إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من المهندسين إلى الأساتذة الجامعيين.. الجامعات التونسية تفقد كفاءاتها..

تونس-الصباح

صرخة فزع أطلقتها مستهل الأسبوع الجاري الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي جراء هجرة أكثر من 2000 أستاذ جامعي من رتب علمية مختلفة مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات "ريادية  تعيد للجامعة بريقها"..، ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح:كيف للجامعات العمومية أن تستعيد بريقها في ظل غياب أي إرادة سياسية للإصلاح بحسب أهل الاختصاص؟

في هذا الخصوص دعت الاثنين الماضي الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي المنضوية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل، رئيس الجمهورية قيس سعيد، في رسالة مفتوحة وجهتها إليه، إلى اتخاذ إجراءات رياديّة وقرارات شجاعة تعيد للجامعة بريقها المفقود.

وطالب الجامعيون، بحسب نقابتهم، بردّة فعل تترجم حرص الدّولة التونسيّة على مكتسباتها الإستراتيجية وعلى منظومة التربية والتعليم والجامعة العموميّة مبرزين مركزية دور منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في أيّ عمليّة إصلاح وطني.

ولفتت الجامعة، إلى أن واقع الحال مختلف جدّا عن تصوّرات رئيس الجمهورية بشأن قطاع التعليم الذي اعتبره في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15 سبتمبر الجاري أهمّ قطاع على الإطلاق، وأن الإصلاحات قد تعطّلت في ظلّ تراجع الميزانيّات المرصودة للتربية والتعليم، وتردّي المكانة الاجتماعية للجامعييّن وظروف عملهم بصفة ملحوظة فضلا عن تدهور مقدرتهم الشرائية مما أدى إلى انعدام جاذبية مهنة التدريس الجامعي والبحث وهجرة الكفاءات الجامعيّة.

وبيّنت الجامعة أنه قد آن الأوان لوقف هذا النّزيف عبر إعادة الاعتبار للجامعة والجامعيين، وحان الوقت لتأميم الكفاءات الوطنية وحمايتها من الاستغلال في دول أخرى عرفت كيف تستقطبها من خلال توفير أجور مجزية، مذكرة بأنه قد غادر الجامعات التونسيّة، في إطار التّعاون الفنّي وبحثا عن مستوى معيشي وظروف عمل أفضل، 2014 مدرّس تعليم عال، منهم 1811 تتراوح رتبهم بين أستاذ مساعد، وأستاذ محاضر، وأستاذ تعليم عال.

وأوضحت أن هؤلاء المغادرين للجامعات التونسية (2014) من مدرّسي التعليم العالي، يمثلون نسبة 18.56%  من إجمالي المدرّسين الباحثين في هذه الرّتب، ينضاف إليهم الجامعيون الذين استقالوا وغادروا البلاد نهائيّا مضطرّين بعد أن ضاقت بهم السبل على حد تشخيص الجامعة في رسالتها المفتوحة الى رئيس الجمهورية.

لكن واقع الجامعة التونسية يتجاوز مسالة الأجور التي ولئن تمثل الدافع الأول للهجرة في ظل غلاء المعيشة الذي استفحل وبلغ مرحلة الداء الذي يصعب استئصاله، فان أهل الاختصاص يرون أن هنالك عوامل أخرى تقف وراء هذه المعضلة أبرزها عدم مراهنة الجامعات التونسية على البحث العلمي الذي يعتبر مقياس تقدم الشعوب وعدم سعي الجامعات التونسية الى التطوير بما يجعلها مواكبة  لسوق الشغل وقادرة على منافسة الجامعات الخاصة.

تفاعلا مع واقع الجامعة التونسية وما يقتضيه هذا الواقع من إجراءات عاجلة الى جانب ابرز الأسباب التي تدفع الأستاذ الجامعي الى المغادرة، أورد أمس المنسق العام الوطني لاتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين “إجابة” نجم الدين جويدة في تصريح لـ "الصباح" أن الجامعة التونسية ترزح منذ سنوات على وقع نزيف كبير لهجرة الأساتذة الجامعيين جراء أسباب عديدة منها الوضع المادي للأستاذ الجامعي الذي لا يتناغم مع مكانته العلمية. وفي المقابل توفر له دول أخرى مثل دول الخليج أضعافا مضاعفة من مرتبه الشهري كما توفر له فرصا للتقدم لتحتل بذلك الجامعات الأجنبية مكانة علمية مرموقة بفضل جهود كفاءاتنا هنالك. واعتبر محدثنا في الإطار نفسه أن وضع الأستاذ الجامعي يعكس منظومة كاملة تعتبر مهترئة في ظل غياب البحث العلمي في الجامعات التونسية فضلا عن أن المنظومة التعليمية المتوفرة حاليا لا يمكن مطلقا أن تمارس فيها المهنة بكل أريحية فعلاوة على الجانب المادي تعاني الجامعات التونسي من ترد كبير في البنية التحتية.

وأوضح جويدة أن الوضع الحالي للجامعة التونسية مرده غياب مسار الإصلاح منذ 11 سنة وهو ما يعكس من وجهة نظره مشروعا مٌتكاملا لضرب الجامعة العمومية لصالح الجامعة الخاصة، مٌشيرا إلى أن هذه الوضعية ساهمت في  نزيف هجرة الأساتذة نحو دول الخليج ودول أوروبا وكندا.

وحول آخر الإحصائيات المتوفرة ذكر محدثنا أن ما يقارب 4000 أستاذ غادروا ارض الوطن على مدار الـ 3 سنوات الماضية من بين خيرة الأساتذة والدكاترة الباحثين. أما بخصوص الحلول التي يراها المنسق العام الوطني ناجعة لتجاوز هذه المعضلة فهي تتلخص في وضع كفاءات على رأس وزارة التعليم العالي تتولى فعلا إعطاء إشارة انطلاق قاطرة الإصلاح قائلا: "تأخر الوقت كثيرا ومن الضروري اليوم الانطلاق في مسار الإصلاح".

في هذا الخضم جدير بالذكر أن الحديث عن هجرة الاساتذة الجامعيين يحيلنا بالضرورة الى هجرة المهندسين الذين تكونوا في اعرق الجامعات التونسية حيث تشير آخر الإحصائيات الى مغادرة 40 ألف مهندس تونسي البلاد خلال السنوات الأخيرة بما يؤكد أننا إزاء معضلة تستوجب حوارا وطنيا شاملا يشخص العلل ويقدم الدواء... وعدا ذلك فان كفاءاتنا ستضمحل من البلاد بدءا بالأطباء إلى المهندسين وصولا إلى الأساتذة الجامعيين.. كما أن سلك التمريض مهدد هو الآخر «بالانقراض" في ظل هجرة الآلاف من الممرضين نحو دول بعينها على غرار ألمانيا التي تستقطب بشكل كبير اليد العاملة التونسية في مجال التمريض.

منال حرزي

من المهندسين إلى الأساتذة الجامعيين.. الجامعات التونسية تفقد كفاءاتها..

تونس-الصباح

صرخة فزع أطلقتها مستهل الأسبوع الجاري الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي جراء هجرة أكثر من 2000 أستاذ جامعي من رتب علمية مختلفة مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات "ريادية  تعيد للجامعة بريقها"..، ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح:كيف للجامعات العمومية أن تستعيد بريقها في ظل غياب أي إرادة سياسية للإصلاح بحسب أهل الاختصاص؟

في هذا الخصوص دعت الاثنين الماضي الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي المنضوية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل، رئيس الجمهورية قيس سعيد، في رسالة مفتوحة وجهتها إليه، إلى اتخاذ إجراءات رياديّة وقرارات شجاعة تعيد للجامعة بريقها المفقود.

وطالب الجامعيون، بحسب نقابتهم، بردّة فعل تترجم حرص الدّولة التونسيّة على مكتسباتها الإستراتيجية وعلى منظومة التربية والتعليم والجامعة العموميّة مبرزين مركزية دور منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في أيّ عمليّة إصلاح وطني.

ولفتت الجامعة، إلى أن واقع الحال مختلف جدّا عن تصوّرات رئيس الجمهورية بشأن قطاع التعليم الذي اعتبره في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15 سبتمبر الجاري أهمّ قطاع على الإطلاق، وأن الإصلاحات قد تعطّلت في ظلّ تراجع الميزانيّات المرصودة للتربية والتعليم، وتردّي المكانة الاجتماعية للجامعييّن وظروف عملهم بصفة ملحوظة فضلا عن تدهور مقدرتهم الشرائية مما أدى إلى انعدام جاذبية مهنة التدريس الجامعي والبحث وهجرة الكفاءات الجامعيّة.

وبيّنت الجامعة أنه قد آن الأوان لوقف هذا النّزيف عبر إعادة الاعتبار للجامعة والجامعيين، وحان الوقت لتأميم الكفاءات الوطنية وحمايتها من الاستغلال في دول أخرى عرفت كيف تستقطبها من خلال توفير أجور مجزية، مذكرة بأنه قد غادر الجامعات التونسيّة، في إطار التّعاون الفنّي وبحثا عن مستوى معيشي وظروف عمل أفضل، 2014 مدرّس تعليم عال، منهم 1811 تتراوح رتبهم بين أستاذ مساعد، وأستاذ محاضر، وأستاذ تعليم عال.

وأوضحت أن هؤلاء المغادرين للجامعات التونسية (2014) من مدرّسي التعليم العالي، يمثلون نسبة 18.56%  من إجمالي المدرّسين الباحثين في هذه الرّتب، ينضاف إليهم الجامعيون الذين استقالوا وغادروا البلاد نهائيّا مضطرّين بعد أن ضاقت بهم السبل على حد تشخيص الجامعة في رسالتها المفتوحة الى رئيس الجمهورية.

لكن واقع الجامعة التونسية يتجاوز مسالة الأجور التي ولئن تمثل الدافع الأول للهجرة في ظل غلاء المعيشة الذي استفحل وبلغ مرحلة الداء الذي يصعب استئصاله، فان أهل الاختصاص يرون أن هنالك عوامل أخرى تقف وراء هذه المعضلة أبرزها عدم مراهنة الجامعات التونسية على البحث العلمي الذي يعتبر مقياس تقدم الشعوب وعدم سعي الجامعات التونسية الى التطوير بما يجعلها مواكبة  لسوق الشغل وقادرة على منافسة الجامعات الخاصة.

تفاعلا مع واقع الجامعة التونسية وما يقتضيه هذا الواقع من إجراءات عاجلة الى جانب ابرز الأسباب التي تدفع الأستاذ الجامعي الى المغادرة، أورد أمس المنسق العام الوطني لاتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين “إجابة” نجم الدين جويدة في تصريح لـ "الصباح" أن الجامعة التونسية ترزح منذ سنوات على وقع نزيف كبير لهجرة الأساتذة الجامعيين جراء أسباب عديدة منها الوضع المادي للأستاذ الجامعي الذي لا يتناغم مع مكانته العلمية. وفي المقابل توفر له دول أخرى مثل دول الخليج أضعافا مضاعفة من مرتبه الشهري كما توفر له فرصا للتقدم لتحتل بذلك الجامعات الأجنبية مكانة علمية مرموقة بفضل جهود كفاءاتنا هنالك. واعتبر محدثنا في الإطار نفسه أن وضع الأستاذ الجامعي يعكس منظومة كاملة تعتبر مهترئة في ظل غياب البحث العلمي في الجامعات التونسية فضلا عن أن المنظومة التعليمية المتوفرة حاليا لا يمكن مطلقا أن تمارس فيها المهنة بكل أريحية فعلاوة على الجانب المادي تعاني الجامعات التونسي من ترد كبير في البنية التحتية.

وأوضح جويدة أن الوضع الحالي للجامعة التونسية مرده غياب مسار الإصلاح منذ 11 سنة وهو ما يعكس من وجهة نظره مشروعا مٌتكاملا لضرب الجامعة العمومية لصالح الجامعة الخاصة، مٌشيرا إلى أن هذه الوضعية ساهمت في  نزيف هجرة الأساتذة نحو دول الخليج ودول أوروبا وكندا.

وحول آخر الإحصائيات المتوفرة ذكر محدثنا أن ما يقارب 4000 أستاذ غادروا ارض الوطن على مدار الـ 3 سنوات الماضية من بين خيرة الأساتذة والدكاترة الباحثين. أما بخصوص الحلول التي يراها المنسق العام الوطني ناجعة لتجاوز هذه المعضلة فهي تتلخص في وضع كفاءات على رأس وزارة التعليم العالي تتولى فعلا إعطاء إشارة انطلاق قاطرة الإصلاح قائلا: "تأخر الوقت كثيرا ومن الضروري اليوم الانطلاق في مسار الإصلاح".

في هذا الخضم جدير بالذكر أن الحديث عن هجرة الاساتذة الجامعيين يحيلنا بالضرورة الى هجرة المهندسين الذين تكونوا في اعرق الجامعات التونسية حيث تشير آخر الإحصائيات الى مغادرة 40 ألف مهندس تونسي البلاد خلال السنوات الأخيرة بما يؤكد أننا إزاء معضلة تستوجب حوارا وطنيا شاملا يشخص العلل ويقدم الدواء... وعدا ذلك فان كفاءاتنا ستضمحل من البلاد بدءا بالأطباء إلى المهندسين وصولا إلى الأساتذة الجامعيين.. كما أن سلك التمريض مهدد هو الآخر «بالانقراض" في ظل هجرة الآلاف من الممرضين نحو دول بعينها على غرار ألمانيا التي تستقطب بشكل كبير اليد العاملة التونسية في مجال التمريض.

منال حرزي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews