إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل سيتواصل العمل بالمراسيم بعد الانتخابات التشريعية ؟

بقلم: منير الشرفي

كل المؤشرات تُوحي بأنالانتخابات التشريعية القادمة ستكون غير عادية، وقد تشوبها شوائب تجعل مصداقيتها وشرعيتها محدودتين، إن لم نقل مُنعدمتين.

التاريخ المُعلن لتنظيم هذه الانتخابات هو يوم 17 ديسمبر القادم، ذكرى انتحار الشاب محمد البوعزيزي. ولا شيء يدلّ إلى حد الآن على أنه سيتم احترام ذلك التاريخ الذي تمّ تحديده منذ مدّة طويلة بعد الضغوطات الكبيرة، الداخلية والخارجية، على الرئيس قيس سعيد لوضع خارطة طريق للفترة الانتقالية. لكن هذا التاريخ يجب أن تسبقه إجراءات هامّة، منها بالخصوص إصدار القانون الانتخابي الجديد الذي يُفترض أن يكون قبل شهرين على الأقل من تاريخ الانتخاب، أي قبل تاريخ 17 سبتمبر الجاري.

القانون الانتخابي الحالي يتضمن بعض النقائص والهنات، مثله مثل دستور 2014. وكما تمّ بخصوص الدستور الذي كان بالإمكان ادخال بعض التعديلات عليه من قبل فريق من المختصين لتحسينه في وقت وجيز، فإن القانون الانتخابي يبدون أن الأمور تسير نحو تعديله بواسطة مرسوم رئاسي قد يقلبه رأسا على عقب. وكما كان الأمر بالنسبة للدستور أيضا، فإن تعديل القانون الانتخابي سيتمّ دون استشارة أي كان. ولقد جاء تأكيد ذلك على لسان الرئيس ذاته حين قال بأنه سيأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المُؤيّدين الصادقين لمسار 25 جويلية. أي المؤيّدين غير الذين أبدوا بعض الاحترازات على مسار الرئيس.

المُنتظر من قانون الانتخاب هو أن يُصبح التصويت على الأشخاص وليس على القائمات. وهو ما يعني أن الأحزاب أو المنظمات أو الجمعيات لن يكون لها حضور في المجلس النيابي القادم بصفتها تلك، بما أن رئيس الجمهورية لا يُؤمن بالأحزاب ولا يُؤمن بالأجسام الوسيطة عموما.

هذا الوضع أدّى بجلّ الأحزاب التونسية، وخاصة منها الأحزاب الكبرى، إلى الإعلان منذ الآن عن عدم مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة. فلقد عبّرت الأستاذة عبير موسي، رئيسة أكبر حزب سياسي في البلاد، الحزب الدستوري الحر الذي ما انفكّت تتّسع قاعدته، عن رفضها المشاركة في ما تعتبره مهزلة. كما أن حركة النهضة، التي وإن تقلّصت شعبيتها بشكل ملحوظ، فإنها هي أيضا قررت مقاطعة الانتخابات. ولقد عبّرت عن ذلك على لسان أحمد نجيب الشابي الذي يرأس ما يُسمّى بـ"جبهة الخلاص" التي تختفي وراءها النهضة وأتباعها (الكرامة...). وهنا يكفي أن نتخيّل انتخابات تشريعية في بريطانيا مثلا، أين يُوجد نظام برلماني، دون مشاركة الحزب العمالي والحزب المحافظ، أو في أمريكا، أين يُوجد نظام رئاسي، دون مشاركة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.

لكن مقاطعة الأحزاب لم تكن موقف الحزبين الكبيريْن فقط. فلقد قرر الخماسي (حزب العمال والحزب الجمهوري والقطب والتيار الديمقراطي والتكتل) أنه يسير نحو نفس الموقف، وهو الذي قام بحملة ضد الاستفتاء الأخير، حتى يكون في تناغم مع مواقفه السابقة من مسار 25 جويلية برمته، وقد وصفه بالانقلاب.

ولئن لم تُفصح الأحزاب الأخرى بعدُ عن موقفها من القانون الانتخابي ومن الانتخابات التشريعية القادمة، فمن المنتظر أن تُواصل نفس السياسة التي اتّبعتها عند تنظيم الاستفتاء، وأعني بالخصوص حزبي "المسار" وآفاق تونس" اللذين قاطعا الاستفتاء وعبّرا في العديد من المناسبات عن معارضتهما الشديدة لمسار 25 جويلية ولكافة مُخرجاته.

فكيف ستكون صورة برلماننا الجديد؟

كل المُؤشّرات تدلّ على أنه سيكون في تناغم تامّ، بما أن المُترشّحين، بشكل فردي، سيكونون بنسبة 100 بالمائة من أنصار الرئيس قيس سعيّد الصادقين، أي الذين ناصروه دون تردد ودون انقطاع ودون تراجع. هذا البرلمان ستكون إدارته من أسهل ما يكون وستكون الموافقة على قوانينه بنسبة 99 بالمائة على الأقل. وبعبارة أخرى، فإن المراسيم التي تعوّدنا عليها ستأخذ في المستقبل القريب شكل القوانين.

أما نسبة المشاركة في الانتخابات فهي ليست سوى رقما سوف لن يتكرّر ذكره أكثر من مرّة في هذه الفترة عند الإعلان عن النتائج. أما المُؤرخون فسيذكرونه بتفاصيله في عهد آخر.

هذه المرحلة من تاريخنا قد تمرّ بسلام دون اعتراض يُذكر. كما أنها قد تخلق توتّرا سياسيّا بشكل مُفاجئوحادّ، أو بشكل تصاعدي، قد يُؤسس لمرحلة جديدة نتمنّى ألّا تكون عنيفة.

لكن الذي يبدو أن المُسيّرين لم يقرؤوا له أي حساب هو صورة تونس في الخارج، دولا وأقاليم ومؤسسات دولية. فالدول المتقدمة والعريقة في الديمقراطية لا تحترم الدول التي تُدير ظهرها للأحزاب المعارضة والدول التي ليس لها برلمان تعددي. وإذا فقدنا الاحترام، فقدنا التعامل الإيجابي. صحيح أنه ليس للجهات الأجنبية أن تتدخّل في شؤوننا الداخلية، باعتبار أننا دولة حرة مستقلة ذات سيادة، لكننا ننسى، أو نتناسى، أن حريتنا واستقلالنا وسيادتنا كلها منقوصة ومحدودة، بما أننا دولة سائرة في طريق الإفلاس، وخبز مواطنيها مرتبط بمدى قابلية الدول الغنية والمؤسسات الدولية المالية لسياستها ولمدى احترامها للديمقراطية ولحقوق الإنسان. وهو ما قد يُمثّل سببا آخر في تعكير الجو العام في البلاد إذا أُغلقت أبواب الإعانات والقروض في وجه البلاد.

 

هل سيتواصل العمل بالمراسيم بعد الانتخابات التشريعية ؟

بقلم: منير الشرفي

كل المؤشرات تُوحي بأنالانتخابات التشريعية القادمة ستكون غير عادية، وقد تشوبها شوائب تجعل مصداقيتها وشرعيتها محدودتين، إن لم نقل مُنعدمتين.

التاريخ المُعلن لتنظيم هذه الانتخابات هو يوم 17 ديسمبر القادم، ذكرى انتحار الشاب محمد البوعزيزي. ولا شيء يدلّ إلى حد الآن على أنه سيتم احترام ذلك التاريخ الذي تمّ تحديده منذ مدّة طويلة بعد الضغوطات الكبيرة، الداخلية والخارجية، على الرئيس قيس سعيد لوضع خارطة طريق للفترة الانتقالية. لكن هذا التاريخ يجب أن تسبقه إجراءات هامّة، منها بالخصوص إصدار القانون الانتخابي الجديد الذي يُفترض أن يكون قبل شهرين على الأقل من تاريخ الانتخاب، أي قبل تاريخ 17 سبتمبر الجاري.

القانون الانتخابي الحالي يتضمن بعض النقائص والهنات، مثله مثل دستور 2014. وكما تمّ بخصوص الدستور الذي كان بالإمكان ادخال بعض التعديلات عليه من قبل فريق من المختصين لتحسينه في وقت وجيز، فإن القانون الانتخابي يبدون أن الأمور تسير نحو تعديله بواسطة مرسوم رئاسي قد يقلبه رأسا على عقب. وكما كان الأمر بالنسبة للدستور أيضا، فإن تعديل القانون الانتخابي سيتمّ دون استشارة أي كان. ولقد جاء تأكيد ذلك على لسان الرئيس ذاته حين قال بأنه سيأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المُؤيّدين الصادقين لمسار 25 جويلية. أي المؤيّدين غير الذين أبدوا بعض الاحترازات على مسار الرئيس.

المُنتظر من قانون الانتخاب هو أن يُصبح التصويت على الأشخاص وليس على القائمات. وهو ما يعني أن الأحزاب أو المنظمات أو الجمعيات لن يكون لها حضور في المجلس النيابي القادم بصفتها تلك، بما أن رئيس الجمهورية لا يُؤمن بالأحزاب ولا يُؤمن بالأجسام الوسيطة عموما.

هذا الوضع أدّى بجلّ الأحزاب التونسية، وخاصة منها الأحزاب الكبرى، إلى الإعلان منذ الآن عن عدم مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة. فلقد عبّرت الأستاذة عبير موسي، رئيسة أكبر حزب سياسي في البلاد، الحزب الدستوري الحر الذي ما انفكّت تتّسع قاعدته، عن رفضها المشاركة في ما تعتبره مهزلة. كما أن حركة النهضة، التي وإن تقلّصت شعبيتها بشكل ملحوظ، فإنها هي أيضا قررت مقاطعة الانتخابات. ولقد عبّرت عن ذلك على لسان أحمد نجيب الشابي الذي يرأس ما يُسمّى بـ"جبهة الخلاص" التي تختفي وراءها النهضة وأتباعها (الكرامة...). وهنا يكفي أن نتخيّل انتخابات تشريعية في بريطانيا مثلا، أين يُوجد نظام برلماني، دون مشاركة الحزب العمالي والحزب المحافظ، أو في أمريكا، أين يُوجد نظام رئاسي، دون مشاركة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.

لكن مقاطعة الأحزاب لم تكن موقف الحزبين الكبيريْن فقط. فلقد قرر الخماسي (حزب العمال والحزب الجمهوري والقطب والتيار الديمقراطي والتكتل) أنه يسير نحو نفس الموقف، وهو الذي قام بحملة ضد الاستفتاء الأخير، حتى يكون في تناغم مع مواقفه السابقة من مسار 25 جويلية برمته، وقد وصفه بالانقلاب.

ولئن لم تُفصح الأحزاب الأخرى بعدُ عن موقفها من القانون الانتخابي ومن الانتخابات التشريعية القادمة، فمن المنتظر أن تُواصل نفس السياسة التي اتّبعتها عند تنظيم الاستفتاء، وأعني بالخصوص حزبي "المسار" وآفاق تونس" اللذين قاطعا الاستفتاء وعبّرا في العديد من المناسبات عن معارضتهما الشديدة لمسار 25 جويلية ولكافة مُخرجاته.

فكيف ستكون صورة برلماننا الجديد؟

كل المُؤشّرات تدلّ على أنه سيكون في تناغم تامّ، بما أن المُترشّحين، بشكل فردي، سيكونون بنسبة 100 بالمائة من أنصار الرئيس قيس سعيّد الصادقين، أي الذين ناصروه دون تردد ودون انقطاع ودون تراجع. هذا البرلمان ستكون إدارته من أسهل ما يكون وستكون الموافقة على قوانينه بنسبة 99 بالمائة على الأقل. وبعبارة أخرى، فإن المراسيم التي تعوّدنا عليها ستأخذ في المستقبل القريب شكل القوانين.

أما نسبة المشاركة في الانتخابات فهي ليست سوى رقما سوف لن يتكرّر ذكره أكثر من مرّة في هذه الفترة عند الإعلان عن النتائج. أما المُؤرخون فسيذكرونه بتفاصيله في عهد آخر.

هذه المرحلة من تاريخنا قد تمرّ بسلام دون اعتراض يُذكر. كما أنها قد تخلق توتّرا سياسيّا بشكل مُفاجئوحادّ، أو بشكل تصاعدي، قد يُؤسس لمرحلة جديدة نتمنّى ألّا تكون عنيفة.

لكن الذي يبدو أن المُسيّرين لم يقرؤوا له أي حساب هو صورة تونس في الخارج، دولا وأقاليم ومؤسسات دولية. فالدول المتقدمة والعريقة في الديمقراطية لا تحترم الدول التي تُدير ظهرها للأحزاب المعارضة والدول التي ليس لها برلمان تعددي. وإذا فقدنا الاحترام، فقدنا التعامل الإيجابي. صحيح أنه ليس للجهات الأجنبية أن تتدخّل في شؤوننا الداخلية، باعتبار أننا دولة حرة مستقلة ذات سيادة، لكننا ننسى، أو نتناسى، أن حريتنا واستقلالنا وسيادتنا كلها منقوصة ومحدودة، بما أننا دولة سائرة في طريق الإفلاس، وخبز مواطنيها مرتبط بمدى قابلية الدول الغنية والمؤسسات الدولية المالية لسياستها ولمدى احترامها للديمقراطية ولحقوق الإنسان. وهو ما قد يُمثّل سببا آخر في تعكير الجو العام في البلاد إذا أُغلقت أبواب الإعانات والقروض في وجه البلاد.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews