إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح": أزمات اللحوم والحليب ليست مستجدة.. وضعف الدولة فتح المجال لتغول اللوبيات

-الحل ليس في زيادة الأسعار بل الضغط على تكلفة الإنتاج

تونس – الصباح

عبر ميداني الضاوي، رئيس النقابة التونسية للفلاحين عن استيائه من تواصل تردي الوضع محملا في ذلك المسؤولية إلى سلطة الإشراف وتحديدا وزارة الفلاحة والموارد المائية. وبين، في حديثه لـ"الصباح"، أن غياب إستراتيجية واضحة في صلب الوزارة المعنية وعدم توفر إرادة سياسية للنهوض بالقطاع الفلاحي وتطوير إنتاجه وتحويله إلى عامل تنمية وتصدير، من الأسباب التي ساهمت في إضعاف الدولة وهو ما فتح المجال، وفق تقديره، للوبيات للتغول في مفاصل الدولة والتحكم في المنظومة الفلاحية. لأنه يعتبر وزارة الفلاحة هي وزارة زراعة بالأساس في مفهومها الرسمي، ولكنها أصبحت حاليا عاجزة عن النهوض بأي مجال من مجالات الفلاحة التي تتميز بها بلادنا، رغم توفر مؤسسات وهياكل وطنية وجهوية ومحلية. واعتبر ذلك نتيجة التصحر الذي عاشته بلادنا في العقود الأخيرة وما عرفته من انتشار فتكريس للفساد داخل المنظومة الفلاحية.

واعتبر محدثنا أن ما تعيشه بلادنا اليوم من أزمات في قطاعات الحليب والدجاج واللحوم الحمراء هي تأكيد لخطورة الوضع وأضاف قائلا: "في الحقيقة هذه الأزمات ليست بمعزل عن الأزمات العالمية خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت لها تداعيات واسعة على اقتصاديات أغلب بلدان العالم لاسيما البلدان الأوروبية لتساهم في تغيير ملامح العالم وليس بالتأثير في "السوق" التونسية فحسب".

وفي توصيفه للوضع اليوم أكد رئيس النقابة التونسية للفلاحين أنه من غير المعقول أن يطالب اليوم المستهلك بالمحافظة على توفر ما يحتاجه من لحوم حمراء وبيضاء وحليب بنفس النسق والآليات التي كانت معتمدة قبل 2010 موضحا بالقول: "للأسف عاد المنطق الطبقي ليطرح في الأوساط التونسية اليوم بعد أن كان غير مطروح قبل اثني عشرة عاما. وذلك بسبب انتشار الفساد وتمكنه من مفاصل الدولة وتحكمه في عجلة الإنتاج والتصدير. ووجب على سلطة الإشراف القيام بدورها وذلك عبر تكوين لجان وهياكل مختصة تفتح فيها المجال للمهنيين والفلاحين والخبراء والكفاءات المختصة في مجالات فلاحية من اجل وضع مقاربات وبرامج قادرة على النهوض بالقطاع الفلاحي خاصة أن بلادنا فلاحية بامتياز ولا تتوفر على الطاقة أو غيرها".

واستنكر ميداني الضاوي تفريط بلادنا في قطيع البقر خاصة من السلالات الهامة التي عملت الدولة على استرجاعها وتكوينها منذ السبعينات من القرن الماضي وذلك بالتفريط فيها للذبح والتهريب في هذه المرحلة في ظل الصعوبات التي يعيشها المربي والفلاح اليوم في ظل الارتفاع المسجل في أسعار الأعلاف. وهو يعتبر الوضع نفسه مشابها بالنسبة للدجاج بعد أن تقلص عدد المستثمرين في المجال من أكثر من 6500 سنة 2010 ليصبح في حدود 500 فقط حاليا. أرجع هذا العزوف والتراجع على الاستثمار في المجال إلى ارتفاع كلفة الإنتاج فضلا عن تحكم جهات معينة في المجال عبر جمعها بين شركات مختصة في الأعلاف والإنتاج. معتبرا في تراجع المنتجين ضمانة لتحكم هؤلاء في الإنتاج والأسعار رغم ما يكتنف العملية من تجاوزات موضحا "قانونيا لا يتم تفعيل الزيادة في أسعار اللحوم البيضاء ومنتجاتها بعد 45 يوما من تاريخ إعلان الزيادة في العلف، ولكن الأمر مخالف في تونس". 

في المقابل يرى الضاوي أنه ليس هناك إشكالا أو أزمة دون حل. ويعتبر المسألة منوطة بعهدة سلطة الإشراف، مشددا على ضرورة تحركها اليوم قبل أي وقت مضى لأن الكفاءات التونسية وتوفر بعض المبادرات من أجل هندسة وصياغة برامج قادرة على إعادة الاعتبار للإنتاج الفلاحي الوطني متوفرة. وشدد قائلا: "الحل اليوم ليس في زيادة الأسعار وإنما في الضغط على تكلفة الإنتاج وهذا رهين إرادة سياسية".

وفي تطرقه للخطوط العريضة للحلول التي يراها حقيقة بالتفعيل والمراهنة عليها في مخططات الدولة المقبلة التي يجب تراهن على القطاع الفلاحي بدرجة أولى، وفق حديثه، أفاد رئيس النقابة التونسية للفلاحين أن هناك حلولا موجودة في مستويات مختلفة. معتبرا أن توفر أكثر من 5 آلاف هكتار من الأراضي الدولية يمكن تحويلها إلى مواطن تنمية وإنتاج وذلك بأن تتولى الدولة منحها للراغبين في ذلك من مهندسين فلاحيين وفلاحين شبان وذلك عبر الكراء بعقود محددة الأهداف. وأضاف قائلا: "يمكن إعادة تفعيل شركات الإحياء وذلك بمنح تلك الأراضي إلى الكفاءات المختصة في الفلاحة وغيرهم من الشباب الراغب في الاستثمار في القطاع الفلاحي وذلك عبر عقود أهداف وتمكين هؤلاء من تمويل يمكنها من تحويل الأراضي المهملة إلى منتجة خاصة أن لكل جهة خصوصية في الإنتاج الفلاحي وبذلك يمكن إيجاد حلول للعلف مثلا وغيرها من الانتاجات الأخرى التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة ولم لا تتحول بلادنا إلى مصدر لمثل هذه المنتجات أساسا منها الحبوب والعلف التي تعد من ركائز الفلاحة في بلادنا".

وشدد الضاوي على أن الحل في بلادنا يكمن في المحافظة على ديمومة حلقة الإنتاج الفلاحي معتبرا أن ما عرفه الجميع من صعوبات في هذه الفترة يعد عاملا كفيلا بدفع سلطة الإشراف إلى مراجعة سياستها ووضع استراتيجية عملية تراهن على الإنتاج الفلاحي وفق منظومة محددة لا تنبني في أهدافها وتفاصيلها على خدمة مصالح إخطبوط من اللوبيات المعينة على غرار ما هو عليه الحال والوضع اليوم.

نزيهة الغضباني

رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح":  أزمات اللحوم والحليب ليست مستجدة.. وضعف الدولة فتح المجال لتغول اللوبيات

-الحل ليس في زيادة الأسعار بل الضغط على تكلفة الإنتاج

تونس – الصباح

عبر ميداني الضاوي، رئيس النقابة التونسية للفلاحين عن استيائه من تواصل تردي الوضع محملا في ذلك المسؤولية إلى سلطة الإشراف وتحديدا وزارة الفلاحة والموارد المائية. وبين، في حديثه لـ"الصباح"، أن غياب إستراتيجية واضحة في صلب الوزارة المعنية وعدم توفر إرادة سياسية للنهوض بالقطاع الفلاحي وتطوير إنتاجه وتحويله إلى عامل تنمية وتصدير، من الأسباب التي ساهمت في إضعاف الدولة وهو ما فتح المجال، وفق تقديره، للوبيات للتغول في مفاصل الدولة والتحكم في المنظومة الفلاحية. لأنه يعتبر وزارة الفلاحة هي وزارة زراعة بالأساس في مفهومها الرسمي، ولكنها أصبحت حاليا عاجزة عن النهوض بأي مجال من مجالات الفلاحة التي تتميز بها بلادنا، رغم توفر مؤسسات وهياكل وطنية وجهوية ومحلية. واعتبر ذلك نتيجة التصحر الذي عاشته بلادنا في العقود الأخيرة وما عرفته من انتشار فتكريس للفساد داخل المنظومة الفلاحية.

واعتبر محدثنا أن ما تعيشه بلادنا اليوم من أزمات في قطاعات الحليب والدجاج واللحوم الحمراء هي تأكيد لخطورة الوضع وأضاف قائلا: "في الحقيقة هذه الأزمات ليست بمعزل عن الأزمات العالمية خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت لها تداعيات واسعة على اقتصاديات أغلب بلدان العالم لاسيما البلدان الأوروبية لتساهم في تغيير ملامح العالم وليس بالتأثير في "السوق" التونسية فحسب".

وفي توصيفه للوضع اليوم أكد رئيس النقابة التونسية للفلاحين أنه من غير المعقول أن يطالب اليوم المستهلك بالمحافظة على توفر ما يحتاجه من لحوم حمراء وبيضاء وحليب بنفس النسق والآليات التي كانت معتمدة قبل 2010 موضحا بالقول: "للأسف عاد المنطق الطبقي ليطرح في الأوساط التونسية اليوم بعد أن كان غير مطروح قبل اثني عشرة عاما. وذلك بسبب انتشار الفساد وتمكنه من مفاصل الدولة وتحكمه في عجلة الإنتاج والتصدير. ووجب على سلطة الإشراف القيام بدورها وذلك عبر تكوين لجان وهياكل مختصة تفتح فيها المجال للمهنيين والفلاحين والخبراء والكفاءات المختصة في مجالات فلاحية من اجل وضع مقاربات وبرامج قادرة على النهوض بالقطاع الفلاحي خاصة أن بلادنا فلاحية بامتياز ولا تتوفر على الطاقة أو غيرها".

واستنكر ميداني الضاوي تفريط بلادنا في قطيع البقر خاصة من السلالات الهامة التي عملت الدولة على استرجاعها وتكوينها منذ السبعينات من القرن الماضي وذلك بالتفريط فيها للذبح والتهريب في هذه المرحلة في ظل الصعوبات التي يعيشها المربي والفلاح اليوم في ظل الارتفاع المسجل في أسعار الأعلاف. وهو يعتبر الوضع نفسه مشابها بالنسبة للدجاج بعد أن تقلص عدد المستثمرين في المجال من أكثر من 6500 سنة 2010 ليصبح في حدود 500 فقط حاليا. أرجع هذا العزوف والتراجع على الاستثمار في المجال إلى ارتفاع كلفة الإنتاج فضلا عن تحكم جهات معينة في المجال عبر جمعها بين شركات مختصة في الأعلاف والإنتاج. معتبرا في تراجع المنتجين ضمانة لتحكم هؤلاء في الإنتاج والأسعار رغم ما يكتنف العملية من تجاوزات موضحا "قانونيا لا يتم تفعيل الزيادة في أسعار اللحوم البيضاء ومنتجاتها بعد 45 يوما من تاريخ إعلان الزيادة في العلف، ولكن الأمر مخالف في تونس". 

في المقابل يرى الضاوي أنه ليس هناك إشكالا أو أزمة دون حل. ويعتبر المسألة منوطة بعهدة سلطة الإشراف، مشددا على ضرورة تحركها اليوم قبل أي وقت مضى لأن الكفاءات التونسية وتوفر بعض المبادرات من أجل هندسة وصياغة برامج قادرة على إعادة الاعتبار للإنتاج الفلاحي الوطني متوفرة. وشدد قائلا: "الحل اليوم ليس في زيادة الأسعار وإنما في الضغط على تكلفة الإنتاج وهذا رهين إرادة سياسية".

وفي تطرقه للخطوط العريضة للحلول التي يراها حقيقة بالتفعيل والمراهنة عليها في مخططات الدولة المقبلة التي يجب تراهن على القطاع الفلاحي بدرجة أولى، وفق حديثه، أفاد رئيس النقابة التونسية للفلاحين أن هناك حلولا موجودة في مستويات مختلفة. معتبرا أن توفر أكثر من 5 آلاف هكتار من الأراضي الدولية يمكن تحويلها إلى مواطن تنمية وإنتاج وذلك بأن تتولى الدولة منحها للراغبين في ذلك من مهندسين فلاحيين وفلاحين شبان وذلك عبر الكراء بعقود محددة الأهداف. وأضاف قائلا: "يمكن إعادة تفعيل شركات الإحياء وذلك بمنح تلك الأراضي إلى الكفاءات المختصة في الفلاحة وغيرهم من الشباب الراغب في الاستثمار في القطاع الفلاحي وذلك عبر عقود أهداف وتمكين هؤلاء من تمويل يمكنها من تحويل الأراضي المهملة إلى منتجة خاصة أن لكل جهة خصوصية في الإنتاج الفلاحي وبذلك يمكن إيجاد حلول للعلف مثلا وغيرها من الانتاجات الأخرى التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة ولم لا تتحول بلادنا إلى مصدر لمثل هذه المنتجات أساسا منها الحبوب والعلف التي تعد من ركائز الفلاحة في بلادنا".

وشدد الضاوي على أن الحل في بلادنا يكمن في المحافظة على ديمومة حلقة الإنتاج الفلاحي معتبرا أن ما عرفه الجميع من صعوبات في هذه الفترة يعد عاملا كفيلا بدفع سلطة الإشراف إلى مراجعة سياستها ووضع استراتيجية عملية تراهن على الإنتاج الفلاحي وفق منظومة محددة لا تنبني في أهدافها وتفاصيلها على خدمة مصالح إخطبوط من اللوبيات المعينة على غرار ما هو عليه الحال والوضع اليوم.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews