إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

العاملات الفلاحيات بسيدي بوزيد تطلقن صيحة فزع ..نعاني من التمييز والتحرش.. ومعضلة النقل أرهقتنا

سيدي بوزيد-الصباح

سجلت ولاية سيدي بوزيد خلال الايام القليلة الماضية، حادث مرور على مستوى الطريق الجهوية رقم 83 الرابط بين مدينتي المكناسي وسيدي بوزيد مرورا بالسوق الجديد، تسبب في وفاة عاملة فلاحية.

حادث اعاد الى اذهان أهالي سيدي بوزيد الحوادث المتكرر في الولاية والتي راح ضحيتها عاملات خرجن لتأمين قوت عائلاتهم الا انهن فارقن الحياة لتتركن عائلاتهن دون عائل . نساء تعملن في ظروف تزداد سوءاً في ظل عدم توفر وسائل نقل آمنة ، فضلاً عن عدم المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وغياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، دون نسيان ظروف العمل غير اللائقة على الرغم من جهود المجتمع المدني للدفع نحن تحسينها.

  ظروف عمل صعبة

فحسب البيانات الصادرة عن "وزارة الفِلاحة تعيش 32% من النساء التونسيّات في مناطق ريفيّة.

وذكر المعهد الوطنيّ للإحصاء أنّ 65% من النساء الريفيّات انقطَعن عن التعليم في سنّ مبكرة، لتتجاوز بذلك نسبة الأمّيّة بين النساء الريفيّات 30%.

حيث تشكّل النساء 70% من القوى العاملة في القطاع الفلاحي ببلادنا، لكنّ أجورهنّ أقلّ بحوالي 50% من الرجال، ويتمتع عدد قليل للغاية منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ أنّ 33% فقط من النساء العاملات في المجال الزراعيّ لديهنّ ضمان اجتماعيّ، وهي نسبة أقلّ أيضاً بكثير من العاملين الرجال ، إذ تستفيد 93,500 سيّدة عاملة في القطاع الفلاحي نظام الحماية الاجتماعيّة مقابل 377 ألف رجل.

في أحد الحقول بولاية سيدي بوزيد، التقت جريدة "الصباح" بإحدى العاملات في المجال الفلاحي ، اسمها "ليلى "، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 31 عاماً، قالت إنّها وكلّ واحدة من زميلاتها العاملات يدفعن دينارين يوميّاً من أجورهنّ مقابل نقلهنّ لمكان العمل، لكنْ منذ شهر ديسمبر المنقضي، طالبت هي وبعض زميلاتها الأخريات زيادة أجورهنّ لتشمل أجرة المواصلات، وأصبحن الآن يتقاضين 15 ديناراً في اليوم مقابل أكثر من 7 ساعات من العمل الشاقّ.

لكنّ ليلي تضطرّ مع ذلك لطلب المساعدة الماليّة من جيرانها عندما تتكبّد أيّة تكاليف باهظة لمعالجة طفلها الذي يعاني من ضعف السمع.

وفي ذات المكان التقينا، بـ"صالحة"، وهي سيّدة تبلغ من العمر 49 عاماً تعمل في الفِلاحة منذ 20 سنة.

وتقول صالحة،عندما أفكّر في قرب قدوم الشتاء أبكي، لأنّي أعلم مدى صعوبة العمل في الحقول الشاسعة خلال الطقس البارد.

وتضيف محدثتنا، أن زوجها، يعاني من مرض خطير وهي نفسها مصابة بفقر الدم، وليس لديهما أيّة تغطية صحّيّة، وهو ما يجعلها تواجه صعوبة بالغة في تلبية احتياجات أسرتها، خاصّة أنّ ابنتها الكبرى لا تعمل، ولديها طفلان آخران، أحدهما في المدرسة الإعداديّة والآخر في الثانويّة.

استغلال وتحرش جنسي

علاوةً على الأجر الزهيد ومهام العمل الشاقّة والخطيرة، تتعرّض العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، إلى العنف بمختلف أشكاله، رغم دخول القانون الأساسيّ عدد 58 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيز التنفيذ.

كريمة في أواخر الثلاثينات من عمرها تعيش في أرياف سيدي بوزيد قالت لـ"الصباح"، إنّ الضرورة دفعتها إلى العمل في الحقول لأوّل مرّة قبل شهرين، مشيرةً إلى أنّها تكافح لتغطية نفقات العيش بينما يكبر أبناءها وتزيد متطلّباتهم، خاصّة في ظلّ ندرة العمل فخلال الموسم الزراعيّ الشحيح، وأثناء رحلة معاناتها في العمل تحقيقا لعيش كريم لأبنائها تعرضت في العديد من المناسبات إلى تحرش جنسي سواء من صاحب الأرض او من الوسيط الذي يقوم بنقلهم بسيارته إلى الحقول للعمل فيها، ما دفعها الى غض الطرف حفاظا على لقمة العيش.

سيّدة أخرى، قالت أنها بدأت من فترة قريبة العمل في الفِلاحة، إنّ الأجر يعتمد على متطلّبات العمل الفِلاحيّ، سواء بالزيادة أو النقصان وعادة ما يكون الأجر 15 ديناراً في اليوم، بينما يتراجع الأجر لدى عدد أخر من أصحاب الحقول والمزارعين ليصل إلى 13 ديناراً، رغم تجاوز ساعات العمل 8 ساعات يوميا.

إضافةً إلى الأجر الزهيد للغاية، تواجه العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، مخاطر جسيمة بسبب وسائل النقل غير الآمنة التي تحملهن من وإلى أماكن عملهنّ، إذ عادة ما تركب عاملات الفِلاحة شاحنات مكتظة، وهو ما يؤدّي أحياناً إلى حوادث مرور مميتة الأمر الذي بدأ يتّخذ منحىً مثيراً للقلق خلال السنوات الأخيرة، وتدفع كلّ عاملة جزءاً من أجرها اليوميّ إلى سائقي الشاحنات الذين كثيراً ما يكدّسون الركّاب داخل الشاحنة لتحقيق ربح أكبر مع كلّ رحلة.

رغم تدخل الدولة… تتواصل المعاناة

وحتى تحظى المرأة بالارياف بلقمة عيش تصون كرامتها تمّ وضع برامج للغرض من بينها إطلاق برنامج "رائدة" لتعزيز ريادة النساء في الأعمال، الذي أنجزته وزارة شؤون المرأة بالتعاون مع البنك التونسيّ للتضامن، مستهدفةً النساء ومنهنّ نساء المناطق الريفيّة، اللواتي يرغبن في إطلاق مشاريع صغيرة أو متوسّطة الحجم.

ومنذ إطلاقه في عام 2016، نفّذ البرنامج الوطنيّ أكثر من 4400 مشروع في جميع ولايات الجمهورية، تغطّي العديد من الأنشطة باستثمارات تُقدَّر بحوالي 37 مليون دينار تونسيّ وتسعى المبادرة، إلى إقامة 8 آلاف مشروع بالبلاد.

فبرغم من أنّ المرأة الريفيّة تمثّل الركيزة الأساسيّة للأمن الغذائيّ في تونس، ومورداً حيويّاً ، فإنّ وضعها الذي طال تجاهله، ولم يتغيّر، يشكّل ملامح الواقع القاسي الذي تعانيه النساء الريفيّات كمواطنات من الدرجة الثانية نتيجة وجودها القويّ في الأنشطة الاقتصاديّة غير الرسميّة- من بين أكثر الفئات عُرضة للمخاطر في ظلّ هذه الظروف الصعبة، بدايةً من تدهور ظروف العمل وصولاً إلى فقدان العمل تماماً.

إبراهيم سليمي

 

 

 العاملات الفلاحيات بسيدي بوزيد تطلقن صيحة فزع ..نعاني من التمييز والتحرش.. ومعضلة النقل أرهقتنا

سيدي بوزيد-الصباح

سجلت ولاية سيدي بوزيد خلال الايام القليلة الماضية، حادث مرور على مستوى الطريق الجهوية رقم 83 الرابط بين مدينتي المكناسي وسيدي بوزيد مرورا بالسوق الجديد، تسبب في وفاة عاملة فلاحية.

حادث اعاد الى اذهان أهالي سيدي بوزيد الحوادث المتكرر في الولاية والتي راح ضحيتها عاملات خرجن لتأمين قوت عائلاتهم الا انهن فارقن الحياة لتتركن عائلاتهن دون عائل . نساء تعملن في ظروف تزداد سوءاً في ظل عدم توفر وسائل نقل آمنة ، فضلاً عن عدم المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وغياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، دون نسيان ظروف العمل غير اللائقة على الرغم من جهود المجتمع المدني للدفع نحن تحسينها.

  ظروف عمل صعبة

فحسب البيانات الصادرة عن "وزارة الفِلاحة تعيش 32% من النساء التونسيّات في مناطق ريفيّة.

وذكر المعهد الوطنيّ للإحصاء أنّ 65% من النساء الريفيّات انقطَعن عن التعليم في سنّ مبكرة، لتتجاوز بذلك نسبة الأمّيّة بين النساء الريفيّات 30%.

حيث تشكّل النساء 70% من القوى العاملة في القطاع الفلاحي ببلادنا، لكنّ أجورهنّ أقلّ بحوالي 50% من الرجال، ويتمتع عدد قليل للغاية منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ أنّ 33% فقط من النساء العاملات في المجال الزراعيّ لديهنّ ضمان اجتماعيّ، وهي نسبة أقلّ أيضاً بكثير من العاملين الرجال ، إذ تستفيد 93,500 سيّدة عاملة في القطاع الفلاحي نظام الحماية الاجتماعيّة مقابل 377 ألف رجل.

في أحد الحقول بولاية سيدي بوزيد، التقت جريدة "الصباح" بإحدى العاملات في المجال الفلاحي ، اسمها "ليلى "، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 31 عاماً، قالت إنّها وكلّ واحدة من زميلاتها العاملات يدفعن دينارين يوميّاً من أجورهنّ مقابل نقلهنّ لمكان العمل، لكنْ منذ شهر ديسمبر المنقضي، طالبت هي وبعض زميلاتها الأخريات زيادة أجورهنّ لتشمل أجرة المواصلات، وأصبحن الآن يتقاضين 15 ديناراً في اليوم مقابل أكثر من 7 ساعات من العمل الشاقّ.

لكنّ ليلي تضطرّ مع ذلك لطلب المساعدة الماليّة من جيرانها عندما تتكبّد أيّة تكاليف باهظة لمعالجة طفلها الذي يعاني من ضعف السمع.

وفي ذات المكان التقينا، بـ"صالحة"، وهي سيّدة تبلغ من العمر 49 عاماً تعمل في الفِلاحة منذ 20 سنة.

وتقول صالحة،عندما أفكّر في قرب قدوم الشتاء أبكي، لأنّي أعلم مدى صعوبة العمل في الحقول الشاسعة خلال الطقس البارد.

وتضيف محدثتنا، أن زوجها، يعاني من مرض خطير وهي نفسها مصابة بفقر الدم، وليس لديهما أيّة تغطية صحّيّة، وهو ما يجعلها تواجه صعوبة بالغة في تلبية احتياجات أسرتها، خاصّة أنّ ابنتها الكبرى لا تعمل، ولديها طفلان آخران، أحدهما في المدرسة الإعداديّة والآخر في الثانويّة.

