إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من بينهم نساء.. أطفال وخريجو جامعات: "الحرقة" عبر تركيا – صربيا.. طريق المهاجرين البديل للوصول الى فضاء "شنغن".. مسارات قاتلة و"التذكرة" باهظة

تونس-الصباح

طريق جديد للهجرة غير النظامية يمر عبر تركيا ثم صربيا وصولا الى فضاء "شنغن"، طريق عوض طريق البحر الأبيض المتوسط الذي تحول الى مقبرة للحالمين بالهجرة حيث يطيح سنويا بمئات الغرقى والمفقودين، ما دفع بالمهاجرين غير النظاميين الى تغيير وجهتهم واختيار طريق تركيا - صرببا رغم تكاليفه الباهظة وطول الطريق المحفوفة بالمخاطر ولكن يبدو أن هذا الطريق بات حلم الشباب المتطلع الى الوصول الى أوروبا.

ولكن على الرغم من أن المهاجرين ينجحون في عبور الخط الأول تركوا-صربيا إلا أن ذلك لا يعني أنهم نجحوا فو بلوغ الحلم لأن عبور دول البلقان ليس بالأمر الهين لا سيما وأن

السياج الذي أقامته المجر على طول حدودها الجنوبية مع صربيا وكرواتيا حول طريق المهاجرين إلى جبال ألبانيا ومونتينيغرو والبوسنة وهي مسالك وعرة وغير آمنة.

وكشفت تقارير المنظمات الانسانية عن انخراط آلاف المهاجرين غير النظاميين من بينهم تونسيين في رحلات تمر عبر مسالك جديدة باتحاه اوروبا انطلاقا من تركيا مرورا بصربيا ومنها الى دول اوروبية متعددة، وينخرط فو هذه الرحلات شباب ونساء وعائلات مع أطفالهم ونسبة هامة من حاملي الشهائد العليا.

وقد أصبحت هذه المسالك الجديدة تستقطب آلاف المهاجرين الذين أصبحوا يبحثون عن طريق آمن هربا من مخاطر الغرق وسياسات الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين، ويتغذى الطريق الجديد من شبكات متعددة الجنسيات.

 توفر كل المعطيات حول مسار الرحلة التي تنطلق من تونس نحو تركيا وصولا صربيا والمجر وغيرها من الدول المحاذية لفضاء شنغن.

وعلى الرغم من التصدي الكبير التي تلاقيها رحلات المهاجرين غير النظاميين بحرا الا ان عدد الواصلين الى ايطاليا بلغ 20 ألفا منذ بداية العام الجاري.

الهجرة غير النظامية في أسبوع..

سجلت عمليات التصدي للهجرة غير النظامية خلال الفترة الممتدة من 27 جويلية الى غاية 02 أوت من إحباط عشرات العمليات حيث تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 01 و02 سبتمبر 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط، الساحل والجنوب من إحباط 10 عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وانقاذ 178 مجتازا.

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 31 أوت و01 سبتمبر 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط ، الساحل و الجنوب من إحباط 24 عملية اجتياز للحدود البحرية ونجدة وانقاذ 357 معاجر غير نظامي وهم من جنسيات افريقية مختلفة ومن بينهم تونسيون.

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 30 و31 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط ، الساحل، الشمال والجنوب من 22 عملية .

في إطار التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 29 و30 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالشمال، الوسط والساحل من إحباط 16 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ عدد 326 مجتازا من بينهم عدد 217 من جنسيات افريقية مختلفة والبقية تونسيين. .

وفي إطار العمليات الاستباقية تمكنت يوم 29 أوت 2022 وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات جرجيس ، قابس والمهدية من ضبط عدد 08 أنفار مفتش عنهم من أجل مساعدة أشخاص على اجتياز الحدود البحرية خلسة .

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 27 و28 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالساحل ، الوسط، الجنوب والشمال من إحباط عدد 51 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ عدد 723 مجتازا من بينهم عدد 346 نفرا من جنسيات إفريقية مختلفة والبقية تونسيين.

سد الطريق البحري..

تدفق غير مسبوق لقوارب الهجرة غير النظامية بحرا وارتفاع كبير في عدد التونسيين الواصلين الى ايطاليا على الرغم من التصدي لـ1509 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة في الفترة الممتدةّ من غرّة جانفي 2022 الى 23 أوت الجاري أي خلال ثمانية أشهر وإيقاف 299 منظم عملية اجتياز وأكثر من 150 وسيطا تونسيا، إضافة إلى ايقاف 11 منظما أجنبيا و7 وسطاء أجانب.

 كما أن هناك أكثر من 7 آلاف محاولة اجتياز كانت من طرف تونسيين، مقابل أكثر من 8700 محاولة من قبل أجانب، وتم إلقاء القبض خلال هذه الفترة على 388 مفتشا عنهم من ضمنهم 54 عنصرا متطرفا كانوا يحاولون اجتياز الحدود البحرية خلسة.

وتحتل الجنسية التونسية قائمة أعلى رقم في عدد الواصلين الى الاراضي الايطالية ما جعل ايطاليا تبحث عن حلول لوقف نزيف الهجرة غير النظامية وقد اعتبرت زعيمة حزب إخوة إيطاليا «جورجا ميلوني» أن الطريقة الوحيدة لوقف الهجرة غير النظامية هي تطبيق الحصار البحري، في مهمة أوروبية بالاتفاق مع سلطات الدول شمال إفريقيا.

وقالت «ميلوني»، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": بهذه الطريقة فقط سيكون من الممكن وضع حد لعمليات المغادرة غير القانونية تجاه إيطاليا ومأساة الموت في البحر. حان الوقت لقلب الصفحة".

ومن جهته أطلق حاكم إقليم صقلية الواقع جنوب إيطاليا إنذارا يلتمس فيه من السلطات الإيطالية تخفيف الضغط عن جزيرة لامبيدوزا، المستهدفة من قبل قوارب نقل المهاجرين غير النظاميين ووفقا لبيانات السلطات الأمنية لجزيرة لامبيدوزا فإن الجزيرة استقبلت السبت الماضي 1517 مهاجرا، في حين أن المركز المخصص لإيواء المهاجرين يتسع فقط لـ 350 شخص.

 

رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان لـ"الصباح": 10 آلاف مهاجر غير نظامي تونسي وصلوا الى أوروبا عبر صربيا وحوالي 100 "حارق" تم ايقافهم

 

تحدث مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان لـ"الصباح" عن الهجرة غير النظامية برا عبر صربيا موضحا أن هناك طريقا جديدة باتت تستقطب الحالمين بالهجرة تنطلق من تونس نحو تركيا جوا ومنها الى صربيا ثم وصولا إلى بلغراد والمجر وغيرها من الدول المحاذية لفضاء شنغن" مشيرا الى أن أكثر الولايات التي تقبل على الهجرة عبر صربيا ولايتي مدنين وتطاوين التي تتصدر المرتبة الأولى بين ولايات الجمهورية وقد تمكن منذ بداية العام الجاري 10 آلاف" حارق" من الهجرة الى الفضاء الاوروبي عبر صربيا من بينهم 20٪ من العنصر النسائي و05٪ عائلات معهم أطفال.

وعن عملية الهجرة عبر صربيا قال مصطفى عبد الكبير إن المهاجرين يتوجهون الى تركيا جوا ومنها الى صربيا جوا أيضا وهناك يتم تهريبهم عن طريق مهربي البشر ووصول هذا العدد الكبير من المهاجرين منذ بداية السنة يدل على أن طريق تركيا- صربيا طريق ناجح للهجرة غير النظامية على الرغم من تكلفته المرتفعة والتي تصل الى 20 ألف دينار للفرد الواحد وفق محدثنا.

وعلى الرغم من أن هذا الطريق أقل مخاطر من طريق البحر إلا أن هناك مخاطر من نوع آخر كالتحيل من قبل مهربي البشر بالاضافة الى أن هناك ما ينهاز 100 مهاجر غير نظامي تونسي تم القبض عليهم وايقافهم في صربيا.

 

باحث في علم الإجتماع لـ"الصباح" : تأزم الوضع العام وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات فعالة وناجعة جعل من الحرقة أفقا للخلاص

 

في تحليله للظاهرة قال الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الصباح" إن الحديث عن تنامي ظاهرة الهجرة السرية التي تمر من تركيا وصربيا ورومانيا والبانيا ودول البلقان لدخول المنطقة الاوروبية يحيلنا الى جملة التحولات الكمية والنوعية التي شهدتها هذه الظاهرة في تونس وتدفعنا الى مزيد التعمق في معرفة دوافعها واسبابها ومساراتها ومٱلاتها اولا: فيما يخص الاتساع الكمي لهذه الظاهرة نلاحظ ما يلي: - حسب معطيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن أكثر من 20 الف تونسي هاجر وبطريقة غير نظامية خلال عام ، من بينهم 3670 شخصا هاجروا انطلاقا من تركيا.

_ التونسيون الأكثر عددا من بين المهاجرين من مختلف الجنسيات الذين وصلوا الى ايطاليا هذه السنة بطرق غير قانونية بنسبة 18 بالمائة.

_ تنامي عدد الحاملين لجنسيات اجنبية الذين اختاروا تونس نقطة انطلاق للهجرة غير النظامية.

_ تصاعد اعتماد مسالك متجددة للهجرة غير النظامية نحو اوروبا انطلاقا من تركيا الى صربيا وعدد من دول اوروبا الشرقية رغم الكلفة الباهظة ومخاطر التحيل والايقافات لكونها لا تشترط الحصول على تأشيرة.

_ بروز فئات جديدة في " الحرقة" منها القصر والنساء والعائلات والمعوقين وكل الشرائح الإجتماعية بالمعنى الطبقي للكلمة حيث أصبحت

" الحرقة"ظاهرة عابرة للتصنيف الطبقي وتشمل الجميع تقريباً وخاصة المنتمين للطبقة الوسطى واصحاب الوضعيات الشغلية الهشة وحتى الوضعيات القارة اضافة للمنقطعين عن الدراسة واصحاب الشهائد العليا،المنحدرين من فضاءات مدينية حضرية أو ريفية وخاصة المنتسبين للمناطق الداخلية والجنوبية.

ثانيا:فيما يخص التحولات النوعية لهذه الظاهرة يمكن حصرها في السمات التالية:- أولا:تحول الهجرة غير النظامية الى ممارسة غير مستهجنة يطبع معها المجتمع بل تحولت لدى البعض إلى هوس مرضي و شكل من أشكال الإدمان عبر إعادة المحاولة أكثر من مرة رغم خطورتها ورغم أن البعض ظروفه المادية جيدة، - ثانيا: أن " الحرقة" كانت تحدث سرا ويندر أن تحدث عمليات الحرقة أمام الملأ،اما الآن فتحدث أمام مرأى الناس ومسمعهم حيث نلاحظ نزوعا الى مسرحة عملية الحرقة واخراجها في مشهد قابل للفرجة والعرض على الجمهور عبر البث المباشر في وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفق الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين فإنه يمكن تفسير اسباب النزوع نحو المشهدية بالمعيش الرمزي ومكانة " الحارق" وصورته في مخيال الناس وثقافتهم اليومية ،اذ تحول الى بطل خاطر بحياته ونال الثروة والحظوة والرفاه في مدة قصيرة.

ثالثا:_ يتحدث علماء الاجتماع عن " الحرمان النسبي"بمعنى أن الفرد لا يشعر بالحرمان لأنه لا يملك الاشياء بل لأن الآخر يمتلكها، لماذا ليس هو؟ لماذا ينتدب زميله في العمل ويفشل هو؟ او ينجح في الهجرة وهو لا؟، إذن المقارنة الاجتماعية هي التي تخلق الاحساس بالحرمان وتحفز عبر عاملي العدوى والمحاكاة إلى استسهال عملية " الحرقة"كما يجب أن لا نغفل عن دور شبكات الحي والجيران والأصدقاء والزمالة والقرابة باعتبارها حلقات مجتمعية محفزة على الهجرة.

رابعا:- وجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على الحرقة نعثر عليها في بعض أغاني الراب أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في الحومة"

خامسا: سماسرة الموت يستثمرون في العائلات و يستغلون الاطفال والمعوقين والمسنين ورقة لضمان الادماج في ايطاليا وسائر بلدان الاستقبال حيث نلاحظ تنسيقا متناميا بين شبكات الجريمة المنظمة في ايطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين ،كما أن شبكات تهريب المهاجرين الى اوروبا عن طريق تركيا، صربيا تنشط على منصات التواصل الاجتماعي وتستعمل التطبيقات لاستقطاب الشباب للهجرة وتوثيق شهادات العابرين منهم أما للدعاية وتحفيز مزيد من الشباب لاتباع هذا المسلك أو للابتزاز وتحقيق مكاسب مادية كبيرة.

وقال الباحث ممدوح عز الدي إنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية لا سيما في هذه السنة بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة ، في المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الاقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الامكانيات لديه وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية ، اصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة دون أن يجد مؤسسات تساعده وتوجهه بحيث يجد نفسه في مواجهة المجهول ويعيش في ٱلام متواترة ومن هنا يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية. للاسف يوجد اخلالات هيكلية ووظيفة في مؤسسات المجتمع والدولة حيث إرتفاع منسوب العنف بما في ذلك العنف الأقتصادي حيث يزداد كل يوم الاستقطاب الاجتماعي وتتوسع الهوة بين الاغنياء والفقراء مع غلاء واضح في المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم وعجز المالية العمومية وغياب بعض المواد الغذائية الاساسية وبعض الأدوية من الأسواق ، كما يسود احساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى الى احساس الناس بأن دولتهم تخلت عنهم وتركتهم لحالهم دون أن تساهم في حل مشاكلهم والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم.

إن الوضع العام الذي يتسم بالتأزم والتراخي وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات اجتماعية واقتصادية فعالة وناجعة جعل من الحرقة افقا للخلاص ليس فقط الخلاص الفردي بل الخلاص الجماعي ،لذلك نجد عائلات باسرها تركب قوارب الموت وتقبل بالمخاطرة مع العلم ان هذه الممارسة لم تعد سرية بل يغلب عليها الفرجوية والتفاخر.

وخلص محدثنا الى أن العيش في حالة من اللايقين وفقدان الامان الاجتماعي والخوف من المستقبل يجعل العديد من العائلات تشجع ابناءها أو احدهم على الحرقة وتساهم في تمويلها إذ بذلك تشعر أن هناك من في الخارج يستطيع ان يوفر لافرادها ما ليس متوفرا عندهم ويشعرهم بالامان.

لذلك لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال التجاوزات بما في ذلك الهجرة غير النظامية المحفوفة بأعلى درجات المخاطر والموت ولا بد أن يكون الوطن فضاءً للأمل والحلم وليس فضاءً للاحباط واللايقين.

مفيدة القيزاني

 

 

 

 

 

 

من بينهم نساء.. أطفال وخريجو جامعات: "الحرقة"  عبر  تركيا – صربيا.. طريق المهاجرين البديل للوصول الى فضاء "شنغن".. مسارات قاتلة و"التذكرة" باهظة

تونس-الصباح

طريق جديد للهجرة غير النظامية يمر عبر تركيا ثم صربيا وصولا الى فضاء "شنغن"، طريق عوض طريق البحر الأبيض المتوسط الذي تحول الى مقبرة للحالمين بالهجرة حيث يطيح سنويا بمئات الغرقى والمفقودين، ما دفع بالمهاجرين غير النظاميين الى تغيير وجهتهم واختيار طريق تركيا - صرببا رغم تكاليفه الباهظة وطول الطريق المحفوفة بالمخاطر ولكن يبدو أن هذا الطريق بات حلم الشباب المتطلع الى الوصول الى أوروبا.

ولكن على الرغم من أن المهاجرين ينجحون في عبور الخط الأول تركوا-صربيا إلا أن ذلك لا يعني أنهم نجحوا فو بلوغ الحلم لأن عبور دول البلقان ليس بالأمر الهين لا سيما وأن

السياج الذي أقامته المجر على طول حدودها الجنوبية مع صربيا وكرواتيا حول طريق المهاجرين إلى جبال ألبانيا ومونتينيغرو والبوسنة وهي مسالك وعرة وغير آمنة.

وكشفت تقارير المنظمات الانسانية عن انخراط آلاف المهاجرين غير النظاميين من بينهم تونسيين في رحلات تمر عبر مسالك جديدة باتحاه اوروبا انطلاقا من تركيا مرورا بصربيا ومنها الى دول اوروبية متعددة، وينخرط فو هذه الرحلات شباب ونساء وعائلات مع أطفالهم ونسبة هامة من حاملي الشهائد العليا.

وقد أصبحت هذه المسالك الجديدة تستقطب آلاف المهاجرين الذين أصبحوا يبحثون عن طريق آمن هربا من مخاطر الغرق وسياسات الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين، ويتغذى الطريق الجديد من شبكات متعددة الجنسيات.

 توفر كل المعطيات حول مسار الرحلة التي تنطلق من تونس نحو تركيا وصولا صربيا والمجر وغيرها من الدول المحاذية لفضاء شنغن.

وعلى الرغم من التصدي الكبير التي تلاقيها رحلات المهاجرين غير النظاميين بحرا الا ان عدد الواصلين الى ايطاليا بلغ 20 ألفا منذ بداية العام الجاري.

الهجرة غير النظامية في أسبوع..

سجلت عمليات التصدي للهجرة غير النظامية خلال الفترة الممتدة من 27 جويلية الى غاية 02 أوت من إحباط عشرات العمليات حيث تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 01 و02 سبتمبر 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط، الساحل والجنوب من إحباط 10 عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وانقاذ 178 مجتازا.

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 31 أوت و01 سبتمبر 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط ، الساحل و الجنوب من إحباط 24 عملية اجتياز للحدود البحرية ونجدة وانقاذ 357 معاجر غير نظامي وهم من جنسيات افريقية مختلفة ومن بينهم تونسيون.

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 30 و31 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط ، الساحل، الشمال والجنوب من 22 عملية .

في إطار التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 29 و30 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالشمال، الوسط والساحل من إحباط 16 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ عدد 326 مجتازا من بينهم عدد 217 من جنسيات افريقية مختلفة والبقية تونسيين. .

وفي إطار العمليات الاستباقية تمكنت يوم 29 أوت 2022 وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات جرجيس ، قابس والمهدية من ضبط عدد 08 أنفار مفتش عنهم من أجل مساعدة أشخاص على اجتياز الحدود البحرية خلسة .

وتمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 27 و28 أوت 2022 وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالساحل ، الوسط، الجنوب والشمال من إحباط عدد 51 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة ونجدة وإنقاذ عدد 723 مجتازا من بينهم عدد 346 نفرا من جنسيات إفريقية مختلفة والبقية تونسيين.

سد الطريق البحري..

تدفق غير مسبوق لقوارب الهجرة غير النظامية بحرا وارتفاع كبير في عدد التونسيين الواصلين الى ايطاليا على الرغم من التصدي لـ1509 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة في الفترة الممتدةّ من غرّة جانفي 2022 الى 23 أوت الجاري أي خلال ثمانية أشهر وإيقاف 299 منظم عملية اجتياز وأكثر من 150 وسيطا تونسيا، إضافة إلى ايقاف 11 منظما أجنبيا و7 وسطاء أجانب.

 كما أن هناك أكثر من 7 آلاف محاولة اجتياز كانت من طرف تونسيين، مقابل أكثر من 8700 محاولة من قبل أجانب، وتم إلقاء القبض خلال هذه الفترة على 388 مفتشا عنهم من ضمنهم 54 عنصرا متطرفا كانوا يحاولون اجتياز الحدود البحرية خلسة.

وتحتل الجنسية التونسية قائمة أعلى رقم في عدد الواصلين الى الاراضي الايطالية ما جعل ايطاليا تبحث عن حلول لوقف نزيف الهجرة غير النظامية وقد اعتبرت زعيمة حزب إخوة إيطاليا «جورجا ميلوني» أن الطريقة الوحيدة لوقف الهجرة غير النظامية هي تطبيق الحصار البحري، في مهمة أوروبية بالاتفاق مع سلطات الدول شمال إفريقيا.

وقالت «ميلوني»، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": بهذه الطريقة فقط سيكون من الممكن وضع حد لعمليات المغادرة غير القانونية تجاه إيطاليا ومأساة الموت في البحر. حان الوقت لقلب الصفحة".

ومن جهته أطلق حاكم إقليم صقلية الواقع جنوب إيطاليا إنذارا يلتمس فيه من السلطات الإيطالية تخفيف الضغط عن جزيرة لامبيدوزا، المستهدفة من قبل قوارب نقل المهاجرين غير النظاميين ووفقا لبيانات السلطات الأمنية لجزيرة لامبيدوزا فإن الجزيرة استقبلت السبت الماضي 1517 مهاجرا، في حين أن المركز المخصص لإيواء المهاجرين يتسع فقط لـ 350 شخص.

 

رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان لـ"الصباح": 10 آلاف مهاجر غير نظامي تونسي وصلوا الى أوروبا عبر صربيا وحوالي 100 "حارق" تم ايقافهم

 

تحدث مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان لـ"الصباح" عن الهجرة غير النظامية برا عبر صربيا موضحا أن هناك طريقا جديدة باتت تستقطب الحالمين بالهجرة تنطلق من تونس نحو تركيا جوا ومنها الى صربيا ثم وصولا إلى بلغراد والمجر وغيرها من الدول المحاذية لفضاء شنغن" مشيرا الى أن أكثر الولايات التي تقبل على الهجرة عبر صربيا ولايتي مدنين وتطاوين التي تتصدر المرتبة الأولى بين ولايات الجمهورية وقد تمكن منذ بداية العام الجاري 10 آلاف" حارق" من الهجرة الى الفضاء الاوروبي عبر صربيا من بينهم 20٪ من العنصر النسائي و05٪ عائلات معهم أطفال.

وعن عملية الهجرة عبر صربيا قال مصطفى عبد الكبير إن المهاجرين يتوجهون الى تركيا جوا ومنها الى صربيا جوا أيضا وهناك يتم تهريبهم عن طريق مهربي البشر ووصول هذا العدد الكبير من المهاجرين منذ بداية السنة يدل على أن طريق تركيا- صربيا طريق ناجح للهجرة غير النظامية على الرغم من تكلفته المرتفعة والتي تصل الى 20 ألف دينار للفرد الواحد وفق محدثنا.

وعلى الرغم من أن هذا الطريق أقل مخاطر من طريق البحر إلا أن هناك مخاطر من نوع آخر كالتحيل من قبل مهربي البشر بالاضافة الى أن هناك ما ينهاز 100 مهاجر غير نظامي تونسي تم القبض عليهم وايقافهم في صربيا.

 

باحث في علم الإجتماع لـ"الصباح" : تأزم الوضع العام وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات فعالة وناجعة جعل من الحرقة أفقا للخلاص

 

في تحليله للظاهرة قال الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الصباح" إن الحديث عن تنامي ظاهرة الهجرة السرية التي تمر من تركيا وصربيا ورومانيا والبانيا ودول البلقان لدخول المنطقة الاوروبية يحيلنا الى جملة التحولات الكمية والنوعية التي شهدتها هذه الظاهرة في تونس وتدفعنا الى مزيد التعمق في معرفة دوافعها واسبابها ومساراتها ومٱلاتها اولا: فيما يخص الاتساع الكمي لهذه الظاهرة نلاحظ ما يلي: - حسب معطيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن أكثر من 20 الف تونسي هاجر وبطريقة غير نظامية خلال عام ، من بينهم 3670 شخصا هاجروا انطلاقا من تركيا.

_ التونسيون الأكثر عددا من بين المهاجرين من مختلف الجنسيات الذين وصلوا الى ايطاليا هذه السنة بطرق غير قانونية بنسبة 18 بالمائة.

_ تنامي عدد الحاملين لجنسيات اجنبية الذين اختاروا تونس نقطة انطلاق للهجرة غير النظامية.

_ تصاعد اعتماد مسالك متجددة للهجرة غير النظامية نحو اوروبا انطلاقا من تركيا الى صربيا وعدد من دول اوروبا الشرقية رغم الكلفة الباهظة ومخاطر التحيل والايقافات لكونها لا تشترط الحصول على تأشيرة.

_ بروز فئات جديدة في " الحرقة" منها القصر والنساء والعائلات والمعوقين وكل الشرائح الإجتماعية بالمعنى الطبقي للكلمة حيث أصبحت

" الحرقة"ظاهرة عابرة للتصنيف الطبقي وتشمل الجميع تقريباً وخاصة المنتمين للطبقة الوسطى واصحاب الوضعيات الشغلية الهشة وحتى الوضعيات القارة اضافة للمنقطعين عن الدراسة واصحاب الشهائد العليا،المنحدرين من فضاءات مدينية حضرية أو ريفية وخاصة المنتسبين للمناطق الداخلية والجنوبية.

ثانيا:فيما يخص التحولات النوعية لهذه الظاهرة يمكن حصرها في السمات التالية:- أولا:تحول الهجرة غير النظامية الى ممارسة غير مستهجنة يطبع معها المجتمع بل تحولت لدى البعض إلى هوس مرضي و شكل من أشكال الإدمان عبر إعادة المحاولة أكثر من مرة رغم خطورتها ورغم أن البعض ظروفه المادية جيدة، - ثانيا: أن " الحرقة" كانت تحدث سرا ويندر أن تحدث عمليات الحرقة أمام الملأ،اما الآن فتحدث أمام مرأى الناس ومسمعهم حيث نلاحظ نزوعا الى مسرحة عملية الحرقة واخراجها في مشهد قابل للفرجة والعرض على الجمهور عبر البث المباشر في وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفق الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين فإنه يمكن تفسير اسباب النزوع نحو المشهدية بالمعيش الرمزي ومكانة " الحارق" وصورته في مخيال الناس وثقافتهم اليومية ،اذ تحول الى بطل خاطر بحياته ونال الثروة والحظوة والرفاه في مدة قصيرة.

ثالثا:_ يتحدث علماء الاجتماع عن " الحرمان النسبي"بمعنى أن الفرد لا يشعر بالحرمان لأنه لا يملك الاشياء بل لأن الآخر يمتلكها، لماذا ليس هو؟ لماذا ينتدب زميله في العمل ويفشل هو؟ او ينجح في الهجرة وهو لا؟، إذن المقارنة الاجتماعية هي التي تخلق الاحساس بالحرمان وتحفز عبر عاملي العدوى والمحاكاة إلى استسهال عملية " الحرقة"كما يجب أن لا نغفل عن دور شبكات الحي والجيران والأصدقاء والزمالة والقرابة باعتبارها حلقات مجتمعية محفزة على الهجرة.

رابعا:- وجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على الحرقة نعثر عليها في بعض أغاني الراب أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في الحومة"

خامسا: سماسرة الموت يستثمرون في العائلات و يستغلون الاطفال والمعوقين والمسنين ورقة لضمان الادماج في ايطاليا وسائر بلدان الاستقبال حيث نلاحظ تنسيقا متناميا بين شبكات الجريمة المنظمة في ايطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين ،كما أن شبكات تهريب المهاجرين الى اوروبا عن طريق تركيا، صربيا تنشط على منصات التواصل الاجتماعي وتستعمل التطبيقات لاستقطاب الشباب للهجرة وتوثيق شهادات العابرين منهم أما للدعاية وتحفيز مزيد من الشباب لاتباع هذا المسلك أو للابتزاز وتحقيق مكاسب مادية كبيرة.

وقال الباحث ممدوح عز الدي إنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية لا سيما في هذه السنة بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة ، في المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الاقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الامكانيات لديه وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية ، اصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة دون أن يجد مؤسسات تساعده وتوجهه بحيث يجد نفسه في مواجهة المجهول ويعيش في ٱلام متواترة ومن هنا يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية. للاسف يوجد اخلالات هيكلية ووظيفة في مؤسسات المجتمع والدولة حيث إرتفاع منسوب العنف بما في ذلك العنف الأقتصادي حيث يزداد كل يوم الاستقطاب الاجتماعي وتتوسع الهوة بين الاغنياء والفقراء مع غلاء واضح في المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم وعجز المالية العمومية وغياب بعض المواد الغذائية الاساسية وبعض الأدوية من الأسواق ، كما يسود احساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى الى احساس الناس بأن دولتهم تخلت عنهم وتركتهم لحالهم دون أن تساهم في حل مشاكلهم والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم.

إن الوضع العام الذي يتسم بالتأزم والتراخي وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات اجتماعية واقتصادية فعالة وناجعة جعل من الحرقة افقا للخلاص ليس فقط الخلاص الفردي بل الخلاص الجماعي ،لذلك نجد عائلات باسرها تركب قوارب الموت وتقبل بالمخاطرة مع العلم ان هذه الممارسة لم تعد سرية بل يغلب عليها الفرجوية والتفاخر.

وخلص محدثنا الى أن العيش في حالة من اللايقين وفقدان الامان الاجتماعي والخوف من المستقبل يجعل العديد من العائلات تشجع ابناءها أو احدهم على الحرقة وتساهم في تمويلها إذ بذلك تشعر أن هناك من في الخارج يستطيع ان يوفر لافرادها ما ليس متوفرا عندهم ويشعرهم بالامان.

لذلك لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال التجاوزات بما في ذلك الهجرة غير النظامية المحفوفة بأعلى درجات المخاطر والموت ولا بد أن يكون الوطن فضاءً للأمل والحلم وليس فضاءً للاحباط واللايقين.

مفيدة القيزاني

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews