مهرجاناتنا لم تمكن حتى من تكوين جماهير قادرة على استيعاب المسألة الفنية
*وصلنا إلى مرحلة استوى فيه الحال بين مهرجانات ميزانيتها بالملايين واخرى بالملاليم !!
*الجماهير تستهلك ما هو موجود ومتوفر في ظل غياب اختيارات كثيرة.
تونس- الصباح
تختلف ظروف تنظيم المهرجانات اختلافا كبيرا. ففرق بين المهرجانات التي تشرف على تنظيمها الدولة ممثلة في وزارة الثقافة على غرار مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين وبين مهرجانات الجهات التي تشرف عليها جمعيات مدنية بالتعاون مع المندوبيات الجهوية للثقافة وتحت مراقبة السلط الجهوية والمحلية.
فإن كانت الأولى تنتظم في ظروف مادية وتنظيمية نسبيا معقولة، فإن المهرجانات بالجهات بما في ذلك المهرجانات الدولية العريقة، ما فتئت تعاني من صعوبات ويبدو انها بلغت الذروة هذا العام نظرا للتضييقات المالية الناجمة سواء عن تراجع دعم الدولة او عن قلة المستشهرين وعزوف الاطراف المانحة عن دعم الثقافة والمهرجانات بصفة خاصة.
لا ننسى بطبيعة الحال تأثير فيروس كورونا الذي تفشى في تونس وفي العالم في العامين الاخيرين وقد تضررت الثقافة في تونس بصفة خاصة من الازمة الصحية لاسباب موضوعية ناجمة عن توقف الانشطة الثقافية طيلة سنتي 2020 و2021 ولاسباب يمكن اعتبارها ذاتية أي متعلقة بتونس. فالثقافة في بلادنا لم ترتق إلى مستوى الضرورة الحياتية وانما تظل شيئا ثانويا ومجرد ترفيه يمكن الاستغناء عنه عندما تقتضي الضرورة ذلك وهو ما حدث خلال الأزمة الصحية المذكورة وذلك لصالح مسائل أخرى اعتبرت أكثر اهمية واكثر استعجالية.
صحيح لقد عادت المهرجانات هذا العام وسط ترحيب الجماهير التي سجلت حضورها بكثافة في عروض الاسماء التونسية والعربية والاجنبية المعروفة، لكن هذا الحضور الجماهيري لا يمكن أن يغطي على الحقيقة، وهي أن منظومة المهرجانات في تونس المعتمدة منذ عقود من الزمن قد تآكلت وأنها بلغت مرحلة من الترهل، تجعل التساؤل عن جدواها وهي بهذا الحال مشروعا. فالجماهير كما هو معروف افتقدت اجواء المهرجانات التي اختفت خلال الأزمة الصحية، وهي أي هذه الجماهير، ليس أمامها من خيار سوى أن تذعن لمشيئة المبرمجين، وان تستهلك ما هو موجود ومتوفر في ظل غياب اختيارات كثيرة.
ولئن تختلف نسبيا ظروف التنظيم كما سبق وذكرنا بالاعلى، بين المهرجانات الدولية التي تشرف عليها الدولة وبقية المهرجانات بتونس وبداخل الجها، فإنها أي المهرجانات، جميعها تلتقي في أنها في حاجة إلى رؤية جديدة وإلى روح جديدة وإلى عملية مراجعة دقيقة تشمل الشكل والمضمون واسلوب الادارة وربما حان الوقت لاجراء عملية غربلة عاجلة قبل أن تنهار المنظومة بالكامل.
فقد تأكد مع تقدم موسم المهرجانات لهذا العام أنه يكاد يكون من المستحيل أن يتواصل الأمر على ما هو عليه.
أولا، لقد أصبح تنظيم مهرجان بالجهات بما في ذلك المهرجانات التي كانت ناجحة من قبل وكانت افضل حتى من مهرجانات الدولة، معاناة حقيقية. فهيئات التنظيم لم تعد قادرة على توفير برمجة بمستوى متوسط كي لا نقول بمستوى جيد. جلها تقدم عروضا مستهلكة، في ظروف بائسة، شبيهة بحفلات الأعراس في المنازل أو فوق الاسطح.
ولنا أن نشير إلى أن عددا من هيئات تنظيم المهرجانات في تونس، قد اعلنت عن صعوبات كبيرة حتمت التقليص من سقف الطموحات والاقتصار على عروض غير مكلفة ماديا، بسبب ضعف الميزانية المخصصة للمهرجان. ليس هذا فحسب وإنما يبدو أن منح الدعم وخاصة منح سلطة الاشراف ونقصد بها وزارة الثقافة قد تأخرت في الوصول الى اصحابها، الأمر الذي حال دون تنظيم أسماء معينة، كما أن بعض هيئات التنظيم اضطرت إلى تأجيل موعد دورة هذا العام الى اجل غير مسمى بسبب عدم توفر فضاء للعرض. نعم هكذا وبكل بساطة.
ثالثا، هناك معطى يصعب استيعابه وهو الفرق الكبير بين ميزانية مهرجانات الدولة التي عادة ما تكون بالمليارات ( وقع مراجعة الارقام هذا العام بسبب الضغط على ميزانية الدولة) وبين ميزانيات مهرجانات الجهات ( اغلبها مهرجانات دولية، فكل ولايات الجمهورية تقريبا تنظم مهرجانات دولية، منها مهرجانات صيفية ومنها مهرجانات تنظم في بقية فصول السنة) التي تنتظم بميزانية ضعيفة لا تمكن احيانا من توفير ثمن عرض فني واحد تتوفر فيه المواصفات المطلوبة. وهو معطى يصعب استيعابه لأننا عندما نلاحظ برمجة مهرجان قرطاج مثلا فلا نجدها تختلف كثيرا عن مهرجان سوسة او قابس أو صفاقس أو بنزرت وغيرها، بل هي برمجة متشابهة وحدث في بعض الدورات أن كانت برمجة كل المهرجانات في العاصمة وداخل البلاد عبارة عن نسخ متكررة، فلم هذا التباين في الميزانية وفي حجم المنح المرصودة لهذا أو ذاك وما هو الشيء الذي يبرر أن تتمتع مهرجانات بميزانية بالملايين واخرى تقتصر على ملاليم في حين تبقى البرمجة متشابهة إلى حد كبير؟؟
خامسا، إن برمجة مهرجان قرطاج الدولي الذي يعتبر من اكبر المهرجانات العربية والافريقية، لهذا العام قد فاجأت الجميع بمستواها غير المتوقع وأكدت أن كل المنظومة في حاجة إلى مراجعة عاجلة تعيد الأمور إلى نصابها.
ولنا أن نذكر بأنه منذ سنوات تطالب الاصوات الناقدة بعملية انقاذ لمهرجان قرطاج الذي اصبح عبارة عن مجرد فضاء للعرض بدون رؤية أو تصور يعكس تطور الحس الثقافي في البلاد، وقد زادت برمجة هذا العام المخيبة للآمال في القناعة بضرورة اعادة النظر في مهرجاناتنا. فالمهرجان الذي توقف لعامين، بسبب الازمة الصحية والعالمية، كان من المفروض أن يعود ببرمجة استثنائية، من حيث نوعية العروض والاسماء الكبرى والاكتشافات. لكن على ما يبدو لقد جاد الفقير بما لديه. وشخصيا تصورت كل شيء إلا أن تختتم شيرين عبد الوهاب التي غلبت مشاكلها الخاصة على عملها وانتاجها الفني مهرجان قرطاج العريق.
ولنقر بأنه من الصعب ان نفهم مبررات برمجة عروض لنور مهنى وراغب علامة في دورة هذا العام. ولا تقولوا لنا بالخصوص، ان المهرجان ملزم بالاستجابة لكل الاذواق، لان فيها مغالطة كبيرة، فالمهرجانات ليس من دورها تلبية كل الاذواق وإنما السعي للارتقاء بالذوق وتطوير الذائقة الفنية، كما انها، اي المهرجانات وخاصة المهرجانات الكبرى التي تنفق عليها الدولة، من المفروض تنبني على رؤية وتصور يسمح بتقديم فكرة حول ما تطور المشهد الثقافي في البلاد.
وعلينا أن نشير إلى أنه لا يكفي أن يكون لدينا مهرجانات بعدد مكثف حتى نقول أن تونس فيها فن ومهرجانات وجماهير تتوجه إلى المسارح وصيفها حافل فنيا، والحال أن اغلبها ينظم بطريقة اعتباطية خالية من أي فكر أو تصور فني وجمالي.
لقد مر ذلك الزمن الذي كانت فيه المهرجانات الصيفية تعتبر مكسبا ثقافيا حقيقيا، ليصبح اغلبها فرصة للتمعش وهدر الأموال ولا فائدة ترجى منها، حتى أننا لم نتمكن من تكوين جماهير تستوعب المسألة الفنية. ويكفي ملاحظة آراء الجماهير الغاضبة التي خرجت من المسرح في سهرة الجمعة خلال عرض مسرحية "انموت عليك" للمين النهدي حتى ندرك ذلك. فقد كانت جماهير غاضبة مزمجرة واصدرت حكمها على الفنان الكوميدي بضرورة مغادرة المشهد المسرحي كليا، لسبب وجيه وفق تقدير هذه الجماهير الغاضبة، أنه شاخ ولم يعد قادرا على اضحاك الجماهير. هكذا؟ فهل هذا ما استطاعت مهرجاناتنا تكريسه، بان جعلت الجماهير تحصر دور الفنان الكوميدي في اضحاك الناس وإلا تحكم عليه بمغادرة الميدان؟
إننا عندما نستشهد بما صدر عن الجمهور في علاقة بعرض مسرحية "انموت عليك " بقرطاج، فإننا لا نقصد أن المسرحية غير قابلة للنقد أو ان صاحبها لمين النهدي أكبر من النقد، وإنما كل ما نعنيه، أن المهرجانات التي تنظمها بلادنا منذ عقود لم تساعد على تكوين جماهير قادرة على نقد العمل الفني بشكل موضوعي وبدون اجحاف في حق المبدعين.
صحيح، لقد كان مهرجان قرطاج وغيره من المهرجانات قبلة نجوم الفن من العالم وبفضلهم اطلع كثير من التونسيين على أنماط مختلفة من ثقافات العالم، لكن الأمر تغير اليوم ولم تعد تختلف عروض المهرجانات كثيرا- باستثناء بعضها- عن حفلات الاعراس والسهرات التي تنظم في المطاعم والفنادق وفي الاماكن الخاصة.
وللاسف، لقد كشفت مهرجانات هذا العام، بكبيرها وصغيرها هول الكارثة. فجلها تظاهرات فارغة من حيث المضمون ورديئة من حيث الشكل وتثير المخاوف من أن يكون مردودها عكسيا وأن تزيد في تراجع الذوق وفي تراجع مكانة الفنون والثقافة عموما في البلاد.
حياة السايب
مهرجاناتنا لم تمكن حتى من تكوين جماهير قادرة على استيعاب المسألة الفنية
*وصلنا إلى مرحلة استوى فيه الحال بين مهرجانات ميزانيتها بالملايين واخرى بالملاليم !!
*الجماهير تستهلك ما هو موجود ومتوفر في ظل غياب اختيارات كثيرة.
تونس- الصباح
تختلف ظروف تنظيم المهرجانات اختلافا كبيرا. ففرق بين المهرجانات التي تشرف على تنظيمها الدولة ممثلة في وزارة الثقافة على غرار مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين وبين مهرجانات الجهات التي تشرف عليها جمعيات مدنية بالتعاون مع المندوبيات الجهوية للثقافة وتحت مراقبة السلط الجهوية والمحلية.
فإن كانت الأولى تنتظم في ظروف مادية وتنظيمية نسبيا معقولة، فإن المهرجانات بالجهات بما في ذلك المهرجانات الدولية العريقة، ما فتئت تعاني من صعوبات ويبدو انها بلغت الذروة هذا العام نظرا للتضييقات المالية الناجمة سواء عن تراجع دعم الدولة او عن قلة المستشهرين وعزوف الاطراف المانحة عن دعم الثقافة والمهرجانات بصفة خاصة.
لا ننسى بطبيعة الحال تأثير فيروس كورونا الذي تفشى في تونس وفي العالم في العامين الاخيرين وقد تضررت الثقافة في تونس بصفة خاصة من الازمة الصحية لاسباب موضوعية ناجمة عن توقف الانشطة الثقافية طيلة سنتي 2020 و2021 ولاسباب يمكن اعتبارها ذاتية أي متعلقة بتونس. فالثقافة في بلادنا لم ترتق إلى مستوى الضرورة الحياتية وانما تظل شيئا ثانويا ومجرد ترفيه يمكن الاستغناء عنه عندما تقتضي الضرورة ذلك وهو ما حدث خلال الأزمة الصحية المذكورة وذلك لصالح مسائل أخرى اعتبرت أكثر اهمية واكثر استعجالية.
صحيح لقد عادت المهرجانات هذا العام وسط ترحيب الجماهير التي سجلت حضورها بكثافة في عروض الاسماء التونسية والعربية والاجنبية المعروفة، لكن هذا الحضور الجماهيري لا يمكن أن يغطي على الحقيقة، وهي أن منظومة المهرجانات في تونس المعتمدة منذ عقود من الزمن قد تآكلت وأنها بلغت مرحلة من الترهل، تجعل التساؤل عن جدواها وهي بهذا الحال مشروعا. فالجماهير كما هو معروف افتقدت اجواء المهرجانات التي اختفت خلال الأزمة الصحية، وهي أي هذه الجماهير، ليس أمامها من خيار سوى أن تذعن لمشيئة المبرمجين، وان تستهلك ما هو موجود ومتوفر في ظل غياب اختيارات كثيرة.
ولئن تختلف نسبيا ظروف التنظيم كما سبق وذكرنا بالاعلى، بين المهرجانات الدولية التي تشرف عليها الدولة وبقية المهرجانات بتونس وبداخل الجها، فإنها أي المهرجانات، جميعها تلتقي في أنها في حاجة إلى رؤية جديدة وإلى روح جديدة وإلى عملية مراجعة دقيقة تشمل الشكل والمضمون واسلوب الادارة وربما حان الوقت لاجراء عملية غربلة عاجلة قبل أن تنهار المنظومة بالكامل.
فقد تأكد مع تقدم موسم المهرجانات لهذا العام أنه يكاد يكون من المستحيل أن يتواصل الأمر على ما هو عليه.
أولا، لقد أصبح تنظيم مهرجان بالجهات بما في ذلك المهرجانات التي كانت ناجحة من قبل وكانت افضل حتى من مهرجانات الدولة، معاناة حقيقية. فهيئات التنظيم لم تعد قادرة على توفير برمجة بمستوى متوسط كي لا نقول بمستوى جيد. جلها تقدم عروضا مستهلكة، في ظروف بائسة، شبيهة بحفلات الأعراس في المنازل أو فوق الاسطح.
ولنا أن نشير إلى أن عددا من هيئات تنظيم المهرجانات في تونس، قد اعلنت عن صعوبات كبيرة حتمت التقليص من سقف الطموحات والاقتصار على عروض غير مكلفة ماديا، بسبب ضعف الميزانية المخصصة للمهرجان. ليس هذا فحسب وإنما يبدو أن منح الدعم وخاصة منح سلطة الاشراف ونقصد بها وزارة الثقافة قد تأخرت في الوصول الى اصحابها، الأمر الذي حال دون تنظيم أسماء معينة، كما أن بعض هيئات التنظيم اضطرت إلى تأجيل موعد دورة هذا العام الى اجل غير مسمى بسبب عدم توفر فضاء للعرض. نعم هكذا وبكل بساطة.
ثالثا، هناك معطى يصعب استيعابه وهو الفرق الكبير بين ميزانية مهرجانات الدولة التي عادة ما تكون بالمليارات ( وقع مراجعة الارقام هذا العام بسبب الضغط على ميزانية الدولة) وبين ميزانيات مهرجانات الجهات ( اغلبها مهرجانات دولية، فكل ولايات الجمهورية تقريبا تنظم مهرجانات دولية، منها مهرجانات صيفية ومنها مهرجانات تنظم في بقية فصول السنة) التي تنتظم بميزانية ضعيفة لا تمكن احيانا من توفير ثمن عرض فني واحد تتوفر فيه المواصفات المطلوبة. وهو معطى يصعب استيعابه لأننا عندما نلاحظ برمجة مهرجان قرطاج مثلا فلا نجدها تختلف كثيرا عن مهرجان سوسة او قابس أو صفاقس أو بنزرت وغيرها، بل هي برمجة متشابهة وحدث في بعض الدورات أن كانت برمجة كل المهرجانات في العاصمة وداخل البلاد عبارة عن نسخ متكررة، فلم هذا التباين في الميزانية وفي حجم المنح المرصودة لهذا أو ذاك وما هو الشيء الذي يبرر أن تتمتع مهرجانات بميزانية بالملايين واخرى تقتصر على ملاليم في حين تبقى البرمجة متشابهة إلى حد كبير؟؟
خامسا، إن برمجة مهرجان قرطاج الدولي الذي يعتبر من اكبر المهرجانات العربية والافريقية، لهذا العام قد فاجأت الجميع بمستواها غير المتوقع وأكدت أن كل المنظومة في حاجة إلى مراجعة عاجلة تعيد الأمور إلى نصابها.
ولنا أن نذكر بأنه منذ سنوات تطالب الاصوات الناقدة بعملية انقاذ لمهرجان قرطاج الذي اصبح عبارة عن مجرد فضاء للعرض بدون رؤية أو تصور يعكس تطور الحس الثقافي في البلاد، وقد زادت برمجة هذا العام المخيبة للآمال في القناعة بضرورة اعادة النظر في مهرجاناتنا. فالمهرجان الذي توقف لعامين، بسبب الازمة الصحية والعالمية، كان من المفروض أن يعود ببرمجة استثنائية، من حيث نوعية العروض والاسماء الكبرى والاكتشافات. لكن على ما يبدو لقد جاد الفقير بما لديه. وشخصيا تصورت كل شيء إلا أن تختتم شيرين عبد الوهاب التي غلبت مشاكلها الخاصة على عملها وانتاجها الفني مهرجان قرطاج العريق.
ولنقر بأنه من الصعب ان نفهم مبررات برمجة عروض لنور مهنى وراغب علامة في دورة هذا العام. ولا تقولوا لنا بالخصوص، ان المهرجان ملزم بالاستجابة لكل الاذواق، لان فيها مغالطة كبيرة، فالمهرجانات ليس من دورها تلبية كل الاذواق وإنما السعي للارتقاء بالذوق وتطوير الذائقة الفنية، كما انها، اي المهرجانات وخاصة المهرجانات الكبرى التي تنفق عليها الدولة، من المفروض تنبني على رؤية وتصور يسمح بتقديم فكرة حول ما تطور المشهد الثقافي في البلاد.
وعلينا أن نشير إلى أنه لا يكفي أن يكون لدينا مهرجانات بعدد مكثف حتى نقول أن تونس فيها فن ومهرجانات وجماهير تتوجه إلى المسارح وصيفها حافل فنيا، والحال أن اغلبها ينظم بطريقة اعتباطية خالية من أي فكر أو تصور فني وجمالي.
لقد مر ذلك الزمن الذي كانت فيه المهرجانات الصيفية تعتبر مكسبا ثقافيا حقيقيا، ليصبح اغلبها فرصة للتمعش وهدر الأموال ولا فائدة ترجى منها، حتى أننا لم نتمكن من تكوين جماهير تستوعب المسألة الفنية. ويكفي ملاحظة آراء الجماهير الغاضبة التي خرجت من المسرح في سهرة الجمعة خلال عرض مسرحية "انموت عليك" للمين النهدي حتى ندرك ذلك. فقد كانت جماهير غاضبة مزمجرة واصدرت حكمها على الفنان الكوميدي بضرورة مغادرة المشهد المسرحي كليا، لسبب وجيه وفق تقدير هذه الجماهير الغاضبة، أنه شاخ ولم يعد قادرا على اضحاك الجماهير. هكذا؟ فهل هذا ما استطاعت مهرجاناتنا تكريسه، بان جعلت الجماهير تحصر دور الفنان الكوميدي في اضحاك الناس وإلا تحكم عليه بمغادرة الميدان؟
إننا عندما نستشهد بما صدر عن الجمهور في علاقة بعرض مسرحية "انموت عليك " بقرطاج، فإننا لا نقصد أن المسرحية غير قابلة للنقد أو ان صاحبها لمين النهدي أكبر من النقد، وإنما كل ما نعنيه، أن المهرجانات التي تنظمها بلادنا منذ عقود لم تساعد على تكوين جماهير قادرة على نقد العمل الفني بشكل موضوعي وبدون اجحاف في حق المبدعين.
صحيح، لقد كان مهرجان قرطاج وغيره من المهرجانات قبلة نجوم الفن من العالم وبفضلهم اطلع كثير من التونسيين على أنماط مختلفة من ثقافات العالم، لكن الأمر تغير اليوم ولم تعد تختلف عروض المهرجانات كثيرا- باستثناء بعضها- عن حفلات الاعراس والسهرات التي تنظم في المطاعم والفنادق وفي الاماكن الخاصة.
وللاسف، لقد كشفت مهرجانات هذا العام، بكبيرها وصغيرها هول الكارثة. فجلها تظاهرات فارغة من حيث المضمون ورديئة من حيث الشكل وتثير المخاوف من أن يكون مردودها عكسيا وأن تزيد في تراجع الذوق وفي تراجع مكانة الفنون والثقافة عموما في البلاد.