استغلال وتحرش جنسي

علاوةً على الأجر الزهيد ومهام العمل الشاقّة والخطيرة، تتعرّض العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، إلى العنف بمختلف أشكاله، رغم دخول القانون الأساسيّ عدد 58 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيز التنفيذ.

كريمة في أواخر الثلاثينات من عمرها تعيش في أرياف سيدي بوزيد قالت لـ"الصباح"، إنّ الضرورة دفعتها إلى العمل في الحقول لأوّل مرّة قبل شهرين، مشيرةً إلى أنّها تكافح لتغطية نفقات العيش بينما يكبر أبناءها وتزيد متطلّباتهم، خاصّة في ظلّ ندرة العمل فخلال الموسم الزراعيّ الشحيح، وأثناء رحلة معاناتها في العمل تحقيقا لعيش كريم لأبنائها تعرضت في العديد من المناسبات إلى تحرش جنسي سواء من صاحب الأرض او من الوسيط الذي يقوم بنقلهم بسيارته إلى الحقول للعمل فيها، ما دفعها الى غض الطرف حفاظا على لقمة العيش.

سيّدة أخرى، قالت أنها بدأت من فترة قريبة العمل في الفِلاحة، إنّ الأجر يعتمد على متطلّبات العمل الفِلاحيّ، سواء بالزيادة أو النقصان وعادة ما يكون الأجر 15 ديناراً في اليوم، بينما يتراجع الأجر لدى عدد أخر من أصحاب الحقول والمزارعين ليصل إلى 13 ديناراً، رغم تجاوز ساعات العمل 8 ساعات يوميا.

إضافةً إلى الأجر الزهيد للغاية، تواجه العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، مخاطر جسيمة بسبب وسائل النقل غير الآمنة التي تحملهن من وإلى أماكن عملهنّ، إذ عادة ما تركب عاملات الفِلاحة شاحنات مكتظة، وهو ما يؤدّي أحياناً إلى حوادث مرور مميتة الأمر الذي بدأ يتّخذ منحىً مثيراً للقلق خلال السنوات الأخيرة، وتدفع كلّ عاملة جزءاً من أجرها اليوميّ إلى سائقي الشاحنات الذين كثيراً ما يكدّسون الركّاب داخل الشاحنة لتحقيق ربح أكبر مع كلّ رحلة.

رغم تدخل الدولة… تتواصل المعاناة

وحتى تحظى المرأة بالارياف بلقمة عيش تصون كرامتها تمّ وضع برامج للغرض من بينها إطلاق برنامج "رائدة" لتعزيز ريادة النساء في الأعمال، الذي أنجزته وزارة شؤون المرأة بالتعاون مع البنك التونسيّ للتضامن، مستهدفةً النساء ومنهنّ نساء المناطق الريفيّة، اللواتي يرغبن في إطلاق مشاريع صغيرة أو متوسّطة الحجم.

ومنذ إطلاقه في عام 2016، نفّذ البرنامج الوطنيّ أكثر من 4400 مشروع في جميع ولايات الجمهورية، تغطّي العديد من الأنشطة باستثمارات تُقدَّر بحوالي 37 مليون دينار تونسيّ وتسعى المبادرة، إلى إقامة 8 آلاف مشروع بالبلاد.

فبرغم من أنّ المرأة الريفيّة تمثّل الركيزة الأساسيّة للأمن الغذائيّ في تونس، ومورداً حيويّاً ، فإنّ وضعها الذي طال تجاهله، ولم يتغيّر، يشكّل ملامح الواقع القاسي الذي تعانيه النساء الريفيّات كمواطنات من الدرجة الثانية نتيجة وجودها القويّ في الأنشطة الاقتصاديّة غير الرسميّة- من بين أكثر الفئات عُرضة للمخاطر في ظلّ هذه الظروف الصعبة، بدايةً من تدهور ظروف العمل وصولاً إلى فقدان العمل تماماً.

إبراهيم سليمي

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews