إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي: في الجمعيات الثقافيّة

بقلم: المنصف الحميدي

انطلاقا من المرسوم الذي أصدره السيّد فؤاد المبزع الذي عوّض بن علي عند خروجه من تونس وحلّ محلّه في تسيير شؤون الجمهوريّة التّونسيّة، ذلك المنشور الذّي نظّم تكوين الجمعيّات وإدارتها في كلّ مراحلها، بعثا وممارسة ونشاطا وتصفية تكاثر عدد الجمعيّات بتونس بجميع أصنافها وبلغت الآلاف المؤلّفة شأنها شأن الأحزاب في طفرة أغرقت البلاد في هذا الخضم حتى أنّ كلّ عائلة تقريبا لها منخرطون أو أعضاء أو رؤساء في هذا الاختيار والانتماء إلى هذه أو تلك أضحى موضة يلبسها كلّ مواطن متى أراد وينزعها حين يشاء. وهذا التّكاثر ألهى الجهات المسؤولة حتى غاب التفقّد والإحاطة وانعدمت المحاسبة وفاض الوعاء وضاق المكان، ومنها ما لا يعمل وأخرى تنشط في مخالفة لأهدافها وصنف ثالث لا يفقه أهله قانون الجمعيّات وضوابطها وفيها من لا تجتمع أعضاؤه ولا يعرف بعضهم بعضا والأدهى أنّ كثيرا من هذه الجمعيّات ليست لها مقرّات وتعمل خارج أهدافها أو هي عطّلت نفسها بنفسها، لكنّ هناك جمعيّات قليلة طبعا تمارس نشاطها في شفافيّة وذات عمل رائد أساسه التطوّع ونكران الذّات وأفادت المجتمع والمواطنين في التزام وانضباط متواصلين وثمّة أخرى لها امتدادات خارجيّة وأجنبيّة مع عديد الجهات شرقيّة أو غربيّة ولا تخضع كذلك لمسائلة أو رقابة دورية. وهنا يكمن الخطر فالمفروض تعميم الرّقابة وتحيينها، وجعلها دوريها ومباغتة حتّى لا تحيد عن القوانين والضّوابط المحدّدة باستمرارية عملها. ومن خلال هذا العدد الهائل من الجمعيّات اختلط الحابل بالنابل وركب صهوة الجمعيّات الثقافيّة الكثير ممن ليس لهم لا ناقة ولا جمل في هذا الميدان وأصبحوا عبئا على الجمعيّات الأصيلة ذات الأهداف الثقافيّة الخالصة ومسيّريها المبدعين الحقيقيين، لذلك انكفأ هؤلاء ولم يدخلوا هذا الغمار الذّي شوّهه ولوّثه الدّخلاء وانحرفوا به عن مقاصده الأساسيّة وهو انسحاب ايجابي ومشروع لأنّ هذا الميدان ترذّل وأصبح يعيش التهميش ولا تصدر عنه إلاّ ثقافة الرّداءة والابتذال وصار هؤلاء المسؤولون عن هذه الجمعيّات يطرقون أبواب وزارة الشّؤون الثقافيّة ومندوبياتها ويظفرون بدعم يكون أحيانا سخيّا لكنّه يذهب هباءً منثورا في شكل منح وترضيات لمن تمّ استدعاؤهم لتنشيط فعاليّات هذه الأيّام المزعومة، إضافة إلى تكاليف الإقامة والإعاشة من خلال فواتير منتفخة تتوافق في مصاريفها ومقابيضها وتؤشر بالمصداقة عليها من خلال مراقب المصاريف الجهوي بدون تدقيق في الوثائق والسندات التي تبرّر الصرف، وقد شملت هذه الإجراءات عديد الجمعيّات وكان يراد بها ترشيد تصرّفها ولكنّ ذلك لم يؤت أكله ولا بدّ من الاستعاضة عن هذه الطرق المستحدثة والتي لم تتعمّق في التّدقيق الحسابي. وثمّة قضيّة أخرى وهي فقدان هذه الجمعيّات لمنخرطيها ومساهماتهم الماليّة والأدبيّة في ذلك وخلوّها من جلسات عاديّة وأخرى خارقة للعادة تثار فيها كلّ المسائل المتعلّقة بهذه الخلايا وفيها ما ليس لمسيريها دفاتر إدارية لتنزيل محاضر جلساتها وبرامجها ومداولات أصحابها سواء أكانوا مسييرين أو منخرطين، فحسب الرّئيس وأمين مال الجمعيّة التصرّف وفق إرادتيهما ولا رقيب ولا نذير في عمليهما وفقا للتراتيب الجمعياتيّة. ولقطع دابر هذه الجمعيّات الثقافيّة الذّي أضرّ الكثير منها العمل الثقافي ونزل به إلى الحضيض وتمّ ترذيله بإنتاجات سمجة ورديئة ممّا نتج عنه فشل ذريع في المجالات الثقافيّة وخسرت البلاد جرّاءها ومنا كثيرا أهدرت فيه فرص إضافة إلى تخريج أجيال منبتّة عن واقعها في تنكّر للقيم الوطنيّة والمبادئ الكونيّة دون التحدّث عن الجمعيّات التّي حقنت أدبيّات الإرهاب وخدمة المصالح الضيّقة للمواطن وجعله متهالكا على ذلك في سلبية مقيتة وشوفينية رخيصة وسلفيّة تراجعية وهي تتعمّق إذا زكّتها توجّهات تربويّة رديفة لها انطلاقا من رياض الأطفال ودروس في فضاءات تعليميّة موازية لا تؤمن بالوطن والدّولة وقيم المواطنة والوعي المدني، ولإصلاح ذلك لابد من التّقليل من هذه الجمعيّات المزعومة وعدم دعمها ومراقبتها وإيقافها عند ارتكابها أيّة مخالفة واعتمادها إخلالات جوهريّة أو بسيطة ومحاسبتها بشدّة وتجفيف منابعها وإخراجها من دوائر العمل حلاّ وتصفية والرّجوع إلى التّجارب التّي جرّبت فصحت وهي اللّجان الثقافيّة محليّا وجهويّا ووطنيّا لسدّ الأبواب أمام بعض مديري دور الثّقافة الذين تنقصهم الخبرة ومواصفات القيادة والكريزما وكثير منهم يجتهدون ولا يصيبون وقد زكّوا أنفسهم بإجازات معرفيّة خاوية وأصبحوا ضائعين بين العمل الإداري الضّعيف وبيداغوجيّة التّنشيط التي ركبوها دون تصوّر ولا ممارسة ينقصهم في ذلك الإلمام الحسن بفضاءاتهم والاستشراف الرّائد لمستقبل الثّقافة الوطنيّة المنشودة في رتابة ونمطيّة مميتة.

إعلامي وكاتب – المتلوي

 

رأي: في الجمعيات الثقافيّة

بقلم: المنصف الحميدي

انطلاقا من المرسوم الذي أصدره السيّد فؤاد المبزع الذي عوّض بن علي عند خروجه من تونس وحلّ محلّه في تسيير شؤون الجمهوريّة التّونسيّة، ذلك المنشور الذّي نظّم تكوين الجمعيّات وإدارتها في كلّ مراحلها، بعثا وممارسة ونشاطا وتصفية تكاثر عدد الجمعيّات بتونس بجميع أصنافها وبلغت الآلاف المؤلّفة شأنها شأن الأحزاب في طفرة أغرقت البلاد في هذا الخضم حتى أنّ كلّ عائلة تقريبا لها منخرطون أو أعضاء أو رؤساء في هذا الاختيار والانتماء إلى هذه أو تلك أضحى موضة يلبسها كلّ مواطن متى أراد وينزعها حين يشاء. وهذا التّكاثر ألهى الجهات المسؤولة حتى غاب التفقّد والإحاطة وانعدمت المحاسبة وفاض الوعاء وضاق المكان، ومنها ما لا يعمل وأخرى تنشط في مخالفة لأهدافها وصنف ثالث لا يفقه أهله قانون الجمعيّات وضوابطها وفيها من لا تجتمع أعضاؤه ولا يعرف بعضهم بعضا والأدهى أنّ كثيرا من هذه الجمعيّات ليست لها مقرّات وتعمل خارج أهدافها أو هي عطّلت نفسها بنفسها، لكنّ هناك جمعيّات قليلة طبعا تمارس نشاطها في شفافيّة وذات عمل رائد أساسه التطوّع ونكران الذّات وأفادت المجتمع والمواطنين في التزام وانضباط متواصلين وثمّة أخرى لها امتدادات خارجيّة وأجنبيّة مع عديد الجهات شرقيّة أو غربيّة ولا تخضع كذلك لمسائلة أو رقابة دورية. وهنا يكمن الخطر فالمفروض تعميم الرّقابة وتحيينها، وجعلها دوريها ومباغتة حتّى لا تحيد عن القوانين والضّوابط المحدّدة باستمرارية عملها. ومن خلال هذا العدد الهائل من الجمعيّات اختلط الحابل بالنابل وركب صهوة الجمعيّات الثقافيّة الكثير ممن ليس لهم لا ناقة ولا جمل في هذا الميدان وأصبحوا عبئا على الجمعيّات الأصيلة ذات الأهداف الثقافيّة الخالصة ومسيّريها المبدعين الحقيقيين، لذلك انكفأ هؤلاء ولم يدخلوا هذا الغمار الذّي شوّهه ولوّثه الدّخلاء وانحرفوا به عن مقاصده الأساسيّة وهو انسحاب ايجابي ومشروع لأنّ هذا الميدان ترذّل وأصبح يعيش التهميش ولا تصدر عنه إلاّ ثقافة الرّداءة والابتذال وصار هؤلاء المسؤولون عن هذه الجمعيّات يطرقون أبواب وزارة الشّؤون الثقافيّة ومندوبياتها ويظفرون بدعم يكون أحيانا سخيّا لكنّه يذهب هباءً منثورا في شكل منح وترضيات لمن تمّ استدعاؤهم لتنشيط فعاليّات هذه الأيّام المزعومة، إضافة إلى تكاليف الإقامة والإعاشة من خلال فواتير منتفخة تتوافق في مصاريفها ومقابيضها وتؤشر بالمصداقة عليها من خلال مراقب المصاريف الجهوي بدون تدقيق في الوثائق والسندات التي تبرّر الصرف، وقد شملت هذه الإجراءات عديد الجمعيّات وكان يراد بها ترشيد تصرّفها ولكنّ ذلك لم يؤت أكله ولا بدّ من الاستعاضة عن هذه الطرق المستحدثة والتي لم تتعمّق في التّدقيق الحسابي. وثمّة قضيّة أخرى وهي فقدان هذه الجمعيّات لمنخرطيها ومساهماتهم الماليّة والأدبيّة في ذلك وخلوّها من جلسات عاديّة وأخرى خارقة للعادة تثار فيها كلّ المسائل المتعلّقة بهذه الخلايا وفيها ما ليس لمسيريها دفاتر إدارية لتنزيل محاضر جلساتها وبرامجها ومداولات أصحابها سواء أكانوا مسييرين أو منخرطين، فحسب الرّئيس وأمين مال الجمعيّة التصرّف وفق إرادتيهما ولا رقيب ولا نذير في عمليهما وفقا للتراتيب الجمعياتيّة. ولقطع دابر هذه الجمعيّات الثقافيّة الذّي أضرّ الكثير منها العمل الثقافي ونزل به إلى الحضيض وتمّ ترذيله بإنتاجات سمجة ورديئة ممّا نتج عنه فشل ذريع في المجالات الثقافيّة وخسرت البلاد جرّاءها ومنا كثيرا أهدرت فيه فرص إضافة إلى تخريج أجيال منبتّة عن واقعها في تنكّر للقيم الوطنيّة والمبادئ الكونيّة دون التحدّث عن الجمعيّات التّي حقنت أدبيّات الإرهاب وخدمة المصالح الضيّقة للمواطن وجعله متهالكا على ذلك في سلبية مقيتة وشوفينية رخيصة وسلفيّة تراجعية وهي تتعمّق إذا زكّتها توجّهات تربويّة رديفة لها انطلاقا من رياض الأطفال ودروس في فضاءات تعليميّة موازية لا تؤمن بالوطن والدّولة وقيم المواطنة والوعي المدني، ولإصلاح ذلك لابد من التّقليل من هذه الجمعيّات المزعومة وعدم دعمها ومراقبتها وإيقافها عند ارتكابها أيّة مخالفة واعتمادها إخلالات جوهريّة أو بسيطة ومحاسبتها بشدّة وتجفيف منابعها وإخراجها من دوائر العمل حلاّ وتصفية والرّجوع إلى التّجارب التّي جرّبت فصحت وهي اللّجان الثقافيّة محليّا وجهويّا ووطنيّا لسدّ الأبواب أمام بعض مديري دور الثّقافة الذين تنقصهم الخبرة ومواصفات القيادة والكريزما وكثير منهم يجتهدون ولا يصيبون وقد زكّوا أنفسهم بإجازات معرفيّة خاوية وأصبحوا ضائعين بين العمل الإداري الضّعيف وبيداغوجيّة التّنشيط التي ركبوها دون تصوّر ولا ممارسة ينقصهم في ذلك الإلمام الحسن بفضاءاتهم والاستشراف الرّائد لمستقبل الثّقافة الوطنيّة المنشودة في رتابة ونمطيّة مميتة.

إعلامي وكاتب – المتلوي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews