إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحياة تساوي بضعة دنانير لمن استطاع إليها سبيلا

 يكتبها: محمد معمري

حدثني صديق الدراسة الجامعية والمربي اليوم عن رحلته الأسبوع الماضي بين المستشفيات التونسية، رحلة كانت مرهقة له ولزوجته زميلة الدراسة والمربية أيضا التي عانت الويلات في رحلة مضنية من أجل إنقاذ حياتها .

الحكاية بدأت سنة 2006 عندما أصيبت الزميلة بجلطة دماغية تجاوزتها بسلام لكن آثارها بقيت ملازمة لها، لتعاود في ديسمبر 2021 حالات الإغماء المفاجئة التي تصيبها بشكل متواتر وعند استشارة الأطباء قيل أن السبب في ذلك مخلفات الجلطة الدماغية التي تخلف نوعا من الصرع يصيب المريض نتيجة خلل ما في الدماغ، لتتواصل رحلة العلاج بين الأطباء في تونس العاصمة وولاية نابل .

المريضة تعرضت إلى انتكاسة صحية خطيرة في وسط الأسبوع الماضي حيث أصيبت بحالات إغماء وصعوبة في التنفس بشكل متكرر مما دفع زوجها إلى نقلها فجرا إلى معهد المنجي بن حميدة لأمراض الأعصاب بالرابطة، قاموا بتشخيص الحالة وأجمعوا أن هناك اضطرابات في مستوى القلب حيث ينزل نبض القلب إلى مستوى 28 نبضة ليعاود الصعود إلى مستوى أكثر من 150 نبضة بشكل مفاجئ، وقد أكد الأطباء في مستشفى الأعصاب أن الأمر يستدعي دعوة طبيب مختص في القلب من مستشفى الرابطة، وللذين لا يعرفون مستشفى الأعصاب ومستشفى الرابطة فالمسافة الفاصلة بينهما هو طريق لا يتجاوز عرضه ستة أمتار في أحسن الأحوال، ومع ذلك تتطلب دعوة طبيب مختص في القلب من مستشفى الرابطة أكثر من ثلاث ساعات وبعد تحول الزوج إلى مستشفى الرابطة تمّ إرسال طبيب قلب مقيم شخّص الحالة على أن ما تعانية المريضة لا علاقة له بالقلب .

هنا كان على زوجها اللجوء إلى استئجار سيارة إسعاف مع فريق طبي لنقلها إلى إحدى المصحات الخاصة، عند قدوم سيارة الإسعاف الخاص والفريق الطبي المرافق لها أكدوا لصديقي أن زوجته في حالة خطيرة جدا وقد تتعرض إلى انتكاسة تسبب في وفاتها عند نقلها، أجابهم صديقي بأنها وهي ملقاة هنا دون إسعافات تذكر في مستشفى الأعصاب ستموت لا محالة، فعملية نقلها إلى مصحة خاصة قد يكون أملا أخيرا لإنقاذها، تم نقل المريضة إلى إحدى المصحات الخاصة أين قدمت لها الإسعافات بعد أن تعرضت في المصحة إلى أزمة قلبية وتمّ إيوائها في العناية المركزة في مرحلة أولى وإجراء عملية على القلب تتمثل في زرع شريحة لضبط نبضات القلب (المصطلحات الطبية الدقيقة اجهلها وهذا وصف للحالة فقط)، وهو ما تمّ في وقت قياسي ليتم إنقاذ المريضة من موت محتم رغم يقيننا باعتبارنا مسلمين قدريين بأن الموت والحياة أمر لا دخل للبشر فيه لكن هي أسباب لا غير. وقد تكلفت عملية إنقاذ صديقي لزوجته آلاف الدينارات ، واعتقد جازما بأن عددا كبيرا من التونسيين لا يملكون مثل هذا المبلغ في حالة تعرضهم لمثل هذا الموقف وهو ما يعني الوفاة لمرضاهم أو العيش بمخلفات صحية من قبيل فقدان أحد الحواس وهو أمر متواتر في مثل هذه الحالات.

هذه الواقعة وغيرها من الوقائع الكثيرة تبين أن خللا ما أصاب منظومتنا الصحية يستدعي وقفة تأمل تتعلق بظروف العمل والتجهيزات المتوفرة وكفاءة الإطارات الطبية وشبه الطبية ،فهل فكرت مثلا وزارة الصحة العمومية في إعداد دارسة إحصائية حول عدد الوفيات ونسبها ممن ادخلوا إلى العناية المركزة في مستشفيات العاصمة والمدن الساحلية ومقارنتها بالمدن الداخلية؟ فأنا على شبه يقين بأن الوزارة ستصدم من فوارق النسب خاصة في الوفيات مما يعني أن حتى حق الحياة غير مضمون في تونس نتيجة اعتلال منظومتنا الصحية العمومية وتراجعها المفزع فى السنوات الأخيرة. كما أدعو الزملاء الصحفيين من المختصين في صحافة البيانات Data Journalism إلى العمل على هذا الموضوع حتى نخرج باستنتاجات قد تكون مفيدة في المستقبل.

منذ أشهر استمعت إلى أحد البرامج الإذاعية دعيت فيه وزيرة الصحية سابقة هي الدكتورة سميرة مرعي فريعة تحدثت فيه عن كلفة بناء مستشفى عمومي ومصحة خاصة، فبينت أن وحدة القياس في هذا المجال هو السرير، فكلفة سرير بتجهيزاته وكلفة تشغيله من إطارات بشرية في مختلف المجالات من إعاشة ورعاية طبية وشبه طبية وإدارية وحراسة المكان ونظافة وغيرها، كلفة السرير في المستشفيات العمومية تتكلف تقريبا ضعف كلفة سرير في المصحات الخاصة وهنا وجب طرح السؤال مرة أخرى أين الخلل؟ لماذا كلفة سرير مثلا تكون في حدود 600 ألف دينار (الأرقام تقريبية وليست صحيحة) في المصحات الخاصة بينما تتجاوز المليون دينار في المستشفيات العمومية؟ .

الصحة عنوان الحياة وعنوان احترام إنسانية الإنسان ودونها فنحن العدم.

ملاحظة أخيرة: كل ما ذكرت من أحداث موثق.

 

الحياة تساوي بضعة دنانير لمن استطاع إليها سبيلا

 يكتبها: محمد معمري

حدثني صديق الدراسة الجامعية والمربي اليوم عن رحلته الأسبوع الماضي بين المستشفيات التونسية، رحلة كانت مرهقة له ولزوجته زميلة الدراسة والمربية أيضا التي عانت الويلات في رحلة مضنية من أجل إنقاذ حياتها .

الحكاية بدأت سنة 2006 عندما أصيبت الزميلة بجلطة دماغية تجاوزتها بسلام لكن آثارها بقيت ملازمة لها، لتعاود في ديسمبر 2021 حالات الإغماء المفاجئة التي تصيبها بشكل متواتر وعند استشارة الأطباء قيل أن السبب في ذلك مخلفات الجلطة الدماغية التي تخلف نوعا من الصرع يصيب المريض نتيجة خلل ما في الدماغ، لتتواصل رحلة العلاج بين الأطباء في تونس العاصمة وولاية نابل .

المريضة تعرضت إلى انتكاسة صحية خطيرة في وسط الأسبوع الماضي حيث أصيبت بحالات إغماء وصعوبة في التنفس بشكل متكرر مما دفع زوجها إلى نقلها فجرا إلى معهد المنجي بن حميدة لأمراض الأعصاب بالرابطة، قاموا بتشخيص الحالة وأجمعوا أن هناك اضطرابات في مستوى القلب حيث ينزل نبض القلب إلى مستوى 28 نبضة ليعاود الصعود إلى مستوى أكثر من 150 نبضة بشكل مفاجئ، وقد أكد الأطباء في مستشفى الأعصاب أن الأمر يستدعي دعوة طبيب مختص في القلب من مستشفى الرابطة، وللذين لا يعرفون مستشفى الأعصاب ومستشفى الرابطة فالمسافة الفاصلة بينهما هو طريق لا يتجاوز عرضه ستة أمتار في أحسن الأحوال، ومع ذلك تتطلب دعوة طبيب مختص في القلب من مستشفى الرابطة أكثر من ثلاث ساعات وبعد تحول الزوج إلى مستشفى الرابطة تمّ إرسال طبيب قلب مقيم شخّص الحالة على أن ما تعانية المريضة لا علاقة له بالقلب .

هنا كان على زوجها اللجوء إلى استئجار سيارة إسعاف مع فريق طبي لنقلها إلى إحدى المصحات الخاصة، عند قدوم سيارة الإسعاف الخاص والفريق الطبي المرافق لها أكدوا لصديقي أن زوجته في حالة خطيرة جدا وقد تتعرض إلى انتكاسة تسبب في وفاتها عند نقلها، أجابهم صديقي بأنها وهي ملقاة هنا دون إسعافات تذكر في مستشفى الأعصاب ستموت لا محالة، فعملية نقلها إلى مصحة خاصة قد يكون أملا أخيرا لإنقاذها، تم نقل المريضة إلى إحدى المصحات الخاصة أين قدمت لها الإسعافات بعد أن تعرضت في المصحة إلى أزمة قلبية وتمّ إيوائها في العناية المركزة في مرحلة أولى وإجراء عملية على القلب تتمثل في زرع شريحة لضبط نبضات القلب (المصطلحات الطبية الدقيقة اجهلها وهذا وصف للحالة فقط)، وهو ما تمّ في وقت قياسي ليتم إنقاذ المريضة من موت محتم رغم يقيننا باعتبارنا مسلمين قدريين بأن الموت والحياة أمر لا دخل للبشر فيه لكن هي أسباب لا غير. وقد تكلفت عملية إنقاذ صديقي لزوجته آلاف الدينارات ، واعتقد جازما بأن عددا كبيرا من التونسيين لا يملكون مثل هذا المبلغ في حالة تعرضهم لمثل هذا الموقف وهو ما يعني الوفاة لمرضاهم أو العيش بمخلفات صحية من قبيل فقدان أحد الحواس وهو أمر متواتر في مثل هذه الحالات.

هذه الواقعة وغيرها من الوقائع الكثيرة تبين أن خللا ما أصاب منظومتنا الصحية يستدعي وقفة تأمل تتعلق بظروف العمل والتجهيزات المتوفرة وكفاءة الإطارات الطبية وشبه الطبية ،فهل فكرت مثلا وزارة الصحة العمومية في إعداد دارسة إحصائية حول عدد الوفيات ونسبها ممن ادخلوا إلى العناية المركزة في مستشفيات العاصمة والمدن الساحلية ومقارنتها بالمدن الداخلية؟ فأنا على شبه يقين بأن الوزارة ستصدم من فوارق النسب خاصة في الوفيات مما يعني أن حتى حق الحياة غير مضمون في تونس نتيجة اعتلال منظومتنا الصحية العمومية وتراجعها المفزع فى السنوات الأخيرة. كما أدعو الزملاء الصحفيين من المختصين في صحافة البيانات Data Journalism إلى العمل على هذا الموضوع حتى نخرج باستنتاجات قد تكون مفيدة في المستقبل.

منذ أشهر استمعت إلى أحد البرامج الإذاعية دعيت فيه وزيرة الصحية سابقة هي الدكتورة سميرة مرعي فريعة تحدثت فيه عن كلفة بناء مستشفى عمومي ومصحة خاصة، فبينت أن وحدة القياس في هذا المجال هو السرير، فكلفة سرير بتجهيزاته وكلفة تشغيله من إطارات بشرية في مختلف المجالات من إعاشة ورعاية طبية وشبه طبية وإدارية وحراسة المكان ونظافة وغيرها، كلفة السرير في المستشفيات العمومية تتكلف تقريبا ضعف كلفة سرير في المصحات الخاصة وهنا وجب طرح السؤال مرة أخرى أين الخلل؟ لماذا كلفة سرير مثلا تكون في حدود 600 ألف دينار (الأرقام تقريبية وليست صحيحة) في المصحات الخاصة بينما تتجاوز المليون دينار في المستشفيات العمومية؟ .

الصحة عنوان الحياة وعنوان احترام إنسانية الإنسان ودونها فنحن العدم.

ملاحظة أخيرة: كل ما ذكرت من أحداث موثق.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews