إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل يتجه سعيد إلى سن مجلة انتخابية جديدة أم سيقتصر على تنقيح القانون القديم؟

تونس: الصباح

في لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن الأربعاء الماضي أي بعد ساعات قليلة من تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج الأولية للاستفتاء في مشروع الدستور الجديد، شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة إعداد مشروع مرسوم يتعلق بالانتخابات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب القادم ثم لانتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم والذي يقتضي نظاما انتخابيا خاصا وفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

 ولم يوضح البلاغ المذكور ما إذا كان هذا المرسوم سيقتصر على إدخال تعديلات جزئية على القانون الانتخابي لكي يتم على أساسها تنظيم الانتخابات التشريعية في الآجال التي نصت عليها خارطة طريق سعيد أي يوم 17 ديسمبر المقبل، أم أن هذا المرسوم سيكون عبارة عن تنزيل أحكام دستور 25 جويلية في مجلة انتخابية جديدة شاملة ومتكاملة تعوض القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 والقانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019 و المرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرخ في غرة جوان 2022، وتأخذ بعين الاعتبار مضامين الدستور الجديد من ناحية ومن ناحية أخرى تراعي المعايير الدولية الفضلى للانتخابات والاستفتاءات..

فالعودة إلى مضامين مشروع الدستور الجديد الذي بلغ عدد المصوتين عليه بنعم يوم 25 جويلية الجاري 2607884 ناخبا أي بنسبة 94 فاصل 6 بالمائة وعدد المصوتين عليه بلا 148723 ناخبا أي بنسبة 5 فاصل 4 بالمائة، يمكن الإشارة إلى أنه في حال مرور هذا المشروع فإنه سيتحتم تغيير القانون الانتخابي سواء بوضع مجلة انتخابية جديدة أو تعديل القانون الحالي، لأن المشروع غير شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وغير طريقة الاقتراع وألغى التزكيات وجاء بغرفة تشريعية ثانية..

مجلة جديدة

استنادا إلى النقاشات التي فتحتها بعض الجمعيات والمنظمات والمنابر الأكاديمية بعد نشر مشروع الدستور في الرائد الرسمي والتي شارك فيها نخبة من الأستاذة الجامعيين المختصين في القانون ، يمكن التذكير بأنهم أجمعوا على أن أول خطوة سيقوم بها رئيس الجمهورية بعد الاستفتاء في مشروع الدستور ستكون في اتجاه تغيير القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بجرة قلم ودون استشارة أحد لأن من تجاهل الأحزاب والمنظمات وحتى أعمال الهيئة الاستشارية التي أحدثها بنفسه عند وضع الدستور لا ينتظر منه أن يفتح باب الحوار حول القانون الانتخابي، وقالوا بعابرات قاطعة إن الرئيس سيصدر مجلة انتخابية جديدة بمرسوم، وإنه قد لا يكتفي بذلك وربما يغير المرسوم المتعلق بالأحزاب والمرسوم المتعلق بالجمعيات والمرسوم المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ويسن مرسوما يتعلق بتنظيم عمليات سبر الآراء فكل هذه النصوص مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية وهي جميعها في حاجة إلى المراجعة بالنظر إلى الثغرات الكثيرة الموجودة فيها، لكن هذه المراجعة حسب قولهم يجب أن تتم في ظروف عادية وليس في زمن سريان الحالة الاستثنائية. ولعل ما زاد في مخاوف الجامعيين والحقوقيين هو الفصل 141 من مشروع الدستور فهذا الفصل نص على أن يستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2921 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية إلى حين تولي مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخاب أعضائه، وهو ما يعني حسب تفسيرهم أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يغير المنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات والاستفتاء برمتها بمراسيم.

ولدى حديثهم على السلطة التشريعية التي تم تغييرها في مشروع الدستور بالوظيفة التشريعية بينوا أن هذا المشروع لم يوضح العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ولم يكشف نوايا رئيس الجمهورية من إحداث المجلس الثاني وأبدوا مخاوفهم من أن يكون هذا المجلس إعلان من سعيد عن بداية تنزيله مشروعه الانتخابي القائم على البناء القاعدي. كما أنه في قراءة للباب الثالث المتعلق بالوظيفة التشريعية كانت الأستاذة هناء بن عبده فسرت في المداخلة التي قدمتها يوم 4 جويلية الجاري خلال الندوة العلمية المنعقدة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية ببادرة من الجمعية التونسية للقانون الدستوري أن مشروع الدستور الجديد جاء ببرلمان ثنائي مستحدث التنظيم، برلمان نوابه محدودي الحصانة، برلمان له مجال تشريعي مقيد ومقلص ودور رقابي شبه مستحيل. فهو برلمان ثنائي مستحدث التنظيم لأنه تضمن غرفة أولى وهي مجلس النواب وغرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي ينظر في القوانين المالية ومخطاطات التنمية الجهوية والمحلية والوطنية. وتساءلت الجامعية يومها أين إذا مجلس الجماعات المحلية الذي نصت عليه مجلة الجماعات المحلية والذي قيل إن مقره الرسمي سيكون في ولاية سيدي بوزيد مهد الثورة؟ ولماذا نجد أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم متفرغون، فهم يتمتعون بنفس امتيازات أعضاء مجلس نواب الشعب لكن صلاحياتهم محدودة جدا إذ أنهم يجتمعون مرة في السنة للنظر في مشروع قانون المالية ومرة في خمس سنوات للنظر في المخططات التنموية. وذكرت أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يمكن أن يعطل عمل الحكومة في حال رفضه المصادقة على قانون المالية قبل 10 ديسمبر من كل سنة. وهي ترى أن التنصيص على هذا المجلس ينم عن رغبة واضع الدستور في إحداث مجلس ثان والحال أنه يعرف جيدا الخطر الذي يواجهه القانون عندما يجد نفسه متأرجحا بين القصرين، وبينت بن عبده أنها عندما كانت طالبة في اختصاص القانون قال لهم الأستاذ قيس سعيد وقتها في إحدى المحاضرات إن القانون الذي يتأرجح بين القصرين يعطل العمل التشريعي ومن ثمة فهو يعطل عمل الحكومة ولكي يفهم الطلبة كلامه استعار في محاضرته تلك بيت شعر لابن زيدون يقول "أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا" ..

أما الجامعية إقبال بن موسى فأشارت في نفس الندوة وبمناسبة حديثها عن الوظيفة التنفيذية وتحديدا عن رئيس الجمهورية إلى أن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية تغيرت في مشروع الدستور مقارنة بدستور 2014 وتتمثل أبرز هذه التغييرات في شرط الجنسية، كما تم تغيير شرط سن الترشح للانتخابات الرئاسية حيث تم اشتراط سن دنيا لا تقل عن 40 سنة وهو نفس ما نص عليه دستور 1959 وبالتالي تم التخلي عن سن 35 التي كرسها دستور 2014، ولم يقع في المشروع التنصيص على شرط السن القصوى للترشح للانتخابات الرئاسية والأهم من ذلك هو أنه تم التخلي عن شرط التزكيات الذي كان موجودا في دستور 2014 والتي كان الهدف الأساسي منها هو ترشيد الترشح لهذه الانتخابات. وبينت الجامعية أن طريقة الاقتراع بالنسبة للانتخابات الرئاسية تغيرت ففي السابق لا يصرح بفوز المترشح في الدور الأول إلا إذا حاز على الأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها لكن بمقتضى مشروع الدستور الجديد يتم انتخاب رئيس الجمهورية في دورة وحيدة، ومهما كانت الأغلبية يتم التصريح بفوز المترشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات.

ولاحظت الجامعية أن مشروع الدستور نص على سحب الوكالة من أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم بتعلة أن من أهم مساوئ الديمقراطية التمثيلية هي أن صاحب السيادة لا يمارس حقه في تقييم من انتخبه إلا من خلال الانتخابات التي تتم مرة كل خمس سنوات، ولكن إذا كان هذا هو المبرر للتنصيص على سحب الوكالة فلماذا لا يقع سحب الوكالة من رئيس الجمهورية أيضا.. ونص مشروع الدستور في الفصل 61 على أن وكالة النائب قابلة للسحب وفق الشروط التي يحددها القانون الانتخابي..

 حيرة وخوف

ولم تشف التعديلات التي أدخلها الرئيس قيس سعيد على مشروع الدستور يوم 8 جويلية غليل المختصين في القانون ولم تنر سبيل المتابعين للشأن العام ولم تضع حدا لحيرتهم ولم توضح لهم ملامح القانون الانتخابي المرتقب، والتي لا أحد يعرف إلى اليوم إن كان سيتم وضع مجلة جديدة أم سيقع تعديل القانون الحالي بصفة جزئية كما تم قبيل الاستفتاء، حيث أصدر رئيس الجمهورية بطلب من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مرسوما نقح القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء بهدف منح الهيئة إمكانية التسجيل الآلي للناخبين وإعفائها من التقيد بأحكام الصفقات وإلزام الوزارات والهيئات بمد الهيئة بالمعطيات التي تطلبها.

وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه فإنه لم يوضح هذه المسألة، ففي التصريح الذي أدلى به للقناة الوطنية يوم 25 جويلية إثر خروجه من مكتب الاقتراع، في خرق للصمت الانتخابي، لم يقل إنه ينوي سن مجلة انتخابية جديدة بمرسوم كما أنه لم يقل إن المرسوم الذي سيتم إعداده سيقتصر على إدخال تعديلات جزئية على القانون الانتخابي الحالي.. إذ تحدث الرئيس فقط عن الانتخابات التشريعية وتحديدا عن مجلس نواب الشعب وعن المجلس الوطني للجهات والأقاليم وقال في هذا التصريح :" إن النائب يمكن أن تسحب منه الوكالة وإنه سيقع توضيح ذلك في القانون الانتخابي الذي سيتم وضعه لانتخاب أعضاء المجلس الأول وانتخاب أعضاء المجلس الثاني".. ويقصد بالمجلس الأول، مجلس نواب الشعب وبالمجلس الثاني، المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

ولدى حديثه عن المجلس الثاني أشار الرئيس إلى أن هذا المجلس سيمكن من همشوا وغيبوا من المشاركة بصفة فعلية في صنع القرار. ولم يخف سعيد سخريته من مفهوم التمييز الايجابي الذي كرسه دستور 2014 وقال في هذا السياق إن هذا المفهوم الذي استوردوه كما يستوردون العطور من الخارج ليس له معنى، لأن مهمة الدولة هي أن تحقيق الاندماج لكن للأسف هذا الاندماج لم يحققوه، وأضاف أن المجلس الثاني هو طريقة لتحقق الاندماج حتى لا يبقى المهمش مهمشا في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفي مخططات التنمية، وذكر أنه سيصدر نصا قانونيا يتعلق بالعلاقات بين المجلسين، وبين أن من يكون موجودا في أقصى أقاصي البلاد التونسية وفي كل مكان، سواء في الشرق أو في الغرب أو في الشمال أو في الجنوب يشارك في وضع القوانين التي تتلاءم مع مطالب جهته ويكون مسؤولا أمام المواطنين ويمكن للمواطن محاسبة المسؤول الذي اختاره ويمكنه سحب الوكالة منه فهذه هي سيادة الشعب الحقيقية حسب رأي رئيس الجمهورية، فالمسؤول يكون مسؤولا أمام الشعب وكل مواطن يمتلك جزء من السيادة وعليه أن يمارس سيادته.

 المهمشون يصنعون القرار

وفي تصريح ثان لوسائل الإعلام أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد من شارع الحبيب بورقيبة فجر يوم 26 جويلية، قال إن أول قرار سيتخذه بعد الاستفتاء هو وضع قانون انتخابي جديد حتى تكون هناك انتخابات حقيقية لأن الانتخابات في السابق كانت في ظاهرها انتخابات لكن للأسف الشديد فإن من يتم انتخابه لا يستمد مشروعيته وهي مشروعية وهمية من الناخبين بل يستمدها ممن رشحه للانتخابات. وذكر أن هذه الطريقة التي تم اعتمادها منذ سنة 2011 هي التي أدت إلى بلوغ هذا الوضع، وذلك إلى جانب عناصر أخرى، وفسر أنه تم الانتقال من الحزب الواحد والحزب المهمين إلى اللوبي الواحد.. فلكي تكون التشريعات في مستوى ما يطالب به التونسيون تم حسب قوله إحداث الغرفة الثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم فالهدف من هذا المجلس هو أن يتمكن من همش وبقي خارج التاريخ من المشاركة في صنع القرار.

ولكن مهما كانت مضامين هذا المرسوم فإنه قبل شروع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة في إعداده، من المفروض انتظار بت القضاء في الطعون المرفوعة إليه بخصوص النتائج الأولية للاستفتاء، وانتظار إعلان هيئة الانتخابات يوم 28 أوت المقبل عن النتائج النهائية لهذا الاستفتاء وذلك سواء بتصريحها بقبول مشروع الدستور أو تصريحها برفضه، لأن الفصل 139 من مشروع الدستور نص على أن الدستور الجديد يدخل حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ولأن مشروع المرسوم الانتخابي المرتقب، ستتم صياغته بناء على الأحكام الواردة في الدستور الجديد في حال مروره وتصريح الهيئة بقبوله وهو مشروع مهم للغاية لأنه سيدخل تعديلات جوهرية على المجلة الانتخابية التي تم اعتمادها بمناسبة تنظيم الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية لسنة 2014 والانتخابات البلدية لسنة 2018 والانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019.

سعيدة بوهلال

 

هل يتجه سعيد إلى سن مجلة انتخابية جديدة أم سيقتصر على تنقيح القانون القديم؟

تونس: الصباح

في لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن الأربعاء الماضي أي بعد ساعات قليلة من تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج الأولية للاستفتاء في مشروع الدستور الجديد، شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة إعداد مشروع مرسوم يتعلق بالانتخابات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب القادم ثم لانتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم والذي يقتضي نظاما انتخابيا خاصا وفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

 ولم يوضح البلاغ المذكور ما إذا كان هذا المرسوم سيقتصر على إدخال تعديلات جزئية على القانون الانتخابي لكي يتم على أساسها تنظيم الانتخابات التشريعية في الآجال التي نصت عليها خارطة طريق سعيد أي يوم 17 ديسمبر المقبل، أم أن هذا المرسوم سيكون عبارة عن تنزيل أحكام دستور 25 جويلية في مجلة انتخابية جديدة شاملة ومتكاملة تعوض القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 والقانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019 و المرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرخ في غرة جوان 2022، وتأخذ بعين الاعتبار مضامين الدستور الجديد من ناحية ومن ناحية أخرى تراعي المعايير الدولية الفضلى للانتخابات والاستفتاءات..

فالعودة إلى مضامين مشروع الدستور الجديد الذي بلغ عدد المصوتين عليه بنعم يوم 25 جويلية الجاري 2607884 ناخبا أي بنسبة 94 فاصل 6 بالمائة وعدد المصوتين عليه بلا 148723 ناخبا أي بنسبة 5 فاصل 4 بالمائة، يمكن الإشارة إلى أنه في حال مرور هذا المشروع فإنه سيتحتم تغيير القانون الانتخابي سواء بوضع مجلة انتخابية جديدة أو تعديل القانون الحالي، لأن المشروع غير شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وغير طريقة الاقتراع وألغى التزكيات وجاء بغرفة تشريعية ثانية..

مجلة جديدة

استنادا إلى النقاشات التي فتحتها بعض الجمعيات والمنظمات والمنابر الأكاديمية بعد نشر مشروع الدستور في الرائد الرسمي والتي شارك فيها نخبة من الأستاذة الجامعيين المختصين في القانون ، يمكن التذكير بأنهم أجمعوا على أن أول خطوة سيقوم بها رئيس الجمهورية بعد الاستفتاء في مشروع الدستور ستكون في اتجاه تغيير القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بجرة قلم ودون استشارة أحد لأن من تجاهل الأحزاب والمنظمات وحتى أعمال الهيئة الاستشارية التي أحدثها بنفسه عند وضع الدستور لا ينتظر منه أن يفتح باب الحوار حول القانون الانتخابي، وقالوا بعابرات قاطعة إن الرئيس سيصدر مجلة انتخابية جديدة بمرسوم، وإنه قد لا يكتفي بذلك وربما يغير المرسوم المتعلق بالأحزاب والمرسوم المتعلق بالجمعيات والمرسوم المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ويسن مرسوما يتعلق بتنظيم عمليات سبر الآراء فكل هذه النصوص مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية وهي جميعها في حاجة إلى المراجعة بالنظر إلى الثغرات الكثيرة الموجودة فيها، لكن هذه المراجعة حسب قولهم يجب أن تتم في ظروف عادية وليس في زمن سريان الحالة الاستثنائية. ولعل ما زاد في مخاوف الجامعيين والحقوقيين هو الفصل 141 من مشروع الدستور فهذا الفصل نص على أن يستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2921 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية إلى حين تولي مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخاب أعضائه، وهو ما يعني حسب تفسيرهم أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يغير المنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات والاستفتاء برمتها بمراسيم.

ولدى حديثهم على السلطة التشريعية التي تم تغييرها في مشروع الدستور بالوظيفة التشريعية بينوا أن هذا المشروع لم يوضح العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ولم يكشف نوايا رئيس الجمهورية من إحداث المجلس الثاني وأبدوا مخاوفهم من أن يكون هذا المجلس إعلان من سعيد عن بداية تنزيله مشروعه الانتخابي القائم على البناء القاعدي. كما أنه في قراءة للباب الثالث المتعلق بالوظيفة التشريعية كانت الأستاذة هناء بن عبده فسرت في المداخلة التي قدمتها يوم 4 جويلية الجاري خلال الندوة العلمية المنعقدة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية ببادرة من الجمعية التونسية للقانون الدستوري أن مشروع الدستور الجديد جاء ببرلمان ثنائي مستحدث التنظيم، برلمان نوابه محدودي الحصانة، برلمان له مجال تشريعي مقيد ومقلص ودور رقابي شبه مستحيل. فهو برلمان ثنائي مستحدث التنظيم لأنه تضمن غرفة أولى وهي مجلس النواب وغرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي ينظر في القوانين المالية ومخطاطات التنمية الجهوية والمحلية والوطنية. وتساءلت الجامعية يومها أين إذا مجلس الجماعات المحلية الذي نصت عليه مجلة الجماعات المحلية والذي قيل إن مقره الرسمي سيكون في ولاية سيدي بوزيد مهد الثورة؟ ولماذا نجد أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم متفرغون، فهم يتمتعون بنفس امتيازات أعضاء مجلس نواب الشعب لكن صلاحياتهم محدودة جدا إذ أنهم يجتمعون مرة في السنة للنظر في مشروع قانون المالية ومرة في خمس سنوات للنظر في المخططات التنموية. وذكرت أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يمكن أن يعطل عمل الحكومة في حال رفضه المصادقة على قانون المالية قبل 10 ديسمبر من كل سنة. وهي ترى أن التنصيص على هذا المجلس ينم عن رغبة واضع الدستور في إحداث مجلس ثان والحال أنه يعرف جيدا الخطر الذي يواجهه القانون عندما يجد نفسه متأرجحا بين القصرين، وبينت بن عبده أنها عندما كانت طالبة في اختصاص القانون قال لهم الأستاذ قيس سعيد وقتها في إحدى المحاضرات إن القانون الذي يتأرجح بين القصرين يعطل العمل التشريعي ومن ثمة فهو يعطل عمل الحكومة ولكي يفهم الطلبة كلامه استعار في محاضرته تلك بيت شعر لابن زيدون يقول "أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا" ..

أما الجامعية إقبال بن موسى فأشارت في نفس الندوة وبمناسبة حديثها عن الوظيفة التنفيذية وتحديدا عن رئيس الجمهورية إلى أن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية تغيرت في مشروع الدستور مقارنة بدستور 2014 وتتمثل أبرز هذه التغييرات في شرط الجنسية، كما تم تغيير شرط سن الترشح للانتخابات الرئاسية حيث تم اشتراط سن دنيا لا تقل عن 40 سنة وهو نفس ما نص عليه دستور 1959 وبالتالي تم التخلي عن سن 35 التي كرسها دستور 2014، ولم يقع في المشروع التنصيص على شرط السن القصوى للترشح للانتخابات الرئاسية والأهم من ذلك هو أنه تم التخلي عن شرط التزكيات الذي كان موجودا في دستور 2014 والتي كان الهدف الأساسي منها هو ترشيد الترشح لهذه الانتخابات. وبينت الجامعية أن طريقة الاقتراع بالنسبة للانتخابات الرئاسية تغيرت ففي السابق لا يصرح بفوز المترشح في الدور الأول إلا إذا حاز على الأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها لكن بمقتضى مشروع الدستور الجديد يتم انتخاب رئيس الجمهورية في دورة وحيدة، ومهما كانت الأغلبية يتم التصريح بفوز المترشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات.

ولاحظت الجامعية أن مشروع الدستور نص على سحب الوكالة من أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم بتعلة أن من أهم مساوئ الديمقراطية التمثيلية هي أن صاحب السيادة لا يمارس حقه في تقييم من انتخبه إلا من خلال الانتخابات التي تتم مرة كل خمس سنوات، ولكن إذا كان هذا هو المبرر للتنصيص على سحب الوكالة فلماذا لا يقع سحب الوكالة من رئيس الجمهورية أيضا.. ونص مشروع الدستور في الفصل 61 على أن وكالة النائب قابلة للسحب وفق الشروط التي يحددها القانون الانتخابي..

 حيرة وخوف

ولم تشف التعديلات التي أدخلها الرئيس قيس سعيد على مشروع الدستور يوم 8 جويلية غليل المختصين في القانون ولم تنر سبيل المتابعين للشأن العام ولم تضع حدا لحيرتهم ولم توضح لهم ملامح القانون الانتخابي المرتقب، والتي لا أحد يعرف إلى اليوم إن كان سيتم وضع مجلة جديدة أم سيقع تعديل القانون الحالي بصفة جزئية كما تم قبيل الاستفتاء، حيث أصدر رئيس الجمهورية بطلب من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مرسوما نقح القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء بهدف منح الهيئة إمكانية التسجيل الآلي للناخبين وإعفائها من التقيد بأحكام الصفقات وإلزام الوزارات والهيئات بمد الهيئة بالمعطيات التي تطلبها.

وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه فإنه لم يوضح هذه المسألة، ففي التصريح الذي أدلى به للقناة الوطنية يوم 25 جويلية إثر خروجه من مكتب الاقتراع، في خرق للصمت الانتخابي، لم يقل إنه ينوي سن مجلة انتخابية جديدة بمرسوم كما أنه لم يقل إن المرسوم الذي سيتم إعداده سيقتصر على إدخال تعديلات جزئية على القانون الانتخابي الحالي.. إذ تحدث الرئيس فقط عن الانتخابات التشريعية وتحديدا عن مجلس نواب الشعب وعن المجلس الوطني للجهات والأقاليم وقال في هذا التصريح :" إن النائب يمكن أن تسحب منه الوكالة وإنه سيقع توضيح ذلك في القانون الانتخابي الذي سيتم وضعه لانتخاب أعضاء المجلس الأول وانتخاب أعضاء المجلس الثاني".. ويقصد بالمجلس الأول، مجلس نواب الشعب وبالمجلس الثاني، المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

ولدى حديثه عن المجلس الثاني أشار الرئيس إلى أن هذا المجلس سيمكن من همشوا وغيبوا من المشاركة بصفة فعلية في صنع القرار. ولم يخف سعيد سخريته من مفهوم التمييز الايجابي الذي كرسه دستور 2014 وقال في هذا السياق إن هذا المفهوم الذي استوردوه كما يستوردون العطور من الخارج ليس له معنى، لأن مهمة الدولة هي أن تحقيق الاندماج لكن للأسف هذا الاندماج لم يحققوه، وأضاف أن المجلس الثاني هو طريقة لتحقق الاندماج حتى لا يبقى المهمش مهمشا في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفي مخططات التنمية، وذكر أنه سيصدر نصا قانونيا يتعلق بالعلاقات بين المجلسين، وبين أن من يكون موجودا في أقصى أقاصي البلاد التونسية وفي كل مكان، سواء في الشرق أو في الغرب أو في الشمال أو في الجنوب يشارك في وضع القوانين التي تتلاءم مع مطالب جهته ويكون مسؤولا أمام المواطنين ويمكن للمواطن محاسبة المسؤول الذي اختاره ويمكنه سحب الوكالة منه فهذه هي سيادة الشعب الحقيقية حسب رأي رئيس الجمهورية، فالمسؤول يكون مسؤولا أمام الشعب وكل مواطن يمتلك جزء من السيادة وعليه أن يمارس سيادته.

 المهمشون يصنعون القرار

وفي تصريح ثان لوسائل الإعلام أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد من شارع الحبيب بورقيبة فجر يوم 26 جويلية، قال إن أول قرار سيتخذه بعد الاستفتاء هو وضع قانون انتخابي جديد حتى تكون هناك انتخابات حقيقية لأن الانتخابات في السابق كانت في ظاهرها انتخابات لكن للأسف الشديد فإن من يتم انتخابه لا يستمد مشروعيته وهي مشروعية وهمية من الناخبين بل يستمدها ممن رشحه للانتخابات. وذكر أن هذه الطريقة التي تم اعتمادها منذ سنة 2011 هي التي أدت إلى بلوغ هذا الوضع، وذلك إلى جانب عناصر أخرى، وفسر أنه تم الانتقال من الحزب الواحد والحزب المهمين إلى اللوبي الواحد.. فلكي تكون التشريعات في مستوى ما يطالب به التونسيون تم حسب قوله إحداث الغرفة الثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم فالهدف من هذا المجلس هو أن يتمكن من همش وبقي خارج التاريخ من المشاركة في صنع القرار.

ولكن مهما كانت مضامين هذا المرسوم فإنه قبل شروع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة في إعداده، من المفروض انتظار بت القضاء في الطعون المرفوعة إليه بخصوص النتائج الأولية للاستفتاء، وانتظار إعلان هيئة الانتخابات يوم 28 أوت المقبل عن النتائج النهائية لهذا الاستفتاء وذلك سواء بتصريحها بقبول مشروع الدستور أو تصريحها برفضه، لأن الفصل 139 من مشروع الدستور نص على أن الدستور الجديد يدخل حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ولأن مشروع المرسوم الانتخابي المرتقب، ستتم صياغته بناء على الأحكام الواردة في الدستور الجديد في حال مروره وتصريح الهيئة بقبوله وهو مشروع مهم للغاية لأنه سيدخل تعديلات جوهرية على المجلة الانتخابية التي تم اعتمادها بمناسبة تنظيم الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية لسنة 2014 والانتخابات البلدية لسنة 2018 والانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019.

سعيدة بوهلال

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews