إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

دلّونا على عنوان التفاؤل

بقلم:منير الشرفي

يستعد الجميع، سلطة ومعارضة، للسنة السياسية الجديدة التي تبتدئ عادة في شهر سبتمبر، بما فيها العودة المدرسية والجامعية. وهي سنة كل المُؤشرات تدل على أنها ستكون ثريّة بالأحداث وبالمفاجآت وربما بالأزمات، نتمنى أن نتجاوزها دون أضرار خطيرة.

فالعودة المدرسية يبدو أنها ستكون صعبة على التلاميذ وعلى المدرّسين وعلى الإدارة. فبالنسبة للتلاميذ، ستكون بين أيديهم كتب تحتوي على أخطاء مُخجلة وكراسات لا يقدر على اقتنائها إلّا الأثرياء. وبالنسبة للمُدرسين فإنهم سيُواجهون معضلة النقص في الإطار التربوي الذي سجّل 5600 شغور، حسب الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الأساسي، وهو ما سينتج عنه التخلي عن بعض المواد لبعض التلاميذ أو اكتظاظ غير مسبوق في الأقسام، وفي الحالتين فسينتج عنه ضعف في التكوين. أما الإدارة فهي تواجه المشاكل المتراكمة في انهيار البنية التحتية وفي صيانة المدارس التي يفتقد جزء هام منها حتى لدورات المياه.

على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ستكون هناك انعكاسات على الغلاء المشط للأسعار الذي بلغ حدّا لا يُطاق وعلى النقص المتزايد للعديد من المواد المعيشية على غرار السكر والقهوة والزيت... والأدوية. كما أن المفاوضات الاجتماعية بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل يبدو أنها في طريق مسدود بالنظر إلى استحالة استجابة الحكومة لمطالب الشغالين المشروعة بسبب قلة ذات يد الدولة التي تتخبّط في الديون وفي انخرام الخزينة. وهنا، لنا أن ننتظر لا فقط التحركات النقابية الاحتجاجية، وإنما أيضا الإحباط واليأس اللذين سيُصيبان المواطنين جراء عدم تطبيق الوعود الرسمية من أنه ستتم محاسبة الفاسدين والمحتكرين الذين "يُنكّلون بالشعب ويُجوّعونه"، وأنه سيتمّ استرجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج... علما بأن كل ذلك يستوجب علاقة جيّدة وسليمة بين السلطة التنفيذية والسلطة، عفوا الوظيفة، القضائية، وهو ما نحن أبعد ما يكون عنه.

ومن المظاهر الاجتماعية الصعبة هروب التونسيين من بلادهم. فالعاطلون عن العمل وجدوا ضالّتهم في "الحرقة" بأعداد خيالية. واقد قامت وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط والساحل والجنوب بإحباط 24 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة في ليلة واحدة، الليلة الفاصلة بين 31 أوت و1 سبتمبر. وأما النخبة من أصحاب الكفاءات والتجربة فعدد المهاجرين منهم إلى حيث يجدون الظروف التي تعترف بقيمتهم وتستجيب إلى طموحاتهم المهنية المشروعة أضحى في ازدياد مُفزع. وفي هذا الصدد نذكر أن رئيس الجمهورية تعرّض في إحدى مداخلاته الأخيرة إلى هجرة الأدمغة، لكنه لم يتعرّض لا إلى أسبابها ولا إلى حلول المشكلة، مواصلا عدم التعويل على الكفاءات التونسية العالية، واعتماده فقط على الموالين لشخصه ولسياسته.

وبخصوص الوضع المالي العام، لا يفوتنا أن نُسجّل العجز المهول في الميزانية، وهو ما جعل الحكومة غير قادرة على وضع الميزانية التكميلية إلى حد هذا اليوم ونحن في الشهر التاسع من السنة، وذلك في انتظار رحمة من صندوق النقد الدولي. رحمة يبدو أنها لن تكون سهلة المنال لأنها تشترط أمرين من الصعب تحقيقهما. الأمر الأول سياسي، ويتمثّل في "تعنّت" الولايات المتحدة الأمريكية في التدخّل في شؤوننا و"عدم فهمها للصبغة الديمقراطية في التمشّي السياسي التونسي"، زد على ذلك أن "أمك صنافة" مصرّة على الاهتمام بوضعنا المالي. أما الشرط الثاني فهو توخّي سياسة حقيقة الأسعار، أي وجوب رفع الدعم عن المواد الأساسية. وإذا اضطرّت الحكومة إلى الزيادة في الأسعار بشكل مُشطّ، فقد لن تكون قادرة على امتصاص غضب الشارع. غضب قد يُؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه عافانا الله.

أما العودة السياسية فمن المُتوقّع أن تكون حبلى بالمفاجآت والأحداث. فالجميع يعلم أن الانتخابات التشريعية مُبرمجة ليوم 17 ديسمبر.وحيث أن القانون ينصّ على وجوب دعوة الناخبين شهرين قبل موعد الانتخاب،فإن دعوة الناخبين يجب أن تكون يوم 17 سبتمبر كآخر أجل، أي أقل من أسبوعين من الآن. غير أن قانون الانتخاب الجديد لم يصدر بعد، ويُتوقّع أن يكون صدوره مصحوبا بمفاجآت. فمن جهة، لم نسمع بأي استشارة تمّت في قصر قرطاج بخصوص النص الجديد للقانون الانتخابي، مما يدل على أن هذا القانون سيمّ اعداده من قبل الرئيس شخصيّا، ما يعني أننا سنجد فيه مفاجآت مثل التي وجدناها في الدستور. ومن جهة أخرى، وحيث أن رئيس الجمهورية لا يُؤمن بالأحزاب، ولا بالهياكل الوسيطة عموما، فإنه من المنتظر أن يكون قانون الانتخاب الجديد يتضمّن حواجز أمام المشاركة الطبيعية للأحزاب في الانتخابات البرلمانية. وفي هذه الحال، ستكون الانتخابات التشريعية القادمة شبيهة بالاستفتاء الأخير من حيث الشكل ومن حيث النتائج، إذ ستشهد عزوفا في الترشّح وفي التصويت. ممّا سيزيد في تأزّم الوضع السياسي عموما.

هذه اجمالا المعطيات التي تُميّز العودة السياسية لهذه السنة. وهي معطيات لا تدفع كثيرا على التفاؤل بعودة سليمة رائقة. أما القطرة التي تُفيض الكأس فهي لا شك ما أعلن عنه أحد قياديي "حراك 25 جويلية" من تكوين "لجان يقظة لمتابعة التجاوزات"، والمفهوم طبعا من هذه اللجان هو تكوين ميليشيات، قد تبدأ سلمية وتنتهي مُسلّحة، في الوقت الذي أصبحنا نشاهد فيه أمنيّين يتصدّون بالقوّة لتحركات أمنيّين آخرين.

 

 

دلّونا على عنوان التفاؤل

بقلم:منير الشرفي

يستعد الجميع، سلطة ومعارضة، للسنة السياسية الجديدة التي تبتدئ عادة في شهر سبتمبر، بما فيها العودة المدرسية والجامعية. وهي سنة كل المُؤشرات تدل على أنها ستكون ثريّة بالأحداث وبالمفاجآت وربما بالأزمات، نتمنى أن نتجاوزها دون أضرار خطيرة.

فالعودة المدرسية يبدو أنها ستكون صعبة على التلاميذ وعلى المدرّسين وعلى الإدارة. فبالنسبة للتلاميذ، ستكون بين أيديهم كتب تحتوي على أخطاء مُخجلة وكراسات لا يقدر على اقتنائها إلّا الأثرياء. وبالنسبة للمُدرسين فإنهم سيُواجهون معضلة النقص في الإطار التربوي الذي سجّل 5600 شغور، حسب الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الأساسي، وهو ما سينتج عنه التخلي عن بعض المواد لبعض التلاميذ أو اكتظاظ غير مسبوق في الأقسام، وفي الحالتين فسينتج عنه ضعف في التكوين. أما الإدارة فهي تواجه المشاكل المتراكمة في انهيار البنية التحتية وفي صيانة المدارس التي يفتقد جزء هام منها حتى لدورات المياه.

على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ستكون هناك انعكاسات على الغلاء المشط للأسعار الذي بلغ حدّا لا يُطاق وعلى النقص المتزايد للعديد من المواد المعيشية على غرار السكر والقهوة والزيت... والأدوية. كما أن المفاوضات الاجتماعية بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل يبدو أنها في طريق مسدود بالنظر إلى استحالة استجابة الحكومة لمطالب الشغالين المشروعة بسبب قلة ذات يد الدولة التي تتخبّط في الديون وفي انخرام الخزينة. وهنا، لنا أن ننتظر لا فقط التحركات النقابية الاحتجاجية، وإنما أيضا الإحباط واليأس اللذين سيُصيبان المواطنين جراء عدم تطبيق الوعود الرسمية من أنه ستتم محاسبة الفاسدين والمحتكرين الذين "يُنكّلون بالشعب ويُجوّعونه"، وأنه سيتمّ استرجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج... علما بأن كل ذلك يستوجب علاقة جيّدة وسليمة بين السلطة التنفيذية والسلطة، عفوا الوظيفة، القضائية، وهو ما نحن أبعد ما يكون عنه.

ومن المظاهر الاجتماعية الصعبة هروب التونسيين من بلادهم. فالعاطلون عن العمل وجدوا ضالّتهم في "الحرقة" بأعداد خيالية. واقد قامت وحدات تابعة للأقاليم البحرية للحرس الوطني بالوسط والساحل والجنوب بإحباط 24 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة في ليلة واحدة، الليلة الفاصلة بين 31 أوت و1 سبتمبر. وأما النخبة من أصحاب الكفاءات والتجربة فعدد المهاجرين منهم إلى حيث يجدون الظروف التي تعترف بقيمتهم وتستجيب إلى طموحاتهم المهنية المشروعة أضحى في ازدياد مُفزع. وفي هذا الصدد نذكر أن رئيس الجمهورية تعرّض في إحدى مداخلاته الأخيرة إلى هجرة الأدمغة، لكنه لم يتعرّض لا إلى أسبابها ولا إلى حلول المشكلة، مواصلا عدم التعويل على الكفاءات التونسية العالية، واعتماده فقط على الموالين لشخصه ولسياسته.

وبخصوص الوضع المالي العام، لا يفوتنا أن نُسجّل العجز المهول في الميزانية، وهو ما جعل الحكومة غير قادرة على وضع الميزانية التكميلية إلى حد هذا اليوم ونحن في الشهر التاسع من السنة، وذلك في انتظار رحمة من صندوق النقد الدولي. رحمة يبدو أنها لن تكون سهلة المنال لأنها تشترط أمرين من الصعب تحقيقهما. الأمر الأول سياسي، ويتمثّل في "تعنّت" الولايات المتحدة الأمريكية في التدخّل في شؤوننا و"عدم فهمها للصبغة الديمقراطية في التمشّي السياسي التونسي"، زد على ذلك أن "أمك صنافة" مصرّة على الاهتمام بوضعنا المالي. أما الشرط الثاني فهو توخّي سياسة حقيقة الأسعار، أي وجوب رفع الدعم عن المواد الأساسية. وإذا اضطرّت الحكومة إلى الزيادة في الأسعار بشكل مُشطّ، فقد لن تكون قادرة على امتصاص غضب الشارع. غضب قد يُؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه عافانا الله.

أما العودة السياسية فمن المُتوقّع أن تكون حبلى بالمفاجآت والأحداث. فالجميع يعلم أن الانتخابات التشريعية مُبرمجة ليوم 17 ديسمبر.وحيث أن القانون ينصّ على وجوب دعوة الناخبين شهرين قبل موعد الانتخاب،فإن دعوة الناخبين يجب أن تكون يوم 17 سبتمبر كآخر أجل، أي أقل من أسبوعين من الآن. غير أن قانون الانتخاب الجديد لم يصدر بعد، ويُتوقّع أن يكون صدوره مصحوبا بمفاجآت. فمن جهة، لم نسمع بأي استشارة تمّت في قصر قرطاج بخصوص النص الجديد للقانون الانتخابي، مما يدل على أن هذا القانون سيمّ اعداده من قبل الرئيس شخصيّا، ما يعني أننا سنجد فيه مفاجآت مثل التي وجدناها في الدستور. ومن جهة أخرى، وحيث أن رئيس الجمهورية لا يُؤمن بالأحزاب، ولا بالهياكل الوسيطة عموما، فإنه من المنتظر أن يكون قانون الانتخاب الجديد يتضمّن حواجز أمام المشاركة الطبيعية للأحزاب في الانتخابات البرلمانية. وفي هذه الحال، ستكون الانتخابات التشريعية القادمة شبيهة بالاستفتاء الأخير من حيث الشكل ومن حيث النتائج، إذ ستشهد عزوفا في الترشّح وفي التصويت. ممّا سيزيد في تأزّم الوضع السياسي عموما.

هذه اجمالا المعطيات التي تُميّز العودة السياسية لهذه السنة. وهي معطيات لا تدفع كثيرا على التفاؤل بعودة سليمة رائقة. أما القطرة التي تُفيض الكأس فهي لا شك ما أعلن عنه أحد قياديي "حراك 25 جويلية" من تكوين "لجان يقظة لمتابعة التجاوزات"، والمفهوم طبعا من هذه اللجان هو تكوين ميليشيات، قد تبدأ سلمية وتنتهي مُسلّحة، في الوقت الذي أصبحنا نشاهد فيه أمنيّين يتصدّون بالقوّة لتحركات أمنيّين آخرين.

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews