إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بشرى بلحاج حميدة لـ"الصباح": النقطة السوداء في مشروع الدستور.. إلغاء مدنية الدولة

 

 

تونس-الصباح

يستدل بعض المدافعين عن مشروع الدستور وخاصة عن الفصل الخامس المثير للجدل والذي نص في صيغته المعدلة بتاريخ 8 جويلية الجاري على أن "تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطيّ، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية"، بما ورد في ديباجة تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي أحدثها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي يوم 13 أوت 2017 وترأستها الحقوقية بشرى بلحاج حميدة من حديث عن "المدرسة المقاصدية التونسية" وعن "ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مقاصد الإسلام باعتباره أحد مقومات الشخصية التونسية وأحد مرتكزات الحركة الإصلاحية التي استندت إليها الأجيال المتلاحقة من المصلحين الذين أسهموا في بنائها ونهوضها"، وهو ما وصفته بلحاج حميدة بالوقوف عند ويل للمصلين.

 وفسرت أن لجنة الحقوق الفردية والمساواة عندما أعدت تقريرها فقد كان ذلك بناء على مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 وعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وعلى التوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة، وكانت الرؤية أمام اللجنة وقتها واضحة بالنظر إلى مضامين توطئة الدستور والفصل الأول منه والفصل الثاني والفصل 49، إذ نصت التوطئة على أن الدستور جاء تعبيرا عن تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتّسمة بالتفتّح والاعتدال، وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية، واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا، ومن حركاتنا الإصلاحية المستنيرة المستندة إلى مقوّمات هويتنا العربية الإسلامية وإلى الكسب الحضاري الإنساني، وتمسّكا بما حقّقه شعبنا من المكاسب الوطنية، أما الفصل الأول فقد نص على أن تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها، وبالتالي فإن التقرير الذي أعدته اللجنة عندما تحدث عن المقاصد فإنه تحدث عنها في إطار محدد لا يهدد الحقوق والحريات.

وأضافت بلحاج حميدة في تصريح لـ"الصباح" أنه يجب ألا ننسى أيضا أن دستور 2014 الذي استندت إليه اللجنة عند إعداد تقريرها نص في فصله الثاني على أن تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون ونص في الفصل 49 على أن "يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور".

وبينت رئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة أن الفصل 49 من دستور 2014 جعل تحديد ضوابط الحقوق والحريات لا يتم إلا في إطار مقتضيات الدولة المدنية. وأكدت أن أغلب أعضاء اللجنة كانوا يريدون اعتماد مرجعية حقوق الإنسان فقط، ولكنهم احترموا الدستور وتقيدوا في أعمالهم بأحكامه التي اعتبرت أن الشعب مسلم والدولة مدنية وليس كما جاء في الفصل الخامس من مشروع الدستور الجديد.

وترى بلحاج حميدة أن الإطار الذي تحركت فيه اللجنة لا علاقة له إطلاقا بالفصل الخامس من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، فبمقتضى هذا الفصل الخطير على حد وصفها، أصبحت الدولة التونسية جزءا من الأمة الإسلامية وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات في علاقة بمقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية، فحتى مفهوم الحرية في هذا السياق يصبح قابلا للنقاش بالنظر إلى إلغاء الفصل الثاني المتعلق بمدنية الدولية، لأنه لا معنى للحرية إذا لم توضع في إطار القيم الإنسانية ومنظومة حقوق الإنسان الكونية وإذا لم توضع في إطار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها تونس.

خطر محدق بالبلاد

وترى بشرى بلحاج حميدة أن إلغاء الفصل الثاني من دستور 2014 المتعلق بمدنية الدولة خطر محدق بتونس في صورة إقرار مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، لأنه في هذه الحالة يمكن لكل طرف في الدول سواء مجلس نواب الشعب أو رئيس الجمهورية أو المحكمة الدستورية أن يؤل الفصل الخامس كما يحلو له.. وذهبت محدثتنا إلى أبعد من ذلك وحذرت من أن النقطة السوداء في مشروع الدستور هي إلغاء مدنية الدولة، لأنه بشطب مفهوم مدنية الدولة وبالتنصيص على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية يتم فتح باب التأويلات والخروج عن أدبيات المدرسة المقاصدية التونسية والأبعاد المقاصدية التي انبثقت من داخل الفضاء الزيتوني والتي أكدت على مفاهيم التجديد والاجتهاد والإصلاح. وبينت أنه في إطار مدنية الدولة التي كرسها دستور 2014 كان بإمكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أن يقدم مبادرته التشريعية المتعلقة بالمساواة في الميراث..

الحقوق والحريات مهددة

ولم تخف محدثتنا خشيتها الكبيرة من مخاطر الفصل الخامس من مشروع الدستور ومما يمثله من تهديدات حقيقية للحقوق والحريات. وذكرت أنها لا تتفق في الرأي مع من قالوا إن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لم يمس من الحقوق والحريات التي جاء بها دستور 2014، وذلك لأن المشروع المقدم من قبل الرئيس قيس سعيد لم يكرس حرية الفرد، بل غيب الفرد وبهذه الكيفية فهو يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي ركزت على الحريات الفردية والحق في الحياة والحق في التنقل والحق في التصرف في الجسد وحرية الضمير وحرية المظهر والحق في الأمن، فبحديثه عن العرض أجهز الفصل الخامس على الحريات الفردية، كما أن مفهوم العرض في الثقافة العربية الإسلامية مرتبط بالشرف، والشرف مرتبط بالنساء، وهو ما سيمثل خطرا على المرأة، وليس هذا فقط فقد نص الفصل الخامس وفق ما أشارت إليه بلحاج حميدة على أن الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام في الحفاظ على النفس، وهذا المفهوم حسب رأيها غير واضح بما فيه الكفاية فهل يعني أن الدولة مسؤولة عن حياة الناس وعن الحق في الحياة الذي من المفروض أن يكون حقا مقدسا وأن لا يقع المساس به ومن المفروض أن يتم إلغاء عقوبة الإعدام.

وفي علاقة بعقوبة الإعدام التي أبدى رئيس الجمهورية قيس سعيد تمسكه بها حتى قبل وصوله إلى قصر قرطاج، بينت بلحاج حميدة أنه كان يجب على رئيس الجمهورية أن يكون صريحا مع شعبه وأن لا يغالطه، وذكرت أن الرئيس قال في أحد خطابته إنه مع تطبيق عقوبة الإعدام، ولكن بعد أسبوعين فقط أمضت الدولة التونسية عن التزامها بمواصلة عدم تنفيذ عقوبة الإعدام، فهو وعوضا عن الارتقاء بفكر التونسيين وعوضا عن تقديم مبادرة تلغي عقوبة الإعدام نهائيا من التشريعات الوطنية يقول إنه مع هذه العقوبة وفي نفس الوقت تجدد الدولة التونسية أمام الأمم المتحدة التزامها بعدم تطبيق عقوبة الإعدام، وهو ما يدل على وجود تناقض صارخ بين الخطاب الشعبوي لرئيس الجمهورية الذي يريد به دغدغة عواطف الناس وبين ما تقوم به الدولة من التزامات أمام الأمم المتحدة..

وكررت بلحاج حميدة أكثر من مرة أن إلغاء الفصل 49 الذي كان موجودا في دستور 2014 يمثل تهديدا للحقوق والحريات، خاصة وأن مشروع الدستور محا السلطة القضائية الضامنة للحقوق والحريات.

وتعقيبا على سؤال حول ما إذا كان حلم الحقوقيين بتنزيل المقترحات التي جاء بها تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة وخاصة ما تعلق منها بالمساواة في الإرث قد قبر نهائيا في ظل مشروع الدستور الجديد، أجابت رئيسة اللجنة أنه مازال لديها أمل كبير في أنه سيأتي اليوم الذي سيمرر فيه قانون المساواة في الإرث ومجلة الحريات الفردية وذلك لأنها تثق كثيرا في شباب تونس النير.

وبخصوص رأيها في مشروع الدستور ككل قالت بشرى بلحاج حميدة، إنها تعتبر كامل المسار باطلا وما بني على باطل فهو باطل، لأن رئيس الجمهورية هو الذي قدر بمفرده أن مشكلة البلاد هي في دستورها، وهو الذي قام بإعداد مشروع دستور جديد بصفة انفرادية إذ لم يحترم حتى أعمال الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وقرر عرض مشروعه على الاستفتاء والحال أنه يعلم جيدا أن الأغلبية الساحقة ممن سيذهبون للتصويت لم يقرؤوا المشروع وحتى إن قرؤوه فإنهم لم يفهموا ما فيه، وأضافت أنه لو كان رئيس الجمهورية يحب الشعب التونسي حقا ما كان ليعرض عليه نصا لا يفهمه، ولو كان يحترم إرادة الشعب ما كان غير الدستور لأن الإرادة التي عبرت عنها الاستشارة الوطنية التي استند إليها في إعداد مشروع الدستور كانت في اتجاه إدخال بعض التعديلات على دستور 2014 لإصلاحه ولم تكن في اتجاه المطالبة بدستور جديد للبلاد.

وخلصت الحقوقية إلى أن أكثر ما يخيفها في مشروع الدستور هو أنه يتيح إلى أي شخص سيأتي بعد الرئيس سعيد إمكانية إعداد دستور جديد وأضافت قائلة :"قد نجد أنفسنا بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء في مرحلة تأسيسية جديدة وهذا فيه تبديد للجهود فعوضا عن الانكباب على معالجة القضايا الحارقة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها تونس سينصب اهتمام النخب على إعداد الدساتير ويتركون البلاد تغرق أكثر فأكثر".

سعيدة بوهلال

 

 

 

بشرى بلحاج حميدة لـ"الصباح": النقطة السوداء في مشروع الدستور.. إلغاء مدنية الدولة

 

 

تونس-الصباح

يستدل بعض المدافعين عن مشروع الدستور وخاصة عن الفصل الخامس المثير للجدل والذي نص في صيغته المعدلة بتاريخ 8 جويلية الجاري على أن "تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطيّ، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية"، بما ورد في ديباجة تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي أحدثها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي يوم 13 أوت 2017 وترأستها الحقوقية بشرى بلحاج حميدة من حديث عن "المدرسة المقاصدية التونسية" وعن "ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مقاصد الإسلام باعتباره أحد مقومات الشخصية التونسية وأحد مرتكزات الحركة الإصلاحية التي استندت إليها الأجيال المتلاحقة من المصلحين الذين أسهموا في بنائها ونهوضها"، وهو ما وصفته بلحاج حميدة بالوقوف عند ويل للمصلين.

 وفسرت أن لجنة الحقوق الفردية والمساواة عندما أعدت تقريرها فقد كان ذلك بناء على مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 وعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وعلى التوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة، وكانت الرؤية أمام اللجنة وقتها واضحة بالنظر إلى مضامين توطئة الدستور والفصل الأول منه والفصل الثاني والفصل 49، إذ نصت التوطئة على أن الدستور جاء تعبيرا عن تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتّسمة بالتفتّح والاعتدال، وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية، واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا، ومن حركاتنا الإصلاحية المستنيرة المستندة إلى مقوّمات هويتنا العربية الإسلامية وإلى الكسب الحضاري الإنساني، وتمسّكا بما حقّقه شعبنا من المكاسب الوطنية، أما الفصل الأول فقد نص على أن تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها، وبالتالي فإن التقرير الذي أعدته اللجنة عندما تحدث عن المقاصد فإنه تحدث عنها في إطار محدد لا يهدد الحقوق والحريات.

وأضافت بلحاج حميدة في تصريح لـ"الصباح" أنه يجب ألا ننسى أيضا أن دستور 2014 الذي استندت إليه اللجنة عند إعداد تقريرها نص في فصله الثاني على أن تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون ونص في الفصل 49 على أن "يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور".

وبينت رئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة أن الفصل 49 من دستور 2014 جعل تحديد ضوابط الحقوق والحريات لا يتم إلا في إطار مقتضيات الدولة المدنية. وأكدت أن أغلب أعضاء اللجنة كانوا يريدون اعتماد مرجعية حقوق الإنسان فقط، ولكنهم احترموا الدستور وتقيدوا في أعمالهم بأحكامه التي اعتبرت أن الشعب مسلم والدولة مدنية وليس كما جاء في الفصل الخامس من مشروع الدستور الجديد.

وترى بلحاج حميدة أن الإطار الذي تحركت فيه اللجنة لا علاقة له إطلاقا بالفصل الخامس من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، فبمقتضى هذا الفصل الخطير على حد وصفها، أصبحت الدولة التونسية جزءا من الأمة الإسلامية وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات في علاقة بمقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية، فحتى مفهوم الحرية في هذا السياق يصبح قابلا للنقاش بالنظر إلى إلغاء الفصل الثاني المتعلق بمدنية الدولية، لأنه لا معنى للحرية إذا لم توضع في إطار القيم الإنسانية ومنظومة حقوق الإنسان الكونية وإذا لم توضع في إطار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها تونس.

خطر محدق بالبلاد

وترى بشرى بلحاج حميدة أن إلغاء الفصل الثاني من دستور 2014 المتعلق بمدنية الدولة خطر محدق بتونس في صورة إقرار مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، لأنه في هذه الحالة يمكن لكل طرف في الدول سواء مجلس نواب الشعب أو رئيس الجمهورية أو المحكمة الدستورية أن يؤل الفصل الخامس كما يحلو له.. وذهبت محدثتنا إلى أبعد من ذلك وحذرت من أن النقطة السوداء في مشروع الدستور هي إلغاء مدنية الدولة، لأنه بشطب مفهوم مدنية الدولة وبالتنصيص على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية يتم فتح باب التأويلات والخروج عن أدبيات المدرسة المقاصدية التونسية والأبعاد المقاصدية التي انبثقت من داخل الفضاء الزيتوني والتي أكدت على مفاهيم التجديد والاجتهاد والإصلاح. وبينت أنه في إطار مدنية الدولة التي كرسها دستور 2014 كان بإمكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أن يقدم مبادرته التشريعية المتعلقة بالمساواة في الميراث..

الحقوق والحريات مهددة

ولم تخف محدثتنا خشيتها الكبيرة من مخاطر الفصل الخامس من مشروع الدستور ومما يمثله من تهديدات حقيقية للحقوق والحريات. وذكرت أنها لا تتفق في الرأي مع من قالوا إن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لم يمس من الحقوق والحريات التي جاء بها دستور 2014، وذلك لأن المشروع المقدم من قبل الرئيس قيس سعيد لم يكرس حرية الفرد، بل غيب الفرد وبهذه الكيفية فهو يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي ركزت على الحريات الفردية والحق في الحياة والحق في التنقل والحق في التصرف في الجسد وحرية الضمير وحرية المظهر والحق في الأمن، فبحديثه عن العرض أجهز الفصل الخامس على الحريات الفردية، كما أن مفهوم العرض في الثقافة العربية الإسلامية مرتبط بالشرف، والشرف مرتبط بالنساء، وهو ما سيمثل خطرا على المرأة، وليس هذا فقط فقد نص الفصل الخامس وفق ما أشارت إليه بلحاج حميدة على أن الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام في الحفاظ على النفس، وهذا المفهوم حسب رأيها غير واضح بما فيه الكفاية فهل يعني أن الدولة مسؤولة عن حياة الناس وعن الحق في الحياة الذي من المفروض أن يكون حقا مقدسا وأن لا يقع المساس به ومن المفروض أن يتم إلغاء عقوبة الإعدام.

وفي علاقة بعقوبة الإعدام التي أبدى رئيس الجمهورية قيس سعيد تمسكه بها حتى قبل وصوله إلى قصر قرطاج، بينت بلحاج حميدة أنه كان يجب على رئيس الجمهورية أن يكون صريحا مع شعبه وأن لا يغالطه، وذكرت أن الرئيس قال في أحد خطابته إنه مع تطبيق عقوبة الإعدام، ولكن بعد أسبوعين فقط أمضت الدولة التونسية عن التزامها بمواصلة عدم تنفيذ عقوبة الإعدام، فهو وعوضا عن الارتقاء بفكر التونسيين وعوضا عن تقديم مبادرة تلغي عقوبة الإعدام نهائيا من التشريعات الوطنية يقول إنه مع هذه العقوبة وفي نفس الوقت تجدد الدولة التونسية أمام الأمم المتحدة التزامها بعدم تطبيق عقوبة الإعدام، وهو ما يدل على وجود تناقض صارخ بين الخطاب الشعبوي لرئيس الجمهورية الذي يريد به دغدغة عواطف الناس وبين ما تقوم به الدولة من التزامات أمام الأمم المتحدة..

وكررت بلحاج حميدة أكثر من مرة أن إلغاء الفصل 49 الذي كان موجودا في دستور 2014 يمثل تهديدا للحقوق والحريات، خاصة وأن مشروع الدستور محا السلطة القضائية الضامنة للحقوق والحريات.

وتعقيبا على سؤال حول ما إذا كان حلم الحقوقيين بتنزيل المقترحات التي جاء بها تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة وخاصة ما تعلق منها بالمساواة في الإرث قد قبر نهائيا في ظل مشروع الدستور الجديد، أجابت رئيسة اللجنة أنه مازال لديها أمل كبير في أنه سيأتي اليوم الذي سيمرر فيه قانون المساواة في الإرث ومجلة الحريات الفردية وذلك لأنها تثق كثيرا في شباب تونس النير.

وبخصوص رأيها في مشروع الدستور ككل قالت بشرى بلحاج حميدة، إنها تعتبر كامل المسار باطلا وما بني على باطل فهو باطل، لأن رئيس الجمهورية هو الذي قدر بمفرده أن مشكلة البلاد هي في دستورها، وهو الذي قام بإعداد مشروع دستور جديد بصفة انفرادية إذ لم يحترم حتى أعمال الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وقرر عرض مشروعه على الاستفتاء والحال أنه يعلم جيدا أن الأغلبية الساحقة ممن سيذهبون للتصويت لم يقرؤوا المشروع وحتى إن قرؤوه فإنهم لم يفهموا ما فيه، وأضافت أنه لو كان رئيس الجمهورية يحب الشعب التونسي حقا ما كان ليعرض عليه نصا لا يفهمه، ولو كان يحترم إرادة الشعب ما كان غير الدستور لأن الإرادة التي عبرت عنها الاستشارة الوطنية التي استند إليها في إعداد مشروع الدستور كانت في اتجاه إدخال بعض التعديلات على دستور 2014 لإصلاحه ولم تكن في اتجاه المطالبة بدستور جديد للبلاد.

وخلصت الحقوقية إلى أن أكثر ما يخيفها في مشروع الدستور هو أنه يتيح إلى أي شخص سيأتي بعد الرئيس سعيد إمكانية إعداد دستور جديد وأضافت قائلة :"قد نجد أنفسنا بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء في مرحلة تأسيسية جديدة وهذا فيه تبديد للجهود فعوضا عن الانكباب على معالجة القضايا الحارقة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها تونس سينصب اهتمام النخب على إعداد الدساتير ويتركون البلاد تغرق أكثر فأكثر".

سعيدة بوهلال

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews