إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد قرار مقاطعتها الانتخابات.. هل "أنقذت" بعض الأحزاب نفسها...؟

تونس – الصباح

لئن اختارت بعض الأحزاب السياسية إرجاء قرار مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة السابقة لأوانها من عدمه إلى حين صدور القانون الانتخابي في نسخته الجديدة بعد صدور دستور 2022 بعد الإطلاع عن على هذا القانون ومدى انسجامه مع توجهاتها وأهدافها ورؤيتها للمرحلة السياسية المقبلة، فإن عددا آخر من الأحزاب حسمت في الأمر بصفة مبكرة وأعلنت منذ مدة مقاطعتها للانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر المقبل، لعل من بينها الحزب الدستوري الحر والأحزاب والقوى المكونة لجبهة الخلاص الجبهة المتركبة من الخماسي الحزبي التكتل والعمال والتيار الديمقراطي والجمهوري والقطب. وهي في مجملها الأحزاب والأطراف السياسية الفاعلة في منظومة الحكم والقرار وبارزة في المشهد السياسي خلال العشرية.

وذهبت عديد القراءات إلى أن اختيار هؤلاء عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة بعد أن اصطفوا جميعا لإسقاط المسار الإصلاحي الذي يقوده رئيس الجمهورية بدءا بالاستشارة الالكترونية مرورا بالاستفتاء، إنما هو ليس خيارا وإنما نابع من يقين بعضهم من نفور القواعد الشعبية من حولي هذه القوى السياسية بعد أن تأكد ذلك خلال الانتفاضة الشعبية الغاضبة التي هبت يوم 25 جويلية 2021 للتحرك ضد المنظومة الحاكمة وما سجلته بعض هذه القوى من عدم قدرتها على جمع القدر المطلوب من قواعدها أثناء التحركات واللقاءات التي نظمتها في إطار معارضتها لسياسة سعيد سواء عبر تنظيم الاجتماعات واللقاءات الشعبية أو التحركات الميدانية الاحتجاجية في الشوارع والساحات أو عبر تحركها في بعد تكوين جبهات وتكتلات حزبية وسياسية أو بصفة فردية للأحزاب والقوى السياسية أو تحركاتها الخارجية، فكانت نتائج ذلك كافية لتبين لهؤلاء أن "حجمها" اليوم كأجسام سياسية غير قادرة على قلب موازين القوى لفائدتها بأي شكل كان.

لكن وبعد صدور القانون الانتخابي الجديد رسميا والكشف عن تفاصيل متعلقاته من طبيعة نظام الاقتراع الذي سيكون على الأفراد وشروط وآليات الترشح والتوزيع الجديد للدوائر الانتخابية ولعدد المقاعد الراجعة لكل واحدة من ولايات الجمهورية صلب مجلس نواب الشعب المرتقب، حسب مرسوم تنقيح القانون الانتخابي الصادر مساء الخميس الماضي، فأن الحسم في أمر المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي بالنسبة لأغلب مكونات المشهد السياسي لا تزال معلقة لدى بعض القوى والأحزاب خاصة منها تلك التي كانت مساندة وداعمة لمسار ما بعد 25 جويلية 2021 فيما حافظت بقية القوى السياسية التي اختارت معارضة نفس المسار على موقفها المعارض والرافض للمشاركة في هذا الاستحقاق استئناسا بموقفها المعارض والمقاطع للاستفتاء الذي جرى يوم 25 جويلية الماضي.

إذ اعتبر بعض المتابعين للشأن السياسي في تونس أن قرار المقاطعة الذي أعلنت عنه بعض القوى السياسية منذ مدة أي قبل الإطلاع على القانون الانتخابي الجديد، إنما يتنزل في سياق المناورة والمناكفة في صراع ومعركة محسومة النتائج في ظل عجز هذه القوى على تقديم طرح بديل كفيل بدفع الجهات الرسمية لقبول مشاركتها في البرمجة والتفكير أو إقناع القواعد الشعبية بجدوى برامجها وأهدافها وتحركاتها للدولة والمواطن خارج فلك المعارضة للمعارضة، لأن عديد المعطيات والمؤشرات تبين أن الأحزاب والقوى المعارضة لم تعد اليوم تملك نفس الحظوة لدى القواعد الشعبية على غرار ما كان عليه الأمر في المحطات الانتخابية السابقة خلال العشرية الماضية بما في ذلك حزب حركة النهضة التي تصدرت المراكز الأولى لنتائج صناديق الاقتراع في جل الاستحقاقات الانتخابية في فترة ما بعد ثورة 2011 وهي نتائج مكنتها من قيادة منظومة الحكم والسيطرة على مواقع الفعل والقرار في الدولة، إلى جانب قوى سياسية أخرى. لتساهم التغييرات التي تم إحداثها بموجب القانون الانتخابي الجديد بعد أن تضمن المرسوم عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء وإتمامه، تتمة للفصل 106 من القانون الانتخابي، والذي حدّد بمقتضاها عدد مقاعد المجلس النيابي الجديد بـ161 مقعدا، مع تمثيل متفاوت لولايات الجمهورية في عدد النواب تبعا لاعتبارات ديمغرافية بالأساس، في حين أن البرلمان السابق كان يتركب من 217 مقعدا. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل عرفت هذه الأحزاب والقوى والتنظيمات انشقاقات واستقالات وانسحابات وتشرذم وخلافات داخلية ترجمت في أبعادها غياب الانسجام وعدم الاستقرار والاتفاق على نفس الأهداف. مما ساهم في تشتيت هذه القوى وعمق الأزمة داخلها على نحو لم تستطع، خلال ما يقارب السنة والنصف من دخول بلادنا مرحلة التدابير الاستثنائية، القيام بالمراجعات اللازمة والنجاح في إعادة ترتيب الأوراق والأوضاع انسجاما ع متطلبات المرحلة والتغيرات المرتقبة بل حافظت على نفس سياستها سواء في إطار حزبي وحركي ضيق أو في تحركاتها ضمن تكتلات وجبهات تهدف من خلالها لترجيح موازين القوى لصالحها خاصة أن نسبة كبيرة من الشارع التونسي تحمل تلك الطبقة السياسية مسؤولية ما ترزح فيه الدولة اليوم من أزمات وأوضاع متردية نتيجة سياستها الفاشلة طيلة العشرية الماضية ودورها في تغلغل الفساد في مفاصل الدولة ومؤسساتها.

تحرك استباقي

لذلك يبدو قرار عدد من الأحزاب والقوى السياسية مقاطعة الاستحقاق الانتخابي القادم في ديسمبر المقبل بمثابة الخيار الاستباقي "المنقذ" لهذه الطبقة السياسية لعدة اعتبارات منها الدستورية والقانونية والاعتبارية. فعدد كبير من المنتصرين للإصلاح والتغيير طلبت بضرورة تغيير الدستور كما القانون الانتخابي محملين مسؤولية تعفن وترذيل الوضع السياسي في السنوات الأخيرة إلى القانون الانتخابي ودستور 2014. لتكون بذلك الطبقة السياسية التي اختارت المقاطعة قد "أنقذت" نفسها باعتبار أن القانون الانتخابي الجديد يشترط ضرورة نقاوة السوابق العدلية وتسوية الوضعية الجبائية في حين أن عدد كبير من المنتمين للطبقة السياسية المكونة لمنظومة الحكم في مرحلة ما بعد ثورة 2011 من ذوي السوابق العدلية وآخرون تلاحقهم قضايا عدلية وجبائية واتهامات في قضايا إرهابية وفساد مالي وسياسي وتجاوزات في الانتخابات وغيرها. لتكون بذلك هذه القوى باختلاف تياراتها وتوجهاتها وضعت قيادييها ورموزها ونشطائها بمنأى عن "الإحراج" وإقصاء القانون الانتخابي في مرحلة أولى والصندوق في مرحلة ثانية، لاسيما أمام يقين الجميع أن مراهنة هذه القوى على الصندوق في نفس الاستحقاق الانتخابي المقبل عبر اعتماد قانون الانتخاب على الأفراد مسالة غير مجدية ولعبة غير وازنة بعد أن لفظ الشارع التونسي جل مكونات المشهد السياسي. وهو العامل الذي راهن عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في صياغته لمقومات الجمهورية الجديدة في مستوى الدستور الجديد وتوجهات الدولة والقانون الانتخابي الجديد، رغم ما أثاره ذلك من جدل وتحفظات وانتقادات من عدة جهات داعمة أو معارضة للمسار على حد السواء.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد قرار مقاطعتها الانتخابات.. هل "أنقذت" بعض الأحزاب نفسها...؟

تونس – الصباح

لئن اختارت بعض الأحزاب السياسية إرجاء قرار مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة السابقة لأوانها من عدمه إلى حين صدور القانون الانتخابي في نسخته الجديدة بعد صدور دستور 2022 بعد الإطلاع عن على هذا القانون ومدى انسجامه مع توجهاتها وأهدافها ورؤيتها للمرحلة السياسية المقبلة، فإن عددا آخر من الأحزاب حسمت في الأمر بصفة مبكرة وأعلنت منذ مدة مقاطعتها للانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر المقبل، لعل من بينها الحزب الدستوري الحر والأحزاب والقوى المكونة لجبهة الخلاص الجبهة المتركبة من الخماسي الحزبي التكتل والعمال والتيار الديمقراطي والجمهوري والقطب. وهي في مجملها الأحزاب والأطراف السياسية الفاعلة في منظومة الحكم والقرار وبارزة في المشهد السياسي خلال العشرية.

وذهبت عديد القراءات إلى أن اختيار هؤلاء عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة بعد أن اصطفوا جميعا لإسقاط المسار الإصلاحي الذي يقوده رئيس الجمهورية بدءا بالاستشارة الالكترونية مرورا بالاستفتاء، إنما هو ليس خيارا وإنما نابع من يقين بعضهم من نفور القواعد الشعبية من حولي هذه القوى السياسية بعد أن تأكد ذلك خلال الانتفاضة الشعبية الغاضبة التي هبت يوم 25 جويلية 2021 للتحرك ضد المنظومة الحاكمة وما سجلته بعض هذه القوى من عدم قدرتها على جمع القدر المطلوب من قواعدها أثناء التحركات واللقاءات التي نظمتها في إطار معارضتها لسياسة سعيد سواء عبر تنظيم الاجتماعات واللقاءات الشعبية أو التحركات الميدانية الاحتجاجية في الشوارع والساحات أو عبر تحركها في بعد تكوين جبهات وتكتلات حزبية وسياسية أو بصفة فردية للأحزاب والقوى السياسية أو تحركاتها الخارجية، فكانت نتائج ذلك كافية لتبين لهؤلاء أن "حجمها" اليوم كأجسام سياسية غير قادرة على قلب موازين القوى لفائدتها بأي شكل كان.

لكن وبعد صدور القانون الانتخابي الجديد رسميا والكشف عن تفاصيل متعلقاته من طبيعة نظام الاقتراع الذي سيكون على الأفراد وشروط وآليات الترشح والتوزيع الجديد للدوائر الانتخابية ولعدد المقاعد الراجعة لكل واحدة من ولايات الجمهورية صلب مجلس نواب الشعب المرتقب، حسب مرسوم تنقيح القانون الانتخابي الصادر مساء الخميس الماضي، فأن الحسم في أمر المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي بالنسبة لأغلب مكونات المشهد السياسي لا تزال معلقة لدى بعض القوى والأحزاب خاصة منها تلك التي كانت مساندة وداعمة لمسار ما بعد 25 جويلية 2021 فيما حافظت بقية القوى السياسية التي اختارت معارضة نفس المسار على موقفها المعارض والرافض للمشاركة في هذا الاستحقاق استئناسا بموقفها المعارض والمقاطع للاستفتاء الذي جرى يوم 25 جويلية الماضي.

إذ اعتبر بعض المتابعين للشأن السياسي في تونس أن قرار المقاطعة الذي أعلنت عنه بعض القوى السياسية منذ مدة أي قبل الإطلاع على القانون الانتخابي الجديد، إنما يتنزل في سياق المناورة والمناكفة في صراع ومعركة محسومة النتائج في ظل عجز هذه القوى على تقديم طرح بديل كفيل بدفع الجهات الرسمية لقبول مشاركتها في البرمجة والتفكير أو إقناع القواعد الشعبية بجدوى برامجها وأهدافها وتحركاتها للدولة والمواطن خارج فلك المعارضة للمعارضة، لأن عديد المعطيات والمؤشرات تبين أن الأحزاب والقوى المعارضة لم تعد اليوم تملك نفس الحظوة لدى القواعد الشعبية على غرار ما كان عليه الأمر في المحطات الانتخابية السابقة خلال العشرية الماضية بما في ذلك حزب حركة النهضة التي تصدرت المراكز الأولى لنتائج صناديق الاقتراع في جل الاستحقاقات الانتخابية في فترة ما بعد ثورة 2011 وهي نتائج مكنتها من قيادة منظومة الحكم والسيطرة على مواقع الفعل والقرار في الدولة، إلى جانب قوى سياسية أخرى. لتساهم التغييرات التي تم إحداثها بموجب القانون الانتخابي الجديد بعد أن تضمن المرسوم عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء وإتمامه، تتمة للفصل 106 من القانون الانتخابي، والذي حدّد بمقتضاها عدد مقاعد المجلس النيابي الجديد بـ161 مقعدا، مع تمثيل متفاوت لولايات الجمهورية في عدد النواب تبعا لاعتبارات ديمغرافية بالأساس، في حين أن البرلمان السابق كان يتركب من 217 مقعدا. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل عرفت هذه الأحزاب والقوى والتنظيمات انشقاقات واستقالات وانسحابات وتشرذم وخلافات داخلية ترجمت في أبعادها غياب الانسجام وعدم الاستقرار والاتفاق على نفس الأهداف. مما ساهم في تشتيت هذه القوى وعمق الأزمة داخلها على نحو لم تستطع، خلال ما يقارب السنة والنصف من دخول بلادنا مرحلة التدابير الاستثنائية، القيام بالمراجعات اللازمة والنجاح في إعادة ترتيب الأوراق والأوضاع انسجاما ع متطلبات المرحلة والتغيرات المرتقبة بل حافظت على نفس سياستها سواء في إطار حزبي وحركي ضيق أو في تحركاتها ضمن تكتلات وجبهات تهدف من خلالها لترجيح موازين القوى لصالحها خاصة أن نسبة كبيرة من الشارع التونسي تحمل تلك الطبقة السياسية مسؤولية ما ترزح فيه الدولة اليوم من أزمات وأوضاع متردية نتيجة سياستها الفاشلة طيلة العشرية الماضية ودورها في تغلغل الفساد في مفاصل الدولة ومؤسساتها.

تحرك استباقي

لذلك يبدو قرار عدد من الأحزاب والقوى السياسية مقاطعة الاستحقاق الانتخابي القادم في ديسمبر المقبل بمثابة الخيار الاستباقي "المنقذ" لهذه الطبقة السياسية لعدة اعتبارات منها الدستورية والقانونية والاعتبارية. فعدد كبير من المنتصرين للإصلاح والتغيير طلبت بضرورة تغيير الدستور كما القانون الانتخابي محملين مسؤولية تعفن وترذيل الوضع السياسي في السنوات الأخيرة إلى القانون الانتخابي ودستور 2014. لتكون بذلك الطبقة السياسية التي اختارت المقاطعة قد "أنقذت" نفسها باعتبار أن القانون الانتخابي الجديد يشترط ضرورة نقاوة السوابق العدلية وتسوية الوضعية الجبائية في حين أن عدد كبير من المنتمين للطبقة السياسية المكونة لمنظومة الحكم في مرحلة ما بعد ثورة 2011 من ذوي السوابق العدلية وآخرون تلاحقهم قضايا عدلية وجبائية واتهامات في قضايا إرهابية وفساد مالي وسياسي وتجاوزات في الانتخابات وغيرها. لتكون بذلك هذه القوى باختلاف تياراتها وتوجهاتها وضعت قيادييها ورموزها ونشطائها بمنأى عن "الإحراج" وإقصاء القانون الانتخابي في مرحلة أولى والصندوق في مرحلة ثانية، لاسيما أمام يقين الجميع أن مراهنة هذه القوى على الصندوق في نفس الاستحقاق الانتخابي المقبل عبر اعتماد قانون الانتخاب على الأفراد مسالة غير مجدية ولعبة غير وازنة بعد أن لفظ الشارع التونسي جل مكونات المشهد السياسي. وهو العامل الذي راهن عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في صياغته لمقومات الجمهورية الجديدة في مستوى الدستور الجديد وتوجهات الدولة والقانون الانتخابي الجديد، رغم ما أثاره ذلك من جدل وتحفظات وانتقادات من عدة جهات داعمة أو معارضة للمسار على حد السواء.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews