إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل يمكن نزع فتيل "الانفجار" الاجتماعي المرتقب؟ (1/2)

 

 

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

كل المؤشرات والأحداث والمواقف تؤكد وأننا بين فرضيتي "الانفجار الاجتماعي غير المحسوب من حيث النتائج والتداعيات سياسيا وأمنيا" و"نزع فتيل الازمة عبر دعوة كل الأطراف السياسية والاجتماعية للجلوس مجددا على طاولة الحوار وتكرار سيناريو نهاية 2013 وبما أفضل للحلول والتوافق وإعطاء البلد والمواطن مجال للاستراحة والتنفس براحة أكبر ومن ثم حسم كل المواضيع في الأخير عبر صناديق الاقتراع ولكن بقانون انتخابي مقبول من طرف كل الأطراف بغض النظر عن مشاربها الفكرية والسياسية، والسؤال هنا هل سيتم نزع فتيل الأزمة أم سيتم ترك الأمور نحو الانفجار الاجتماعي والذي تتوفر له راهنا كل ظروف التشكل والتهيؤ ومن ثم الاندلاع والذي لن يتصور أي كان حجمه لا تداعياته؟

** قراءة في تطور المسالة الاجتماعية بين 2010 و2022

1- أولا، عشية هُروب الرئيس المخلوعلمدينة جدة السعودية وبترتيب دولي ومرسوم بدقة، كانت مطالب التونسيين في أغلبها اجتماعية (التشغيل – الغاء التهميش – العدالة الاجتماعية – التنمية في الجهات المهمشة على مدى عقود)، وبناء على أن النخب التي كانت تعارض نظام الحزب الواحد لم تستطع أن تتجاوز الخلافات والتجاذبات بينها كما لم تستطع قياداتها العمل على بلورة بديل تنموي بديل على البديل التنموي الفاشل الذي رسمته وكرسته الدولة الوطنية والتي أبقت نفسها ضمن إطار فكرة "شعب الدولة" بينما كان أمل وحلم التونسيين قائما على "دولة الشعب" وخاصة في ظل واقع ان الدولة قد تغولت على المجتمع طيلة أكثر من خمس عقود (1955-2010)...

2- ثانيا، قُبيل انتخابات 26-10-2014 وحتى 2018 كان واضحا وجليا ان هناك حقيقتين قائمتين، الأولى ان الانقلاب على المسار الثوري ليس ممكنا في تلك الفترة رغم ما جد في مصر وبقية بلدان الربيع العربي والثانية أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية هي أكبر رهان وان على الحكومات ان تكون واقعية في الملف الاجتماعي (البطالة –التضخم-العلاقة مع مؤسسات النقد الدولية) ومع ذلك حقق التوافق أهدافا سياسية ولكنه لم يزحزح الملف الاجتماعي ولو خطوة الى الامام وتم اتباع سياسة كل يوم ويومه ومواصلة سياسات التداين والتدبير من ملف الى آخر...

3- ثالثا،قبيل انتخابات 2019 ومباشرة بعد الانتخابات البلدية 2018 وصولا الى بداية 2020 كان وضاحا ان البد يغرق اقتصاديا وماليا ولكن الفاعل الإقليم والدولي كان يأمل في حل سياسي يمكن البلد من واقعية مع الملفات الاجتماعية ولكن المنظمات المهنية والفاعلين الاجتماعيين مارسوا الاستئساد على الحكومة وعلى البلد بالأساس وكان المضي في الإصلاحات الاقتصادية شبه مستحيل وغير ممكن ولا يستطيع أي كان الذهاب فيه ومع رؤية "سعيد" السياسية وسقوط حكومة الفخفاخ وبؤس كل النخب ( سياسيين وجامعيين ونقابيين) وعدم قدرتهم على لعب الدور الطليعي في حل مشاكل المجتمع الأساسية (التشغيل – العنوسة- التنمية المتعطلة...) بل والمضي في التجاذب بل وسقطت كثير من تلك النخب في الوظيفية للأذرع الإقليمية والخادمة بدورها لقوى دولية ومحافل وشركات عالمية وعابرة للقارات..

4- رابعا،لم تفرق النخب بكل مكوناتها بين السلطة والدولة فتم ارباك حكومتي الفخفاخ والمشيشي بغض النظر عن الأخطاء البنية في اختيار التشكيلتين او اختيار رأسيهما وتم حقيقة لأن البلد امام مطبات خطيرة سياسيا واجتماعيا وماليا بل وتم المضي في التجاذب وتم بناء تجاذب جديد بين قرطاج والقصبة بعد ان تم ترذيل اعلامي لمجلس النواب وصورة النائب عموما عبر سلوكيات السياسيين وعبر فعل الفاشيين والوظيفيين والشعبويين وخاصة في ظل التداعيات القاسية لكورونا وإدارة الملفين الصحي والاجتماعي سنتي 2020 و2021 وفي ظل عدم الحسم في الازمة السياسية بين راسي السلطة التنفيذية مبكرا انتصرت الدولة ومؤسساتها الصلبة وبناء على معادلات الإقليم للرئيس سعيد والذي اعلن مساء 25-07-2021 عن حركته/انقلابه...

5- خامسا،لم يحقق الانقلاب/منظومة 25-07 أي هدف اجتماعي تقريبا سوى انه فتح ممرا نحو إمكانية تمرير الإصلاحات وهو ما يفسر الضوء الأخضر الفرنسي خاصة والغربي عامة (بما في ذلك الأمريكي) والجزائري لخطوة "سعيد" بغض النظر عن الموقف من تفاصيل التنزيل وطبيعة الإجراءات المعلن عنها يومي 25-07-2021 و22-09-2021 والتي تباينت مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية منها وكان هناك وهم لدى العديدين في أن تهميش "الاتحاد" و"النهضة" – بل وكل الأحزاب- هو هدف رئيسي في ما اعتقد قوى سياسية ووظيفية أساسا في أن اصطفافها ضمن مربع منظومة 25-07 قد يعني قدرتها على تصفية خصومها أو استعادة منظمة الاستبداد بينما كان سعيد وفريقه المضيق واعين بان القديمة تريد توظيفهم بينما كانت الأخيرة متمترسة وتبعث رسائل بطرق وآليات ناعمة "اما تحقيق شروطنا أو نعمد بطرقنا للتعطيل.." وبقيت المعادلة قائمة ومهزوزة ومرتبطة بمعادلات التطورات دوليا وإقليميا (ليبيا – التقارب التركي الاماراتي – الحرب الروسية الأوكرانية...) وهنا أصبح الملف الاجتماعي حارقا فالأسعار تتطاير والاحتكار ماض بأشكال عدة ولو مبتسرة وضيقة وتطورات الاحداث في غير صالح الجميع وبما يعيق البلد حتى تم الوصول للاستفتاء والذي خيمت المسالة الاجتماعية على كل جزئياته وآليات الذهاب اليه من عدمه ونتائجه ورؤية المواطن البسيط له سواء شارك فيه أو لا...

6- مَكنت المركزية النقابية التي كانت تقود "الاتحاد العام التونسي للشغل" سنة 2021صبيحة 26-07 (أي يوم بعد انقلاب حركة/انقلاب) من القدرة على بسط نفوذها وتحقيق مكاسب على الأرض عبر موقفها الذي غلب عليه التبرير والإسناد وكانت معادلتي "الذهاب للمؤتمر الاستثنائي والذي يمكن القيادة القائمة من مواصلة ترأس المنظمة" و"انتصار فاعلين نقابيين لرؤيتهم الايديلوجية في مناكفة خصم سياسي بعينه"، محددتين في ذلك الموقف بنسبة كبيرة والثابت ان النقابيين المركزيين لم ينتبهوا في أن اللعبة قد تنقلب عليهم ويجدون أنفسهم امام مطبات لا قبل لهم بها وهو ما لم ينتبهوا اليه الا مع نهاية ماي 2022 وربما قبل ذلك بأيام عند حدوث الانقلاب على قيادة اتحاد الفلاحين بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات في ذلك الملف...

يتبع

هل يمكن نزع فتيل "الانفجار" الاجتماعي المرتقب؟ (2/2)

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

** "الانفجار" الاجتماعي أم نزع فتيل الأزمة؟

1- أولا، المنظمة الشغيلة قدمت فعليا قراءتها لوثيقة الإصلاحات الحكومية وهي قراءة تتضمن جملة من المقترحات مثل "المنع الفوري لازدواجية العمل" و"إطلاق حوار من أجل اصلاح عميق للوظيفة العمومية وتحديثها" مع "الالتزام على مدى ثلاث سنوات بالحفاظ على تطور كتلة الأجور عند مستوى أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ويساوي على الأقل نسبة التضخم محافظ على القدرة الشرائية وإعادة توزيع الموظفين العموميين ومنح استقلالية الميزانية لبعض الهياكل التي لم تعد تستمد دخلها من الميزانية العامة للدولة ومراجعة الإصلاح الضريبي"، وهنا من الواضحأن مقترحات المنظمة الشغيلة تتسم بالمعقولة كما تقدم فعليا حلولا في سياق الأزمة الراهنة ومقابل ذلك لا تبدو حكومة "نجلاء بودن" متحمسة للتفاعل مع تلك المقترحات، وهي حكومة مصرة على المضي على الالتزام بالبرنامج الذي اقترحته على صندوق النقد الدولي، ولا شك في راينا أنها– أي الحكومة- إذا لم تبادر الى التفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية للمنظمة الشغيلة ومع مقترحاتها لشكل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فان ذلك لن يُفضي الا الى تعميق الأزمة أكثر بين الاتحاد وحكومة بودن وستكون هناك كلفة اجتماعية كبيرة جدابل وعلى كل الأصعدة ولعل أحداث دوار هيشر وتعليقات المواطنين اليومية في المقاهي وفي المحلات التجارية والتعليقات على الشبكات الاجتماعية توحي بالكثير الكثير...

2- ثانيا، هناك أزمة في البلاد لها أوجه سياسية كما لها أوجه اجتماعية واقتصادية ومالية بل أن الانقلاب نفسه قام على هدف تمرير الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها تمرير الإجراءات المؤلمة الثلاث (رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود-تجميد الأجور في القطاعين الخاص والعام -بيع الكثير من المؤسسات الوطنية وخاصة تلك التي تعرف بعض الصعوبات)، والواضح أنه بعد أكثر من 13 شهرا على انقلاب 25-07 فإن الحقيقة على الأرض أن السلع الأساسية غير متوفرة وتكاد تكون مفقودةبينما الأسعار لم تعد تطاقكما لم تعد هناك أي إجراءات اجتماعية تحمي ضعاف الحال كما أن نسب البطالة والتضخم في ارتفاع غير مسبوقبينما يؤكد المختصين أن الاستثمار الأجنبي جد متعثر بل هو في حالة تراجع رغم النجاح النسبي لقمة تيكاد8 والتي اشترط اليابانيون موافقة البنك الدولي لتفعيل توصياتها ومقرراتها...

3- ثالثا حكومة بودن يعرف الجميع أنها تعدل جزئيا او كليا وفي كل الحالات هي اليوم أمام حتمية قانون مالية تعديلي كما ستجد نفسها أمام حتمية ثانية هي البحث عن موارد لميزانية 2023 خاصة بعد تغير الفرضيات التي بُني عليها ذلك القانون وخاصة في ظل التأخير المسجل في توقيع الاتفاق مع صندوق النقد هذا من جهة بينما من جهة ثانية لا يختلف اثنان أن السياق السياسي غير مشجع لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية حيث لا تزال محاولات تغيير موازين القوى قائمة ومستمرة بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي -وهو مشهد هيمنت عليه صراعات الشرعية والمشروعية والتي تتعلق أساسا بإدارة المرحلة الاستثنائية وبالاستفتاء وبتوجه رئاسية الجمهورية الى صياغة قانون انتخابي دون نقاش واسع مع خصومها- ....

4- رابعا،الفرضيات كثيرة ومتعددة وهي اليوم كلها واردة سياسيا (تأخير الانتخابات/إنجازها – قانون انتخابي يتضمن عولا سياسيا لكثيرين/قانون جامع توافق) كما ان العلاقة بين "الاتحاد" والحكومة مفتوحة على كل الخيارات وخاصة بعد التعليق اثر الاستئناف الثاني للحوار والجلسات بين الطرفين وهناك عدم تماه بين مؤسسة الرئاسة ومربعات القصبة الإدارية والاستشارية وخاصة في ظل وجود وزراء يعتبرون أنفسهم أكبر من الحكومة نفسهاحيث لهم مطامح كثيرة ومتضاربة، كما ان التضارب على القانون الانتخابي والدعوات الصادرة عن الدول السبع الى الحوار والتوافق السياسي انتهى عمليا بجعل مؤسسة "الرئاسة"جد معزولة ذلك أن حزامها السياسي اليوم - بعد قفز البعض من مربع منظومة 25-07 – وبالتالي فهو حزام ضعيف ولا يمكن لها لاحقا أن تؤمن نسخته السابقة متى احتاجته فعليا وهي حاجة ماسة من جهة أخرى والهدف طبعا هو وعيها كمؤسسة جامعة للقوى الصلبة وللصلاحيات بخطورة الأزمة الاجتماعية والتي يجمع كثيرون أنها قد تتطور لتكون "انفجارا" (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حذر منها بشكل جدي)، وكل ما سبق يعني أنه لا حل لتونس الا بمسارعة كل مكوناتها للبحث عن مخرج آمن لها من أزمتها وذلك غير ممكن موضوعيا طالما أن الجميع مستمر في مكانه ويرفض ان يتقدم خطوة نحو عقلنة العملية السياسية حتى يمكن فعليا في الأخير من تجنب "الانفجار" الاجتماعي - واي انفجار انه مكلف جدا من حيث الاثمان والعواقب والتداعيات لسنوات قادمة- ولا حل للتجنب الا في جمع كل الأطراف السياسية والاجتماعية على طاولة واحدة وهي فكرة كان الرئيس الحالي قد قدمها للرئيس المرزوقي سنة 2013...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل يمكن نزع فتيل "الانفجار" الاجتماعي المرتقب؟ (1/2)

 

 

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

كل المؤشرات والأحداث والمواقف تؤكد وأننا بين فرضيتي "الانفجار الاجتماعي غير المحسوب من حيث النتائج والتداعيات سياسيا وأمنيا" و"نزع فتيل الازمة عبر دعوة كل الأطراف السياسية والاجتماعية للجلوس مجددا على طاولة الحوار وتكرار سيناريو نهاية 2013 وبما أفضل للحلول والتوافق وإعطاء البلد والمواطن مجال للاستراحة والتنفس براحة أكبر ومن ثم حسم كل المواضيع في الأخير عبر صناديق الاقتراع ولكن بقانون انتخابي مقبول من طرف كل الأطراف بغض النظر عن مشاربها الفكرية والسياسية، والسؤال هنا هل سيتم نزع فتيل الأزمة أم سيتم ترك الأمور نحو الانفجار الاجتماعي والذي تتوفر له راهنا كل ظروف التشكل والتهيؤ ومن ثم الاندلاع والذي لن يتصور أي كان حجمه لا تداعياته؟

** قراءة في تطور المسالة الاجتماعية بين 2010 و2022

1- أولا، عشية هُروب الرئيس المخلوعلمدينة جدة السعودية وبترتيب دولي ومرسوم بدقة، كانت مطالب التونسيين في أغلبها اجتماعية (التشغيل – الغاء التهميش – العدالة الاجتماعية – التنمية في الجهات المهمشة على مدى عقود)، وبناء على أن النخب التي كانت تعارض نظام الحزب الواحد لم تستطع أن تتجاوز الخلافات والتجاذبات بينها كما لم تستطع قياداتها العمل على بلورة بديل تنموي بديل على البديل التنموي الفاشل الذي رسمته وكرسته الدولة الوطنية والتي أبقت نفسها ضمن إطار فكرة "شعب الدولة" بينما كان أمل وحلم التونسيين قائما على "دولة الشعب" وخاصة في ظل واقع ان الدولة قد تغولت على المجتمع طيلة أكثر من خمس عقود (1955-2010)...

2- ثانيا، قُبيل انتخابات 26-10-2014 وحتى 2018 كان واضحا وجليا ان هناك حقيقتين قائمتين، الأولى ان الانقلاب على المسار الثوري ليس ممكنا في تلك الفترة رغم ما جد في مصر وبقية بلدان الربيع العربي والثانية أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية هي أكبر رهان وان على الحكومات ان تكون واقعية في الملف الاجتماعي (البطالة –التضخم-العلاقة مع مؤسسات النقد الدولية) ومع ذلك حقق التوافق أهدافا سياسية ولكنه لم يزحزح الملف الاجتماعي ولو خطوة الى الامام وتم اتباع سياسة كل يوم ويومه ومواصلة سياسات التداين والتدبير من ملف الى آخر...

3- ثالثا،قبيل انتخابات 2019 ومباشرة بعد الانتخابات البلدية 2018 وصولا الى بداية 2020 كان وضاحا ان البد يغرق اقتصاديا وماليا ولكن الفاعل الإقليم والدولي كان يأمل في حل سياسي يمكن البلد من واقعية مع الملفات الاجتماعية ولكن المنظمات المهنية والفاعلين الاجتماعيين مارسوا الاستئساد على الحكومة وعلى البلد بالأساس وكان المضي في الإصلاحات الاقتصادية شبه مستحيل وغير ممكن ولا يستطيع أي كان الذهاب فيه ومع رؤية "سعيد" السياسية وسقوط حكومة الفخفاخ وبؤس كل النخب ( سياسيين وجامعيين ونقابيين) وعدم قدرتهم على لعب الدور الطليعي في حل مشاكل المجتمع الأساسية (التشغيل – العنوسة- التنمية المتعطلة...) بل والمضي في التجاذب بل وسقطت كثير من تلك النخب في الوظيفية للأذرع الإقليمية والخادمة بدورها لقوى دولية ومحافل وشركات عالمية وعابرة للقارات..

4- رابعا،لم تفرق النخب بكل مكوناتها بين السلطة والدولة فتم ارباك حكومتي الفخفاخ والمشيشي بغض النظر عن الأخطاء البنية في اختيار التشكيلتين او اختيار رأسيهما وتم حقيقة لأن البلد امام مطبات خطيرة سياسيا واجتماعيا وماليا بل وتم المضي في التجاذب وتم بناء تجاذب جديد بين قرطاج والقصبة بعد ان تم ترذيل اعلامي لمجلس النواب وصورة النائب عموما عبر سلوكيات السياسيين وعبر فعل الفاشيين والوظيفيين والشعبويين وخاصة في ظل التداعيات القاسية لكورونا وإدارة الملفين الصحي والاجتماعي سنتي 2020 و2021 وفي ظل عدم الحسم في الازمة السياسية بين راسي السلطة التنفيذية مبكرا انتصرت الدولة ومؤسساتها الصلبة وبناء على معادلات الإقليم للرئيس سعيد والذي اعلن مساء 25-07-2021 عن حركته/انقلابه...

5- خامسا،لم يحقق الانقلاب/منظومة 25-07 أي هدف اجتماعي تقريبا سوى انه فتح ممرا نحو إمكانية تمرير الإصلاحات وهو ما يفسر الضوء الأخضر الفرنسي خاصة والغربي عامة (بما في ذلك الأمريكي) والجزائري لخطوة "سعيد" بغض النظر عن الموقف من تفاصيل التنزيل وطبيعة الإجراءات المعلن عنها يومي 25-07-2021 و22-09-2021 والتي تباينت مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية منها وكان هناك وهم لدى العديدين في أن تهميش "الاتحاد" و"النهضة" – بل وكل الأحزاب- هو هدف رئيسي في ما اعتقد قوى سياسية ووظيفية أساسا في أن اصطفافها ضمن مربع منظومة 25-07 قد يعني قدرتها على تصفية خصومها أو استعادة منظمة الاستبداد بينما كان سعيد وفريقه المضيق واعين بان القديمة تريد توظيفهم بينما كانت الأخيرة متمترسة وتبعث رسائل بطرق وآليات ناعمة "اما تحقيق شروطنا أو نعمد بطرقنا للتعطيل.." وبقيت المعادلة قائمة ومهزوزة ومرتبطة بمعادلات التطورات دوليا وإقليميا (ليبيا – التقارب التركي الاماراتي – الحرب الروسية الأوكرانية...) وهنا أصبح الملف الاجتماعي حارقا فالأسعار تتطاير والاحتكار ماض بأشكال عدة ولو مبتسرة وضيقة وتطورات الاحداث في غير صالح الجميع وبما يعيق البلد حتى تم الوصول للاستفتاء والذي خيمت المسالة الاجتماعية على كل جزئياته وآليات الذهاب اليه من عدمه ونتائجه ورؤية المواطن البسيط له سواء شارك فيه أو لا...

6- مَكنت المركزية النقابية التي كانت تقود "الاتحاد العام التونسي للشغل" سنة 2021صبيحة 26-07 (أي يوم بعد انقلاب حركة/انقلاب) من القدرة على بسط نفوذها وتحقيق مكاسب على الأرض عبر موقفها الذي غلب عليه التبرير والإسناد وكانت معادلتي "الذهاب للمؤتمر الاستثنائي والذي يمكن القيادة القائمة من مواصلة ترأس المنظمة" و"انتصار فاعلين نقابيين لرؤيتهم الايديلوجية في مناكفة خصم سياسي بعينه"، محددتين في ذلك الموقف بنسبة كبيرة والثابت ان النقابيين المركزيين لم ينتبهوا في أن اللعبة قد تنقلب عليهم ويجدون أنفسهم امام مطبات لا قبل لهم بها وهو ما لم ينتبهوا اليه الا مع نهاية ماي 2022 وربما قبل ذلك بأيام عند حدوث الانقلاب على قيادة اتحاد الفلاحين بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات في ذلك الملف...

يتبع

هل يمكن نزع فتيل "الانفجار" الاجتماعي المرتقب؟ (2/2)

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

** "الانفجار" الاجتماعي أم نزع فتيل الأزمة؟

1- أولا، المنظمة الشغيلة قدمت فعليا قراءتها لوثيقة الإصلاحات الحكومية وهي قراءة تتضمن جملة من المقترحات مثل "المنع الفوري لازدواجية العمل" و"إطلاق حوار من أجل اصلاح عميق للوظيفة العمومية وتحديثها" مع "الالتزام على مدى ثلاث سنوات بالحفاظ على تطور كتلة الأجور عند مستوى أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ويساوي على الأقل نسبة التضخم محافظ على القدرة الشرائية وإعادة توزيع الموظفين العموميين ومنح استقلالية الميزانية لبعض الهياكل التي لم تعد تستمد دخلها من الميزانية العامة للدولة ومراجعة الإصلاح الضريبي"، وهنا من الواضحأن مقترحات المنظمة الشغيلة تتسم بالمعقولة كما تقدم فعليا حلولا في سياق الأزمة الراهنة ومقابل ذلك لا تبدو حكومة "نجلاء بودن" متحمسة للتفاعل مع تلك المقترحات، وهي حكومة مصرة على المضي على الالتزام بالبرنامج الذي اقترحته على صندوق النقد الدولي، ولا شك في راينا أنها– أي الحكومة- إذا لم تبادر الى التفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية للمنظمة الشغيلة ومع مقترحاتها لشكل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فان ذلك لن يُفضي الا الى تعميق الأزمة أكثر بين الاتحاد وحكومة بودن وستكون هناك كلفة اجتماعية كبيرة جدابل وعلى كل الأصعدة ولعل أحداث دوار هيشر وتعليقات المواطنين اليومية في المقاهي وفي المحلات التجارية والتعليقات على الشبكات الاجتماعية توحي بالكثير الكثير...

2- ثانيا، هناك أزمة في البلاد لها أوجه سياسية كما لها أوجه اجتماعية واقتصادية ومالية بل أن الانقلاب نفسه قام على هدف تمرير الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها تمرير الإجراءات المؤلمة الثلاث (رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود-تجميد الأجور في القطاعين الخاص والعام -بيع الكثير من المؤسسات الوطنية وخاصة تلك التي تعرف بعض الصعوبات)، والواضح أنه بعد أكثر من 13 شهرا على انقلاب 25-07 فإن الحقيقة على الأرض أن السلع الأساسية غير متوفرة وتكاد تكون مفقودةبينما الأسعار لم تعد تطاقكما لم تعد هناك أي إجراءات اجتماعية تحمي ضعاف الحال كما أن نسب البطالة والتضخم في ارتفاع غير مسبوقبينما يؤكد المختصين أن الاستثمار الأجنبي جد متعثر بل هو في حالة تراجع رغم النجاح النسبي لقمة تيكاد8 والتي اشترط اليابانيون موافقة البنك الدولي لتفعيل توصياتها ومقرراتها...

3- ثالثا حكومة بودن يعرف الجميع أنها تعدل جزئيا او كليا وفي كل الحالات هي اليوم أمام حتمية قانون مالية تعديلي كما ستجد نفسها أمام حتمية ثانية هي البحث عن موارد لميزانية 2023 خاصة بعد تغير الفرضيات التي بُني عليها ذلك القانون وخاصة في ظل التأخير المسجل في توقيع الاتفاق مع صندوق النقد هذا من جهة بينما من جهة ثانية لا يختلف اثنان أن السياق السياسي غير مشجع لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية حيث لا تزال محاولات تغيير موازين القوى قائمة ومستمرة بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي -وهو مشهد هيمنت عليه صراعات الشرعية والمشروعية والتي تتعلق أساسا بإدارة المرحلة الاستثنائية وبالاستفتاء وبتوجه رئاسية الجمهورية الى صياغة قانون انتخابي دون نقاش واسع مع خصومها- ....

4- رابعا،الفرضيات كثيرة ومتعددة وهي اليوم كلها واردة سياسيا (تأخير الانتخابات/إنجازها – قانون انتخابي يتضمن عولا سياسيا لكثيرين/قانون جامع توافق) كما ان العلاقة بين "الاتحاد" والحكومة مفتوحة على كل الخيارات وخاصة بعد التعليق اثر الاستئناف الثاني للحوار والجلسات بين الطرفين وهناك عدم تماه بين مؤسسة الرئاسة ومربعات القصبة الإدارية والاستشارية وخاصة في ظل وجود وزراء يعتبرون أنفسهم أكبر من الحكومة نفسهاحيث لهم مطامح كثيرة ومتضاربة، كما ان التضارب على القانون الانتخابي والدعوات الصادرة عن الدول السبع الى الحوار والتوافق السياسي انتهى عمليا بجعل مؤسسة "الرئاسة"جد معزولة ذلك أن حزامها السياسي اليوم - بعد قفز البعض من مربع منظومة 25-07 – وبالتالي فهو حزام ضعيف ولا يمكن لها لاحقا أن تؤمن نسخته السابقة متى احتاجته فعليا وهي حاجة ماسة من جهة أخرى والهدف طبعا هو وعيها كمؤسسة جامعة للقوى الصلبة وللصلاحيات بخطورة الأزمة الاجتماعية والتي يجمع كثيرون أنها قد تتطور لتكون "انفجارا" (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حذر منها بشكل جدي)، وكل ما سبق يعني أنه لا حل لتونس الا بمسارعة كل مكوناتها للبحث عن مخرج آمن لها من أزمتها وذلك غير ممكن موضوعيا طالما أن الجميع مستمر في مكانه ويرفض ان يتقدم خطوة نحو عقلنة العملية السياسية حتى يمكن فعليا في الأخير من تجنب "الانفجار" الاجتماعي - واي انفجار انه مكلف جدا من حيث الاثمان والعواقب والتداعيات لسنوات قادمة- ولا حل للتجنب الا في جمع كل الأطراف السياسية والاجتماعية على طاولة واحدة وهي فكرة كان الرئيس الحالي قد قدمها للرئيس المرزوقي سنة 2013...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews