إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة .. رجب على صفيح ساخن

يكتبها: محمد معمري

لعل المتقدمين شيئا ما في السن من أمثالي شاهدوا هذا الفيلم أكثر من مرة في زمن كان فيه التلفزيون خاصة في المدن والقرى الصغيرة وسيلة الترفيه الأولى لدى معظم الجمهور، فكان لحضور أفلام عادل إمام ومنها فيلم "رجب على صفيح ساخن" الذي أنتج سنة 1979 الحضور السحري فكان يؤثث ليالينا الطويلة ويخرجنا من حالات القلق والضجر في غياب سحر الانترنت التي لم تظهر في تونس إلا في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة.

الفيلم وأحداثه لا تعنيني في هذا المقال بل استعرت العنوان لأقول أن تونس اليوم على صفيح ساخن للأسف،صفيح قد يتحول إلى ما يشبه النار الحارقة التي سيكتوي بها الجميع إن لم يتم إعمال النظر والعقل والبحث عن حلول للأزمات العديدة التي نعيشها منذ سنوات.

وأول هذه الأزمات واعتبرها محرك بقية الأزمات هي الأزمة السياسية، فتونس تعيش منذ سنة 2011 حالة من الاستقطاب السياسي تغير الفاعلون فيه، لكن الوضع بقي على ما هو وكأن التونسيين سيزيف الأسطورة يدفع صخرته إلى علّ فتتدحرج وتعود إليه وتكاد تسحقه ليدفعها من جديد إلى علّ فتعاود السقوط في فعل عبثي لا نهاية له، لكن السؤال الذي يحيرني إذا كان سيزيف ماكرا مخادعا عاقبه كبير الآلهة زيوس على صفاته تلك بهذا الفعل العبثي، فماذا فعلنا نحن التونسيين لنصاب بهذه الطبقة السياسية التي تتناحر ليلا نهارا تحت مسميات عديدة كانت في بدايتها هووية (من الهوية) بين حداثيين وأصوليين لتتحول بعد ذلك إلى صراعات داخلية في الجسم الواحد (حزب نداء تونس مثلا والخلاف بين الراحل الباجي قايد السبسي ويوسف الشاهد) لتتحول بعد ذلك إلى خلاف دستوري حول تأويل النص الدستوري وأشهره الفصل 80 من دستور جانفي 2014 .

أزمة امتدت لسنوات بلاعبين مختلفين في مشاربهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية لكن ظلت الأزمة قائمة أدت إلى إضعاف الدولة التونسية وتعطيل سير عملها مما ولد أزمات أخرى في مستوى التسيير العام للدولة ومختلف مؤسساتها واستشراء الفساد ووصول البعض من عديمي الكفاءة إلى مناصب قيادية في الدولة.

أزمة سياسية ولدت معها أزمات أخرى منها الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس منذ سنوات فكل المؤشرات الاقتصادية من نسبة نمو وتغطية الصادرات للواردات والاستثمارات الداخلية والخارجية كلّها مؤشرات سلبية يضاف لها انهيارا في الدينار التونسي ويكفي أن نذكر أنه في سنة 2010 كانت قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار الأمريكي معقولة ( 1 دينار يساوي 0.75 دولار) ليتحول الأمر إلى ما يشبه الكارثة باعتبار أن الدينار التونسي انهارت قيمته في السنوات الأخيرة ليصل إلى 1 دينار يساوي 0.308 دولار أي أن الدينار التونسي فقد أكثر من 60 بالمائة من قيمته في 12 سنة وهو أمر مفزع.

الأزمة الاقتصادية لا يمكن إلا أن تكون لها تبعات اجتماعية فازدادت نسبة الفقر بشكل كبير مما ولد معه تحركات اجتماعية بشكل يومي تقريبا زادت في حدة الأزمة الاقتصادية بسبب تعطيلها للإنتاج في عدد المواقع الإستراتيجية مثل مناجم الفسفاط وحقول النفط وقطع الطرقات الرئيسية.

أزمات ينتظر أن تزيد حدتها في ظل وضع عالمي يتسم بالضبابية وبوادر ظهور نظام عالمي جديد بقطبين القطب الأول هو القطب الأسيوي (الصيني الهندي الروسي) ونحن على وعي أن روسيا دولة أوروبية لكن خطابات الرئيس بوتين الأخيرة تركز على الجانب الأسيوي فيها والقطب الثاني الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما سيكون له انعكاسا كبيرا على حركة السلع ورؤوس الأموال العالمية وستتضرر منه في البداية الاقتصاديات الهشة مثل الاقتصاد التونسي .

لكن في تقديري الأزمة الأخطر التي نعيشها اليوم في تونس هي الأزمة الثقافية مع ظهور ثقافة المطلبية المجحفة وتراجع ثقافة العمل وتضخم الذات الذين نعيشه نحن التونسيين، فالكل يرى نفسه مالك الحقيقة وصاحب الحلول السحرية للأزمات التي نعيشها محملا المسؤولية للآخرين مما يولد ثقافة القطيعة داخل الجسم الواحد ويضرب بالتالي فكرة الانتماء إلى وطن واحد في مقتل وهو الأمر الأخطر الذي ينبغي على النخب السياسية والفكرية والثقافية المسارعة بالتفكير في حلول له وإلا فإن مصيرنا.. وأترك لك حرية توصيفه بما تشاء.

صباح الجمعة .. رجب على صفيح ساخن

يكتبها: محمد معمري

لعل المتقدمين شيئا ما في السن من أمثالي شاهدوا هذا الفيلم أكثر من مرة في زمن كان فيه التلفزيون خاصة في المدن والقرى الصغيرة وسيلة الترفيه الأولى لدى معظم الجمهور، فكان لحضور أفلام عادل إمام ومنها فيلم "رجب على صفيح ساخن" الذي أنتج سنة 1979 الحضور السحري فكان يؤثث ليالينا الطويلة ويخرجنا من حالات القلق والضجر في غياب سحر الانترنت التي لم تظهر في تونس إلا في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة.

الفيلم وأحداثه لا تعنيني في هذا المقال بل استعرت العنوان لأقول أن تونس اليوم على صفيح ساخن للأسف،صفيح قد يتحول إلى ما يشبه النار الحارقة التي سيكتوي بها الجميع إن لم يتم إعمال النظر والعقل والبحث عن حلول للأزمات العديدة التي نعيشها منذ سنوات.

وأول هذه الأزمات واعتبرها محرك بقية الأزمات هي الأزمة السياسية، فتونس تعيش منذ سنة 2011 حالة من الاستقطاب السياسي تغير الفاعلون فيه، لكن الوضع بقي على ما هو وكأن التونسيين سيزيف الأسطورة يدفع صخرته إلى علّ فتتدحرج وتعود إليه وتكاد تسحقه ليدفعها من جديد إلى علّ فتعاود السقوط في فعل عبثي لا نهاية له، لكن السؤال الذي يحيرني إذا كان سيزيف ماكرا مخادعا عاقبه كبير الآلهة زيوس على صفاته تلك بهذا الفعل العبثي، فماذا فعلنا نحن التونسيين لنصاب بهذه الطبقة السياسية التي تتناحر ليلا نهارا تحت مسميات عديدة كانت في بدايتها هووية (من الهوية) بين حداثيين وأصوليين لتتحول بعد ذلك إلى صراعات داخلية في الجسم الواحد (حزب نداء تونس مثلا والخلاف بين الراحل الباجي قايد السبسي ويوسف الشاهد) لتتحول بعد ذلك إلى خلاف دستوري حول تأويل النص الدستوري وأشهره الفصل 80 من دستور جانفي 2014 .

أزمة امتدت لسنوات بلاعبين مختلفين في مشاربهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية لكن ظلت الأزمة قائمة أدت إلى إضعاف الدولة التونسية وتعطيل سير عملها مما ولد أزمات أخرى في مستوى التسيير العام للدولة ومختلف مؤسساتها واستشراء الفساد ووصول البعض من عديمي الكفاءة إلى مناصب قيادية في الدولة.

أزمة سياسية ولدت معها أزمات أخرى منها الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس منذ سنوات فكل المؤشرات الاقتصادية من نسبة نمو وتغطية الصادرات للواردات والاستثمارات الداخلية والخارجية كلّها مؤشرات سلبية يضاف لها انهيارا في الدينار التونسي ويكفي أن نذكر أنه في سنة 2010 كانت قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار الأمريكي معقولة ( 1 دينار يساوي 0.75 دولار) ليتحول الأمر إلى ما يشبه الكارثة باعتبار أن الدينار التونسي انهارت قيمته في السنوات الأخيرة ليصل إلى 1 دينار يساوي 0.308 دولار أي أن الدينار التونسي فقد أكثر من 60 بالمائة من قيمته في 12 سنة وهو أمر مفزع.

الأزمة الاقتصادية لا يمكن إلا أن تكون لها تبعات اجتماعية فازدادت نسبة الفقر بشكل كبير مما ولد معه تحركات اجتماعية بشكل يومي تقريبا زادت في حدة الأزمة الاقتصادية بسبب تعطيلها للإنتاج في عدد المواقع الإستراتيجية مثل مناجم الفسفاط وحقول النفط وقطع الطرقات الرئيسية.

أزمات ينتظر أن تزيد حدتها في ظل وضع عالمي يتسم بالضبابية وبوادر ظهور نظام عالمي جديد بقطبين القطب الأول هو القطب الأسيوي (الصيني الهندي الروسي) ونحن على وعي أن روسيا دولة أوروبية لكن خطابات الرئيس بوتين الأخيرة تركز على الجانب الأسيوي فيها والقطب الثاني الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما سيكون له انعكاسا كبيرا على حركة السلع ورؤوس الأموال العالمية وستتضرر منه في البداية الاقتصاديات الهشة مثل الاقتصاد التونسي .

لكن في تقديري الأزمة الأخطر التي نعيشها اليوم في تونس هي الأزمة الثقافية مع ظهور ثقافة المطلبية المجحفة وتراجع ثقافة العمل وتضخم الذات الذين نعيشه نحن التونسيين، فالكل يرى نفسه مالك الحقيقة وصاحب الحلول السحرية للأزمات التي نعيشها محملا المسؤولية للآخرين مما يولد ثقافة القطيعة داخل الجسم الواحد ويضرب بالتالي فكرة الانتماء إلى وطن واحد في مقتل وهو الأمر الأخطر الذي ينبغي على النخب السياسية والفكرية والثقافية المسارعة بالتفكير في حلول له وإلا فإن مصيرنا.. وأترك لك حرية توصيفه بما تشاء.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews