إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملف التسفير يثير الجدل من جديد.. لماذا أخفقت لجنة التحقيق البرلمانية في استكمال أعمالها؟

تونس- الصباح

إثر إيقاف عضو مجلس شورى حركة النهضة الحبيب اللوز منذ ايام بصفاقس، طفا ملف التسفير المسكوت عنه منذ سنوات على السطح من جديد ليثير جدلا ساخنا حول لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال التي اشتغلت على امتداد سنتين على هذا الملف الخطير لكنها توقفت في منتصف الطريق ولم تستكمل مهامها ولم تترك أثرا مكتوبا عن أعمالها.

وتم إحداث لجنة التحقيق بموجب قرار من الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ 31 جانفي 2017، وترأستها في مرحلة أولى النائبة عن كتلة نداء تونس ليلى الشتاوي لتعوضها بداية من 13 جوان 2017 النائبة عن نفس الكتلة هالة عمران وهي تتركب من 22 عوضا يتوزعون على أساس التمثيل النسبي للكتل ومن بين أعضائها نجد فاطمة المسدي ومنجي الرحوي وطارق الفتيتي وريم محجوب والصحبي بن فرج ولمياء الدريدي ويمينة الزغلامي وعبد اللطيف المكي وفريدة العبيدي وحسن العماري وسناء الصالحي وعماد أولاد جبريل..

وكانت ولادة هذه اللجنة عسيرة للغاية وكانت جل الجلسات التي عقدتها وعددها 19 جلسة ساخنة جدا. وخلافا لبقية اللجان البرلمانية التي كانت تنشر محاضر جلساتها حتى وإن كان ذلك بعد الآجال المنصوص عليها بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب فإن لجنة التحقيق في شبكات التسفير لم تترك للدارسين والباحثين والإعلاميين والمتابعين للشأن العام محاضر رسمية مكتوبة لجلساتها كما أنها لم تصدر تقريرا نهائيا حول أعمالها ولم تناقش هذا التقرير ولم تعرض توصياتها في جلسة عامة مثلما نص عليه النظام الداخلي للمجلس آن ذاك.

وواجهت اللجنة أثناء عملها إشكاليات عديدة، لعل أبرزها صعوبة النفاذ إلى المعلومة ولهذا السبب تم اقتراح إعداد مبادرة تشريعية توجب على مؤسسات الدولة تمكين لجان التحقيق البرلمانية من المعطيات والتقارير التي تطلبها اللجنة.. وإضافة إلى ذلك فإن عدم استقرار تركيبة اللجنة كان من أهم العوائق التي اعترضتها، فالنظام الداخلي للبرلمان نص في الفصل 45 على أنه إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه أو الكتلة التي انضمّ إليها فإنه يفقد آليا عضويته في اللجان النيابية وأي مسؤولية في المجلس تولاها تبعا لانتمائه ذاك ويؤول الشغور في كل ذلك إلى الجهة التي استقال منها، وتبعا لذلك فقد شهدت تركيبة اللجنة تغييرا على مستوى الرئاسة، إذ تم استبعاد ليلى الشتاوي رغم أنها صاحبة المبادرة بإحداث لجنة التحقيق وذلك لاشتباه حزبها في ضلوعها في التسريبات التي تمت آن ذاك.. فرغم نفيها لهذه التهمة فقد طلب رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال يوم 8 جوان 2017 تغيير ليلى الشتاوي بالنائبة عن نفس الكتلة هالة عمران، وفي تصريح لوسائل الإعلام وقتها قالت الشتاوي: "إننا مع سفيان طوبال دخلنا طور "الباندية" فانا انتخبني الشعب وأعطاني صوته وليس طوبال من فعل ذلك وإذا أنا أصمت عن تصرفات كهذه فهذا يعني أنه بالإمكان أن أصمت عن ملفات أهم"..

معطيات رسمية

قبل إقالة رئيستها ليلى الشتاوي عقدت لجنة التحقيق حول شبكات التسفير عدة جلسات لعل أهمها تلك التي تم تخصيصها للاستماع إلى لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي ووزير الداخلية وإدارة الحدود والأجانب. إذ فسر ممثلو اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي خلال الجلسة المنعقدة يوم 19 ماي 2017 تحت قبة البرلمان أن هذه اللجنة هي عبارة عن مركز وطني للاستعلام المالي وقالوا إن تركيزها ليس اختيارا من المشرع التونسي بل جاء بناء على مقتضيات المعايير الدولية التي توجب إحداث مراكز استعلامية مالية في كل بلدان العالم بهدف وضع آليات للتصدي لتمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال، وأشاروا إلى أن لجنتهم لا تتعهد تلقائيا بالملفات بل تشتغل على التصاريح بالشبهة التي ترد عليها، وبناء على التصاريح فهي تتابع العمليات البنكية والوثائق البنكية.. وفي علاقة بمسألة التسفير بينوا يومها أنه عند متابعة احد الملفات تمت معاينة وجود علاقة بين جمعية ووكالة أسفار وتمثلت الشبهة في وجود تدفقات مالية هامة بينهما ثم انحصرت الشبهة في جريمة تسفير كما أن اغلب الشبهات حامت حول شركات صغيرة وأشخاص منفردين وقد تمت إحالة ملفاتهم على أساس وجود شبهة في الانتماء إلى تنظيم إرهابي. كما نبهوا من مخاطر "الكاش" في علاقة بتمويل الإرهاب والتهريب وأطلعوا لجنة التحقيق عن وجود ملف ثقيل فيه شبهات حول تحويل مبالغ مالية كبيرة من ليبيا الى تونس على أساس تمويل تجارة لكنها لم تنفق في هذا الغرض وقالوا إن السلطات الليبية تفطنت للأمر وقامت بتتبع الكثير من الضالعين في هذه العملية المتمثلة في تحويلات قيمتها ثلاثة مليار دينار. وكشف ممثلو اللجنة التونسية للتحاليل المالية لنواب لجنة التحقيق معطيات مفادها أن اللجنة تلقت خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2015 أي الفترة التي يشملها التحقيق البرلماني حول شبكات التسفير الى بؤر التوتر، تلقت نحو 2000 تصريح بعمليات مسترابة وأحالت 350 منها في قرارات إنهاء أعمال على أنظار وكيل الجمهورية وتمت إحالة 80 ملف على قضاة التحقيق وهناك حوالي 20 بالمائة منها أي 17 ملفا فيها شبهة تمويل إرهاب. وعلاوة على النظر في ملفات التصاريح بالشبهة عملت اللجنة مع مساعد وكيل الجمهورية على تحليل قائمة 140 جمعية وتم النظر في كل عملياتها المالية وتم تجنيد كل المسؤولين في البنوك وجمع كل الحسابات وإعادة النظر فيها وإعادة تحليلها وإبراز كل المؤشرات التي تدل على وجود شبهة وتمت إحالة عشرة جمعيات وتم تحليل العمليات المالية في جداول خاصة وإحالة المعطيات الى مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس. وبين ممثلو لجنة التحاليل المالية أن الجمعيات التي تبين أن لها علاقة مشبوهة بتمويل الإرهاب هي جمعيات ذات طابع ديني خيري وليست جمعيات ذات طابع علمي أو رياضي وقالوا إن المبالغ المالية التي حولت لها تراوحت من مائة ألف دينار الى ثلاثة مليارات واهم مصادر التمويل خارجية متأتية من دول خليجية وأوروبية.

عائدون من بؤر التوتر

وفي جلسة أخرى عقدتها يوم 21 أفريل 2017 استمعت لجنة التحقيق حول شبكات التسفير إلى وزير الداخلية ومدير الحدود والأجانب ورئيس الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وكشف الهادي مجدوب وزير الداخلية آن ذاك أن التونسيين الذين عادوا من مناطق التوتر يناهز 800 وقال إن هناك من عاد قبل 2011 وأضاف أن من بين هؤلاء يوجد 190 في السجون و137 تحت الإقامة الجبرية وتم القضاء على عدد منهم والبقية يخضعون للمراقبة الإدارية والمتابعة الأمنية، وبين أن الوزارة عند التعاطي مع موضوع التسفير وجوازات السفر تجد نفسها بين المطرقة والسندان لأن لجنة الحقوق والحريات غير راضية على منع الناس من السفر بموجب إجراء "أس 17" ولجنة التحقيق حول شبكات التسفير تسائل الوزارة لماذا تم السماح للشباب بالسفر. وقدم مجدوب تعريفا قانونيا لشبكات التسفير وقال إنها خلايا تتكون على الأقل من عنصرين ومشرف عليها ومن خلالهم يتم تمكين عنصر أو مجموعة من الأشخاص من التحول الى إحدى بؤر التوتر عبر مسالك رسمية أو عبر مسالك غير شرعية، وأضاف أن هناك من يسهل دخولهم إلى بؤر التوتر والتدرب على القتال والالتحاق بالشبكات الإرهابية وذكر أن تنظيم القاعدة وداعش يريدان تعزيز صفوفهما بالعنصر البشري تحت غطاء النفير أو معركة الإسلام ضد قوى الكفر وتريد ضمان قدرتها على توسيع نفوذها عند عودة أتباعها من اجل تكوين مخزون استراتيجي يساعد على بث الأفكار الظلامية. وذكر أن العناصر يتم اختيارهم من المتطوعين ويقع إعدادهم قبل نقلهم الى ليبيا التي تمثل احدى الساحات التي لعبت دورا بارزا في استقبالهم وهناك يتلقون تدريبات للالتحاق بشبكات التسفير. وأضاف أن خلايا شبكات التسفير تعتمد على نوعين من المسالك: مسالك رسمية عبر المعابر الحدودية ومسالك غير شرعية عبر اجتياز الحدود الى ليبيا ثم يقع التحول الى سوريا عبر تركيا باستعمال جوازات سفر مزورة.

وأضاف أن خلايا تسفير الشباب التونسي الى البؤر تعتمد في الاستقطاب على طريقتين أولها مباشرة عبر المساجد وإلقاء الخطب ذات المنحى الجهادي أو تمكين الشباب من مطويات وكتيبات والثانية طريقة غير مباشرة تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي بعرض أشرطة مصورة للعمليات الجهادية وتدعو للانتقال من بلاد الكفر الى مناطق تطبق الشريعة الإسلامية، وأفرزت التحريات حسب ما أشار إليه في تلك الجلسة إلى أن مصادر تمويل عمليات التسفير تتم من جمع التبرعات أمام المساجد ومن بعض الجمعيات المشبوهة الموجودة في تونس وتمويلات من الخارج ومساهمات من بعض العناصر المترفة التي تتكفل بمصاريف التسفير وتسخير بعض المواقع الالكترونية لتشجيع الشباب على السفر الى بؤر التوتر. ووعد مجدوب اللجنة بمدها بقائمة في الجمعيات المتورطة في التسفير وقائمة في أسماء الأشخاص الذين تورطوا في القتال واغلبهم في داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وفي ما يتعلق بالمسالك التي عبرها من سافروا الى مناطق القتال قال هناك من سافروا عبر المطار وهناك من تسللوا عبر الحدود فهناك من يسافر الى المغرب ثم تركيا ثم سوريا أو الى فرنسا ثم تركيا أو صربيا ثم سوريا وهناك من يسافر الى سويسرا ثم يلتحق بمناطق القتال وهناك من عبروا من ليبيا وبخصوص جوازات السفر المزورة فأغلبها ليبية حسب تأكيده. وقال إنه يوجد حوالي 3000 تكفيري تونسي في بؤر التوتر 60 بالمائة منهم في سوريا و30 بالمائة في ليبيا والبقية يتوزعون على عدة بؤر وهم يتوزعون على 96 بالمائة ذكور والبقية إناث وبالنظر الى توزيعهم حسب الفئات العمرية فإن 1148 منهم من فئة 29ـ 39 سنة و953 من فئة 24 و28 سنة.. وبلغ عدد العائدين 800 شخص ولقي 760 شخصا حتفهم في بؤر التوتر وذكر مجدوب أنه في سنة 2013 تم منع 27 ألفا و317 تونسيا من السفر الى مناطق القتال من قبل وزارة الداخلية.

استفحال التسفير

أما مدير الحدود والأجانب فأشار خلال تلك الجلسة إلى أن ظاهرة التسفير الى سوريا استفحلت نهاية سنة 2013 وبين أنه عندما أدار الحدود والأجانب سنة 2012 تواترت عليه معلومات عن سفر شباب الى بؤر التوتر فتم اتخاذ إجراءات للتصدي لهذه الظاهرة وتحسيس الوحدات الحدودية بضرورة دراسة هذه الحالات حالة بحالة واضاف انهم تفطنوا الى تنوع وجهات السفر، فالمسافرون لا يتجهون الى ليبيا وتركيا فقط بل هناك من يذهب الى مناطق القتال عبر اسبانيا والبرتغال وفرنسا والجزائر والمغرب وهناك من سافر بعقود وهمية للشغل بدول الخليج وقال إن كل معلومة كانت تأتيهم عن شخص يعتزم السفر الى بؤر التوتر كانوا يتخذون في شأنها إجراءات كما أن العديد من الأولياء تقدموا للإدارة للإبلاغ عن أبنائهم وأكد أنه في تلك الفترة أي من أواخر 2012 إلى أوت 2013 تم منع أكثر من 8000 شخص من السفر من جملة 27 ألفا.

وفي نفس السياق بين رئيس الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب أنه بعد اندلاع الثورة في ليبيا والاحتجاجات في سوريا تم تسجيل علميات النفير من اجل "الجهاد في سبيل الله" وتزامنت تلك الفترة مع بروز عدة معسكرات في درنة وصبراتة وكان المجهود الأمني منقسما بين متابعة أنصار الشريعة وبين جمع المعلومات حول العناصر الخطيرة، وكان الإحصاء صعبا للغاية وكانت اغلب المعطيات تأتيهم من أولياء الشباب الذين خرجوا من بيوتهم ولم يعودوا وأشار إلى أنه تم التركيز على كل من يقف وراء عمليات التسفير وتبين أن اغلبهم ينتمون الى التيار السلفي التكفيري والمبايع لتنظيم القاعدة؟، وذكر أنه تم كشف مصادر تمويل مثل جمعية العبادلة الخيرية في بنزرت وجمعية التعاون الإسلامي في بن قردان التي يقودها عنصر إرهابي وقد نشطت كثيرا في التسفير الى المعسكرات الليبية كما تم كشف شبكة تسفير كبيرة تعتمد وثائق مزورة للحصول على تأشيرات للسفر الى فرنسا واليونان ثم التحول من هناك الى مناطق القتال وكشف شبكة يقودها شقيق إرهابي في اليمن وتعتمد الاحتطاب عبر سرقة منازل الأمنيين والعسكريين والأجانب وبعد إلقاء القبض على عدد من عناصرها قالت إنها سرقت أكثر من أربعين منزلا. وأضاف أن العديد من الشباب التكفيري غادر نحو مناطق القتال بصفة فردية واعتمد على ماله الخاص وكان هناك حراقة أتراك وسوريون يسهلون دخلوهم إلى سوريا. وبلغ نشاط الشبكات السيبرنية حسب قوله أوجه أواخر سنة 2014.

رغبة لم تتحقق

قبل إقالة رئيستها ليلى الشتاوي قررت لجنة التحقيق في شبكات التسفير عقد جلسات استماع أخرى إلى رؤساء الحكومات المتعاقبة وفي مقدمتهم علي العريض وإلى وزراء الداخلية والعدل والخارجية والشؤون الدينية وكتاب الدولة للأمن الوطني وآمري الحرس الوطني والمديرين العامين للسجون والإصلاح ومديري الحدود والأجانب والمديرين العامين للأمن الوطني والمسؤولين المتعاقبين على لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي وبعض مكونات المجتمع المدني ذات العلاقة بالموضوع وبعض الإعلاميين المختصين في الصحافة الاستقصائية، لكن هذا القرار لم ينفذ. ولا يعني هذا أن اللجنة توقفت عن العمل إذ أن رئيستها الثانية هالة عمران نظمت عدة جلسات منها جلسة استماع إلى عصام الدردودي رئيس منظمة الأمن المواطن الذي عرض على اللجنة وثيقة تفيد تورط القيادي في حركة النهضة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري في السماح لشيخ داعية بدخول السجون وقد أثارت شهادته غضب نواب النهضة الذين أعلنوا انسحابهم من الجلسة. وعقدت اللجنة جلسة استماع أخرى إلى ممثلين عن جمعية بادر المواطنة والتنمية العادلة حول الشريط الوثائقي الذي أنجزته في علاقة بعمليات التسفير والذي جاءت فيه شهادات حية لشباب من مختلف الجهات التحقوا بالمجموعات المتطرفة بعد أن منحتهم هذه التنظيمات حظوة كبيرة وسموا في شهاداتهم حزبي النهضة والتحرير وأبدوا غضبهم من النهضة لأنها سحبت البساط من تحت أقدامهم بعدما كانوا يصولون ويجولون ويجدون الدعم المادي ولأنهم وحسب ما ورد في شهاداتهم "لقوا صدوراتهم لكن النهضة جبدت بيهم" وقالوا إنهم وجدوا تسهيلات كبيرة للحصول على جوازات السفر بالأسماء التي يريدونها.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملف التسفير يثير الجدل من جديد.. لماذا أخفقت لجنة التحقيق البرلمانية في استكمال أعمالها؟

تونس- الصباح

إثر إيقاف عضو مجلس شورى حركة النهضة الحبيب اللوز منذ ايام بصفاقس، طفا ملف التسفير المسكوت عنه منذ سنوات على السطح من جديد ليثير جدلا ساخنا حول لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال التي اشتغلت على امتداد سنتين على هذا الملف الخطير لكنها توقفت في منتصف الطريق ولم تستكمل مهامها ولم تترك أثرا مكتوبا عن أعمالها.

وتم إحداث لجنة التحقيق بموجب قرار من الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ 31 جانفي 2017، وترأستها في مرحلة أولى النائبة عن كتلة نداء تونس ليلى الشتاوي لتعوضها بداية من 13 جوان 2017 النائبة عن نفس الكتلة هالة عمران وهي تتركب من 22 عوضا يتوزعون على أساس التمثيل النسبي للكتل ومن بين أعضائها نجد فاطمة المسدي ومنجي الرحوي وطارق الفتيتي وريم محجوب والصحبي بن فرج ولمياء الدريدي ويمينة الزغلامي وعبد اللطيف المكي وفريدة العبيدي وحسن العماري وسناء الصالحي وعماد أولاد جبريل..

وكانت ولادة هذه اللجنة عسيرة للغاية وكانت جل الجلسات التي عقدتها وعددها 19 جلسة ساخنة جدا. وخلافا لبقية اللجان البرلمانية التي كانت تنشر محاضر جلساتها حتى وإن كان ذلك بعد الآجال المنصوص عليها بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب فإن لجنة التحقيق في شبكات التسفير لم تترك للدارسين والباحثين والإعلاميين والمتابعين للشأن العام محاضر رسمية مكتوبة لجلساتها كما أنها لم تصدر تقريرا نهائيا حول أعمالها ولم تناقش هذا التقرير ولم تعرض توصياتها في جلسة عامة مثلما نص عليه النظام الداخلي للمجلس آن ذاك.

وواجهت اللجنة أثناء عملها إشكاليات عديدة، لعل أبرزها صعوبة النفاذ إلى المعلومة ولهذا السبب تم اقتراح إعداد مبادرة تشريعية توجب على مؤسسات الدولة تمكين لجان التحقيق البرلمانية من المعطيات والتقارير التي تطلبها اللجنة.. وإضافة إلى ذلك فإن عدم استقرار تركيبة اللجنة كان من أهم العوائق التي اعترضتها، فالنظام الداخلي للبرلمان نص في الفصل 45 على أنه إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه أو الكتلة التي انضمّ إليها فإنه يفقد آليا عضويته في اللجان النيابية وأي مسؤولية في المجلس تولاها تبعا لانتمائه ذاك ويؤول الشغور في كل ذلك إلى الجهة التي استقال منها، وتبعا لذلك فقد شهدت تركيبة اللجنة تغييرا على مستوى الرئاسة، إذ تم استبعاد ليلى الشتاوي رغم أنها صاحبة المبادرة بإحداث لجنة التحقيق وذلك لاشتباه حزبها في ضلوعها في التسريبات التي تمت آن ذاك.. فرغم نفيها لهذه التهمة فقد طلب رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال يوم 8 جوان 2017 تغيير ليلى الشتاوي بالنائبة عن نفس الكتلة هالة عمران، وفي تصريح لوسائل الإعلام وقتها قالت الشتاوي: "إننا مع سفيان طوبال دخلنا طور "الباندية" فانا انتخبني الشعب وأعطاني صوته وليس طوبال من فعل ذلك وإذا أنا أصمت عن تصرفات كهذه فهذا يعني أنه بالإمكان أن أصمت عن ملفات أهم"..

معطيات رسمية

قبل إقالة رئيستها ليلى الشتاوي عقدت لجنة التحقيق حول شبكات التسفير عدة جلسات لعل أهمها تلك التي تم تخصيصها للاستماع إلى لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي ووزير الداخلية وإدارة الحدود والأجانب. إذ فسر ممثلو اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي خلال الجلسة المنعقدة يوم 19 ماي 2017 تحت قبة البرلمان أن هذه اللجنة هي عبارة عن مركز وطني للاستعلام المالي وقالوا إن تركيزها ليس اختيارا من المشرع التونسي بل جاء بناء على مقتضيات المعايير الدولية التي توجب إحداث مراكز استعلامية مالية في كل بلدان العالم بهدف وضع آليات للتصدي لتمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال، وأشاروا إلى أن لجنتهم لا تتعهد تلقائيا بالملفات بل تشتغل على التصاريح بالشبهة التي ترد عليها، وبناء على التصاريح فهي تتابع العمليات البنكية والوثائق البنكية.. وفي علاقة بمسألة التسفير بينوا يومها أنه عند متابعة احد الملفات تمت معاينة وجود علاقة بين جمعية ووكالة أسفار وتمثلت الشبهة في وجود تدفقات مالية هامة بينهما ثم انحصرت الشبهة في جريمة تسفير كما أن اغلب الشبهات حامت حول شركات صغيرة وأشخاص منفردين وقد تمت إحالة ملفاتهم على أساس وجود شبهة في الانتماء إلى تنظيم إرهابي. كما نبهوا من مخاطر "الكاش" في علاقة بتمويل الإرهاب والتهريب وأطلعوا لجنة التحقيق عن وجود ملف ثقيل فيه شبهات حول تحويل مبالغ مالية كبيرة من ليبيا الى تونس على أساس تمويل تجارة لكنها لم تنفق في هذا الغرض وقالوا إن السلطات الليبية تفطنت للأمر وقامت بتتبع الكثير من الضالعين في هذه العملية المتمثلة في تحويلات قيمتها ثلاثة مليار دينار. وكشف ممثلو اللجنة التونسية للتحاليل المالية لنواب لجنة التحقيق معطيات مفادها أن اللجنة تلقت خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2015 أي الفترة التي يشملها التحقيق البرلماني حول شبكات التسفير الى بؤر التوتر، تلقت نحو 2000 تصريح بعمليات مسترابة وأحالت 350 منها في قرارات إنهاء أعمال على أنظار وكيل الجمهورية وتمت إحالة 80 ملف على قضاة التحقيق وهناك حوالي 20 بالمائة منها أي 17 ملفا فيها شبهة تمويل إرهاب. وعلاوة على النظر في ملفات التصاريح بالشبهة عملت اللجنة مع مساعد وكيل الجمهورية على تحليل قائمة 140 جمعية وتم النظر في كل عملياتها المالية وتم تجنيد كل المسؤولين في البنوك وجمع كل الحسابات وإعادة النظر فيها وإعادة تحليلها وإبراز كل المؤشرات التي تدل على وجود شبهة وتمت إحالة عشرة جمعيات وتم تحليل العمليات المالية في جداول خاصة وإحالة المعطيات الى مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس. وبين ممثلو لجنة التحاليل المالية أن الجمعيات التي تبين أن لها علاقة مشبوهة بتمويل الإرهاب هي جمعيات ذات طابع ديني خيري وليست جمعيات ذات طابع علمي أو رياضي وقالوا إن المبالغ المالية التي حولت لها تراوحت من مائة ألف دينار الى ثلاثة مليارات واهم مصادر التمويل خارجية متأتية من دول خليجية وأوروبية.

عائدون من بؤر التوتر

وفي جلسة أخرى عقدتها يوم 21 أفريل 2017 استمعت لجنة التحقيق حول شبكات التسفير إلى وزير الداخلية ومدير الحدود والأجانب ورئيس الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وكشف الهادي مجدوب وزير الداخلية آن ذاك أن التونسيين الذين عادوا من مناطق التوتر يناهز 800 وقال إن هناك من عاد قبل 2011 وأضاف أن من بين هؤلاء يوجد 190 في السجون و137 تحت الإقامة الجبرية وتم القضاء على عدد منهم والبقية يخضعون للمراقبة الإدارية والمتابعة الأمنية، وبين أن الوزارة عند التعاطي مع موضوع التسفير وجوازات السفر تجد نفسها بين المطرقة والسندان لأن لجنة الحقوق والحريات غير راضية على منع الناس من السفر بموجب إجراء "أس 17" ولجنة التحقيق حول شبكات التسفير تسائل الوزارة لماذا تم السماح للشباب بالسفر. وقدم مجدوب تعريفا قانونيا لشبكات التسفير وقال إنها خلايا تتكون على الأقل من عنصرين ومشرف عليها ومن خلالهم يتم تمكين عنصر أو مجموعة من الأشخاص من التحول الى إحدى بؤر التوتر عبر مسالك رسمية أو عبر مسالك غير شرعية، وأضاف أن هناك من يسهل دخولهم إلى بؤر التوتر والتدرب على القتال والالتحاق بالشبكات الإرهابية وذكر أن تنظيم القاعدة وداعش يريدان تعزيز صفوفهما بالعنصر البشري تحت غطاء النفير أو معركة الإسلام ضد قوى الكفر وتريد ضمان قدرتها على توسيع نفوذها عند عودة أتباعها من اجل تكوين مخزون استراتيجي يساعد على بث الأفكار الظلامية. وذكر أن العناصر يتم اختيارهم من المتطوعين ويقع إعدادهم قبل نقلهم الى ليبيا التي تمثل احدى الساحات التي لعبت دورا بارزا في استقبالهم وهناك يتلقون تدريبات للالتحاق بشبكات التسفير. وأضاف أن خلايا شبكات التسفير تعتمد على نوعين من المسالك: مسالك رسمية عبر المعابر الحدودية ومسالك غير شرعية عبر اجتياز الحدود الى ليبيا ثم يقع التحول الى سوريا عبر تركيا باستعمال جوازات سفر مزورة.

وأضاف أن خلايا تسفير الشباب التونسي الى البؤر تعتمد في الاستقطاب على طريقتين أولها مباشرة عبر المساجد وإلقاء الخطب ذات المنحى الجهادي أو تمكين الشباب من مطويات وكتيبات والثانية طريقة غير مباشرة تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي بعرض أشرطة مصورة للعمليات الجهادية وتدعو للانتقال من بلاد الكفر الى مناطق تطبق الشريعة الإسلامية، وأفرزت التحريات حسب ما أشار إليه في تلك الجلسة إلى أن مصادر تمويل عمليات التسفير تتم من جمع التبرعات أمام المساجد ومن بعض الجمعيات المشبوهة الموجودة في تونس وتمويلات من الخارج ومساهمات من بعض العناصر المترفة التي تتكفل بمصاريف التسفير وتسخير بعض المواقع الالكترونية لتشجيع الشباب على السفر الى بؤر التوتر. ووعد مجدوب اللجنة بمدها بقائمة في الجمعيات المتورطة في التسفير وقائمة في أسماء الأشخاص الذين تورطوا في القتال واغلبهم في داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وفي ما يتعلق بالمسالك التي عبرها من سافروا الى مناطق القتال قال هناك من سافروا عبر المطار وهناك من تسللوا عبر الحدود فهناك من يسافر الى المغرب ثم تركيا ثم سوريا أو الى فرنسا ثم تركيا أو صربيا ثم سوريا وهناك من يسافر الى سويسرا ثم يلتحق بمناطق القتال وهناك من عبروا من ليبيا وبخصوص جوازات السفر المزورة فأغلبها ليبية حسب تأكيده. وقال إنه يوجد حوالي 3000 تكفيري تونسي في بؤر التوتر 60 بالمائة منهم في سوريا و30 بالمائة في ليبيا والبقية يتوزعون على عدة بؤر وهم يتوزعون على 96 بالمائة ذكور والبقية إناث وبالنظر الى توزيعهم حسب الفئات العمرية فإن 1148 منهم من فئة 29ـ 39 سنة و953 من فئة 24 و28 سنة.. وبلغ عدد العائدين 800 شخص ولقي 760 شخصا حتفهم في بؤر التوتر وذكر مجدوب أنه في سنة 2013 تم منع 27 ألفا و317 تونسيا من السفر الى مناطق القتال من قبل وزارة الداخلية.

استفحال التسفير

أما مدير الحدود والأجانب فأشار خلال تلك الجلسة إلى أن ظاهرة التسفير الى سوريا استفحلت نهاية سنة 2013 وبين أنه عندما أدار الحدود والأجانب سنة 2012 تواترت عليه معلومات عن سفر شباب الى بؤر التوتر فتم اتخاذ إجراءات للتصدي لهذه الظاهرة وتحسيس الوحدات الحدودية بضرورة دراسة هذه الحالات حالة بحالة واضاف انهم تفطنوا الى تنوع وجهات السفر، فالمسافرون لا يتجهون الى ليبيا وتركيا فقط بل هناك من يذهب الى مناطق القتال عبر اسبانيا والبرتغال وفرنسا والجزائر والمغرب وهناك من سافر بعقود وهمية للشغل بدول الخليج وقال إن كل معلومة كانت تأتيهم عن شخص يعتزم السفر الى بؤر التوتر كانوا يتخذون في شأنها إجراءات كما أن العديد من الأولياء تقدموا للإدارة للإبلاغ عن أبنائهم وأكد أنه في تلك الفترة أي من أواخر 2012 إلى أوت 2013 تم منع أكثر من 8000 شخص من السفر من جملة 27 ألفا.

وفي نفس السياق بين رئيس الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب أنه بعد اندلاع الثورة في ليبيا والاحتجاجات في سوريا تم تسجيل علميات النفير من اجل "الجهاد في سبيل الله" وتزامنت تلك الفترة مع بروز عدة معسكرات في درنة وصبراتة وكان المجهود الأمني منقسما بين متابعة أنصار الشريعة وبين جمع المعلومات حول العناصر الخطيرة، وكان الإحصاء صعبا للغاية وكانت اغلب المعطيات تأتيهم من أولياء الشباب الذين خرجوا من بيوتهم ولم يعودوا وأشار إلى أنه تم التركيز على كل من يقف وراء عمليات التسفير وتبين أن اغلبهم ينتمون الى التيار السلفي التكفيري والمبايع لتنظيم القاعدة؟، وذكر أنه تم كشف مصادر تمويل مثل جمعية العبادلة الخيرية في بنزرت وجمعية التعاون الإسلامي في بن قردان التي يقودها عنصر إرهابي وقد نشطت كثيرا في التسفير الى المعسكرات الليبية كما تم كشف شبكة تسفير كبيرة تعتمد وثائق مزورة للحصول على تأشيرات للسفر الى فرنسا واليونان ثم التحول من هناك الى مناطق القتال وكشف شبكة يقودها شقيق إرهابي في اليمن وتعتمد الاحتطاب عبر سرقة منازل الأمنيين والعسكريين والأجانب وبعد إلقاء القبض على عدد من عناصرها قالت إنها سرقت أكثر من أربعين منزلا. وأضاف أن العديد من الشباب التكفيري غادر نحو مناطق القتال بصفة فردية واعتمد على ماله الخاص وكان هناك حراقة أتراك وسوريون يسهلون دخلوهم إلى سوريا. وبلغ نشاط الشبكات السيبرنية حسب قوله أوجه أواخر سنة 2014.

رغبة لم تتحقق

قبل إقالة رئيستها ليلى الشتاوي قررت لجنة التحقيق في شبكات التسفير عقد جلسات استماع أخرى إلى رؤساء الحكومات المتعاقبة وفي مقدمتهم علي العريض وإلى وزراء الداخلية والعدل والخارجية والشؤون الدينية وكتاب الدولة للأمن الوطني وآمري الحرس الوطني والمديرين العامين للسجون والإصلاح ومديري الحدود والأجانب والمديرين العامين للأمن الوطني والمسؤولين المتعاقبين على لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي وبعض مكونات المجتمع المدني ذات العلاقة بالموضوع وبعض الإعلاميين المختصين في الصحافة الاستقصائية، لكن هذا القرار لم ينفذ. ولا يعني هذا أن اللجنة توقفت عن العمل إذ أن رئيستها الثانية هالة عمران نظمت عدة جلسات منها جلسة استماع إلى عصام الدردودي رئيس منظمة الأمن المواطن الذي عرض على اللجنة وثيقة تفيد تورط القيادي في حركة النهضة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري في السماح لشيخ داعية بدخول السجون وقد أثارت شهادته غضب نواب النهضة الذين أعلنوا انسحابهم من الجلسة. وعقدت اللجنة جلسة استماع أخرى إلى ممثلين عن جمعية بادر المواطنة والتنمية العادلة حول الشريط الوثائقي الذي أنجزته في علاقة بعمليات التسفير والذي جاءت فيه شهادات حية لشباب من مختلف الجهات التحقوا بالمجموعات المتطرفة بعد أن منحتهم هذه التنظيمات حظوة كبيرة وسموا في شهاداتهم حزبي النهضة والتحرير وأبدوا غضبهم من النهضة لأنها سحبت البساط من تحت أقدامهم بعدما كانوا يصولون ويجولون ويجدون الدعم المادي ولأنهم وحسب ما ورد في شهاداتهم "لقوا صدوراتهم لكن النهضة جبدت بيهم" وقالوا إنهم وجدوا تسهيلات كبيرة للحصول على جوازات السفر بالأسماء التي يريدونها.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews