إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التونسيون بالخارج والمسألة الثقافية

 

 

هناك من المؤشرات ما يكفي للتأكيد على أن هجرة التونسيين والتونسيات إلى الخارج ستتواصل. وتفيد ذات المؤشرات أنه لن يطرأ تغيير كبير في ما يتعلق بأهم الوجهات التي يختارها التونسيون كبلد إقامة. ذلك أن الأولوية تبقى لأوروبا وتحافظ فرنسا ضمن هذا الخيار على المرتبة الأولى. ولا شك أن عدة عوامل تفسر الأمر. هناك العامل التاريخي إن صح القول لأن الأعداد الأولى من المهاجرين التونسيين اتجهت إلى فرنسا. وهذه "الأقدمية" خلقت أرضية حاضنة وأصبح الأمر "متوارثا" بين الأجيال وهو ما جعل عددا من المدن الفرنسية ترتبط بعدد من المدن والمناطق التونسية في ما يتعلق بكثافة اختيارها كمدينة إقامة والأمثلة في هذا المجال واضحة ومعلومة من الجميع. لعبت ظاهرة التجميع العائلي دورا كبيرا في تغذية هذه النقطة إلى جانب ما تلعبه العلاقات الشخصية من دور في تغذية الهجرة وتسهيلها. و يبدو أن الوضع في بعض الدول الأوروبية لا يختلف كثيرا عن فرنسا في ما يتعلق بارتباط بعض المدن والجهات في تونس بمدن وجهات في ألمانيا. وهناك عامل آخر يتعين أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن المسألة الثقافية ويتمثل في أن أوروبا ستواصل الاعتماد على المهاجرين وعلى الهجرة حتى وإن واصلت وضع سياسات واتخاذ إجراءات للحد منها لأن في ذلك ارتباط بنمو اقتصادها الذي يحتاج إلى يد عاملة وكفاءات لا تتوفر كلها في القارة العجوز التي تعاني من عدة إشكاليات على المستوى الديمغرافي. يكفي الدليل على ذلك أن فرنسا قد قامت في الثمانية أشهر الأولى من السنة الحالية بتسوية وضعية 280 ألف شخص دخلوا الأراضي الفرنسية بطرق غير قانونية أو تعمدوا البقاء في التراب الفرنسي بعد انتهاء صلوحية مدة تأشيرة الدخول. الرقم هام في حد ذاته بل كان "صادما" لبعض الأوساط الفرنسية التي أشارت إلى أنه يساوي عدد سكان مدينة ستراسبورغ مثلا فما بالك بمدن أقل منها كثافة سكانية.

ولكن تحولات ورهانات الهجرة لا تعني بلد الإقامة فقط بل تعني بالدرجة الأولى الدول التي ينحدر منها المهاجرون وهو أمر لم يعد غائبا عن السياسات العالمية. وتبقى المسألة الثقافية من أهم الرهانات المرتبطة بالهجرة خاصة في السنوات الأخيرة. وما يلاحظ في هذا السياق أننا لا نولي المسألة ما هي جديرة به من عناية واهتمام. يمكن الانطلاق من مسألة تدريس اللغة العربية لأبناء المهاجرين والتي تتم حاليا بطريقة أقل ما يقال عنها أنها تقليدية من ناحية وغير منتجة من ناحية أخرى إذ تغيب "الجدية" في التعامل مع الملف الذي تطغى عليه عوامل المحاباة والمحسوبية خاصة في اختيار من سيتم إرسالهم للتدريس في أوروبا وخاصة في فرنسا. ويتساوق هذا المعطى مع غياب كامل لرؤية ثقافية ولما يجب توفيره للمهاجرين من تأطير في هذا المستوى. هناك ما يشبه الغياب الكامل للبنية الأساسية الضرورية إلى جانب غياب برمجة واضحة وهو ما أبقى الحضور "الثقافي" التونسي محدودا و"فلكلوريا" يرتبط ببعض المناسبات ويغذي الحنين أكثر مما يثري رؤية المهاجر لبلاده ولذاته. وهذا ما يوفر أرضية مثلى لبعض "الانزلاقات" الثقافية التي من أهم سماتها الميل إلى الانكماش والانغلاق على الذات أو الانبتات والقطع مع الجذور أو الوقوع في شراك الخطاب الأصولي الذي تقف وراء نشره في أوروبا دول عربية معلومة تملك مقدرات وإمكانيات مالية كبيرة وضخمة .

هذا يعني في كل الحالات أن المسألة الثقافية لدى المهاجرين والمهاجرات ليست أمرا اعتباطيا أو هيّنا يقبل أن نتعامل معه باستخفاف أو بالطرق التقليدية بل هو رهان جدي ومفصلي في سياق تكريس التواصل بين تونس وأبنائها وبناتها بالخارج وأنه من الضروري مقاربته بكل عمق وجدية.

هشام الحاجي

 

 التونسيون بالخارج والمسألة الثقافية

 

 

هناك من المؤشرات ما يكفي للتأكيد على أن هجرة التونسيين والتونسيات إلى الخارج ستتواصل. وتفيد ذات المؤشرات أنه لن يطرأ تغيير كبير في ما يتعلق بأهم الوجهات التي يختارها التونسيون كبلد إقامة. ذلك أن الأولوية تبقى لأوروبا وتحافظ فرنسا ضمن هذا الخيار على المرتبة الأولى. ولا شك أن عدة عوامل تفسر الأمر. هناك العامل التاريخي إن صح القول لأن الأعداد الأولى من المهاجرين التونسيين اتجهت إلى فرنسا. وهذه "الأقدمية" خلقت أرضية حاضنة وأصبح الأمر "متوارثا" بين الأجيال وهو ما جعل عددا من المدن الفرنسية ترتبط بعدد من المدن والمناطق التونسية في ما يتعلق بكثافة اختيارها كمدينة إقامة والأمثلة في هذا المجال واضحة ومعلومة من الجميع. لعبت ظاهرة التجميع العائلي دورا كبيرا في تغذية هذه النقطة إلى جانب ما تلعبه العلاقات الشخصية من دور في تغذية الهجرة وتسهيلها. و يبدو أن الوضع في بعض الدول الأوروبية لا يختلف كثيرا عن فرنسا في ما يتعلق بارتباط بعض المدن والجهات في تونس بمدن وجهات في ألمانيا. وهناك عامل آخر يتعين أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن المسألة الثقافية ويتمثل في أن أوروبا ستواصل الاعتماد على المهاجرين وعلى الهجرة حتى وإن واصلت وضع سياسات واتخاذ إجراءات للحد منها لأن في ذلك ارتباط بنمو اقتصادها الذي يحتاج إلى يد عاملة وكفاءات لا تتوفر كلها في القارة العجوز التي تعاني من عدة إشكاليات على المستوى الديمغرافي. يكفي الدليل على ذلك أن فرنسا قد قامت في الثمانية أشهر الأولى من السنة الحالية بتسوية وضعية 280 ألف شخص دخلوا الأراضي الفرنسية بطرق غير قانونية أو تعمدوا البقاء في التراب الفرنسي بعد انتهاء صلوحية مدة تأشيرة الدخول. الرقم هام في حد ذاته بل كان "صادما" لبعض الأوساط الفرنسية التي أشارت إلى أنه يساوي عدد سكان مدينة ستراسبورغ مثلا فما بالك بمدن أقل منها كثافة سكانية.

ولكن تحولات ورهانات الهجرة لا تعني بلد الإقامة فقط بل تعني بالدرجة الأولى الدول التي ينحدر منها المهاجرون وهو أمر لم يعد غائبا عن السياسات العالمية. وتبقى المسألة الثقافية من أهم الرهانات المرتبطة بالهجرة خاصة في السنوات الأخيرة. وما يلاحظ في هذا السياق أننا لا نولي المسألة ما هي جديرة به من عناية واهتمام. يمكن الانطلاق من مسألة تدريس اللغة العربية لأبناء المهاجرين والتي تتم حاليا بطريقة أقل ما يقال عنها أنها تقليدية من ناحية وغير منتجة من ناحية أخرى إذ تغيب "الجدية" في التعامل مع الملف الذي تطغى عليه عوامل المحاباة والمحسوبية خاصة في اختيار من سيتم إرسالهم للتدريس في أوروبا وخاصة في فرنسا. ويتساوق هذا المعطى مع غياب كامل لرؤية ثقافية ولما يجب توفيره للمهاجرين من تأطير في هذا المستوى. هناك ما يشبه الغياب الكامل للبنية الأساسية الضرورية إلى جانب غياب برمجة واضحة وهو ما أبقى الحضور "الثقافي" التونسي محدودا و"فلكلوريا" يرتبط ببعض المناسبات ويغذي الحنين أكثر مما يثري رؤية المهاجر لبلاده ولذاته. وهذا ما يوفر أرضية مثلى لبعض "الانزلاقات" الثقافية التي من أهم سماتها الميل إلى الانكماش والانغلاق على الذات أو الانبتات والقطع مع الجذور أو الوقوع في شراك الخطاب الأصولي الذي تقف وراء نشره في أوروبا دول عربية معلومة تملك مقدرات وإمكانيات مالية كبيرة وضخمة .

هذا يعني في كل الحالات أن المسألة الثقافية لدى المهاجرين والمهاجرات ليست أمرا اعتباطيا أو هيّنا يقبل أن نتعامل معه باستخفاف أو بالطرق التقليدية بل هو رهان جدي ومفصلي في سياق تكريس التواصل بين تونس وأبنائها وبناتها بالخارج وأنه من الضروري مقاربته بكل عمق وجدية.

هشام الحاجي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews