إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: التعليم النموذجي في تونس.. هل حقّق أهدافه أم ساهم في تخلف التعليم؟

بقلم:د.ريم بالخذيري(*)

التعليم في تونس ليس جسما واحدا متجانسا من حيث التكوين والكمّ والكيف وهو متفاوت بين الجهات. بل لعلنا لانذيع سرا بالقول أن التعليم الحقيقي والاستعداد الجدي للمناظرات الوطنية (سيزيام ونوفيام وباكالوريا) لايتمّ في المعاهد والمدارس العمومية وحتى الخاصة انما في الدروس الخصوصية التي أصبحت مع الأسف البديل الحقيقي للتعليم في المؤسسات.

وفي تونس نجد نوعين من التعليم تعليم عمومي عادي لا يقدّم شيئا يذكر على مستوى التكوين وتعليم نموذجي أشبه بالنظام العسكري و التعجيزي يضرّ في أحيان كثيرة بشخصية التلميذ ويعزله عن عالمه الطبيعي بسبب ثقل البرامج والصرامة المتّبعة في المؤسسات النموذجية لحد أصبح الكثيرون يتهّربون من الالتحاق بها .و نعرف حالات لتلاميذ ممتازين تعمّدوا التعثّر في مناظرة السيزيام لعدم الدراسة بالنظام النموذجي كما أن عددا اخر من تلاميذ النموذجي يتعمّدون التعثر في مناظرة "النوفيام" للعودة للتعليم العادي ولحياتهم الطبيعية.

ان فكرة التعليم النموذجي في تونس فكرة رائدة لم يتمّ تنزيلها التّنزيل الصحيح في المؤسسات النموذجية حيث تحولت هاته المؤسسات الى أماكن تشبه السجون والخلل ليس في الفكرة وانما في التطبيق كما قلنا.

نبذة تاريخية

نظام المعاهد النموذجية قديم جدا بتونس ويعود لأواخر القرن الماضي حيث تم تأسيس معهد بورقيبة فترة الحماية الفرنسية في تونس، وتحديدا عام 1882 تحت اسم معهد كارنو أو ليسي كارنو وقد بقي يحمل نفس الاسم إلى عام 1983، ليتحول اسمه إلى معهد بورقيبة النموذجي بتونس.

وقد درست فيه شخصيات عالمية على غرار الحبيب بورقيبة وجورج ولنسكي وفيليب سيغان وفرنسوا دورسيفال وميشال بوجناح.

كما درّس به أساتذة كبار من أمثال المفكر "آلانيزانسون" و الفيلسوف "جان غرونيي" و الفنان"راشيهوتو".

وعمّمت التجربة بداية من الثمانينات بعد ذلك واليوم يوجد مدرسة إعدادية نموذجية ومعهد ثانوي نموذجي، بكل ولاية من ولايات الجمهورية.

لكن هذه المؤسسات ما فتأت تثير الجدل مع كل نهاية سنة دراسية وبداية أخرى.

أولا: بسبب ما يعتبره عدد كبير من الاولياء اسلوب تعجيزي في الامتحانات التي تقدم في مناظرات الدخول لمؤسسات النموذجي في حين يرى البعض الآخر أن هاته الامتحانات هي للمتميزين فقط ومن الطبيعي أن تكون المسائل والاسئلة والمواضيع المطروحة صعبة.

ثانيا : بسبب ما يسمى النصاب أو طاقة استيعاب المعاهدة الثانوية النموذجية والتي يحددها القانون بـ 3425 مقعدا تتوزّع على 26 معهدا بحساب معهد واحد لكلّ مندوبيّة جهوية.

في حين لا تتجاوز المقاعد في المدارس النموذجية 3400 يتوزع اكثر من 800 منها في العاصمة واحوازها.

ومكمن الجدل دوما هو أن هاته الارقام تتغير وليست ثابتة فضلا على أنها قليلة جدا ولا تفي الممتحنين حقهم حيث ينتفي مقياس الكفاءة والمعدل ويبقى مقياس الشغورات.

القيروان نموذجا..

يعيش عدد كبير من الاولياء في ولاية القيروان هذه الأيام احتقانا كبيرا بسبب ما اعتبروه تلاعبا من المندوبية الجهوية للتعليم بأحلامهم وأحلام ابنائهم من المتميزين حيث تم في السنة الحالية التخفيض في نسبة القبول بالمعهد النموذجي من 175 مقعدا الى 150 في مرحلة اولى ثم الى 125 مقعدا في مرحلة ثانية. ورغم وعد وزير التربية رفع ما يعتبرونه مظلمة فان المندوبية الجهوية للتربية مصرة على قرارها الغير مفهوم بالنسبة لهم.

حيث تم في السنة الدراسية 2020/2021 التخفيض في طاقة استيعاب الإعدادية النموذجية من 175 تلميذ إلى 150 تلميذ دون سبب وجيه ، مما نتج عنه أن آخر معدل التحق بالإعدادية هو 15,40 ، ووقع احتجاج كبير من طرف الاولياء وهذا ما جعل المندوب الجهوي والوزير يصرحان بأنه سيتم تدارك الامر السنة الموالية ( 2022) نظرا للنتائج المميزة للتلاميذ، لكن يتم التخفيض مرة أخرى وهذه المرة للمؤسستين( اعدادية ومعهد) بنسبة 25 للمعهد ( 175 الى 150) وبنسبة 25 بالنسبة للإعدادية ( 150 الى 125).

وما يحدث في القيروان هو نموذج لما يحدث في ولايات أخرى ما يجعل مراجعة نظام القبول في هاته المؤسسات في حاجة ملحة للتعديل وهو ما سيتم بتعليمات من الرئيس سعيد خلال لقاءه بوزير التربية يوم الثلاثاء الفارط.

تعليم نموذجي هو الأصل..

مع الكم الهائل من النقد للمؤسسات التعليمية النموذجية ومع الجدل المتصاعد بينها وبين الأولياء. ومع الاتهامات التي توجه اليها بصناعة تلاميذ "روبوهات".

ومع خلوّ المدارس والمعاهد النموذجية من أي أنشطة ثقافية او فكرية بات من الضروري الحديث عن تعليم نموذجي يعمم على كل المؤسسات التربوية فبمثل هذا التعليم لن نحتاج لهذا التقسيم بين التلاميذ والذي يرفضه المنادون بالتخلي عن المؤسسات النموذجية وتسويتها مع غيرها من المؤسسات.

ونعتقد أن المؤسسات التعليمية النموذجية ومناهج التعليم النموذجي بشكله الحالي لا يعدان انجاز نحو صناعة نخبة وانما الضرر الحاصل منها اكثر من نفعها الذي اريد منها.

بل نعتقد أنه ساهم في تخلف التعليم بصفة عامة.

(*)رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسّط

 

 

 

منتدى الصباح: التعليم النموذجي في تونس.. هل حقّق أهدافه أم ساهم في تخلف التعليم؟

بقلم:د.ريم بالخذيري(*)

التعليم في تونس ليس جسما واحدا متجانسا من حيث التكوين والكمّ والكيف وهو متفاوت بين الجهات. بل لعلنا لانذيع سرا بالقول أن التعليم الحقيقي والاستعداد الجدي للمناظرات الوطنية (سيزيام ونوفيام وباكالوريا) لايتمّ في المعاهد والمدارس العمومية وحتى الخاصة انما في الدروس الخصوصية التي أصبحت مع الأسف البديل الحقيقي للتعليم في المؤسسات.

وفي تونس نجد نوعين من التعليم تعليم عمومي عادي لا يقدّم شيئا يذكر على مستوى التكوين وتعليم نموذجي أشبه بالنظام العسكري و التعجيزي يضرّ في أحيان كثيرة بشخصية التلميذ ويعزله عن عالمه الطبيعي بسبب ثقل البرامج والصرامة المتّبعة في المؤسسات النموذجية لحد أصبح الكثيرون يتهّربون من الالتحاق بها .و نعرف حالات لتلاميذ ممتازين تعمّدوا التعثّر في مناظرة السيزيام لعدم الدراسة بالنظام النموذجي كما أن عددا اخر من تلاميذ النموذجي يتعمّدون التعثر في مناظرة "النوفيام" للعودة للتعليم العادي ولحياتهم الطبيعية.

ان فكرة التعليم النموذجي في تونس فكرة رائدة لم يتمّ تنزيلها التّنزيل الصحيح في المؤسسات النموذجية حيث تحولت هاته المؤسسات الى أماكن تشبه السجون والخلل ليس في الفكرة وانما في التطبيق كما قلنا.

نبذة تاريخية

نظام المعاهد النموذجية قديم جدا بتونس ويعود لأواخر القرن الماضي حيث تم تأسيس معهد بورقيبة فترة الحماية الفرنسية في تونس، وتحديدا عام 1882 تحت اسم معهد كارنو أو ليسي كارنو وقد بقي يحمل نفس الاسم إلى عام 1983، ليتحول اسمه إلى معهد بورقيبة النموذجي بتونس.

وقد درست فيه شخصيات عالمية على غرار الحبيب بورقيبة وجورج ولنسكي وفيليب سيغان وفرنسوا دورسيفال وميشال بوجناح.

كما درّس به أساتذة كبار من أمثال المفكر "آلانيزانسون" و الفيلسوف "جان غرونيي" و الفنان"راشيهوتو".

وعمّمت التجربة بداية من الثمانينات بعد ذلك واليوم يوجد مدرسة إعدادية نموذجية ومعهد ثانوي نموذجي، بكل ولاية من ولايات الجمهورية.

لكن هذه المؤسسات ما فتأت تثير الجدل مع كل نهاية سنة دراسية وبداية أخرى.

أولا: بسبب ما يعتبره عدد كبير من الاولياء اسلوب تعجيزي في الامتحانات التي تقدم في مناظرات الدخول لمؤسسات النموذجي في حين يرى البعض الآخر أن هاته الامتحانات هي للمتميزين فقط ومن الطبيعي أن تكون المسائل والاسئلة والمواضيع المطروحة صعبة.

ثانيا : بسبب ما يسمى النصاب أو طاقة استيعاب المعاهدة الثانوية النموذجية والتي يحددها القانون بـ 3425 مقعدا تتوزّع على 26 معهدا بحساب معهد واحد لكلّ مندوبيّة جهوية.

في حين لا تتجاوز المقاعد في المدارس النموذجية 3400 يتوزع اكثر من 800 منها في العاصمة واحوازها.

ومكمن الجدل دوما هو أن هاته الارقام تتغير وليست ثابتة فضلا على أنها قليلة جدا ولا تفي الممتحنين حقهم حيث ينتفي مقياس الكفاءة والمعدل ويبقى مقياس الشغورات.

القيروان نموذجا..

يعيش عدد كبير من الاولياء في ولاية القيروان هذه الأيام احتقانا كبيرا بسبب ما اعتبروه تلاعبا من المندوبية الجهوية للتعليم بأحلامهم وأحلام ابنائهم من المتميزين حيث تم في السنة الحالية التخفيض في نسبة القبول بالمعهد النموذجي من 175 مقعدا الى 150 في مرحلة اولى ثم الى 125 مقعدا في مرحلة ثانية. ورغم وعد وزير التربية رفع ما يعتبرونه مظلمة فان المندوبية الجهوية للتربية مصرة على قرارها الغير مفهوم بالنسبة لهم.

حيث تم في السنة الدراسية 2020/2021 التخفيض في طاقة استيعاب الإعدادية النموذجية من 175 تلميذ إلى 150 تلميذ دون سبب وجيه ، مما نتج عنه أن آخر معدل التحق بالإعدادية هو 15,40 ، ووقع احتجاج كبير من طرف الاولياء وهذا ما جعل المندوب الجهوي والوزير يصرحان بأنه سيتم تدارك الامر السنة الموالية ( 2022) نظرا للنتائج المميزة للتلاميذ، لكن يتم التخفيض مرة أخرى وهذه المرة للمؤسستين( اعدادية ومعهد) بنسبة 25 للمعهد ( 175 الى 150) وبنسبة 25 بالنسبة للإعدادية ( 150 الى 125).

وما يحدث في القيروان هو نموذج لما يحدث في ولايات أخرى ما يجعل مراجعة نظام القبول في هاته المؤسسات في حاجة ملحة للتعديل وهو ما سيتم بتعليمات من الرئيس سعيد خلال لقاءه بوزير التربية يوم الثلاثاء الفارط.

تعليم نموذجي هو الأصل..

مع الكم الهائل من النقد للمؤسسات التعليمية النموذجية ومع الجدل المتصاعد بينها وبين الأولياء. ومع الاتهامات التي توجه اليها بصناعة تلاميذ "روبوهات".

ومع خلوّ المدارس والمعاهد النموذجية من أي أنشطة ثقافية او فكرية بات من الضروري الحديث عن تعليم نموذجي يعمم على كل المؤسسات التربوية فبمثل هذا التعليم لن نحتاج لهذا التقسيم بين التلاميذ والذي يرفضه المنادون بالتخلي عن المؤسسات النموذجية وتسويتها مع غيرها من المؤسسات.

ونعتقد أن المؤسسات التعليمية النموذجية ومناهج التعليم النموذجي بشكله الحالي لا يعدان انجاز نحو صناعة نخبة وانما الضرر الحاصل منها اكثر من نفعها الذي اريد منها.

بل نعتقد أنه ساهم في تخلف التعليم بصفة عامة.

(*)رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسّط

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews