إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التعليم الابتدائي الخاص: الوهم الكبير الذي يجب تصحيحه...

بقلم:د.ريم بالخذيري

لوقت ليس بالبعيد لم يكن التعليم الخاص خلال المرحلة الابتدائية مستشريا بين العائلات التونسية وكان حكرا على الميسورين منهم .

كما أنّه لم يكن يغري المستثمرين حيث لم يكن عدد المدارس الإبتدائية الخاصة يتجاوز 16 مؤسسة في 1984/1985 وكانت تستقطب حوالي 7الاف تلميذ، ما يعادل حينها 0.5% تقريبا من جملة المتمدرسين المسجلين بهذه المرحلة .

وقد تضاعفت هاته الأرقام مرات عديدة خلال العقود الثلاثة الماضية.ووفق آخر الأرقام الصادرة عن وزارة التربية في وثيقة صادرة عن الكتابة العامّة للإدارة العامة للدراسات والتخطيط ونظم المعلومات للسنة الدراسية 2019/2020 ، فإنّ عدد مؤسسات التعليم الخاص في المرحلة الابتدائية كان يبلغ 102 مؤسّسة خلال السنة الدراسية 2009/2010، ليتطوّر إلى 600 مؤسّسة في السنة الدراسية 2019/2020، بما يعني أنّ نسبة ارتفاع عدد مؤسسات التعليم الخاصّ في الابتدائي بلغت نسبة حوالي 500%.

كما ساهم هذا القطاع في الحدّ من أزمة البطالة في صفوف أصحاب الشهائد التي تناهز 28% حسب أرقام سنة 2019. وتشغّل المدارس الابتدائية الخاصة اليوم حوالي 9الاف معلّم.

كما أن خريطة المدارس الخاصة في تونس تطورت بدورها حيث كانت لموفى الألفية الفارطة حكرا على المدن الكبرى مثل العاصمة و سوسة و صفاقس .الاّ أنها خلال السنوات الخمس الأخيرة امتدّت جغرافيا لتشمل مناطق داخلية على غرار مدنين وسليانة وجندوبة وتطاوين التي لم تكن تحتوي على مدارس خاصة حتى سنة 2014. و اليوم تغطي هاته المؤسسات كل الولايات و عدد كبير من المعتمديات. و تتمتع هذه المدارس بتشجيعات جبائية و تربوية هامة ساهمت في انتشارها.

الوهم الكبير...

هذه الامتيازات والاقبال الكبير من العائلات التونسية على هذه المؤسسات حيث لم تعد حكرا على الأغنياء لا يعكس الوجه الأخر لهذا القطاع وما يجب أن يكون عليه حيث أنّه في أغلبه تخلّى عن الجانب التعليمي و طغى عليه الجانب التجار. والمتعاملين مع هاته المؤسسات (ثمة استثناءات قليلة) يدركون جيّدا حجم الاستغلال الذي يتعرّضون لهظ

و البداية تكون مع معاليم الدراسة التي تركت وزارة التربية الحرية كاملة لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة في تحديدها دون أي رقابة أو تدخل وعدم وجود أي نص قانوني يضبط التكاليف وهي النقطة التي استغلّها هؤلاء لفرض معاليم باهظة جدا وفرض خدمات وهمية يتقاضون عليها أجرا من قبل النوادي و المواد المدرسية المكمّلة و غيرها من الأشياء التي لا يستحقّها التلميذ فعليا لكنها تدرّ أموالا اضافية على المؤسسة وتستنزف جيوب المواطن.

ويتراوح معلوم الشهر الواحد لدراسة تلميذ في هاته المرحلة من 300 الى 1500 دينار وتتباين الأسعار بحسب مكان المدرسة.

وفي المقابل يعدّ التكوين والتعليم في هذه المؤسسات - عدا القليل منها والتي أسعارها باهضة جدا ومتلائمة مع خدماتها الرفيعة- سيّئا جدّا عكس الوهم الذي يتوهّمه الأولياء حيث يتم الاعتماد على نوعين من المدرّسين .

النوع الأوّل: معلّمون من القطاع العمومي لهم خبرة في مخالفة صريحة لقانون الانتداب وهم أقلية يدرّسون عادة الأقسام النهائية (السنة الخامسة والسادسة) لكنّ مردودهم يبقى ضعيفا ومعاملتهم للتلاميذ واسنادهم للأعداد يخضع لمزاج مدير المؤسسة الذي يتعامل تجاريا مع التلميذ والمعلّم على حدّ السواء وعادة ما يتمّ التضحية بالمعلّم بدل التلميذ.

النوع الثاني: معلمون لا علاقة لهم بالتعليم ولاخبرة لهم بتدريس الناشئة يمثلون حوالي 90بالمائة وهم من أصحاب الشهائد العليا وحديثو التخرّج وعادة ما يدرّسون ساعات كثيرة وأكثر من مادة بقطع النظر عن الاختصاص .كما أنهم يتقاضون أجورا زهيدة (أقل من نصف مرتب المعلم العادي) وبآليات تشغيل هشة تجعل تقديمهم للإضافة أمرا شبه مستحيل اضافة الى عدم تمتعهم بالتغطية الاجتماعية ولا بأحقية الانتداب أو الترسيم.

كما يعمد عدد من أصحاب هاته المؤسسات الى التحايل على قانون الشغل حيث يتمتع بآليات التشغيل (عقد الكرامة وعقد تربص الاعداد للحياة المهنية) فيتعاقدون مع مدرسين على هذا الأساس لانتدابهم وتكوينهم ليكونوا اطارات قارة ويكونوا قادرين على تقديم الاضافة المرجوة منهم لكنهم يتخلون عنهم حال انتهاء هذه العقود ويتعاقدون بنفس الاليات مع آخرين. وهذا سبب مهمّ لضعف الاطار التعليمي في مؤسسات التعليم الخاص.

معدّلات منتفخة وتكوين هزيل..

من الملاحظ أن الأعداد و المعدّلات في عدد كبير من مؤسسات التعليم الخاص تخضع لمراجعة ادارية صارمة حيث لا يجب أن تكون متناسقة مع مستوى التلميذ الضعيف والمتوسط فالكل يجب أن يتمتعوا بأعداد ومعدّلات مرتفعة وهي طريقة لتخدير الأولياء وليس لتقييم التلاميذ .حيث أن أغلب تلاميذ هذه المؤسسات يصدمون بواقع آخر حين تحوّلهم الى الاعداديات العمومية حيث يكتشفون تكوينهم الضعيف وكذبة المعدّلات التي كانوا يمنحونها لهم.فقد تأكّد عدد من الأولياء أنهم بصدد شراء أعداد أبنائهم وهو ما جعل العديد منهم يعيدونهم الى التعليم العمومي .

مؤسسات أقرب للروضات

في المحصّلة فان أغلب الأولياء الذين يختارون الحاق أبنائهم بالمدارس الابتدائية الخاصة هم من الموظفين والموظفات الذين لايسمح توقيت عملهم بمصاحبة أبنائهم ومراقبتهم باستمرار لذا فان هاته المدارس وحسب النظام المتبع فيها (نظام نصف اقامة من الساعة السابعة صباحا الى السادسة مساء ) توفر لهم الاحتفاظ بالتلاميذ كامل اليوم والتكفل بغدائه ومراجعته .

والدليل على ما نقول هو التهافت الكبير لهؤلاء على الدروس الخصوصية في تناقض صارخ مع يجب أن يكون عليه تكوين تلميذ المدارس الخاصة. يعتبرون هاته المدارس تلعب دور الروضة قبل المدرسة.وهم في النهاية منتشون بوهمهم لكنّهم يعدّون سببا قويّا في الفوضى التي يعيشها هذا القطاع والتي أضرّت كثيرا بالتعليم عموما.

ما يجب أن يكون...

لاشكّ أن التعليم الابتدائي الخاص أصبح واقعا اليوم في تونس لكنه لايزال بعيدا عن الرقابة و يمكن أن يؤدّي هذا القطاع دوره كاملا ويقدّم الاضافة للتعليم في تونس .ومحمول اليوم على وزارة التربية أن تقوم بعدد من الاجراءات البسيطة لإصلاح هذا القطاع الحيوي والحسّاس وألا تتركه للسماسرة والتجار يعيثون فيه فسادا و يدمرون مستقبل عدد كبير من أطفالنا.

من هاته الاجراءات :

• اقرار تعريفة موحّدة ومدروسة لمعاليم الدراسة في كل المدارس الابتدائية الخاصة . ومنع العروض التجارية التي تمارسها بعض المدارس وتستنزف الأولياء .

• التأكيد بالمراقبة المستمرة على منع تدريس المعلمين في القطاع العمومي من التدريس في المدارس الخاصة .

• اقرار سلمّ مرتبات موحّد لمعلمي المدارس الخاصة مع معلمي المدارس العمومية. واخضاعهم لدورات تكوينية دورية .

• التكثيف من الزيارات التفقدية لهاته المدارس واخضاع المعلمين فيها لإجراءات المراقبة الفجئية من طرف متفقدي وزارة التربية.

 

التعليم الابتدائي الخاص: الوهم الكبير الذي يجب تصحيحه...

بقلم:د.ريم بالخذيري

لوقت ليس بالبعيد لم يكن التعليم الخاص خلال المرحلة الابتدائية مستشريا بين العائلات التونسية وكان حكرا على الميسورين منهم .

كما أنّه لم يكن يغري المستثمرين حيث لم يكن عدد المدارس الإبتدائية الخاصة يتجاوز 16 مؤسسة في 1984/1985 وكانت تستقطب حوالي 7الاف تلميذ، ما يعادل حينها 0.5% تقريبا من جملة المتمدرسين المسجلين بهذه المرحلة .

وقد تضاعفت هاته الأرقام مرات عديدة خلال العقود الثلاثة الماضية.ووفق آخر الأرقام الصادرة عن وزارة التربية في وثيقة صادرة عن الكتابة العامّة للإدارة العامة للدراسات والتخطيط ونظم المعلومات للسنة الدراسية 2019/2020 ، فإنّ عدد مؤسسات التعليم الخاص في المرحلة الابتدائية كان يبلغ 102 مؤسّسة خلال السنة الدراسية 2009/2010، ليتطوّر إلى 600 مؤسّسة في السنة الدراسية 2019/2020، بما يعني أنّ نسبة ارتفاع عدد مؤسسات التعليم الخاصّ في الابتدائي بلغت نسبة حوالي 500%.

كما ساهم هذا القطاع في الحدّ من أزمة البطالة في صفوف أصحاب الشهائد التي تناهز 28% حسب أرقام سنة 2019. وتشغّل المدارس الابتدائية الخاصة اليوم حوالي 9الاف معلّم.

كما أن خريطة المدارس الخاصة في تونس تطورت بدورها حيث كانت لموفى الألفية الفارطة حكرا على المدن الكبرى مثل العاصمة و سوسة و صفاقس .الاّ أنها خلال السنوات الخمس الأخيرة امتدّت جغرافيا لتشمل مناطق داخلية على غرار مدنين وسليانة وجندوبة وتطاوين التي لم تكن تحتوي على مدارس خاصة حتى سنة 2014. و اليوم تغطي هاته المؤسسات كل الولايات و عدد كبير من المعتمديات. و تتمتع هذه المدارس بتشجيعات جبائية و تربوية هامة ساهمت في انتشارها.

الوهم الكبير...

هذه الامتيازات والاقبال الكبير من العائلات التونسية على هذه المؤسسات حيث لم تعد حكرا على الأغنياء لا يعكس الوجه الأخر لهذا القطاع وما يجب أن يكون عليه حيث أنّه في أغلبه تخلّى عن الجانب التعليمي و طغى عليه الجانب التجار. والمتعاملين مع هاته المؤسسات (ثمة استثناءات قليلة) يدركون جيّدا حجم الاستغلال الذي يتعرّضون لهظ

و البداية تكون مع معاليم الدراسة التي تركت وزارة التربية الحرية كاملة لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة في تحديدها دون أي رقابة أو تدخل وعدم وجود أي نص قانوني يضبط التكاليف وهي النقطة التي استغلّها هؤلاء لفرض معاليم باهظة جدا وفرض خدمات وهمية يتقاضون عليها أجرا من قبل النوادي و المواد المدرسية المكمّلة و غيرها من الأشياء التي لا يستحقّها التلميذ فعليا لكنها تدرّ أموالا اضافية على المؤسسة وتستنزف جيوب المواطن.

ويتراوح معلوم الشهر الواحد لدراسة تلميذ في هاته المرحلة من 300 الى 1500 دينار وتتباين الأسعار بحسب مكان المدرسة.

وفي المقابل يعدّ التكوين والتعليم في هذه المؤسسات - عدا القليل منها والتي أسعارها باهضة جدا ومتلائمة مع خدماتها الرفيعة- سيّئا جدّا عكس الوهم الذي يتوهّمه الأولياء حيث يتم الاعتماد على نوعين من المدرّسين .

النوع الأوّل: معلّمون من القطاع العمومي لهم خبرة في مخالفة صريحة لقانون الانتداب وهم أقلية يدرّسون عادة الأقسام النهائية (السنة الخامسة والسادسة) لكنّ مردودهم يبقى ضعيفا ومعاملتهم للتلاميذ واسنادهم للأعداد يخضع لمزاج مدير المؤسسة الذي يتعامل تجاريا مع التلميذ والمعلّم على حدّ السواء وعادة ما يتمّ التضحية بالمعلّم بدل التلميذ.

النوع الثاني: معلمون لا علاقة لهم بالتعليم ولاخبرة لهم بتدريس الناشئة يمثلون حوالي 90بالمائة وهم من أصحاب الشهائد العليا وحديثو التخرّج وعادة ما يدرّسون ساعات كثيرة وأكثر من مادة بقطع النظر عن الاختصاص .كما أنهم يتقاضون أجورا زهيدة (أقل من نصف مرتب المعلم العادي) وبآليات تشغيل هشة تجعل تقديمهم للإضافة أمرا شبه مستحيل اضافة الى عدم تمتعهم بالتغطية الاجتماعية ولا بأحقية الانتداب أو الترسيم.

كما يعمد عدد من أصحاب هاته المؤسسات الى التحايل على قانون الشغل حيث يتمتع بآليات التشغيل (عقد الكرامة وعقد تربص الاعداد للحياة المهنية) فيتعاقدون مع مدرسين على هذا الأساس لانتدابهم وتكوينهم ليكونوا اطارات قارة ويكونوا قادرين على تقديم الاضافة المرجوة منهم لكنهم يتخلون عنهم حال انتهاء هذه العقود ويتعاقدون بنفس الاليات مع آخرين. وهذا سبب مهمّ لضعف الاطار التعليمي في مؤسسات التعليم الخاص.

معدّلات منتفخة وتكوين هزيل..

من الملاحظ أن الأعداد و المعدّلات في عدد كبير من مؤسسات التعليم الخاص تخضع لمراجعة ادارية صارمة حيث لا يجب أن تكون متناسقة مع مستوى التلميذ الضعيف والمتوسط فالكل يجب أن يتمتعوا بأعداد ومعدّلات مرتفعة وهي طريقة لتخدير الأولياء وليس لتقييم التلاميذ .حيث أن أغلب تلاميذ هذه المؤسسات يصدمون بواقع آخر حين تحوّلهم الى الاعداديات العمومية حيث يكتشفون تكوينهم الضعيف وكذبة المعدّلات التي كانوا يمنحونها لهم.فقد تأكّد عدد من الأولياء أنهم بصدد شراء أعداد أبنائهم وهو ما جعل العديد منهم يعيدونهم الى التعليم العمومي .

مؤسسات أقرب للروضات

في المحصّلة فان أغلب الأولياء الذين يختارون الحاق أبنائهم بالمدارس الابتدائية الخاصة هم من الموظفين والموظفات الذين لايسمح توقيت عملهم بمصاحبة أبنائهم ومراقبتهم باستمرار لذا فان هاته المدارس وحسب النظام المتبع فيها (نظام نصف اقامة من الساعة السابعة صباحا الى السادسة مساء ) توفر لهم الاحتفاظ بالتلاميذ كامل اليوم والتكفل بغدائه ومراجعته .

والدليل على ما نقول هو التهافت الكبير لهؤلاء على الدروس الخصوصية في تناقض صارخ مع يجب أن يكون عليه تكوين تلميذ المدارس الخاصة. يعتبرون هاته المدارس تلعب دور الروضة قبل المدرسة.وهم في النهاية منتشون بوهمهم لكنّهم يعدّون سببا قويّا في الفوضى التي يعيشها هذا القطاع والتي أضرّت كثيرا بالتعليم عموما.

ما يجب أن يكون...

لاشكّ أن التعليم الابتدائي الخاص أصبح واقعا اليوم في تونس لكنه لايزال بعيدا عن الرقابة و يمكن أن يؤدّي هذا القطاع دوره كاملا ويقدّم الاضافة للتعليم في تونس .ومحمول اليوم على وزارة التربية أن تقوم بعدد من الاجراءات البسيطة لإصلاح هذا القطاع الحيوي والحسّاس وألا تتركه للسماسرة والتجار يعيثون فيه فسادا و يدمرون مستقبل عدد كبير من أطفالنا.

من هاته الاجراءات :

• اقرار تعريفة موحّدة ومدروسة لمعاليم الدراسة في كل المدارس الابتدائية الخاصة . ومنع العروض التجارية التي تمارسها بعض المدارس وتستنزف الأولياء .

• التأكيد بالمراقبة المستمرة على منع تدريس المعلمين في القطاع العمومي من التدريس في المدارس الخاصة .

• اقرار سلمّ مرتبات موحّد لمعلمي المدارس الخاصة مع معلمي المدارس العمومية. واخضاعهم لدورات تكوينية دورية .

• التكثيف من الزيارات التفقدية لهاته المدارس واخضاع المعلمين فيها لإجراءات المراقبة الفجئية من طرف متفقدي وزارة التربية.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews