إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: هل تكون نتيجة الإستفتاء آخرَ فرص الإنقاذ؟

   بقلم: مختار اللواتي

باحت صناديق الاقتراع بسرها منذ ساعة إغلاق مراكز التصويت على مشروع الدستور الذي اقترحه رئيس الدولة وعرضه على الشعب للموافقة عليه أو لرفضه.

كلمتان فقط كانتا قادرتين لإمالة الكفة في أحد الإحتمالين..

الـ"نعم" لها سلطة القبول والدفع إلى الإمام، إن كانت لها الغلبة.

والـ"لا" لها قوة الرفض والبحث عن مخرج مشرف لمعالجة الأمر والحيلولة دون تفرق الصفوف والدخول في حالة جديدة من الأخذ والرد والتباري في عرض سناريوهات الحل وفق منظور وغاية كل طرف.

في الظاهر، قد حُسم الأمر بما إن عملية الفرز الأولية قد بينت أن غالبية الأصوات المُدلاة في الاستفتاء قد اختارت النَّعَم, فيما ذهبت قلتُها إلى اللاء.. ولكن هل هذه القراءة لتلك النتيجة هي قراءةٌ سليمةٌ ومستوفاة لكل الجوانب؟ شخصيا لا أراها كذلك !

الغريب أن شقي الصراع السياسي حول مضمون الدستور، رئيس الدولة صاحب المشروع، من ناحية، ومعارضيه بكتلهم المختلفة، من ناحية أخرى، قد فسرا، أو قرآ النتيجة الأولية تلك، كل بما يخدم طرحه السابق لحدث الاستفتاء في حد ذاته، بتطويع النتيجة لرؤيته ومرماه ..

غير إني لا أرى الطرفين مصيبان في قراءتهما تلك القائمة على الظاهر بشكله البسيط ولكنه مخادع ! وهذا ما دعاني إلى كتابة هذا المقال في محاولة لعرض قراءة مغايرة واقتراح حلٍ غير متقيد بأي انتماء حزبي ولا مرتهن لأية أجندة مهما كانت طبيعتها ومأتاها. بل إن الوطن وحده هو مبعثه ومرماه..

الإقبال الجماهيري الضعيف بل الأضعف، طيلة العشرية المنقضية، على مراكز الإقتراع، عنصرٌ في غاية الأهمية لايجب أن يُهمل !

صحيحٌ أن عزوف المواطنين عن الاهتمام بالشأن العام لم يعد مخفيا. بل كان عنصرا واضحا وبارزا منذ طفرة انتخابات أكتوبر 2011، وخديعة انتخابات 2014، وماترتب عليهما وبعدهما من فقدان الناخبين ثقتهم في الطبقة السياسية بكل مشاربها وتلويناتها.

ولكن هذا العزوف جاء هذه المرة متجاوزا لكل الانتظارات المعهودة في انحداره. فرقم العشرين بكل ما يمكن أن يلحق به من أرقام تفصيلية تبقي على ال20، سواء كان 4 أو 5 أو حتى 7 أو 8، فإنه يظل مُنذرا بأمرٍ خطير على مستويات عديدة.

فأين هذا الرقم من وثوق رئيس الدولة بأنه ينطق باسم الشعب ويعرف تماما ماذا يريد؟

وإذا كان عدد المسجلين على قوائم الناخبين قد فاق ال9 ملايين، لم يذهب منهم للإدلاء بصوته سوى ملبونين و480 ألف. أي بنسبة لاتصل إلى 30 بالمائة، أقل من 10 بالمائة منهم اختاروا كلمة "لا" تعبيرا عن الرفض لهذا الدستور بالشكل والمضمون الذي جاء بهما، فإن الاستنتاج الأولي والبسيط يقودنا إلى أحد أمرين.

أ‌- إما أن الشعب قد أراد من خلال هجره مراكز الاقتراع بهذا الكم غير المسبوق، أن يبعث بإنذار إلى رئيس الدولة لتعديل بوصلته والإقرار بأن تعاليه على كفاءات شعبه التي يزخر بها الوطن، وعدم تشريكها على الأقل في رسم اختيارات الإصلاح وبالذات صياغة دستور شديد الوضوح يحقق الإجماع ويكون مرجعا لعشرات سنين قادمة، لايدل على صحة فهمه لما يريد هذا الشعب حقيقة وبالفعل.

ب‌- وإما أن غالبية الشعب قد حسمت أمرها وقررت القطع مع رئيس الدولة تماما والتوقف عن الثقة فيه مثلما توقفت عن الثقة في منظومة الحكم السابقة. وهذا أمرٌ في غاية الخطورة على السلم الاجتماعية وعلى مستقبل البلاد...

وبهذه الكيفية، وبمنطوق الاستنتاجين السابقين، فإنهما يمثلان خطرا جسيما إن لم يقع تدارك الأمر بالسرعة القصوى والعودة إلى قراءة متأنية وبتواضع كامل لتلك النتيجة.

وإذا كان رئيس الدولة، قد عبر، في تصريحين له يوم ومساء الإثنين، عن شعور بالزهو والانتصار والتصميم على المضي قدما في تحقيق ما اعتبره يحقق أحلام الشعب وإرادته، من دون الأخذ في الاعتبار عناصر التحليل السابق، فإن معارضيه لا يبدو أنهم قد أحسنوا قراءة تلك النتيجة بعقلانية وواقعية وبتواضع هم أيضا.

فاعتبار مجمل العزوف المسجل عن المشاركة في التصويت على مشروع الدستور الذي اقترحه رئيس الدولة، هو تعبير صريح عن رفض ذلك المشروع، وحتى عن رفض كامل تمشي رئيس الدولة منذ 25 جويلية من العام الماضي، لهو في الحقيقة موقف مجانب في جزء منه على الأقل للصواب. وهذا ما نبهت إليه شخصيا حين دعوت هؤلاء في مقال سابق إلى عدم المقاطعة وإلى ممارسة حقهم الانتخابي والتصويت بما أقروا العزم عليه، سواء كان لاءً أو نعماً، لأن اللا تُحسب كما النعم وتساعد على معرفة حجم الطرفين بدقة. فمن ناحية ليس كل من لم يذهب إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته، هو معارض للرئيس أو رافض للدستور. هذا إذا سلمنا أن كل المواطنين قد قرأوا وفككوا وفهموا ماظهر في هذا الدستور ومابطن. هذا فضلا عن أن الداعين طيلة الفترة الماضية إلى مقاطعة التصويت، ليسوا كلهم على اتفاق بشأن الرئيس وتمشيه. فحركة النهضة ومن تحالفوا معها في اعتبار ما أقدم عليه رئيس الدولة في 25 جويلية من العام الماضي هو انقلابٌ يجب أن يوضع له حد. وبالتالي هو باطل وما نتج عنه هو بالقياس والضرورة باطل كذلك. أما الشق الاخر والمتمثل في حزب الدستوري الحر وفي مجموعة الأحزاب الخمسة التي ساندت لحظة 25 جويلية فقط دون باقي الإجراءات، تماما مثل سائر جمعيات المجتمع المدني ومنظماته الوطنية الأبرز، فإن منطلقاتها وأهدافها تختلف في كثيرٍ من النواحي عن منطلقات وأهداف حركة النهضة وأتباعها وحلفائها.

لذلك واستخلاصا من الاحتمالات المترتبة عن مواقف الطرفين المتقابلين، وهي جميعها تصب في خانة الاختناق والاحتقان السياسي ولا تساعد على الخروج من هذا الوضع الذي هو أقرب إلى المأزق منه إلى العبور إلى بر النجاة أو إلى حسم صراع مقيت دام سنة كاملة مع ما سبقها من مماحكات قبل ذلك، فإن مسؤولية حماية السلم الاجتماعية من كل تهتك والحفاظ على وحدة الشعب من أي تصدع، تحتم على رئيس الدولة الدعوة إلى اجتماع عاجل للمنظمات الوطنية وأبرز جمعيات المجتمع المدني من أجل حوار صادق لصالح الشعب والوطن، للنظر في سبل إصلاح الأمور التي تستدعي إصلاحا في هذا الدستور، وتعديل القانون الانتخابي بما يصلح هناته، وتعديل قانون الأحزاب بنفس الكيفية والمنوال حتى يتم التحضير لانتخابات تشريعية شفافة ونزيهة يكون فيها التنافس قائما على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية بعيدا عن الضغائن والأحقاد.

ولكن كي يؤتي ذلك الجنوح إلى العقل والمنطق ومصلحة الوطن أكلَه بما يقتضيه الواقع من تنازلات، لابد من محاسبة ومحاكمة من أجرم في حق الشعب والوطن، ليس بداعي الثأر والانتقام، ولكن بداعي إعلاء شأن القانون وقيمة العدل في المجتمع، وحتى لا يطمئن المجرمون إلى أن الإفلات من العقاب سيظل يحميهم ويرافقهم أبد الدهر !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

منتدى الصباح: هل تكون نتيجة الإستفتاء آخرَ فرص الإنقاذ؟

   بقلم: مختار اللواتي

باحت صناديق الاقتراع بسرها منذ ساعة إغلاق مراكز التصويت على مشروع الدستور الذي اقترحه رئيس الدولة وعرضه على الشعب للموافقة عليه أو لرفضه.

كلمتان فقط كانتا قادرتين لإمالة الكفة في أحد الإحتمالين..

الـ"نعم" لها سلطة القبول والدفع إلى الإمام، إن كانت لها الغلبة.

والـ"لا" لها قوة الرفض والبحث عن مخرج مشرف لمعالجة الأمر والحيلولة دون تفرق الصفوف والدخول في حالة جديدة من الأخذ والرد والتباري في عرض سناريوهات الحل وفق منظور وغاية كل طرف.

في الظاهر، قد حُسم الأمر بما إن عملية الفرز الأولية قد بينت أن غالبية الأصوات المُدلاة في الاستفتاء قد اختارت النَّعَم, فيما ذهبت قلتُها إلى اللاء.. ولكن هل هذه القراءة لتلك النتيجة هي قراءةٌ سليمةٌ ومستوفاة لكل الجوانب؟ شخصيا لا أراها كذلك !

الغريب أن شقي الصراع السياسي حول مضمون الدستور، رئيس الدولة صاحب المشروع، من ناحية، ومعارضيه بكتلهم المختلفة، من ناحية أخرى، قد فسرا، أو قرآ النتيجة الأولية تلك، كل بما يخدم طرحه السابق لحدث الاستفتاء في حد ذاته، بتطويع النتيجة لرؤيته ومرماه ..

غير إني لا أرى الطرفين مصيبان في قراءتهما تلك القائمة على الظاهر بشكله البسيط ولكنه مخادع ! وهذا ما دعاني إلى كتابة هذا المقال في محاولة لعرض قراءة مغايرة واقتراح حلٍ غير متقيد بأي انتماء حزبي ولا مرتهن لأية أجندة مهما كانت طبيعتها ومأتاها. بل إن الوطن وحده هو مبعثه ومرماه..

الإقبال الجماهيري الضعيف بل الأضعف، طيلة العشرية المنقضية، على مراكز الإقتراع، عنصرٌ في غاية الأهمية لايجب أن يُهمل !

صحيحٌ أن عزوف المواطنين عن الاهتمام بالشأن العام لم يعد مخفيا. بل كان عنصرا واضحا وبارزا منذ طفرة انتخابات أكتوبر 2011، وخديعة انتخابات 2014، وماترتب عليهما وبعدهما من فقدان الناخبين ثقتهم في الطبقة السياسية بكل مشاربها وتلويناتها.

ولكن هذا العزوف جاء هذه المرة متجاوزا لكل الانتظارات المعهودة في انحداره. فرقم العشرين بكل ما يمكن أن يلحق به من أرقام تفصيلية تبقي على ال20، سواء كان 4 أو 5 أو حتى 7 أو 8، فإنه يظل مُنذرا بأمرٍ خطير على مستويات عديدة.

فأين هذا الرقم من وثوق رئيس الدولة بأنه ينطق باسم الشعب ويعرف تماما ماذا يريد؟

وإذا كان عدد المسجلين على قوائم الناخبين قد فاق ال9 ملايين، لم يذهب منهم للإدلاء بصوته سوى ملبونين و480 ألف. أي بنسبة لاتصل إلى 30 بالمائة، أقل من 10 بالمائة منهم اختاروا كلمة "لا" تعبيرا عن الرفض لهذا الدستور بالشكل والمضمون الذي جاء بهما، فإن الاستنتاج الأولي والبسيط يقودنا إلى أحد أمرين.

أ‌- إما أن الشعب قد أراد من خلال هجره مراكز الاقتراع بهذا الكم غير المسبوق، أن يبعث بإنذار إلى رئيس الدولة لتعديل بوصلته والإقرار بأن تعاليه على كفاءات شعبه التي يزخر بها الوطن، وعدم تشريكها على الأقل في رسم اختيارات الإصلاح وبالذات صياغة دستور شديد الوضوح يحقق الإجماع ويكون مرجعا لعشرات سنين قادمة، لايدل على صحة فهمه لما يريد هذا الشعب حقيقة وبالفعل.

ب‌- وإما أن غالبية الشعب قد حسمت أمرها وقررت القطع مع رئيس الدولة تماما والتوقف عن الثقة فيه مثلما توقفت عن الثقة في منظومة الحكم السابقة. وهذا أمرٌ في غاية الخطورة على السلم الاجتماعية وعلى مستقبل البلاد...

وبهذه الكيفية، وبمنطوق الاستنتاجين السابقين، فإنهما يمثلان خطرا جسيما إن لم يقع تدارك الأمر بالسرعة القصوى والعودة إلى قراءة متأنية وبتواضع كامل لتلك النتيجة.

وإذا كان رئيس الدولة، قد عبر، في تصريحين له يوم ومساء الإثنين، عن شعور بالزهو والانتصار والتصميم على المضي قدما في تحقيق ما اعتبره يحقق أحلام الشعب وإرادته، من دون الأخذ في الاعتبار عناصر التحليل السابق، فإن معارضيه لا يبدو أنهم قد أحسنوا قراءة تلك النتيجة بعقلانية وواقعية وبتواضع هم أيضا.

فاعتبار مجمل العزوف المسجل عن المشاركة في التصويت على مشروع الدستور الذي اقترحه رئيس الدولة، هو تعبير صريح عن رفض ذلك المشروع، وحتى عن رفض كامل تمشي رئيس الدولة منذ 25 جويلية من العام الماضي، لهو في الحقيقة موقف مجانب في جزء منه على الأقل للصواب. وهذا ما نبهت إليه شخصيا حين دعوت هؤلاء في مقال سابق إلى عدم المقاطعة وإلى ممارسة حقهم الانتخابي والتصويت بما أقروا العزم عليه، سواء كان لاءً أو نعماً، لأن اللا تُحسب كما النعم وتساعد على معرفة حجم الطرفين بدقة. فمن ناحية ليس كل من لم يذهب إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته، هو معارض للرئيس أو رافض للدستور. هذا إذا سلمنا أن كل المواطنين قد قرأوا وفككوا وفهموا ماظهر في هذا الدستور ومابطن. هذا فضلا عن أن الداعين طيلة الفترة الماضية إلى مقاطعة التصويت، ليسوا كلهم على اتفاق بشأن الرئيس وتمشيه. فحركة النهضة ومن تحالفوا معها في اعتبار ما أقدم عليه رئيس الدولة في 25 جويلية من العام الماضي هو انقلابٌ يجب أن يوضع له حد. وبالتالي هو باطل وما نتج عنه هو بالقياس والضرورة باطل كذلك. أما الشق الاخر والمتمثل في حزب الدستوري الحر وفي مجموعة الأحزاب الخمسة التي ساندت لحظة 25 جويلية فقط دون باقي الإجراءات، تماما مثل سائر جمعيات المجتمع المدني ومنظماته الوطنية الأبرز، فإن منطلقاتها وأهدافها تختلف في كثيرٍ من النواحي عن منطلقات وأهداف حركة النهضة وأتباعها وحلفائها.

لذلك واستخلاصا من الاحتمالات المترتبة عن مواقف الطرفين المتقابلين، وهي جميعها تصب في خانة الاختناق والاحتقان السياسي ولا تساعد على الخروج من هذا الوضع الذي هو أقرب إلى المأزق منه إلى العبور إلى بر النجاة أو إلى حسم صراع مقيت دام سنة كاملة مع ما سبقها من مماحكات قبل ذلك، فإن مسؤولية حماية السلم الاجتماعية من كل تهتك والحفاظ على وحدة الشعب من أي تصدع، تحتم على رئيس الدولة الدعوة إلى اجتماع عاجل للمنظمات الوطنية وأبرز جمعيات المجتمع المدني من أجل حوار صادق لصالح الشعب والوطن، للنظر في سبل إصلاح الأمور التي تستدعي إصلاحا في هذا الدستور، وتعديل القانون الانتخابي بما يصلح هناته، وتعديل قانون الأحزاب بنفس الكيفية والمنوال حتى يتم التحضير لانتخابات تشريعية شفافة ونزيهة يكون فيها التنافس قائما على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية بعيدا عن الضغائن والأحقاد.

ولكن كي يؤتي ذلك الجنوح إلى العقل والمنطق ومصلحة الوطن أكلَه بما يقتضيه الواقع من تنازلات، لابد من محاسبة ومحاكمة من أجرم في حق الشعب والوطن، ليس بداعي الثأر والانتقام، ولكن بداعي إعلاء شأن القانون وقيمة العدل في المجتمع، وحتى لا يطمئن المجرمون إلى أن الإفلات من العقاب سيظل يحميهم ويرافقهم أبد الدهر !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews