تطرح تخمة المشاهد والصور والأحداث والتصريحات أو "العكاظيات" السياسية والنقابية والقطاعية بتعدد "عناوينها" وسياقاتها ومصادرها، استفهامات وقراءات واستنتاجات عديدة، من قبيل أيّ صورة تسوق لتونس اليوم وأي خدمة يقدمونها من خلال تلك النوعية من "الشو" المفرغة من المضامين والأهداف الوطنية للتونسيين داخل تونس وخاصة خارجها؟ وما مدى تداعيات ذلك على الوضع العام في الدولة اليوم؟ ومدى علاقة ذلك بالمصلحة الوطنية في ظل الهبة الجماعية لكل الجهات للانخراط في التسويق لنفس الصورة "الركيكة"؟
إذ كان ما تم تسجيله يوم أمس 14 جانفي تتويجا لمحطات وتحركات تصب في نفس الخانة، خاصة أنها تأتي في زحمة التغيرات التي ما انفك يشهدها العالم والمد الجيواستراتيجي الجديد وتسابق البلدان والشعوب للتسويق لصور وتقديم برامج ووضع استراتيجيات ومقاربات بديلة تساهم في رفع شأن أبنائها وترفع من مكانتهم على مستوى دولي وتمكنها من تحقيق التطور والنمو وضمان بقاء أوطانها في دائرة البلدان المتقدمة والشعوب المتطورة والبناءة على غرار ما هو مسجل إقليميا وعربيا وعالميا بقطع النظر عن اختلاف الأنظمة والسياسيات.
ولئن عكس ما عاشته تونس أمس وخلال الفترة التي سبقتها من أحداث وتصريحات واحتجاجات وتحركات، ما يميز بلادنا من مناخ ديمقراطي يخول لمختلف الحساسيات السياسية والنقابية والمدنية وغيرها حرية التعبير والاحتجاج مع المحافظة على الأمن والسلم الاجتماعيين وقدرة المؤسسة الأمنية على تأمين تلاقي الفرقاء السياسيين والنقابيين وغيرهم في شارع بورقيبة الرمز، الذي يعد القلب النابض للعاصمة أو في نقاط أخرى على مقربة منه، دون أضرار تذكر، بشكل يكذب ما تروج له المعارضة من غياب وقمع للحريات، فإنه يسوق في جوانب أخرى منها لصورة سلبية من شأنها أن تساهم في تردي الوضع المزري للدولة وتساهم في مضاعفة المصاعب والمعاناة لنسبة كبيرة من الفئات الهشة بشكل خاص. إضافة إلى تداعيات تلك السلبية على نظرة الأجنبي للتونسي سواء تعلق الأمر بالكفاءات أو الجالية التونسية بالمهجر أو غيرها لاسيما في ظل ما أصبح يعانيه التونسيون من تشديد وصعوبات في الإجراءات في السفر والهجرة وغلق أبواب العمل والتشغيل بعد أن كانت التونسيون يحظون بالأولوية لأسباب مختلفة ومتداخلة في السنوات الماضية. لتساهم الطبقة السياسية وبعض مكونات المجتمع المدني في تأزيم الوضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون مبالاة بمصلحة المواطن والوطن ودون تحسب لعواقب وتداعيات ذلك على المصلحة الوطنية. لأن الممارسة السياسية تقتضي من الجميع في المعارضة كانت أم في الحكم، في ظل الظروف الحالية الحرجة والمأزومة للدولة، أن تضع نصب أعينها المصلحة العامة وتراهن على مقاربات بديلة وازنة كفيلة بتحقيق الشعبية و"الاحترام" المنشود وشد الشارع للسياسي والناشط المدني على حد السواء من ناحية وبخدمة صورة تونس والتونسيين من ناحية أخرى.
إذ غاب على أذهان الجميع أن بلادنا اليوم في حاجة إلى مؤيدات ومؤشرات مادية وموضوعية تشجع المانحين الدوليين على التفاعل بإيجابية مع المطالب المرفوعة للحصول على قرض يمكن من حلحلة الأزمات التي ترزح تحتها تونس. وهي أيضا في حاجة إلى التسويق لصورة تونس والتونسيين ولسوق الشغل النوعية التي تشجع المستثمرين التونسيين والأجانب على حد السواء، للانتصاب في بلادنا بما يساهم في تحريك عجلة التشغيل والتنمية ويمكن بلادنا من تدارك وضعها الصعب، خاصة أمام صيحات الفزع التي ما انفكت تطالعنا والصادرة عن جهات رسمية ومختصة في مختلف المجالات وتنذر بخطورة تواصل الأزمة والوضع الكارثي الذي تمر به بلادنا وتنبه الجميع إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولعل ما نبه له المرصد الاقتصادي بتونس الصادر عن البنك الدولي من خطورة الوضع الاقتصادي المضطرب في ظل إدارة مضطربة بعد الأرقام التي تم تسجيلها في العام المنقضي مقابل صعوبة المؤشرات المتعلقة بالعام الجديد.
فصورة تسابق وتهافت الطبقة السياسية بجميع أطيافها على "نبش ونهش وخدش" القدر الممكن من صورة تونس وطمس كل معالم نقية وناصعة فيها فضلا عن التباهي بحملات التجييش والضرب والهدم أمام أنظار الرأي العام التونسي والخارجي، يثبت مرة أخرى أن بلادنا تعيش أزمة ساسة وطنيون وأزمة أخلاق بامتياز. لأنهم كلهم على يقين أنهم غير قادرين على "إخراج" قيس سعيد من قصر قرطاج بتعلة إسقاط منظومته لذلك اختاروا أن يدفع الشعب والدولة ثمن عبث هذه الطبقة السياسية بالأساس والعاجزة عن تقيم برنامج بديل قادر على شد وإقناع المواطن التونسي لوصولها إلى هدفها الوحيد وهو كرسي السلطة لا غير.
ويؤكد مرة أخرى إفلاس هذه الطبقة على نحو يفسح المجال لمنظومة سعيد لمواصلة طريقها بتأنيها المعهود، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الطبقة السياسية الجديدة التي تطرح نفسها بديلا لأخرى "كلاسيكية" مفلسة لم تعد تحظى بالقواعد الشعبية رغم محاولات التجديد وإعادة الهيكلة وتوزيع الأدوار والأوراق.
فالصورة القاتمة والبائسة والسلبية لتونس التي يتم التسويق لها اليوم تدمي "القلوب" لأنها تتناقض مع الانتظارات والأهداف والمطلوب، وتدفع الجميع إلى القيام بمراجعات شاملة لأن الخوض في "التنازلات" مسألة غير مطروحة لدى الجميع باعتبار أن الأنظار تتجه اليوم إلى رئاسة الجمهورية، لاسيما أن قيس سعيد متمسك بالروزنامة التي تحدد المسار الذي يقوده منذ حوالي سنة ونصف لتثبيت الخروج من مرحلة التسيير الاستثنائية إلى عودة السير العادي لمؤسسات الدولة بعد إجراء المحطة الثانية من الانتخابات التشريعية المبرمجة ليوم 29 جانفي الجاري ومباشرة البرلمان لمهامه في بداية مارس القادم.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تطرح تخمة المشاهد والصور والأحداث والتصريحات أو "العكاظيات" السياسية والنقابية والقطاعية بتعدد "عناوينها" وسياقاتها ومصادرها، استفهامات وقراءات واستنتاجات عديدة، من قبيل أيّ صورة تسوق لتونس اليوم وأي خدمة يقدمونها من خلال تلك النوعية من "الشو" المفرغة من المضامين والأهداف الوطنية للتونسيين داخل تونس وخاصة خارجها؟ وما مدى تداعيات ذلك على الوضع العام في الدولة اليوم؟ ومدى علاقة ذلك بالمصلحة الوطنية في ظل الهبة الجماعية لكل الجهات للانخراط في التسويق لنفس الصورة "الركيكة"؟
إذ كان ما تم تسجيله يوم أمس 14 جانفي تتويجا لمحطات وتحركات تصب في نفس الخانة، خاصة أنها تأتي في زحمة التغيرات التي ما انفك يشهدها العالم والمد الجيواستراتيجي الجديد وتسابق البلدان والشعوب للتسويق لصور وتقديم برامج ووضع استراتيجيات ومقاربات بديلة تساهم في رفع شأن أبنائها وترفع من مكانتهم على مستوى دولي وتمكنها من تحقيق التطور والنمو وضمان بقاء أوطانها في دائرة البلدان المتقدمة والشعوب المتطورة والبناءة على غرار ما هو مسجل إقليميا وعربيا وعالميا بقطع النظر عن اختلاف الأنظمة والسياسيات.
ولئن عكس ما عاشته تونس أمس وخلال الفترة التي سبقتها من أحداث وتصريحات واحتجاجات وتحركات، ما يميز بلادنا من مناخ ديمقراطي يخول لمختلف الحساسيات السياسية والنقابية والمدنية وغيرها حرية التعبير والاحتجاج مع المحافظة على الأمن والسلم الاجتماعيين وقدرة المؤسسة الأمنية على تأمين تلاقي الفرقاء السياسيين والنقابيين وغيرهم في شارع بورقيبة الرمز، الذي يعد القلب النابض للعاصمة أو في نقاط أخرى على مقربة منه، دون أضرار تذكر، بشكل يكذب ما تروج له المعارضة من غياب وقمع للحريات، فإنه يسوق في جوانب أخرى منها لصورة سلبية من شأنها أن تساهم في تردي الوضع المزري للدولة وتساهم في مضاعفة المصاعب والمعاناة لنسبة كبيرة من الفئات الهشة بشكل خاص. إضافة إلى تداعيات تلك السلبية على نظرة الأجنبي للتونسي سواء تعلق الأمر بالكفاءات أو الجالية التونسية بالمهجر أو غيرها لاسيما في ظل ما أصبح يعانيه التونسيون من تشديد وصعوبات في الإجراءات في السفر والهجرة وغلق أبواب العمل والتشغيل بعد أن كانت التونسيون يحظون بالأولوية لأسباب مختلفة ومتداخلة في السنوات الماضية. لتساهم الطبقة السياسية وبعض مكونات المجتمع المدني في تأزيم الوضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون مبالاة بمصلحة المواطن والوطن ودون تحسب لعواقب وتداعيات ذلك على المصلحة الوطنية. لأن الممارسة السياسية تقتضي من الجميع في المعارضة كانت أم في الحكم، في ظل الظروف الحالية الحرجة والمأزومة للدولة، أن تضع نصب أعينها المصلحة العامة وتراهن على مقاربات بديلة وازنة كفيلة بتحقيق الشعبية و"الاحترام" المنشود وشد الشارع للسياسي والناشط المدني على حد السواء من ناحية وبخدمة صورة تونس والتونسيين من ناحية أخرى.
إذ غاب على أذهان الجميع أن بلادنا اليوم في حاجة إلى مؤيدات ومؤشرات مادية وموضوعية تشجع المانحين الدوليين على التفاعل بإيجابية مع المطالب المرفوعة للحصول على قرض يمكن من حلحلة الأزمات التي ترزح تحتها تونس. وهي أيضا في حاجة إلى التسويق لصورة تونس والتونسيين ولسوق الشغل النوعية التي تشجع المستثمرين التونسيين والأجانب على حد السواء، للانتصاب في بلادنا بما يساهم في تحريك عجلة التشغيل والتنمية ويمكن بلادنا من تدارك وضعها الصعب، خاصة أمام صيحات الفزع التي ما انفكت تطالعنا والصادرة عن جهات رسمية ومختصة في مختلف المجالات وتنذر بخطورة تواصل الأزمة والوضع الكارثي الذي تمر به بلادنا وتنبه الجميع إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولعل ما نبه له المرصد الاقتصادي بتونس الصادر عن البنك الدولي من خطورة الوضع الاقتصادي المضطرب في ظل إدارة مضطربة بعد الأرقام التي تم تسجيلها في العام المنقضي مقابل صعوبة المؤشرات المتعلقة بالعام الجديد.
فصورة تسابق وتهافت الطبقة السياسية بجميع أطيافها على "نبش ونهش وخدش" القدر الممكن من صورة تونس وطمس كل معالم نقية وناصعة فيها فضلا عن التباهي بحملات التجييش والضرب والهدم أمام أنظار الرأي العام التونسي والخارجي، يثبت مرة أخرى أن بلادنا تعيش أزمة ساسة وطنيون وأزمة أخلاق بامتياز. لأنهم كلهم على يقين أنهم غير قادرين على "إخراج" قيس سعيد من قصر قرطاج بتعلة إسقاط منظومته لذلك اختاروا أن يدفع الشعب والدولة ثمن عبث هذه الطبقة السياسية بالأساس والعاجزة عن تقيم برنامج بديل قادر على شد وإقناع المواطن التونسي لوصولها إلى هدفها الوحيد وهو كرسي السلطة لا غير.
ويؤكد مرة أخرى إفلاس هذه الطبقة على نحو يفسح المجال لمنظومة سعيد لمواصلة طريقها بتأنيها المعهود، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الطبقة السياسية الجديدة التي تطرح نفسها بديلا لأخرى "كلاسيكية" مفلسة لم تعد تحظى بالقواعد الشعبية رغم محاولات التجديد وإعادة الهيكلة وتوزيع الأدوار والأوراق.
فالصورة القاتمة والبائسة والسلبية لتونس التي يتم التسويق لها اليوم تدمي "القلوب" لأنها تتناقض مع الانتظارات والأهداف والمطلوب، وتدفع الجميع إلى القيام بمراجعات شاملة لأن الخوض في "التنازلات" مسألة غير مطروحة لدى الجميع باعتبار أن الأنظار تتجه اليوم إلى رئاسة الجمهورية، لاسيما أن قيس سعيد متمسك بالروزنامة التي تحدد المسار الذي يقوده منذ حوالي سنة ونصف لتثبيت الخروج من مرحلة التسيير الاستثنائية إلى عودة السير العادي لمؤسسات الدولة بعد إجراء المحطة الثانية من الانتخابات التشريعية المبرمجة ليوم 29 جانفي الجاري ومباشرة البرلمان لمهامه في بداية مارس القادم.