قبل يوم من عرض مسلسل "غسق" العمل الليبي الضخم والذي ضم ثلة من الممثلين المتميزين من جنسيات مختلفة (ليبيون وتونسيون واردنيون ومصريون وسوريون)، عبر عدد من قادة "البنيان المرصوص" (عملية قادها الجيش الليبي ضد "داعش" سنة 2015) عن استيائهم من خلال بيان جاء في نصه أن المسلسل لم يعط حق المقاتلين في "البنيان المرصوص" وأنهم لم يبدوا اي موافقة لإنتاجه كما أنهم لم يساهموا في نقل شهادات حية أفادت السينياريست في الكشف عن تفاصيل الأحداث المتشعبة..إلا أن الأمر سرعان ما حسم ولاقى إجماعا كبيرا على القيمة الفنية اللافتة للانتباه من حيث المضمون وتألق الممثلين لتلتقي جل آراء النقاد عند تمثيله نقلة نوعية في الدراما الليبية والعربية..
و"غسق" هو من كتابة سراج هويدي وإخراج أسامة زرق وانتاج شركة "ART Production " يتألف من عشرة حلقات مدة كل حلقة نحو 54دقيقة، جسدت مراحل سقوط معاقل "داعش" داخل سرت فضلا عن نضال الشعب الليبي بكل فئاته وأعماره وتضحيات مئات الشهداء..
"الصباح"اتصلت بمهذب الرميلي أحد أبطال مسلسل "غسق" للحديث عن تفاصيل أجواء التصوير في أورفا جنوب شرقي تركيا وسر نجاح العمل.. كما التطرق إلى مسألة التعامل مع منفذي "البنيان المرصوص" أثناء التصوير.. والحديث عن مآخذ إنتاج الأعمال الدرامية في تونس وسبل الارتقاء بها إلى مصاف الأعمال الخالدة.. فكان الحوار التالي:لو تحدثنا عن البيانات التي أصدرها "الجيش الليبي" المنددة بانتاج "غسق"؟
-هنا أريد أن أشير إلى أن مسلسل "غسق" ليس سردا تاريخيا بمعنى التوثيق ولكن هو تجسيد لأهم الأحداث التي جرت في ليبيا (أواخر سنة 2014 و2015) وهي تكوين إمارة إسلامية بمدينة سرت ليتم نسفها إثر عملية "البنيان المرصوص" التي شارك فيها كل من الجيش الليبي "الثوار" وفئة من الشباب الذين استشهد الكثير منهم (750شهيدا تقريبا و2000 جريح.. منهم من يعاني الأمرين إلى يوم الناس هذا) .. وأنا شخصيا أتفهم كل التدخلات منذ تصوير الحلقات الأولى لأن قادة "البنيان المرصوص" ومقاتليها رأوا أن المسلسل لم يعطهم حقهم مقارنة بحضور الأعمال الوحشية لـ"داعش" الذي أرهب الليبيين.. في حين أن الحبكة الدرامية بين الشخصيات في "غسق" هي من وحي الخيال.. وسينياريست العمل سراج الهويدي استند على معلومات من المكتب الإعلامي لـ"البنيان المرصوص" واعترافات إرهابيين في السجون الليبية لنسج السيناريو .. كما أن وفدا من "البنيان المرصوص" كان قد زارنا في الحدود السورية وبارك العمل باعتباره عملا وطنيا..
ما يجعلنا نستنتج أن "استفزاز" فئة من الجيش الليبي (المنتمي إلى أطياف سياسية) مفهوم باعتبار أنه كان ينتظر تخليدا لمقاومته وتكريما لتضحياته امام "داعش" الإرهابي حفاظا على "الأنا الاعلى".. دون أن ننسى المنطق القبلي "المهيمن" في ليبيا و"المنافسة" على الظهور في ساحات المقاومة ...
ولكن سرعان ما استوى الأمر وتفهم الجميع مقاصد العمل والدليل هو أن "غسق" نال استحسانا كبيرا من الشعب الليبي ولفت أنظار الجماهير في الكثير من البلدان العربية والأجنبية..
*هل تعتقد أن "غسق" من المرجح أن يتصدر الأعمال الخالدة في الدراما الليبية؟
-أكيد.. لأن العمل تكريم لجنود "البنيان المرصوص" والأمهات الليبيات ثم إن "غسق" فنيا كان على مستوى راق جدا مقارنة بما هو سائد في الدراما الليبية.. وقد حقق قفزة نوعية في المشهد الدرامي.. انا شخصيا أعتبره تجربة رائعة في مسيرتي الفنية باعتباري انني تقمصت دورا مهما وشاركت في مشروع وطني بالأساس.. خال من الأبعاد السياسية..وهو أمر توجه صائب ومنطقي لأن الليبييين "ماهمش فاهمين بعضهم خلي احنا" ثم إن حقيقة الارض لا يعرفها إلا اصحاب الأرض..
كما أريد أن انوه إلى الطرح الفني في مسألة تسمية الشهداء والذي كان مميزا تكريما لكل الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير سرت.. ذلك أن أسماءهم لم تكن صحيحة في "غسق" درءا لأي خطإ او سهو ناهيك أن عددهم من الصعب حصره..عكس اسماء الإرهابيين فهي صحيحة..كثير منهم هم الآن في السجون الليبية..
اما على المستوى التقني فاريد أن اعبر عن مدى فخري بالتقنيين التونسيين الذين اشرفوا على تصوير "غسق" وعلى رأسهم مدير التصوير بشير نابولي حيث كانت -للامانة- القيادة والريادة التونسية حاضرة بامتياز.. وهنا استحضر مشهدا طريفا وهو أن تقنيين من جنسيات اخرى ارادوا أثناء التصوير تثبيت عاكس ضوئي في مكان عال الا أنهم عجزوا عن ذلك واستطاع بشير خلال دقائق حل المشكل بمهارة عالية..
كل ما أتمناه هو أن تنجح العديد من الاعمال التونسية وتنسج على منوال "غسق" من حيث "توثيق" الاحداث التاريخية الهامة بنفس درامي على غرار ملحمة بن قردان.. خاصة وان الكثير من الوقائع تناولها الإعلام بشكل جيد ولم تستغل في أعمال فنية لتخليدها..
*الأعمال الرمضانية التونسية هذه السنة في مجملها كانت متميزة..ولكن ألا ترى أن هناك إجحافا من حيث الانتاج؟
-كثرة الأعمال هذه السنة ظاهرة صحية رغم اختلاف المضامين والرؤى الفنية لأن التنوع عادة ما يخلق "سوق" جديدة ويحفز جانب المنافسة.. لكن المشكل هو ان الانتاج موسمي مثل موسم الزيتون "كل عام صابة" .. أظن أنه حان الوقت لأن نخرج من القفص الرمضاني وأن نكثف من انتاج الاعمال خاصة وان الساحة الفنية اصبحت تزخر بالطاقات المبدعة.. أما الغريب هو أن المنتجين لا يتذكرون الأعمال إلا قبل رمضان بشهرين او ثلاثة أشهر!! ..يا حبذا لو –إن تمكنا من الخروج من القفص الرمضاني- نستعد إلى تحضير الأعمال مبكرا.. لماذا لا نبدأ من الآن في التفكير في برمجة السنة المقبلة؟..ثم لماذا لا تجيبك لجنة اختبار الاعمال بالتلفزة الوطنية اثر تقديم المشروع إلا بعد ثلاثة او أربعة أشهر؟ .. الجميع يعي جيدا أن كتابة السيناريو كذلك ليست بالعمل الهين والإسراع في كتابته حتما سيجرنا إلى نتائج وخيمة على مستوى المضمون.. وانا متأكد ان الكثير من الاعمال سواء كانت درامية او كوميدية لو انها حظيت باكثر متسع من الوقت لنجحت اكثر وكانت افضل على مستوى الاخراج وحضور الممثلين وكتابة السيناريو..
إن سالتني: هل ستتغير رؤية المنتجين مستقبلا في ظل نجاح العديد من الاعمال أود أن اجيبك بنعم ولكن ليس لدي الثقة في شركات الانتاج لأن الأعمال الدرامية التونسية لم تنجح هذا العام فحسب (نجاح "نوبة".."مايسترو".. على سبيل المثال) مقابل بقاء دار لقمان على حالها.. انا انتظر منتجا مجازفا حقيقة وهو من مهام التلفزة الوطنية لأنها ليست لها غاية ربحية عكس القنوات الخاصة التي تسعى إلى ضمان مرابيح الإشهار كي تجازف..ثم لماذا لا تشتغل التلفزة الوطنية على ورشة كبيرة وعلى مواضيع هامة؟! .. فمسلسل "حرقة" حسب رايي لو صور بهاتف جوال لأثر في الناس لان التونسي يميل إلى تلك الأعمال القريبة من همومه ومآسيه وهنا المواضيع تكاد لا تحصى ولا تعد (الفقر..البطالة..اطفال الشوارع..المرأة الريفية....) فالبلد مليء بالقضايا الحقيقية..
هذا إلى جانب إمكانية طرح قضايا تاريخية (باعتبار أن تاريخنا مشرف جدا) وتوظيف شخصيات تاريخية رمزية في أعمال فنية يكون لها وقع في نفوس وذاكرة التونسيين كأن نرى مثلا مسلسلا يسرد المسيرة النضالية للشهيد فرحات حشاد.. وهنا أؤكد على ضرورة إدخال الدراما في مشروع وطني بناء ومن ثمة بناء العقول لا أن نقع في الاستسهال..
*ماذا عن الأعمال الكوميدية؟
-الفرق واضح جدا بين الإضحاك والكوميديا فالإضحاك وسيلة للكوميديا وليس غاية..عكس ما نشاهده للاسف في جل أعمالنا "الكوميدية" التي وصلت إلى التهريج ..اي اضحاكك بشتى الطرق دون رسالة.. إضحاكك على مبادئي..إنسانيتي..بلادي..ديني..لتهون عند اصحاب تلك الاعمال كل القيم إلى درجة أنهم لو يستطيعون إخراج أصابعهم من الشاشة ودغدغتك لفعلوا..
فعلا الأمر محزن ولكن من الممكن تداركه.. فأنت حين تتأمل في آثار موليار مثلا "اب الكوميديا" تستشعر قضايا حارقة باسلوب مضحك وهنا يكمن البون الشاسع (كثر الهم يضحك) ..وأعتقد أن "كان يا ماكانش" استطاع أن يتصدر هذا العام مجال الكوميديا الهادفة رغم ان الطرح معمق بعض الشيء والذائقة والفكر التونسي لم يتعودا بعدُ على مثل هكذا أعمال..
حوار وليد عبد اللاوي
قبل يوم من عرض مسلسل "غسق" العمل الليبي الضخم والذي ضم ثلة من الممثلين المتميزين من جنسيات مختلفة (ليبيون وتونسيون واردنيون ومصريون وسوريون)، عبر عدد من قادة "البنيان المرصوص" (عملية قادها الجيش الليبي ضد "داعش" سنة 2015) عن استيائهم من خلال بيان جاء في نصه أن المسلسل لم يعط حق المقاتلين في "البنيان المرصوص" وأنهم لم يبدوا اي موافقة لإنتاجه كما أنهم لم يساهموا في نقل شهادات حية أفادت السينياريست في الكشف عن تفاصيل الأحداث المتشعبة..إلا أن الأمر سرعان ما حسم ولاقى إجماعا كبيرا على القيمة الفنية اللافتة للانتباه من حيث المضمون وتألق الممثلين لتلتقي جل آراء النقاد عند تمثيله نقلة نوعية في الدراما الليبية والعربية..
و"غسق" هو من كتابة سراج هويدي وإخراج أسامة زرق وانتاج شركة "ART Production " يتألف من عشرة حلقات مدة كل حلقة نحو 54دقيقة، جسدت مراحل سقوط معاقل "داعش" داخل سرت فضلا عن نضال الشعب الليبي بكل فئاته وأعماره وتضحيات مئات الشهداء..
"الصباح"اتصلت بمهذب الرميلي أحد أبطال مسلسل "غسق" للحديث عن تفاصيل أجواء التصوير في أورفا جنوب شرقي تركيا وسر نجاح العمل.. كما التطرق إلى مسألة التعامل مع منفذي "البنيان المرصوص" أثناء التصوير.. والحديث عن مآخذ إنتاج الأعمال الدرامية في تونس وسبل الارتقاء بها إلى مصاف الأعمال الخالدة.. فكان الحوار التالي:لو تحدثنا عن البيانات التي أصدرها "الجيش الليبي" المنددة بانتاج "غسق"؟
-هنا أريد أن أشير إلى أن مسلسل "غسق" ليس سردا تاريخيا بمعنى التوثيق ولكن هو تجسيد لأهم الأحداث التي جرت في ليبيا (أواخر سنة 2014 و2015) وهي تكوين إمارة إسلامية بمدينة سرت ليتم نسفها إثر عملية "البنيان المرصوص" التي شارك فيها كل من الجيش الليبي "الثوار" وفئة من الشباب الذين استشهد الكثير منهم (750شهيدا تقريبا و2000 جريح.. منهم من يعاني الأمرين إلى يوم الناس هذا) .. وأنا شخصيا أتفهم كل التدخلات منذ تصوير الحلقات الأولى لأن قادة "البنيان المرصوص" ومقاتليها رأوا أن المسلسل لم يعطهم حقهم مقارنة بحضور الأعمال الوحشية لـ"داعش" الذي أرهب الليبيين.. في حين أن الحبكة الدرامية بين الشخصيات في "غسق" هي من وحي الخيال.. وسينياريست العمل سراج الهويدي استند على معلومات من المكتب الإعلامي لـ"البنيان المرصوص" واعترافات إرهابيين في السجون الليبية لنسج السيناريو .. كما أن وفدا من "البنيان المرصوص" كان قد زارنا في الحدود السورية وبارك العمل باعتباره عملا وطنيا..
ما يجعلنا نستنتج أن "استفزاز" فئة من الجيش الليبي (المنتمي إلى أطياف سياسية) مفهوم باعتبار أنه كان ينتظر تخليدا لمقاومته وتكريما لتضحياته امام "داعش" الإرهابي حفاظا على "الأنا الاعلى".. دون أن ننسى المنطق القبلي "المهيمن" في ليبيا و"المنافسة" على الظهور في ساحات المقاومة ...
ولكن سرعان ما استوى الأمر وتفهم الجميع مقاصد العمل والدليل هو أن "غسق" نال استحسانا كبيرا من الشعب الليبي ولفت أنظار الجماهير في الكثير من البلدان العربية والأجنبية..
*هل تعتقد أن "غسق" من المرجح أن يتصدر الأعمال الخالدة في الدراما الليبية؟
-أكيد.. لأن العمل تكريم لجنود "البنيان المرصوص" والأمهات الليبيات ثم إن "غسق" فنيا كان على مستوى راق جدا مقارنة بما هو سائد في الدراما الليبية.. وقد حقق قفزة نوعية في المشهد الدرامي.. انا شخصيا أعتبره تجربة رائعة في مسيرتي الفنية باعتباري انني تقمصت دورا مهما وشاركت في مشروع وطني بالأساس.. خال من الأبعاد السياسية..وهو أمر توجه صائب ومنطقي لأن الليبييين "ماهمش فاهمين بعضهم خلي احنا" ثم إن حقيقة الارض لا يعرفها إلا اصحاب الأرض..
كما أريد أن انوه إلى الطرح الفني في مسألة تسمية الشهداء والذي كان مميزا تكريما لكل الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير سرت.. ذلك أن أسماءهم لم تكن صحيحة في "غسق" درءا لأي خطإ او سهو ناهيك أن عددهم من الصعب حصره..عكس اسماء الإرهابيين فهي صحيحة..كثير منهم هم الآن في السجون الليبية..
اما على المستوى التقني فاريد أن اعبر عن مدى فخري بالتقنيين التونسيين الذين اشرفوا على تصوير "غسق" وعلى رأسهم مدير التصوير بشير نابولي حيث كانت -للامانة- القيادة والريادة التونسية حاضرة بامتياز.. وهنا استحضر مشهدا طريفا وهو أن تقنيين من جنسيات اخرى ارادوا أثناء التصوير تثبيت عاكس ضوئي في مكان عال الا أنهم عجزوا عن ذلك واستطاع بشير خلال دقائق حل المشكل بمهارة عالية..
كل ما أتمناه هو أن تنجح العديد من الاعمال التونسية وتنسج على منوال "غسق" من حيث "توثيق" الاحداث التاريخية الهامة بنفس درامي على غرار ملحمة بن قردان.. خاصة وان الكثير من الوقائع تناولها الإعلام بشكل جيد ولم تستغل في أعمال فنية لتخليدها..
*الأعمال الرمضانية التونسية هذه السنة في مجملها كانت متميزة..ولكن ألا ترى أن هناك إجحافا من حيث الانتاج؟
-كثرة الأعمال هذه السنة ظاهرة صحية رغم اختلاف المضامين والرؤى الفنية لأن التنوع عادة ما يخلق "سوق" جديدة ويحفز جانب المنافسة.. لكن المشكل هو ان الانتاج موسمي مثل موسم الزيتون "كل عام صابة" .. أظن أنه حان الوقت لأن نخرج من القفص الرمضاني وأن نكثف من انتاج الاعمال خاصة وان الساحة الفنية اصبحت تزخر بالطاقات المبدعة.. أما الغريب هو أن المنتجين لا يتذكرون الأعمال إلا قبل رمضان بشهرين او ثلاثة أشهر!! ..يا حبذا لو –إن تمكنا من الخروج من القفص الرمضاني- نستعد إلى تحضير الأعمال مبكرا.. لماذا لا نبدأ من الآن في التفكير في برمجة السنة المقبلة؟..ثم لماذا لا تجيبك لجنة اختبار الاعمال بالتلفزة الوطنية اثر تقديم المشروع إلا بعد ثلاثة او أربعة أشهر؟ .. الجميع يعي جيدا أن كتابة السيناريو كذلك ليست بالعمل الهين والإسراع في كتابته حتما سيجرنا إلى نتائج وخيمة على مستوى المضمون.. وانا متأكد ان الكثير من الاعمال سواء كانت درامية او كوميدية لو انها حظيت باكثر متسع من الوقت لنجحت اكثر وكانت افضل على مستوى الاخراج وحضور الممثلين وكتابة السيناريو..
إن سالتني: هل ستتغير رؤية المنتجين مستقبلا في ظل نجاح العديد من الاعمال أود أن اجيبك بنعم ولكن ليس لدي الثقة في شركات الانتاج لأن الأعمال الدرامية التونسية لم تنجح هذا العام فحسب (نجاح "نوبة".."مايسترو".. على سبيل المثال) مقابل بقاء دار لقمان على حالها.. انا انتظر منتجا مجازفا حقيقة وهو من مهام التلفزة الوطنية لأنها ليست لها غاية ربحية عكس القنوات الخاصة التي تسعى إلى ضمان مرابيح الإشهار كي تجازف..ثم لماذا لا تشتغل التلفزة الوطنية على ورشة كبيرة وعلى مواضيع هامة؟! .. فمسلسل "حرقة" حسب رايي لو صور بهاتف جوال لأثر في الناس لان التونسي يميل إلى تلك الأعمال القريبة من همومه ومآسيه وهنا المواضيع تكاد لا تحصى ولا تعد (الفقر..البطالة..اطفال الشوارع..المرأة الريفية....) فالبلد مليء بالقضايا الحقيقية..
هذا إلى جانب إمكانية طرح قضايا تاريخية (باعتبار أن تاريخنا مشرف جدا) وتوظيف شخصيات تاريخية رمزية في أعمال فنية يكون لها وقع في نفوس وذاكرة التونسيين كأن نرى مثلا مسلسلا يسرد المسيرة النضالية للشهيد فرحات حشاد.. وهنا أؤكد على ضرورة إدخال الدراما في مشروع وطني بناء ومن ثمة بناء العقول لا أن نقع في الاستسهال..
*ماذا عن الأعمال الكوميدية؟
-الفرق واضح جدا بين الإضحاك والكوميديا فالإضحاك وسيلة للكوميديا وليس غاية..عكس ما نشاهده للاسف في جل أعمالنا "الكوميدية" التي وصلت إلى التهريج ..اي اضحاكك بشتى الطرق دون رسالة.. إضحاكك على مبادئي..إنسانيتي..بلادي..ديني..لتهون عند اصحاب تلك الاعمال كل القيم إلى درجة أنهم لو يستطيعون إخراج أصابعهم من الشاشة ودغدغتك لفعلوا..
فعلا الأمر محزن ولكن من الممكن تداركه.. فأنت حين تتأمل في آثار موليار مثلا "اب الكوميديا" تستشعر قضايا حارقة باسلوب مضحك وهنا يكمن البون الشاسع (كثر الهم يضحك) ..وأعتقد أن "كان يا ماكانش" استطاع أن يتصدر هذا العام مجال الكوميديا الهادفة رغم ان الطرح معمق بعض الشيء والذائقة والفكر التونسي لم يتعودا بعدُ على مثل هكذا أعمال..