخر 2018 .
وفي سبتمبر 2018 تم التوصل إلى اتفاق تونسي ليبي لاعتماد آلية تقوم بمقتضاها ليبيا بتوريد النفط الخام إلى تونس مقابل تصدير السلع التونسية إلى ليبيا في محاولة من حكومة يوسف الشاهد آنذاك لمحاولة التعامل مع شبكات التهريب والاقتصاد الموازي بما يمكن أن يجعل الدولة تستفيد من هذه التجارة غير القانونية ولكن الجميع فشل في التصدي لها .
والى اليوم ما زال الاقتصاد الوطني مستنزفا من شبكات التهريب والاقتصاد الموازي الذي لا تهتم له حكومة نجلاء بودن وتتجاهله رغم ان وضع خطة عاجلة للتصدّي له كان يمكن ان يجنب البلاد الخسائر الكبيرة التي تعيشها اليوم وجعلتها في موقع وهن وضعف غير مسبوق ولكن قرارات السلطة الناجعة والتي يمكن ان تأتي بحلول جادة غائبة تماما .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
لا يمكن اليوم إخفاء أو إنكار الأزمة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تتخبّط فيها تونس منذ أشهر رغم "اطمئنان" الرواية الرسمية المقدمة من السلطة الى نظرية المؤامرة وإنكارها أن سبب هذا الوضع هو انعدام الرؤية لها صنّاع القرار وأن جزءا من الأزمة الراهنة تسببت فيه سياسات الحكومة الفاشلة رغم صعوبة الوضع الاقتصادي منذ ما قبل 25 جويلية..
لكن الى اليوم عجز المسار الجديد عن التقدّم ولو بخطوة في سبيل إنقاذ الدولة من إنهيار اقتصادي وشيك ومن وضع اجتماعي غاية في الاحتقان والخطوة مع افتقاد السوق لمواد غذائية أساسية وفقدان الأدوية الحياتية.. كل ذلك في غياب حلول في قانون الميزانية ومواصلة سياسية الهرب نحو الاقتراض بكل التكاليف والبحث المتواصل عن ديون خارجية وهبات لتعبئة الموارد أو الاعتماد على مساعدة الأصدقاء والأشقاء فبعد هبة وقرض الجزائر منذ أكثر من شهر والذي لا نعلم شيئا على تفاصيله أو أين تم صرفه.. تلقّى التونسيون خبر وصول شاحنات ليبية محمّلة بالمؤن أمس بالكثير من الحسرة والألم وانعكس ذلك بوضوح في تعليقات رواد التواصل الاجتماعي التي كانت في شكلها ساخر ولكن في عمقها الكثير من المرارة والشعور بالاهانة والألم لما آلت اليه أوضاع البلاد.. شعور بالتيه يملأ الأغلبية مع انعدام الآفاق والحلول ولّد شعورا عاما بالإحباط .
وفي تصريح أمس لـ »الصباح« أكد نعيم العشيبي ، الملحق الإعلامي بالسفارة الليبية بتونس أن هناك96 شاحنة محملة بالمؤن الغذائية الأساسية سكر وزيت ودقيق وأرز دخلت أمس تونس قادمة من ليبيا عبر المنفذ الحدودي راس جدير وأن هذه المؤن عبارة عن "منحة" مقدمة من قبل حكومة الوحدة الوطنية إلى دولة تونس في إطار الدعم والمساندة لما يمر به الشعب التونسي من نقص حاد في السلع الأساسية للمواد الغذائية وفق ما صرّح به العشيبي الذي أضاف أن شحنة اليوم هي دفعة أولى في انتظار بقية الشحنة وعددها 170 شاحنة .
ورغم ما تواجهه تونس من صعوبات اجتماعية واقتصادية إلا أن أغلب التونسيين شعروا بالإهانة وهم يتابعون هذا الخبر لأن البلاد ما كانت لتصل الى هذا الوضع المزري والى انتظار المساعدات الإنسانية من دول الجوار رغم أنها لفتة مشكورة من الحكومة الليبية، لو كانت هناك حكومة وسلطة حريصة على الإنقاذ ولو لم تنشغل الطبقة السياسية بعد الثورة بالصراع على السلطة وإهدار مقدرات البلاد .
علاقات تاريخية وشعب في بلدين
يعترف الليبيون بفضل تونس في إسنادهم والوقوف الى جانبهم إنسانيا بعد سقوط نظام معمر القذافي حيث لاجأ ملايين الليبيين الى تونس هربا من جحيم المعارك وكانت بلادنا عكس بقية دول الجوار الليبي هي الوحيدة التي أبقت على الحدود مفتوحة وقد عاش في تونس ولسنوات حوالي مليوني ليبي يشاركوننا كل تفاصيل حياتنا ويستفيدون مثلنا من المواد المدعمة التي تتحمّل كلفتها الدولة التونسية.. ولعل موقف الحكومة الليبية سواء زمن كورونا أو اليوم بتقديم هذه المساعدات الإنسانية يندرج في باب رد الجميل وترسيخ العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تتجاوز الجوار الى علاقات قرابة ومصاهرة حيث بات الجميع يتحدث عن شعب واحد في بلدين .
ولكن هناك حقائق لا بد من الاعتراف بها ومنها ان نشاط التهريب على الحدود الليبية الذي بلغ في السنوات الماضية أوجه وعجز الدولة التونسية عن مواجهة شبكات التهريب تلك أسهم بشكل أو بآخر في إضعاف الاقتصاد التونسي وعادة ما يستغل المهربون الاشتباكات الدائرة في ليبيا، لتهريب المواد الغذائية المدعمة وهو ما يشكل استنزافا للخزينة العامة وتشير أغلب التقارير الى كون تهريب السلع المدعمة شكل ضغطا إضافيا على نفقات الدعم وخاصة تهريب الزيت والسكر والأدوية.. وهذه المواد كلها لا يتوفر أغلبها اليوم في السوق المحلية. وينشط على الحدود التونسية الليبية مئات صغار المهربين المتخصصين في تهريب البنزين والأجهزة الإلكترونية والكهربائية والسجائر من الجانب الليبي مقابل تهريب سلع استهلاكية مدعومة منخفضة السعر نحو ليبيا.. وتعد الحدود الليبية – التونسية أحد أهم معابر الاقتصاد الموازي الذي استنزف الاقتصاد الوطني.. علما أن ليبيا قبل عام 2011 الشريك الاقتصادي الثاني لتونس حيث وصل رقم المعاملات إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار قبل أن ينزل الى حدود 800 مليون دولار أواخر 2018 .
وفي سبتمبر 2018 تم التوصل إلى اتفاق تونسي ليبي لاعتماد آلية تقوم بمقتضاها ليبيا بتوريد النفط الخام إلى تونس مقابل تصدير السلع التونسية إلى ليبيا في محاولة من حكومة يوسف الشاهد آنذاك لمحاولة التعامل مع شبكات التهريب والاقتصاد الموازي بما يمكن أن يجعل الدولة تستفيد من هذه التجارة غير القانونية ولكن الجميع فشل في التصدي لها .
والى اليوم ما زال الاقتصاد الوطني مستنزفا من شبكات التهريب والاقتصاد الموازي الذي لا تهتم له حكومة نجلاء بودن وتتجاهله رغم ان وضع خطة عاجلة للتصدّي له كان يمكن ان يجنب البلاد الخسائر الكبيرة التي تعيشها اليوم وجعلتها في موقع وهن وضعف غير مسبوق ولكن قرارات السلطة الناجعة والتي يمكن ان تأتي بحلول جادة غائبة تماما .