إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد 10 أشهر من انطلاق عملية التدقيق الشامل للهبات والقروض.. أرقام ضخمة وإخلالات بالجملة ستحدد المسؤوليات لدى جميع الجهات المتدخلة

 

 

- في انتظار الإعلان عنها.. الهبات والقروض في عشرية الثورة تجاوزت الـ 110 مليار دينار

- قرارات وإجراءات ردعية ستشمل كل التجاوزات التي طالت الملف

تونس-الصباح

انتهت وزارة المالية من عملية التدقيق الشامل، الموكولة بعد عشرة أشهر كاملة وهي التي انطلقت في هذه المهمة الموكولة على عاتقها منذ شهر أكتوبر من السنة المنقضية بهدف إتمامها في اقرب الآجال وكانت قد وضعت وقتها سقفا زمنيا بان لا تتجاوز في أقصى الحالات الثلاثة أشهر نظرا للصبغة الاستعجالية التي تتنزل فيها، لكن العملية لم تكن بالسهلة بالنظر إلى حساسية الملف ودقته.

وقدمت وزارة المالية أمس الأول بصفة رسمية التقرير النهائي لعملية الجرد الشامل للقروض والهبات الممنوحة للدولة التونسية والمؤسسات العمومية طيلة عشرية الثورة، على أن تكون النتائج متاحة للعموم في الأيام القليلة القادمة حتى تتضح كل الملابسات التي تحوم حول التمويلات الخارجية ويتم على ضوئها اتخاذ الإجراءات اللازمة مع إصلاح شامل للمنظومة بأكملها، كما ستقف من خلالها كل الأطراف المتدخلة في العملية على درجة الخطورة والمسؤولية لهذه العمليات التمويلية..

وحسب تصريحات رئيس الجمهورية خلال اجتماعه بكل من وزيرة المالية سهام بن نمصية ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، فان نتائج التقرير صادمة من حيث حجم هذه التمويلات ومن حيث كيفية التصرف فيها مع الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة..

حيث أكد رئيس الجمهورية، على ضرورة ترتيب الآثار القانونية عن كل تجاوز، مشيرا إلى أن الأرقام الواردة بهذا التقرير ضخمة وخاصة بالنسبة إلى الهبات التي كان من المفترض أن ينتفع بها مستحقها الطبيعي وهو الشعب التونسي، علما وأن بعض الهبات استفاد منها أشخاص ولم تطالهم بعد يد القضاء..

كما صرح الرئيس في ذات السياق بأنه في حال إن كان البعض مازال يشكك في الوصول إلى الحقيقة فإما أنه متورط ومستفيد وإما أنه يسعى إلى إحباط العزائم حتى لا تعود أموال الشعب إلى الدولة التونسية، فطرق التوصل إلى الحقيقة كثيرة والقضاء العادل سيبت في هذه الملفات بالنسبة إلى من يسعى إلى إخفائها أو بالنسبة إلى من استفاد منها"، حسب تعبيره..

وكان رئيس الجمهورية، قد كلف وزيرة المالية في أكتوبر 2021، بإجراء "جرد شامل" للهبات والقروض التي تحصلت عليها تونس في السنوات العشرة الماضية".، بالانطلاق من تصريحه "لا بد من معرفة مآل القروض التي جاءت من الخارج.. مليارات تم ضخها في تونس ولكن لا أثر لها في الواقع، سيتحمل كل شخص في هذا المجال مسؤوليته"، أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟ راجعوا بعض التصريحات لعدد من الدول التي قدمت لتونس قروضا.. أين ذهبت هذه القروض لأكثر من 10 سنوات؟".

وكان هذا التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ شهر أكتوبر من سنة 2021، خلال مجلس وزاري، طالب من خلالها وزيرة المالية سهام بن نمصية بأن تقوم بجرد كامل لكل التمويلات الخارجية التي منحت لتونس خلال العشرية الأخيرة بجميع أصنافها من قروض وهبات، بهدف معرفة كيفية التصرف فيها..

وبمجرد إثارة هذا الملف الثقيل الذي تعاقبت عليه حكومات ما بعد الثورة، أصبح خلال الآونة الأخيرة، من أمهات القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، وتباينت الآراء بين الأوساط التونسية على اختلاف أطيافها من سياسيين وأفراد ومنظمات المجتمع المدني حول هذه التصريحات، بين مثمن لتصريحات سعيد في علاقة بمشروعه الإصلاحي ومكافحة الفساد، وبين منتقد لها على مستوى تداعياتها السلبية على صورة تونس لدى الخارج والجهات المانحة على وجه الخصوص، والحال أن بلادنا اليوم تعرف صعوبة كبيرة في تعبئة موارد لتمويل ميزانيتها التي تسجل عجزا بـ 9.7 مليار دينار...

حجم القروض والهبات خلال العشرية الأخيرة فاق الـ 110 مليار دينار

وقبل الإعلان الرسمي عن نتائج التقرير المذكور، وانطلاقا من الأرقام والإحصائيات الرسمية لوزارة المالية، فان جميع أصناف هذه التمويلات، سجلت بلادنا تزيدا ملحوظا في حجم الدين العمومي في السنوات الأخيرة ليصل مع موفى شهر ماي المنقضي إلى ما يناهز الـ 107.7 مليار دينار بعد أن كانت القيمة في حدود الـ 101.197 مليار دينار في نفس الفترة من 2021، وفي حدود الـ90.240 مليار دينار في نفس الفترة من سنة 2020؛ وتتوزع هذه القيمة بين قروض خارجية بـ 66.2 مليار دينار وقروض داخلية بما يناهز الـ 41.5 مليار دينار.. مع توقعات بان تصل الديون العمومية للدولة مع موفى هذه السنة 2022 إلى حدود الـ 114 مليار دينار...

كما توقع العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي أن يتجاوز حجم جميع التمويلات الخارجية من قروض وهبات خلال العشرية الأخيرة حدود الـ 112 مليار دينار، من ذلك، حدد الخبير في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان في تصريح سابق لـ "الصباح" حجم هذه التمويلات التي تم منحها إلى بلادنا منذ سنة 2011 إلى اليوم، بما يناهز الـ 110 مليار دينار، معتبرا أن هذا الرقم الضخم أدى إلى وصول الدولة إلى مرحلة التداين المشط بمعنى مرحلة التشكيك في قدرة بلادنا على الإيفاء بتعهداتها ومواصلة تسديد الدين بصفة طبيعية..

وأكد سعيدان في ذات السياق أن جزءا كبيرا من هذه التمويلات تم توجيهها الى النفقات العمومية الموزعة بين نفقات عامة غير مجدية ونفقات غير عادية، عوض توجيهها في الاستثمار والإصلاحات، وهو ما تسبب في الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد اليوم.

واعتبر سعيدان أن ربع الميزانية العمومية المقدرة بـ 18 مليارا خلال سنة 2010 كان مخصصا للباب الثاني المتعلق بالاستثمار العمومي، لكن اليوم في ميزانية 2021 عرف تراجعا ليصل إلى 3 بالمائة فقط، بما يؤكد أن الدولة شبه تخلت عن دورها الأساسي في الاستثمار العمومي..

وهذا التفسير الذي ذهب إليه سعيدان، يؤكد أن الدولة لا تهتم بالقطاعات التي تدر القيمة المضافة وتخير الاقتراض وهو ما تسبب في إغراقها في التداين والأخطر أن هذه التمويلات الخارجية لا توجه إلى المسارات الحقيقية وتصرف في مسارات مغايرة على غرار التأجير...

وبخصوص التدقيق الشامل الذي طالب به رئيس الجمهورية، فيرى سعيدان أن الجهات المراقبة قامت بدورها وحان الوقت اليوم أن نعرف حقيقة الاخلالات التي تحوم حول القروض والهبات التي منحت لتونس في السنوات الأخيرة، معتبرا أن كل التصريحات التي أدلى بها قيس سعيد بخصوص التمويلات الخارجية هي عادية ولا تمس من مصداقية الجهات المانحة بل بالعكس يمكن أن يكون لها بعدا ايجابيا لأنها تعكس حرص الدولة على متابعة سير هذه التمويلات...

بالمقابل، أشار سعيدان إلى أن ما يهم الجهات المانحة هو تجنب سوء التصرف في الأموال التي تمنحها للدولة، لان ذلك يؤثر على قدرتها على السداد وهو ما يحدد موقف هذه الجهات من بلادنا في ما يتعلق بمواصلة تمويلها مستقبلا...

وأكد سعيدان مع انطلاق عملية التدقيق الشامل على أهمية حسن اختيار الفريق الذي سيتولى عملية التدقيق الشامل على مستوى الكفاءة وان يكون فريقا قويا للقيام بهذا العمل في الوقت اللازم، كما يجب أن يكون هذا الفريق مرتبطا بالإرادة السياسية حتى تصبح النتائج واضحة لدى التونسيين ولدى الجهات المانحة على حد السواء..

تفاعل واسع مع ملف التدقيق الشامل..

تفاعلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مع ملف القروض والهبات الممنوحة لتونس في السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، من ذلك عاب "مرصد رقابة" ممثلا في رئيسه عماد الدايمي طريقة تصرف الدولة في هذه التمويلات لأنها لا تخضع إلى إستراتيجية واضحة..

واعتبر المرصد أن الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 إلى 2020، مهما بعد أن بلغ 90 مليار دينار، مع توقعات مؤكدة أن تفوق الـ 100 مليار دينار موفى السنة الحالية، هذا وكشف المرصد أن نسبة القروض المخصصة لتمويل الاقتصاد تجاوزت الـ 60 بالمائة من مجموع القروض .

كما بين "مرصد رقابة" أنه قد وقع الالتجاء إلى القروض دون استكمال الدراسات ودون حل الإشكاليات العقارية إضافة إلى تعطل المشاريع بسبب التحركات الاجتماعية وتقصير الوزارات في مد وزارة المالية بأرقام محينة، حسب ما أفاد به رئيس المرصد.

التدقيق الشامل مشروع مفعل منذ 2018

في طرح هذا الملف، تعود بنا الذاكرة إلى المشروع الإصلاحي الذي انطلقت فيه الدولة منذ 2018، الذي يتعلق بالدين العمومي في العديد من النقاط الإصلاحية الهامة آنذاك والرجوع بالتالي إلى متابعة هذا المشروع ومدى نجاعته في المجال...

وقد تم وضع إستراتجية للدين العمومي، تهدف بالأساس إلى تغيير نسب التداين في اتجاه تقليص الخارجي منه الذي يستحوذ على 70 بالمائة والتعويل على الاقتراض الداخلي المحدد بـ 30 بالمائة، وتعتبر وزارة المالية هي الهيكل الذي يتولى إلى حد اليوم متابعة هذه الإستراتيجية تحديدا صلب إدارة الدين العمومي.

ويعتبر البرنامج الإصلاحي في مجال الدين العمومي من ابرز الإصلاحات التي وضعتها الدولة للحصول على تمويلات من قبل البنك الدولي، ويشمل على عدد من النقاط بدءا بإستراتيجية الدين العمومي التي تهدف إلى تقليل تكلفة التداين والتعويل على التمويل المتعدد الأطراف وتغيير نسب التداين بين الداخلي والخارجي، فضلا عن مشروع وكالة الخزينة، الذي تم إجهاضه لأسباب داخلية صلب وزارة المالية ولم يمر بالمجلس الوزاري ليبقى حبرا على ورق...

وفي نقاط البرنامج الإصلاحي الذي وضعته الدولة في الدين العمومي أيضا، فرض إعداد تقرير سنوي حول الدين العمومي في قانون الميزانية العمومية، ويبقى الهدف الأساسي من هذا البرنامج عموما هو تنويع مصادر التمويل والتعويل على الاقتراض الداخلي والتحكم في التداين خاصة الخارجي...

وتعد كل العمليات التمويلية التي تتم بين الجهات المانحة والدولة التونسية تمر بمجلس النواب ليتم في ما بعد وضع التمويلات الخارجية في حساب بنكي لدى البنك المركزي باسم الدولة التونسية يتم تضمينه في قانون الميزانية العمومية، وفي مرحلة موالية تقوم مصالح الرقابة بمتابعة سير هذه التمويلات ومدى نجاعة التصرف فيها..

وفي انتظار ما سيعلن عنه قريبا من نتائج تخص التدقيق الشامل في الهبات والقروض التي تحصلت عليها الدولة في العشرية الأخيرة، من المنتظر أن يتم إطلاق جملة من الإجراءات والقرارات والعقوبات الجزائية التي ستحدد كل المسؤوليات لجميع الجهات المتدخلة في الملف.

وفاء بن محمد

 

 

 

 

 

 

 

بعد 10 أشهر من انطلاق عملية التدقيق الشامل للهبات والقروض.. أرقام ضخمة وإخلالات بالجملة ستحدد المسؤوليات لدى جميع الجهات المتدخلة

 

 

- في انتظار الإعلان عنها.. الهبات والقروض في عشرية الثورة تجاوزت الـ 110 مليار دينار

- قرارات وإجراءات ردعية ستشمل كل التجاوزات التي طالت الملف

تونس-الصباح

انتهت وزارة المالية من عملية التدقيق الشامل، الموكولة بعد عشرة أشهر كاملة وهي التي انطلقت في هذه المهمة الموكولة على عاتقها منذ شهر أكتوبر من السنة المنقضية بهدف إتمامها في اقرب الآجال وكانت قد وضعت وقتها سقفا زمنيا بان لا تتجاوز في أقصى الحالات الثلاثة أشهر نظرا للصبغة الاستعجالية التي تتنزل فيها، لكن العملية لم تكن بالسهلة بالنظر إلى حساسية الملف ودقته.

وقدمت وزارة المالية أمس الأول بصفة رسمية التقرير النهائي لعملية الجرد الشامل للقروض والهبات الممنوحة للدولة التونسية والمؤسسات العمومية طيلة عشرية الثورة، على أن تكون النتائج متاحة للعموم في الأيام القليلة القادمة حتى تتضح كل الملابسات التي تحوم حول التمويلات الخارجية ويتم على ضوئها اتخاذ الإجراءات اللازمة مع إصلاح شامل للمنظومة بأكملها، كما ستقف من خلالها كل الأطراف المتدخلة في العملية على درجة الخطورة والمسؤولية لهذه العمليات التمويلية..

وحسب تصريحات رئيس الجمهورية خلال اجتماعه بكل من وزيرة المالية سهام بن نمصية ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، فان نتائج التقرير صادمة من حيث حجم هذه التمويلات ومن حيث كيفية التصرف فيها مع الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة..

حيث أكد رئيس الجمهورية، على ضرورة ترتيب الآثار القانونية عن كل تجاوز، مشيرا إلى أن الأرقام الواردة بهذا التقرير ضخمة وخاصة بالنسبة إلى الهبات التي كان من المفترض أن ينتفع بها مستحقها الطبيعي وهو الشعب التونسي، علما وأن بعض الهبات استفاد منها أشخاص ولم تطالهم بعد يد القضاء..

كما صرح الرئيس في ذات السياق بأنه في حال إن كان البعض مازال يشكك في الوصول إلى الحقيقة فإما أنه متورط ومستفيد وإما أنه يسعى إلى إحباط العزائم حتى لا تعود أموال الشعب إلى الدولة التونسية، فطرق التوصل إلى الحقيقة كثيرة والقضاء العادل سيبت في هذه الملفات بالنسبة إلى من يسعى إلى إخفائها أو بالنسبة إلى من استفاد منها"، حسب تعبيره..

وكان رئيس الجمهورية، قد كلف وزيرة المالية في أكتوبر 2021، بإجراء "جرد شامل" للهبات والقروض التي تحصلت عليها تونس في السنوات العشرة الماضية".، بالانطلاق من تصريحه "لا بد من معرفة مآل القروض التي جاءت من الخارج.. مليارات تم ضخها في تونس ولكن لا أثر لها في الواقع، سيتحمل كل شخص في هذا المجال مسؤوليته"، أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟ راجعوا بعض التصريحات لعدد من الدول التي قدمت لتونس قروضا.. أين ذهبت هذه القروض لأكثر من 10 سنوات؟".

وكان هذا التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ شهر أكتوبر من سنة 2021، خلال مجلس وزاري، طالب من خلالها وزيرة المالية سهام بن نمصية بأن تقوم بجرد كامل لكل التمويلات الخارجية التي منحت لتونس خلال العشرية الأخيرة بجميع أصنافها من قروض وهبات، بهدف معرفة كيفية التصرف فيها..

وبمجرد إثارة هذا الملف الثقيل الذي تعاقبت عليه حكومات ما بعد الثورة، أصبح خلال الآونة الأخيرة، من أمهات القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، وتباينت الآراء بين الأوساط التونسية على اختلاف أطيافها من سياسيين وأفراد ومنظمات المجتمع المدني حول هذه التصريحات، بين مثمن لتصريحات سعيد في علاقة بمشروعه الإصلاحي ومكافحة الفساد، وبين منتقد لها على مستوى تداعياتها السلبية على صورة تونس لدى الخارج والجهات المانحة على وجه الخصوص، والحال أن بلادنا اليوم تعرف صعوبة كبيرة في تعبئة موارد لتمويل ميزانيتها التي تسجل عجزا بـ 9.7 مليار دينار...

حجم القروض والهبات خلال العشرية الأخيرة فاق الـ 110 مليار دينار

وقبل الإعلان الرسمي عن نتائج التقرير المذكور، وانطلاقا من الأرقام والإحصائيات الرسمية لوزارة المالية، فان جميع أصناف هذه التمويلات، سجلت بلادنا تزيدا ملحوظا في حجم الدين العمومي في السنوات الأخيرة ليصل مع موفى شهر ماي المنقضي إلى ما يناهز الـ 107.7 مليار دينار بعد أن كانت القيمة في حدود الـ 101.197 مليار دينار في نفس الفترة من 2021، وفي حدود الـ90.240 مليار دينار في نفس الفترة من سنة 2020؛ وتتوزع هذه القيمة بين قروض خارجية بـ 66.2 مليار دينار وقروض داخلية بما يناهز الـ 41.5 مليار دينار.. مع توقعات بان تصل الديون العمومية للدولة مع موفى هذه السنة 2022 إلى حدود الـ 114 مليار دينار...

كما توقع العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي أن يتجاوز حجم جميع التمويلات الخارجية من قروض وهبات خلال العشرية الأخيرة حدود الـ 112 مليار دينار، من ذلك، حدد الخبير في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان في تصريح سابق لـ "الصباح" حجم هذه التمويلات التي تم منحها إلى بلادنا منذ سنة 2011 إلى اليوم، بما يناهز الـ 110 مليار دينار، معتبرا أن هذا الرقم الضخم أدى إلى وصول الدولة إلى مرحلة التداين المشط بمعنى مرحلة التشكيك في قدرة بلادنا على الإيفاء بتعهداتها ومواصلة تسديد الدين بصفة طبيعية..

وأكد سعيدان في ذات السياق أن جزءا كبيرا من هذه التمويلات تم توجيهها الى النفقات العمومية الموزعة بين نفقات عامة غير مجدية ونفقات غير عادية، عوض توجيهها في الاستثمار والإصلاحات، وهو ما تسبب في الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد اليوم.

واعتبر سعيدان أن ربع الميزانية العمومية المقدرة بـ 18 مليارا خلال سنة 2010 كان مخصصا للباب الثاني المتعلق بالاستثمار العمومي، لكن اليوم في ميزانية 2021 عرف تراجعا ليصل إلى 3 بالمائة فقط، بما يؤكد أن الدولة شبه تخلت عن دورها الأساسي في الاستثمار العمومي..

وهذا التفسير الذي ذهب إليه سعيدان، يؤكد أن الدولة لا تهتم بالقطاعات التي تدر القيمة المضافة وتخير الاقتراض وهو ما تسبب في إغراقها في التداين والأخطر أن هذه التمويلات الخارجية لا توجه إلى المسارات الحقيقية وتصرف في مسارات مغايرة على غرار التأجير...

وبخصوص التدقيق الشامل الذي طالب به رئيس الجمهورية، فيرى سعيدان أن الجهات المراقبة قامت بدورها وحان الوقت اليوم أن نعرف حقيقة الاخلالات التي تحوم حول القروض والهبات التي منحت لتونس في السنوات الأخيرة، معتبرا أن كل التصريحات التي أدلى بها قيس سعيد بخصوص التمويلات الخارجية هي عادية ولا تمس من مصداقية الجهات المانحة بل بالعكس يمكن أن يكون لها بعدا ايجابيا لأنها تعكس حرص الدولة على متابعة سير هذه التمويلات...

بالمقابل، أشار سعيدان إلى أن ما يهم الجهات المانحة هو تجنب سوء التصرف في الأموال التي تمنحها للدولة، لان ذلك يؤثر على قدرتها على السداد وهو ما يحدد موقف هذه الجهات من بلادنا في ما يتعلق بمواصلة تمويلها مستقبلا...

وأكد سعيدان مع انطلاق عملية التدقيق الشامل على أهمية حسن اختيار الفريق الذي سيتولى عملية التدقيق الشامل على مستوى الكفاءة وان يكون فريقا قويا للقيام بهذا العمل في الوقت اللازم، كما يجب أن يكون هذا الفريق مرتبطا بالإرادة السياسية حتى تصبح النتائج واضحة لدى التونسيين ولدى الجهات المانحة على حد السواء..

تفاعل واسع مع ملف التدقيق الشامل..

تفاعلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مع ملف القروض والهبات الممنوحة لتونس في السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، من ذلك عاب "مرصد رقابة" ممثلا في رئيسه عماد الدايمي طريقة تصرف الدولة في هذه التمويلات لأنها لا تخضع إلى إستراتيجية واضحة..

واعتبر المرصد أن الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 إلى 2020، مهما بعد أن بلغ 90 مليار دينار، مع توقعات مؤكدة أن تفوق الـ 100 مليار دينار موفى السنة الحالية، هذا وكشف المرصد أن نسبة القروض المخصصة لتمويل الاقتصاد تجاوزت الـ 60 بالمائة من مجموع القروض .

كما بين "مرصد رقابة" أنه قد وقع الالتجاء إلى القروض دون استكمال الدراسات ودون حل الإشكاليات العقارية إضافة إلى تعطل المشاريع بسبب التحركات الاجتماعية وتقصير الوزارات في مد وزارة المالية بأرقام محينة، حسب ما أفاد به رئيس المرصد.

التدقيق الشامل مشروع مفعل منذ 2018

في طرح هذا الملف، تعود بنا الذاكرة إلى المشروع الإصلاحي الذي انطلقت فيه الدولة منذ 2018، الذي يتعلق بالدين العمومي في العديد من النقاط الإصلاحية الهامة آنذاك والرجوع بالتالي إلى متابعة هذا المشروع ومدى نجاعته في المجال...

وقد تم وضع إستراتجية للدين العمومي، تهدف بالأساس إلى تغيير نسب التداين في اتجاه تقليص الخارجي منه الذي يستحوذ على 70 بالمائة والتعويل على الاقتراض الداخلي المحدد بـ 30 بالمائة، وتعتبر وزارة المالية هي الهيكل الذي يتولى إلى حد اليوم متابعة هذه الإستراتيجية تحديدا صلب إدارة الدين العمومي.

ويعتبر البرنامج الإصلاحي في مجال الدين العمومي من ابرز الإصلاحات التي وضعتها الدولة للحصول على تمويلات من قبل البنك الدولي، ويشمل على عدد من النقاط بدءا بإستراتيجية الدين العمومي التي تهدف إلى تقليل تكلفة التداين والتعويل على التمويل المتعدد الأطراف وتغيير نسب التداين بين الداخلي والخارجي، فضلا عن مشروع وكالة الخزينة، الذي تم إجهاضه لأسباب داخلية صلب وزارة المالية ولم يمر بالمجلس الوزاري ليبقى حبرا على ورق...

وفي نقاط البرنامج الإصلاحي الذي وضعته الدولة في الدين العمومي أيضا، فرض إعداد تقرير سنوي حول الدين العمومي في قانون الميزانية العمومية، ويبقى الهدف الأساسي من هذا البرنامج عموما هو تنويع مصادر التمويل والتعويل على الاقتراض الداخلي والتحكم في التداين خاصة الخارجي...

وتعد كل العمليات التمويلية التي تتم بين الجهات المانحة والدولة التونسية تمر بمجلس النواب ليتم في ما بعد وضع التمويلات الخارجية في حساب بنكي لدى البنك المركزي باسم الدولة التونسية يتم تضمينه في قانون الميزانية العمومية، وفي مرحلة موالية تقوم مصالح الرقابة بمتابعة سير هذه التمويلات ومدى نجاعة التصرف فيها..

وفي انتظار ما سيعلن عنه قريبا من نتائج تخص التدقيق الشامل في الهبات والقروض التي تحصلت عليها الدولة في العشرية الأخيرة، من المنتظر أن يتم إطلاق جملة من الإجراءات والقرارات والعقوبات الجزائية التي ستحدد كل المسؤوليات لجميع الجهات المتدخلة في الملف.

وفاء بن محمد

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews