تونس لا يمكنها طرح إلا 16.7% من ديونها ضمن نادي باريس بما يؤكد نسبية نجاعة التوجه
اتفاق صندوق النقد سيغير مسار توجه تونس إلى نادي باريس
مجموع الديون التونسية الخارجية أغلبها مصنف في نطاق التعاون متعدد الأطراف
تونس-الصباح
بات خيار التداين للدولة التونسية الحل الأمثل والأسهل لتعبئة موارد مالية جديدة لتمويل موازنتها العامة وخاصة لتغطية العجز الحاصل بها، واتخذ منحى التداين لتونس نسقا تصاعديا من سنة إلى أخرى حتى فقدت الدولة السيطرة عليه وأصبحت مهددة بعدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها المالية وتعثر سداد ديونها الخارجية والداخلية.
ولم يعد هذا الوضع الذي تردت إليه المالية العمومية مجرد ظرف استثنائي أو وضع مؤقت بالنظر إلى التغيرات التي يشهدها العالم كما يسوّق للسواد الأعظم من التونسيين اليوم، بل بات الأمر يطرح العديد من المخاوف الجدية من إمكانية تعثر تونس عن سداد ديونها المتخلدة بذمتها مما سيؤدي إلى تصنيفها في مراتب سلبية وخطيرة من قبل مؤسسات التراقيم السيادية العالمية وبالتالي إمكانية توجهها إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونها في قادم الأيام.
هذا السيناريو المخيف فندته البعض من الجهات في البلاد على اعتبار أن تونس تاريخيا لم تتخلف عن خلاص ديونها وبقيت وفية عبر عقود من الزمن لجميع تعهداتها المالية خاصة الخارجية منها مهما تأزمت ماليتها العمومية، في حين اتجه البعض الآخر من التونسيين إلى إمكانية تعثر تونس عن خلاص ديونها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به مؤخرا.
تقارير دولية تؤكد المخاطر
وتستند هذه الآراء إلى التقارير التي تصدرها تباعا المؤسسات والمنظمات الدولية والتي تكشف فيها هذه المخاطر التي تهدد تونس في ما يتعلق بارتفاع حجم الديون العمومية إلى مستويات مخيفة، من ذلك نشرت وكالة الأنباء الأمريكية التابعة لمجموعة "بلومبيرغ إل بي"، المتخصصة في الاقتصاد والتمويل، دراسة بعنوان "الحرب الروسية ترفع مخاطر التخلف عن السداد للاقتصاديات المتعثرة"، ويبحث التقرير في سوق الديون في "البلدان الأكثر ضعفاً" من بين ما يسمى الاقتصاديات الناشئة، ونشر التقرير قائمة تضم 13 دولة ، بينها تونس في المركز السابع، واصفا هذه البلدان بأنها أكثر الدول التي ستعاني من تخلف سداد ديونها على المدى القصير والمتوسط.
كما أوضح نفس التقرير أن مخاطر التخلف عن سداد الديون بلغت أعلى مستوى لها منذ شهر ماي من سنة 2020، تاريخ تفشي وباء فيروس كورونا، لافتا إلى أن ديون الاقتصاديات الناشئة ارتفعت بسبب "الغزو الروسي لأوكرانيا" حسب ما جاء في التقرير، حيث أدى ذلك إلى رفع الضغط على الاقتصاديات الهشة، والمخاوف ارتفعت بشأن ما إذا كانت روسيا ستفي بمدفوعات الفائدة الخاصة بها هذا الشهر بالدولار، ودفع ذلك إلى ارتفاع تكلفة التأمين ضد التخلف عن السداد في دول الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوياتها منذ الاضطرابات الوبائية في عام 2020، وتونس مصنفة في المرتبة 7 من بين 13 دولة، صنفها التقرير الأمريكي على أنها معرضة للتخلف عن سداد ديونها.
وفي نفس الاتجاه، كانت قد ركزت نسخة 2022 من تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، على انهيار الدولة التونسية وأزمة الديون والبطالة، وامتداد ركود الاقتصاد وانتشار الأنشطة غير المشروعة، باعتبارها المخاطر الرئيسية التي تواجه تونس، كما حددت دراسة حديثة أجراها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، بصفته الشريك الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي في شهر سبتمبر 2022، اعتمدت فيه على تقرير المخاطر العالمية يبرز استبيان تصورات المخاطر العالمية السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يجمع المعلومات الرئيسية من أكثر من 1200 خبير عبر شبكة المنتدى.
وكانت وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، قد حذرت في تقرير حديث لها من خطورة تراجع تصنيف تونس مجددا خلال الفترة القادمة، ملمحة إلى أن تخفيض الترقيم السيادي لتونس، إلى أخطر الدرجات الائتمانية، ستعلن تونس دولة عالية المخاطر وغير قادرة على سداد ديونها، وغير قادرة آليا على الخروج للأسواق المالية للحصول على قروض، ما يعمق الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد.
كما أكدت كل من وكالتي موديز وفيتش، أن اتفاق تونس مع صندوق النقد بات "ضروريا للوصول إلى دعم الميزانية من قبل الدائنين الرسميين كما اعتبرت كلا الوكالتين "أن عدم وضوح المشهد السياسي والمعارضة الاجتماعية، يحدان من قدرة الحكومة على سنّ تدابير قوية لضبط أوضاع المالية العمومية".
وأشارت العديد من وكالات التصنيف السيادي العالمية أنه "في حالة عدم وجود إصلاحات قوية، قد يعتبر الدائنون الرسميون إعادة هيكلة الديون أمرا ضروريا قبل تقديم دعم إضافي"، وتوقعت الوكالات العالمية أن يبقى عجز الميزانية لتونس مرتفعا خلال السنوات القادمة.
جدوى توجه تونس إلى نادي باريس
وفي حال توجه تونس إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونها، اختلفت الآراء بين المراقبين في الشأن الاقتصادي حول نجاعة ذلك على وضع البلاد اقتصاديا، حيث أكد الخبير في الاقتصاد معز حديدان أن عملية إعادة الجدولة لن تشمل جميع القروض والاهم أن حجم ديون تونس الثنائية لا تمثل إلا 16.7% من حجم الدين الخارجي الجملي أي ما يعادل نحو 10 مليار دينار والتي يمكن طرحها ضمن ما يعرف بنادي باريس الذي من مزاياه مساعدة بعض الدول على سداد ديونها عند بلوغها مرحلة صعبة ويصبح من المستحيل عليها تسديدها..
وأضاف حديدان أن نادي باريس لا يشمل إلا التعاون الثنائي ويطرح للنقاش والمساعدة فقط ديون الدول متقدمة لدى دول أخرى، مشيرا إلى أن أي دولة تطلب مساعدة 'نادي باريس' وفي حال استجابتها للشروط الموضوعة فان الدول الأعضاء بالنادي وعددها 22 دولة تتعهد بالتضامن معها لتيسير إعادة جدولة ديونها وهي ما تعرف بالمعاملة الميسرة.
وكان قد فسر الخبير الاقتصادي أنه في حال كان للدولة التونسية ديون مع بعض الدول الأعضاء بنادي باريس فانه يمكن لها الانتفاع بحقها في إعادة الجدولة، موضحا أن الإشكال في هذا الإطار أن مجموع الديون التونسية الخارجية أغلبها مع مؤسسات مالية دولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي ديون مصنفة في نطاق التعاون متعدد الأطراف والذي تمثل قيمته من الدين الخارجي نحو 54%، وبالنسبة لديون تونس لدى الأسواق المالية تمثل 25% في حين أن نسب الديون في إطار التعاون الثنائي لا تمثل إلا 16.7% وهي القيمة الوحيدة التي يمكن للدولة التونسية توجيه طلب بخصوص إعادة جدولتها بنادي باريس، حسب تعبيره.
منحى تصاعدي للتداين
وعرف مستوى تداين تونس ارتفاعا، خلال السنوات الست الأخيرة لتبلغ نسبته من 52،66 بالمائة في 2015 إلى 81،52 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وتجاوز مع نهاية 2022 مستوى 114 مليار دينار مقابل أكثر من 107 مليار دينار مع موفي 2021، أي بزيادة تفوق 6 مليار دينار، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والماليّة ودعم الاستثمار لشهر جوان 2021.
وبلغ حجم الديون الخارجية لتونس موفى أوت الماضي 60.2 مليار دينار، في حين ارتفعت قيمة الديون الداخلية للدولة من 37،2 مليار دينار إلى 41 مليار دينار، وحسب ذات المصدر، فإن 54 بالمائة من ديون تونس الخارجية هي مع مؤسّسات ماليّة كبرى كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، في حين قدرت نسبة الديون مع السوق الماليّة الدوليّة بـ 30%، أما البقية فهي قروض ثنائية.
كما تنوي تونس تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار ديناً خارجياً، و9.12 مليار دينار ديناً داخلياً، بالإضافة إلى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .
تونس.. نادي باريس
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من مسؤولين ماليين ممولين من 22 دولة تعد من أكبر الاقتصاديات في العالم، وتأسس نادي باريس سنة 1956 في شكل مجموعة تقدم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون للدول المديونة بدلا من إعلان إفلاسها أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها، وغالبا ما تتم التوصية بالدول المديونة أو تسجيلها في النادي عن طريق صندوق النقد الدولي بعد فشل الحلول البديلة لتسديد ديون تلك الدول.
وتقوم هذه المجموعة على عكس نادي لندن المتخصص في هيكلة الديون التجارية، بإعادة جدولة ديون الدول المدينة كبديل لإعلان هذه الدول إفلاسها، كما تفاوض لتخفيف عبء الديون بشروط للتقليص من الفائدة عليها، وتتدخل في بعض الأحيان لإلغاء ديون الدول المثقلة بالدين عبر تحويلها إلى أصول وممتلكات “استثمارية” في البلدان المدينة.
ويعقد النادي اجتماعات دورية في مقر وزارة الاقتصاد والمالية بالعاصمة الفرنسية باريس للتفاوض والتباحث في خصوص تطور أوضاع الديون الخارجية للدول المدينة أو القضايا المنهجية الخاصة بديون تلك الدول، كما يشترط عدم النظر في الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتعتبر تونس من المتعاملين “الأوفياء” مع دول نادي باريس سيما خلال السنوات الأخيرة ورغم الضعف النسبي لقيمة ديونها تجاه الدول المكونة له، فان وضعية مديونتها الخاصة والتأكيدات العديدة سيما الدولية منها أنها على وشك دخول مرحلة التعثر المالي جعل من وجودها في “قمة باريس الاقتصادية” التي انعقدت في 18 ماي الفارط بمشاركة رئيس الجمهورية قيس سعيد، مسالة ذات أهمية دون اعتبار الجانب السياسي لهذه القمة التي شكلت فعليا واجهة لـ “اجتماع موسع” لنادي باريس.
وفاء بن محمد
تونس لا يمكنها طرح إلا 16.7% من ديونها ضمن نادي باريس بما يؤكد نسبية نجاعة التوجه
اتفاق صندوق النقد سيغير مسار توجه تونس إلى نادي باريس
مجموع الديون التونسية الخارجية أغلبها مصنف في نطاق التعاون متعدد الأطراف
تونس-الصباح
بات خيار التداين للدولة التونسية الحل الأمثل والأسهل لتعبئة موارد مالية جديدة لتمويل موازنتها العامة وخاصة لتغطية العجز الحاصل بها، واتخذ منحى التداين لتونس نسقا تصاعديا من سنة إلى أخرى حتى فقدت الدولة السيطرة عليه وأصبحت مهددة بعدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها المالية وتعثر سداد ديونها الخارجية والداخلية.
ولم يعد هذا الوضع الذي تردت إليه المالية العمومية مجرد ظرف استثنائي أو وضع مؤقت بالنظر إلى التغيرات التي يشهدها العالم كما يسوّق للسواد الأعظم من التونسيين اليوم، بل بات الأمر يطرح العديد من المخاوف الجدية من إمكانية تعثر تونس عن سداد ديونها المتخلدة بذمتها مما سيؤدي إلى تصنيفها في مراتب سلبية وخطيرة من قبل مؤسسات التراقيم السيادية العالمية وبالتالي إمكانية توجهها إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونها في قادم الأيام.
هذا السيناريو المخيف فندته البعض من الجهات في البلاد على اعتبار أن تونس تاريخيا لم تتخلف عن خلاص ديونها وبقيت وفية عبر عقود من الزمن لجميع تعهداتها المالية خاصة الخارجية منها مهما تأزمت ماليتها العمومية، في حين اتجه البعض الآخر من التونسيين إلى إمكانية تعثر تونس عن خلاص ديونها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به مؤخرا.
تقارير دولية تؤكد المخاطر
وتستند هذه الآراء إلى التقارير التي تصدرها تباعا المؤسسات والمنظمات الدولية والتي تكشف فيها هذه المخاطر التي تهدد تونس في ما يتعلق بارتفاع حجم الديون العمومية إلى مستويات مخيفة، من ذلك نشرت وكالة الأنباء الأمريكية التابعة لمجموعة "بلومبيرغ إل بي"، المتخصصة في الاقتصاد والتمويل، دراسة بعنوان "الحرب الروسية ترفع مخاطر التخلف عن السداد للاقتصاديات المتعثرة"، ويبحث التقرير في سوق الديون في "البلدان الأكثر ضعفاً" من بين ما يسمى الاقتصاديات الناشئة، ونشر التقرير قائمة تضم 13 دولة ، بينها تونس في المركز السابع، واصفا هذه البلدان بأنها أكثر الدول التي ستعاني من تخلف سداد ديونها على المدى القصير والمتوسط.
كما أوضح نفس التقرير أن مخاطر التخلف عن سداد الديون بلغت أعلى مستوى لها منذ شهر ماي من سنة 2020، تاريخ تفشي وباء فيروس كورونا، لافتا إلى أن ديون الاقتصاديات الناشئة ارتفعت بسبب "الغزو الروسي لأوكرانيا" حسب ما جاء في التقرير، حيث أدى ذلك إلى رفع الضغط على الاقتصاديات الهشة، والمخاوف ارتفعت بشأن ما إذا كانت روسيا ستفي بمدفوعات الفائدة الخاصة بها هذا الشهر بالدولار، ودفع ذلك إلى ارتفاع تكلفة التأمين ضد التخلف عن السداد في دول الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوياتها منذ الاضطرابات الوبائية في عام 2020، وتونس مصنفة في المرتبة 7 من بين 13 دولة، صنفها التقرير الأمريكي على أنها معرضة للتخلف عن سداد ديونها.
وفي نفس الاتجاه، كانت قد ركزت نسخة 2022 من تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، على انهيار الدولة التونسية وأزمة الديون والبطالة، وامتداد ركود الاقتصاد وانتشار الأنشطة غير المشروعة، باعتبارها المخاطر الرئيسية التي تواجه تونس، كما حددت دراسة حديثة أجراها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، بصفته الشريك الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي في شهر سبتمبر 2022، اعتمدت فيه على تقرير المخاطر العالمية يبرز استبيان تصورات المخاطر العالمية السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يجمع المعلومات الرئيسية من أكثر من 1200 خبير عبر شبكة المنتدى.
وكانت وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، قد حذرت في تقرير حديث لها من خطورة تراجع تصنيف تونس مجددا خلال الفترة القادمة، ملمحة إلى أن تخفيض الترقيم السيادي لتونس، إلى أخطر الدرجات الائتمانية، ستعلن تونس دولة عالية المخاطر وغير قادرة على سداد ديونها، وغير قادرة آليا على الخروج للأسواق المالية للحصول على قروض، ما يعمق الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد.
كما أكدت كل من وكالتي موديز وفيتش، أن اتفاق تونس مع صندوق النقد بات "ضروريا للوصول إلى دعم الميزانية من قبل الدائنين الرسميين كما اعتبرت كلا الوكالتين "أن عدم وضوح المشهد السياسي والمعارضة الاجتماعية، يحدان من قدرة الحكومة على سنّ تدابير قوية لضبط أوضاع المالية العمومية".
وأشارت العديد من وكالات التصنيف السيادي العالمية أنه "في حالة عدم وجود إصلاحات قوية، قد يعتبر الدائنون الرسميون إعادة هيكلة الديون أمرا ضروريا قبل تقديم دعم إضافي"، وتوقعت الوكالات العالمية أن يبقى عجز الميزانية لتونس مرتفعا خلال السنوات القادمة.
جدوى توجه تونس إلى نادي باريس
وفي حال توجه تونس إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونها، اختلفت الآراء بين المراقبين في الشأن الاقتصادي حول نجاعة ذلك على وضع البلاد اقتصاديا، حيث أكد الخبير في الاقتصاد معز حديدان أن عملية إعادة الجدولة لن تشمل جميع القروض والاهم أن حجم ديون تونس الثنائية لا تمثل إلا 16.7% من حجم الدين الخارجي الجملي أي ما يعادل نحو 10 مليار دينار والتي يمكن طرحها ضمن ما يعرف بنادي باريس الذي من مزاياه مساعدة بعض الدول على سداد ديونها عند بلوغها مرحلة صعبة ويصبح من المستحيل عليها تسديدها..
وأضاف حديدان أن نادي باريس لا يشمل إلا التعاون الثنائي ويطرح للنقاش والمساعدة فقط ديون الدول متقدمة لدى دول أخرى، مشيرا إلى أن أي دولة تطلب مساعدة 'نادي باريس' وفي حال استجابتها للشروط الموضوعة فان الدول الأعضاء بالنادي وعددها 22 دولة تتعهد بالتضامن معها لتيسير إعادة جدولة ديونها وهي ما تعرف بالمعاملة الميسرة.
وكان قد فسر الخبير الاقتصادي أنه في حال كان للدولة التونسية ديون مع بعض الدول الأعضاء بنادي باريس فانه يمكن لها الانتفاع بحقها في إعادة الجدولة، موضحا أن الإشكال في هذا الإطار أن مجموع الديون التونسية الخارجية أغلبها مع مؤسسات مالية دولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي ديون مصنفة في نطاق التعاون متعدد الأطراف والذي تمثل قيمته من الدين الخارجي نحو 54%، وبالنسبة لديون تونس لدى الأسواق المالية تمثل 25% في حين أن نسب الديون في إطار التعاون الثنائي لا تمثل إلا 16.7% وهي القيمة الوحيدة التي يمكن للدولة التونسية توجيه طلب بخصوص إعادة جدولتها بنادي باريس، حسب تعبيره.
منحى تصاعدي للتداين
وعرف مستوى تداين تونس ارتفاعا، خلال السنوات الست الأخيرة لتبلغ نسبته من 52،66 بالمائة في 2015 إلى 81،52 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وتجاوز مع نهاية 2022 مستوى 114 مليار دينار مقابل أكثر من 107 مليار دينار مع موفي 2021، أي بزيادة تفوق 6 مليار دينار، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والماليّة ودعم الاستثمار لشهر جوان 2021.
وبلغ حجم الديون الخارجية لتونس موفى أوت الماضي 60.2 مليار دينار، في حين ارتفعت قيمة الديون الداخلية للدولة من 37،2 مليار دينار إلى 41 مليار دينار، وحسب ذات المصدر، فإن 54 بالمائة من ديون تونس الخارجية هي مع مؤسّسات ماليّة كبرى كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، في حين قدرت نسبة الديون مع السوق الماليّة الدوليّة بـ 30%، أما البقية فهي قروض ثنائية.
كما تنوي تونس تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار ديناً خارجياً، و9.12 مليار دينار ديناً داخلياً، بالإضافة إلى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .
تونس.. نادي باريس
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من مسؤولين ماليين ممولين من 22 دولة تعد من أكبر الاقتصاديات في العالم، وتأسس نادي باريس سنة 1956 في شكل مجموعة تقدم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون للدول المديونة بدلا من إعلان إفلاسها أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها، وغالبا ما تتم التوصية بالدول المديونة أو تسجيلها في النادي عن طريق صندوق النقد الدولي بعد فشل الحلول البديلة لتسديد ديون تلك الدول.
وتقوم هذه المجموعة على عكس نادي لندن المتخصص في هيكلة الديون التجارية، بإعادة جدولة ديون الدول المدينة كبديل لإعلان هذه الدول إفلاسها، كما تفاوض لتخفيف عبء الديون بشروط للتقليص من الفائدة عليها، وتتدخل في بعض الأحيان لإلغاء ديون الدول المثقلة بالدين عبر تحويلها إلى أصول وممتلكات “استثمارية” في البلدان المدينة.
ويعقد النادي اجتماعات دورية في مقر وزارة الاقتصاد والمالية بالعاصمة الفرنسية باريس للتفاوض والتباحث في خصوص تطور أوضاع الديون الخارجية للدول المدينة أو القضايا المنهجية الخاصة بديون تلك الدول، كما يشترط عدم النظر في الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتعتبر تونس من المتعاملين “الأوفياء” مع دول نادي باريس سيما خلال السنوات الأخيرة ورغم الضعف النسبي لقيمة ديونها تجاه الدول المكونة له، فان وضعية مديونتها الخاصة والتأكيدات العديدة سيما الدولية منها أنها على وشك دخول مرحلة التعثر المالي جعل من وجودها في “قمة باريس الاقتصادية” التي انعقدت في 18 ماي الفارط بمشاركة رئيس الجمهورية قيس سعيد، مسالة ذات أهمية دون اعتبار الجانب السياسي لهذه القمة التي شكلت فعليا واجهة لـ “اجتماع موسع” لنادي باريس.