إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

العودة المدرسية وبعد..

كنت ولا أزال وأكيد أنني سأظل على الدوام لا أحب العودة المدرسية ولا أحن إليها...

ولن أقول ذات يوم مهما تعاقبت السنون وما بقي في العمر من بقية باقية: "ما أحلى الرجوع إلى المدرسة".

لقد تمكن مني هذا الشعور منذ سمعت تلك العبارة "العودة المدرسية" وأنا صغير. والصوت المجلجل للكثير من آبائنا وكبار الحومة وعلى رأسهم سي الطاهر رحمه الله "جاءكم حبس بوك حمد".

وقد بدأتها في كل مرة منذ الصغر بالبكاء لاسيما حين آخذ معي محرمة والدي رحمه الله الملونة بالخطوط الزرقاء فأشتم رائحته فأنساب بالبكاء.

لا أحب العودة ربما لأنها تبدأ وتنتهي بإفعل كذا ولا تفعل كذا.

كان العرس الذي تعيشه الكتبيات مأتما في مشاعري، رائحة الكتب والكراسات والمحافظ تؤرق وتزعج مزاجي. تنكد عيشي. ربما لأنها ملازمة للعودة وسيوفها المسلطة على رؤوسنا معشر التلاميذ: كراس قسم، كراس رقم 24، كراستان رقم 48، غلاف أزرق حذار أن يكون أحمر أو أخضر، كراس ورقة بورقة، كراس "باللولب"، كراس كلها مربعات: أوامر دونها يكون العقاب، التوبيخ وربما عدم القبول بالقسم. جدران القاعة مزركشة علّقت فوقها إطارات ما كتب فيها يجعلني أزدري بأوامر سيدي المعلم.

تراني بها هاشا باشا. تخرجني من فضاء سجن القسم: بروا آباءكم، قل الحق ولو كان مرا، قولوا للناس حسنى، أعطني الناي وغن، عش بالشعور وللشعور.

كنت ولا أزال أحب الكتب وأعود إليها في اليوم أكثر من مرة. أنا على يقين أن الكتب وكراسات الدروس لا تحمل علي أضغانا. لقد خبرتني خارج مواعيد العودة وخارج مجرى أيام الدراسة. كانت كالظل ترافقني. كنت أتذكر ما خطّ في كل كراسة، ومتى قالها سيدي المعلم وكيف وأين.

كم كانت تحلو لي المطالعة حين يعلن عن اختتام السنة الدراسية. كم كنت ألتهم قراءة الكتب. أذكر أنني في صائفة والحرارة كانت في صولة شبابها حفظت مئة وخمسة وعشرين بيتا من الشعر لأبي القاسم الشابي. لم يكن بيتنا مكيفا ولا نعرف المكيف في ذلك الزمان أصلا. كنت أحفظ الأبيات في مقصورة دارنا في البيت القبلاويّة وأنا مستلق على حشية كرينو. ذلك الزمان لم يدخل "الموس" بيوتنا بعد. لم أكن أشعر بشدة القيظ، بل منعّما في حضرة شاعر تونس. أكتشف وطنيته وثورته على كل ما هو بال من أفكار وأساطير تشد شعبه إلى الوراء أنساق مع صلواته في هيكل الحب فهي تجد هوى وأي هوى في نسفي وأنا في مقتبل العمر.

يزادا غمي وهمي بحلول العودة المدرسية حين يهل على بيتنا الضيوف. فتكثر السهرات والموائد التي فيها ما يسيل اللعاب ويجري ريقي وأنّى لي ان أحتفي بالموائد والضيوف وأشارك والدتي رحمها الله نشاطها وهي على قدم وساق مستعدة لغسل الفراش "البطاطن". في ذلك الزمان لم نكن نعرف الكوفيرتة أو الكوسالة.

أنّى لي أن أزهو بالحركة غير العادية في مطبخنا بدء بقلي الفطائر مرورا "بشقان الريق" وصولا إلى فطور غير عادي يعج دسامة وأنا مشغول بخير العودة المدرسية وما تحفره في داخلي من خوف وكثير من الرعب يتحول عادة إلى كوابيس وأضغاث أحلام. فأنا لا أحب العودة المدرسية لن أقول ما أحلى الرجوع إلى المدرسة ولكن أحب الدراسة والعلم فنورهما يفوق نور القمر ولكن يكون ذلك حين أعيشها وأنا فرح غريد فتلك سعادة الأطفال والشباب وحتى الكهول والشيوخ.

مصدق الشريف

العودة المدرسية وبعد..

كنت ولا أزال وأكيد أنني سأظل على الدوام لا أحب العودة المدرسية ولا أحن إليها...

ولن أقول ذات يوم مهما تعاقبت السنون وما بقي في العمر من بقية باقية: "ما أحلى الرجوع إلى المدرسة".

لقد تمكن مني هذا الشعور منذ سمعت تلك العبارة "العودة المدرسية" وأنا صغير. والصوت المجلجل للكثير من آبائنا وكبار الحومة وعلى رأسهم سي الطاهر رحمه الله "جاءكم حبس بوك حمد".

وقد بدأتها في كل مرة منذ الصغر بالبكاء لاسيما حين آخذ معي محرمة والدي رحمه الله الملونة بالخطوط الزرقاء فأشتم رائحته فأنساب بالبكاء.

لا أحب العودة ربما لأنها تبدأ وتنتهي بإفعل كذا ولا تفعل كذا.

كان العرس الذي تعيشه الكتبيات مأتما في مشاعري، رائحة الكتب والكراسات والمحافظ تؤرق وتزعج مزاجي. تنكد عيشي. ربما لأنها ملازمة للعودة وسيوفها المسلطة على رؤوسنا معشر التلاميذ: كراس قسم، كراس رقم 24، كراستان رقم 48، غلاف أزرق حذار أن يكون أحمر أو أخضر، كراس ورقة بورقة، كراس "باللولب"، كراس كلها مربعات: أوامر دونها يكون العقاب، التوبيخ وربما عدم القبول بالقسم. جدران القاعة مزركشة علّقت فوقها إطارات ما كتب فيها يجعلني أزدري بأوامر سيدي المعلم.

تراني بها هاشا باشا. تخرجني من فضاء سجن القسم: بروا آباءكم، قل الحق ولو كان مرا، قولوا للناس حسنى، أعطني الناي وغن، عش بالشعور وللشعور.

كنت ولا أزال أحب الكتب وأعود إليها في اليوم أكثر من مرة. أنا على يقين أن الكتب وكراسات الدروس لا تحمل علي أضغانا. لقد خبرتني خارج مواعيد العودة وخارج مجرى أيام الدراسة. كانت كالظل ترافقني. كنت أتذكر ما خطّ في كل كراسة، ومتى قالها سيدي المعلم وكيف وأين.

كم كانت تحلو لي المطالعة حين يعلن عن اختتام السنة الدراسية. كم كنت ألتهم قراءة الكتب. أذكر أنني في صائفة والحرارة كانت في صولة شبابها حفظت مئة وخمسة وعشرين بيتا من الشعر لأبي القاسم الشابي. لم يكن بيتنا مكيفا ولا نعرف المكيف في ذلك الزمان أصلا. كنت أحفظ الأبيات في مقصورة دارنا في البيت القبلاويّة وأنا مستلق على حشية كرينو. ذلك الزمان لم يدخل "الموس" بيوتنا بعد. لم أكن أشعر بشدة القيظ، بل منعّما في حضرة شاعر تونس. أكتشف وطنيته وثورته على كل ما هو بال من أفكار وأساطير تشد شعبه إلى الوراء أنساق مع صلواته في هيكل الحب فهي تجد هوى وأي هوى في نسفي وأنا في مقتبل العمر.

يزادا غمي وهمي بحلول العودة المدرسية حين يهل على بيتنا الضيوف. فتكثر السهرات والموائد التي فيها ما يسيل اللعاب ويجري ريقي وأنّى لي ان أحتفي بالموائد والضيوف وأشارك والدتي رحمها الله نشاطها وهي على قدم وساق مستعدة لغسل الفراش "البطاطن". في ذلك الزمان لم نكن نعرف الكوفيرتة أو الكوسالة.

أنّى لي أن أزهو بالحركة غير العادية في مطبخنا بدء بقلي الفطائر مرورا "بشقان الريق" وصولا إلى فطور غير عادي يعج دسامة وأنا مشغول بخير العودة المدرسية وما تحفره في داخلي من خوف وكثير من الرعب يتحول عادة إلى كوابيس وأضغاث أحلام. فأنا لا أحب العودة المدرسية لن أقول ما أحلى الرجوع إلى المدرسة ولكن أحب الدراسة والعلم فنورهما يفوق نور القمر ولكن يكون ذلك حين أعيشها وأنا فرح غريد فتلك سعادة الأطفال والشباب وحتى الكهول والشيوخ.

مصدق الشريف

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews