إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات: حملة الاستفتاء باهتة جدا في ظل غياب حزبي ومنظماتي

تونس: الصباح

قال الناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، إن الملاحظين الراجعين بالنظر إلى المرصد تبينوا من خلال مراقبة حملة الاستفتاء في الجهات أن هذه الحملة باهتة جدا بل تكاد تكون منعدمة في أغلب ولايات الجمهورية، وبين أنه رغم مرور عشرة أيام عن موعد انطلاق هذه الحملة، فجل المشاركين فيها لم يقوموا بأنشطة تذكر لحث المواطنين على تبني مواقفهم من مشروع الدستور سواء كانت مناصرة له أو معارضة، وذكر أنهم في المرصد يتنقلون داخل الجهات ولكنهم لم يرصدوا على أرض الواقع حملة حقيقية ولم يشاهدوا زخما يدل على وجود حملة.

وأضاف الهرابي في تصريح لـ "الصباح" أن غياب الحملة مرده ضعف الجسم الانتخابي للمشاركين فيها، وفسر أنه بالعودة إلى القائمة النهائية للمشاركين في الحملة نجد أن عددهم في حدود 148 مشاركا يتوزعون بين أحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وأشخاص طبيعيين، لكن الأغلبية هم من الأشخاص الطبيعيين، ويصعب على الأشخاص الطبيعيين القيام بحملة، لأن الشخص بمفرده إذا لم تتوفر له الموارد المالية والبشرية واللوجستية اللازمة لا يستطيع القيام بحملة حقيقية.. وفسر أن الموارد المالية ضرورية لتنظيم الحملات الانتخابية لكن منذ سنة 2018 تم التخلي عن التمويل العمومي للحملة وتعوضيه بمنحة استرجاع مصاريف وفضلا عن ذلك فإن قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأخير المتعلق بقواعد تمويل حملة الاستفتاء لم يتطرق إلى التمويل العمومي.

وأشار الهرابي إلى أن الحملات الانتخابية السابقة قامت بها بالأساس الأحزاب السياسية الكبرى، فالأحزاب هي التي قامت بأنشطة فعلية على الميدان من تجمعات واستعراضات وخيام ولكن هذه المرة جل الأحزاب المعروفة في الساحة السياسة أعلنت عن مقاطعتها الاستفتاء ورفضها للمسار برمته وهو ما انعكس بوضوح على الحملة، إذ رغم الدخول في الأسبوع الثاني لهذه الحملة التي ستتواصل إلى يوم 23 جويلية، لم يلحظ ارتفاعا في نسقها، وهذا ليس مرده انشغال التونسيين بعيد الأضحى والنتائج المدرسية والحفلات العائلية فقط، وإنما أيضا يعود لسوء اختيار التوقيت إذ أنه من غير المنطقي القيام بحملة وباستفتاء في عز الصيف، والأهم من ذلك فهو يعود لغياب التوافق حول الاستفتاء الدستوري، لأن جل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني رافضة للمسار ومقاطعة للاستفتاء.

مشهد سريالي

وصف الناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد، المشهد الانتخابي الحالي بالسريالي، وبين أنه من المفروض أن الحملة الانتخابية قد انطلقت يوم غرة جويلية في الخارج ويوم 3 جويلية داخل التراب الوطني، وعندما انطلقت الحملة هناك من المشاركين فيها من أعلنوا عن موقف مناصر لمشروع الدستور المعروض على استفتاء 25 جويلية وهناك منهم من أعلنوا عن موقف معارض لهذا المشروع، ولكن بعد أسبوع من انطلاقة الحملة يفاجأ الجميع بتراجع رئيس الجمهورية، وقوله إن هناك أخطاء تسربت للمشروع المعروض على الاستفتاء وجب إصلاحها وتصويبها وهو اعتراف مهم وفي محله، لأن المشروع المنشور في الرائد الرسمي بتاريخ 30 جوان لا يرتقي فعلا لأن يكون مسودة دستور.. فرئيس الجمهورية قال في كلمته التي ألقاها ليلة العيد إن هناك أخطاء في الشكل وأخرى في الترتيب تسربت على مشروع الدستور وهذا الأمر على حد تعبيره معروف في نشر سائر النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية، ولكن في الحقيقة الأخطاء في نشر الأحكام والقرارات القضائية هي أخطاء في الرقن وهي ليست شبيهة بالأخطاء الموجودة في مشروع الدستور وبالتالي المقارنة التي قام بها الرئيس لا تجوز..

 وذكر الهرابي أن رئيس الجمهورية لم يقع بإصلاح أخطاء في الشكل وفي الترتيب فحسب بل قام بتعديل مشروع الدستور إذ أنه غير عددا هاما من الفصول. ولاحظ أن الرئيس لئن تفاعل مع المجتمع المدني ونقح مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء وخاصة الفصل الخامس المثير للجدل فإن هذه التعديلات لم تشمل المسائل الجوهرية ومن أهمها مركزة جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية وتكفي الإشارة إلى أن مصطلح رئيس الجمهورية تكرر 70 مرة في مشروع الدستور وحتى في باب الوظيفة التشريعية فقد ورد مصطلح رئيس الجمهورية في 16 مناسبة، وهو ما يطرح نقطة استفهام، ثم أن الوظيفة التشريعية التي تمارس من قبل مجلسين وهما المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب فهي في حقيقة الأمر محدودة الصلاحيات إذ لا يمكن للمجلسين تمرير لائحة لوم ضد الحكومة وذلك بالنظر إلى الأغلبية المطلوبة لتمريرها، ثم أنه في لائحة اللوم الثانية وعوضا عن إعفاء الحكومة يتم حل البرلمان..

إرباك الناخب

ويرى المدير التنفيذي لمرصد شاهد أن تنقيح مشروع الدستور بتلك الشاكلة، ونشر الأمر المتعلق بتنقيحه على تلك الشاكلة أربك التونسيين، فهم لم يفهموا ما الذي تغير في مشروع الدستور بين ما تم نشره يوم 30 جوان وما تم نشره ليلة العيد، فرئيس الجمهورية قال إنه تم إصلاح أخطاء لكنه قام بعدة إضافات كالتي مست المحكمة الدستورية وغيرها وهو ما من شأنه أن يربك الناخب ويجعله فاقدا للثقة في هذا المسار.. ولعل ما سيزيد في إرباك المشهد على حد اعتقاد الهرابي فرضية تعديل مواقف المشاركين في حملة الاستفتاء من مشروع الدستور، فهيئة الانتخابات بعد أن نشرت قائمة المشاركين في حملة الاستفتاء ومواقفهم من مشروع الدستور، تريد تدارس إمكانية فتح المجال أمام المشاركين لتعديل مواقفهم وذلك تبعا لتعديل مشروع الدستور من قبل رئيس الجمهورية..

ويرى الناصر الهرابي أن المسار هو في الحقيقة مسار غير عادي منذ البداية أي منذ يوم 25 جويلية لأن رئيس الجمهورية قال إنه ملتزم بأحكام الدستور وإنه فعل الفصل 80 منه ولكنه في نهاية المطاف جاء بدستور جديد، وذلك بعد القيام باستشارة، وعبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد عن خشيته من أن يكون مصير الاستفتاء مماثل لمصير الاستشارة الوطنية وسيمر مهما كانت نسبة المشاركة فيه.

وأضاف محدثنا أنه فضلا عن ذلك فإنه لا يغيب عن أحد أن التصويت في الاستفتاءات في الدول العربية عموما والدول التي ليست لديها تقاليد ديمقراطية على وجه الخصوص، يكون استفتاء على الأشخاص وليس على مضامين النصوص التي تعرض على الاستفتاء.

ويرجح الهرابي أن الاستفتاء الذي سيتم في تونس في الخامس والعشرين من جويلية الجاري، سيصوت فيه الناخب على شخص رئيس الجمهورية قيس سعيد وليس على مضمون مشروع الدستور الذي تم نشره يوم 30 جوان وتعديله ليلة العيد، وهو ما يبعث على القلق وفق تعبيره، لأنه من المفروض أن كل ناخب يطلع على مشروع الدستور فصلا فصلا قبل أن يذهب إلى مركز الاقتراع للتصويت بـ"نعم" أو "لا"، فالتصويت يتم على ذلك المشروع وليس على شخص الرئيس سعيد، لأن سعيد حتى وأن كان هو الذي اقترح مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء فإنه عند الحديث عن رئيس الجمهورية يجب أن نتحدث عنه كمؤسسة، لأنه بعد سعيد قد يأتي شخص آخر فهل من المعقول أن نعطيه كل تلك الصلاحيات. وذكر أنه حتى في المرحلة الانتقالية، فهل من المعقول أن يحل الرئيس سعيد محل البرلمان، فالرئيس في مشروع الدستور منح لنفسه صلاحية إصدار المراسيم وهو بهذه الكيفية يمكنه أن يسن كل التشريعات الممكنة في شكل مراسيم وبالتالي عندما يأتي البرلمان القادم قد لا يجد شيئا يفعله.. وأضاف أن ما يقلقه حقا هو توجه أغلبية التونسيين، عن قلة وعي، نحو التصويت على شخص رئيس الجمهورية وليس على مضامين مشروع دستور.. وهو مشروع ألغى دستور 2014 رغم أن هذا الدستور هو من أهم الدساتير في العالم، فالمشكلة ليست في الدستور وإنما هي في عدم تفعيل الكثير من أحكامه خاصة ما تعلق منها بالمحكمة الدستورية والهيئات المستقلة، وكذلك في سياسات الدولة، وفسر قائلا إن الدستور نص على سبيل الذكر لا الحصر على الحق في العمل والحق في الماء لكن سياسات الدولة غيبتهما. وأشار إلى أنه كان من الممكن الاكتفاء بتنقيح بعض فصول دستور 2014 لكن رئيس الجمهورية جاء بدستور جديد والحال أن هناك إشكاليات سياسية لا يتم حلها بتنقيح الدستور وإنما بمراجعة القانون الانتخابي ومنها على سبيل الذكر مشكل السياحة الحزبية في البرلمان.

وأشار الهرابي إلى أن المشهد الذي كان موجودا في البرلمان والذي هو من بين أهم أسباب 25 جويلية والذي بسببه يمكن أن يتحول التصويت من تصويت على مشروع دستور إلى تصويت على شخص رئيس الجمهورية، هو مشهد مرده القانون الانتخابي وليس الدستور فلو تم اعتماد عتبة بخمسة بالمائة ومنع السياحة الحزبية لتم تلافي المشاكل الموجودة في البرلمان.

 مشهد غير عادي

أشار المدير التنفيذي لمرصد شاهد أن رئيس الجمهورية أوضح من خلال التعديلات التي أدخلها على مشروع الدستور نقاطا غامضة، وهو ما بعث شيئا من الطمأنينة لكن هذا لا يكفي، وفسر أنه كان يتمنى لو تمت الاستجابة على طلبات المجتمع المدني وتم تحديد نسبة مشاركة معينة في الاستفتاء تصرح على أساسها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج، فهذا ليس بدعة في التشريع الوطني لأن مجلة الجماعات المحلية عندما تعرضت للاستفتاء المحلي تطرقت إلى مسألة النسبة، وأضاف أنه عندما يقول هذا الكلام فذلك لأن المشهد السياسي غير عادي والحملة غير عادية والظروف المناخية التي تدور فيها الحملة غير عادية، وكل هذه الظروف مجتمعة من شأنها أن تفقد المواطن الثقة في العملية الانتخابية وهذا خطير للغاية لأن الانتخابات هي أساس الديمقراطية، والمواطن من المفروض أن يشعر بأن نتيجة الانتخابات صحيحة ولا غبار عليها، ولكن في ظل الوضع الراهن هناك هيئة انتخابات معينة من قبل رئيس الجمهورية، ومهما كانت درجة استقلالية أعضاء الهيئة فإن الهيئة ستظل محل تشكيك، وهو أمر منطقي لأن لجنة البندقية تعتبر أنه لا يمكن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية قبل موعد الانتخابات بسنة وإلا فإنها ستصبح على المقاس، لكن رئيس الجمهورية وفي وقت وجيز غير القانون الانتخابي بمرسومين وغير قانون هيئة الانتخابات ثم نشر مشروع دستور وغيره بعد أسبوع من انطلاق الحملة..

وخلص محدثنا إلى أنه يتوقع أن استفتاء 25 جويلية في مشروع الدستور الجديد سيكون شبيها باستفتاء ماي 2002 حيث بلغت نسبة الموافقة على التعديل الدستوري وقتها 99 فاصل 52 بالمائة وهي أعلى من نسبة المشاركة أي أن هناك مواطنين في منازلهم ولم يذهبوا لمراكز التصويت لكن أصواتهم دخلت إلى الصندوق واليوم وإن كان هذا السيناريو غير مطروح، لكن من سيذهب إلى صندوق الاقتراع هو الذي سيصوت بنعم لشخص رئيس الجمهورية قيس سعيد أما البقية فهم مقاطعون أو لا يهتمون بالشأن السياسي مطلقا.

وذكر الهرابي أن مرصد شاهد سيراقب الاستفتاء وسيرسل يوم 25 جويلية ملاحظين لمراكز الاقتراع بمعدل ملاحظ عن كل بلدية وذلك إضافة إلى تعيين منسقين جهويين، وقبل ذلك سيتولى تكوينهم في مجال ملاحظة الاستفتاءات، وذلك إدراكا منه لأهمية دور المجتمع المدني في مراقبة المحطات الانتخابية.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات: حملة الاستفتاء باهتة جدا في ظل غياب حزبي ومنظماتي

تونس: الصباح

قال الناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، إن الملاحظين الراجعين بالنظر إلى المرصد تبينوا من خلال مراقبة حملة الاستفتاء في الجهات أن هذه الحملة باهتة جدا بل تكاد تكون منعدمة في أغلب ولايات الجمهورية، وبين أنه رغم مرور عشرة أيام عن موعد انطلاق هذه الحملة، فجل المشاركين فيها لم يقوموا بأنشطة تذكر لحث المواطنين على تبني مواقفهم من مشروع الدستور سواء كانت مناصرة له أو معارضة، وذكر أنهم في المرصد يتنقلون داخل الجهات ولكنهم لم يرصدوا على أرض الواقع حملة حقيقية ولم يشاهدوا زخما يدل على وجود حملة.

وأضاف الهرابي في تصريح لـ "الصباح" أن غياب الحملة مرده ضعف الجسم الانتخابي للمشاركين فيها، وفسر أنه بالعودة إلى القائمة النهائية للمشاركين في الحملة نجد أن عددهم في حدود 148 مشاركا يتوزعون بين أحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وأشخاص طبيعيين، لكن الأغلبية هم من الأشخاص الطبيعيين، ويصعب على الأشخاص الطبيعيين القيام بحملة، لأن الشخص بمفرده إذا لم تتوفر له الموارد المالية والبشرية واللوجستية اللازمة لا يستطيع القيام بحملة حقيقية.. وفسر أن الموارد المالية ضرورية لتنظيم الحملات الانتخابية لكن منذ سنة 2018 تم التخلي عن التمويل العمومي للحملة وتعوضيه بمنحة استرجاع مصاريف وفضلا عن ذلك فإن قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأخير المتعلق بقواعد تمويل حملة الاستفتاء لم يتطرق إلى التمويل العمومي.

وأشار الهرابي إلى أن الحملات الانتخابية السابقة قامت بها بالأساس الأحزاب السياسية الكبرى، فالأحزاب هي التي قامت بأنشطة فعلية على الميدان من تجمعات واستعراضات وخيام ولكن هذه المرة جل الأحزاب المعروفة في الساحة السياسة أعلنت عن مقاطعتها الاستفتاء ورفضها للمسار برمته وهو ما انعكس بوضوح على الحملة، إذ رغم الدخول في الأسبوع الثاني لهذه الحملة التي ستتواصل إلى يوم 23 جويلية، لم يلحظ ارتفاعا في نسقها، وهذا ليس مرده انشغال التونسيين بعيد الأضحى والنتائج المدرسية والحفلات العائلية فقط، وإنما أيضا يعود لسوء اختيار التوقيت إذ أنه من غير المنطقي القيام بحملة وباستفتاء في عز الصيف، والأهم من ذلك فهو يعود لغياب التوافق حول الاستفتاء الدستوري، لأن جل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني رافضة للمسار ومقاطعة للاستفتاء.

مشهد سريالي

وصف الناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد، المشهد الانتخابي الحالي بالسريالي، وبين أنه من المفروض أن الحملة الانتخابية قد انطلقت يوم غرة جويلية في الخارج ويوم 3 جويلية داخل التراب الوطني، وعندما انطلقت الحملة هناك من المشاركين فيها من أعلنوا عن موقف مناصر لمشروع الدستور المعروض على استفتاء 25 جويلية وهناك منهم من أعلنوا عن موقف معارض لهذا المشروع، ولكن بعد أسبوع من انطلاقة الحملة يفاجأ الجميع بتراجع رئيس الجمهورية، وقوله إن هناك أخطاء تسربت للمشروع المعروض على الاستفتاء وجب إصلاحها وتصويبها وهو اعتراف مهم وفي محله، لأن المشروع المنشور في الرائد الرسمي بتاريخ 30 جوان لا يرتقي فعلا لأن يكون مسودة دستور.. فرئيس الجمهورية قال في كلمته التي ألقاها ليلة العيد إن هناك أخطاء في الشكل وأخرى في الترتيب تسربت على مشروع الدستور وهذا الأمر على حد تعبيره معروف في نشر سائر النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية، ولكن في الحقيقة الأخطاء في نشر الأحكام والقرارات القضائية هي أخطاء في الرقن وهي ليست شبيهة بالأخطاء الموجودة في مشروع الدستور وبالتالي المقارنة التي قام بها الرئيس لا تجوز..

 وذكر الهرابي أن رئيس الجمهورية لم يقع بإصلاح أخطاء في الشكل وفي الترتيب فحسب بل قام بتعديل مشروع الدستور إذ أنه غير عددا هاما من الفصول. ولاحظ أن الرئيس لئن تفاعل مع المجتمع المدني ونقح مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء وخاصة الفصل الخامس المثير للجدل فإن هذه التعديلات لم تشمل المسائل الجوهرية ومن أهمها مركزة جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية وتكفي الإشارة إلى أن مصطلح رئيس الجمهورية تكرر 70 مرة في مشروع الدستور وحتى في باب الوظيفة التشريعية فقد ورد مصطلح رئيس الجمهورية في 16 مناسبة، وهو ما يطرح نقطة استفهام، ثم أن الوظيفة التشريعية التي تمارس من قبل مجلسين وهما المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب فهي في حقيقة الأمر محدودة الصلاحيات إذ لا يمكن للمجلسين تمرير لائحة لوم ضد الحكومة وذلك بالنظر إلى الأغلبية المطلوبة لتمريرها، ثم أنه في لائحة اللوم الثانية وعوضا عن إعفاء الحكومة يتم حل البرلمان..

إرباك الناخب

ويرى المدير التنفيذي لمرصد شاهد أن تنقيح مشروع الدستور بتلك الشاكلة، ونشر الأمر المتعلق بتنقيحه على تلك الشاكلة أربك التونسيين، فهم لم يفهموا ما الذي تغير في مشروع الدستور بين ما تم نشره يوم 30 جوان وما تم نشره ليلة العيد، فرئيس الجمهورية قال إنه تم إصلاح أخطاء لكنه قام بعدة إضافات كالتي مست المحكمة الدستورية وغيرها وهو ما من شأنه أن يربك الناخب ويجعله فاقدا للثقة في هذا المسار.. ولعل ما سيزيد في إرباك المشهد على حد اعتقاد الهرابي فرضية تعديل مواقف المشاركين في حملة الاستفتاء من مشروع الدستور، فهيئة الانتخابات بعد أن نشرت قائمة المشاركين في حملة الاستفتاء ومواقفهم من مشروع الدستور، تريد تدارس إمكانية فتح المجال أمام المشاركين لتعديل مواقفهم وذلك تبعا لتعديل مشروع الدستور من قبل رئيس الجمهورية..

ويرى الناصر الهرابي أن المسار هو في الحقيقة مسار غير عادي منذ البداية أي منذ يوم 25 جويلية لأن رئيس الجمهورية قال إنه ملتزم بأحكام الدستور وإنه فعل الفصل 80 منه ولكنه في نهاية المطاف جاء بدستور جديد، وذلك بعد القيام باستشارة، وعبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد عن خشيته من أن يكون مصير الاستفتاء مماثل لمصير الاستشارة الوطنية وسيمر مهما كانت نسبة المشاركة فيه.

وأضاف محدثنا أنه فضلا عن ذلك فإنه لا يغيب عن أحد أن التصويت في الاستفتاءات في الدول العربية عموما والدول التي ليست لديها تقاليد ديمقراطية على وجه الخصوص، يكون استفتاء على الأشخاص وليس على مضامين النصوص التي تعرض على الاستفتاء.

ويرجح الهرابي أن الاستفتاء الذي سيتم في تونس في الخامس والعشرين من جويلية الجاري، سيصوت فيه الناخب على شخص رئيس الجمهورية قيس سعيد وليس على مضمون مشروع الدستور الذي تم نشره يوم 30 جوان وتعديله ليلة العيد، وهو ما يبعث على القلق وفق تعبيره، لأنه من المفروض أن كل ناخب يطلع على مشروع الدستور فصلا فصلا قبل أن يذهب إلى مركز الاقتراع للتصويت بـ"نعم" أو "لا"، فالتصويت يتم على ذلك المشروع وليس على شخص الرئيس سعيد، لأن سعيد حتى وأن كان هو الذي اقترح مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء فإنه عند الحديث عن رئيس الجمهورية يجب أن نتحدث عنه كمؤسسة، لأنه بعد سعيد قد يأتي شخص آخر فهل من المعقول أن نعطيه كل تلك الصلاحيات. وذكر أنه حتى في المرحلة الانتقالية، فهل من المعقول أن يحل الرئيس سعيد محل البرلمان، فالرئيس في مشروع الدستور منح لنفسه صلاحية إصدار المراسيم وهو بهذه الكيفية يمكنه أن يسن كل التشريعات الممكنة في شكل مراسيم وبالتالي عندما يأتي البرلمان القادم قد لا يجد شيئا يفعله.. وأضاف أن ما يقلقه حقا هو توجه أغلبية التونسيين، عن قلة وعي، نحو التصويت على شخص رئيس الجمهورية وليس على مضامين مشروع دستور.. وهو مشروع ألغى دستور 2014 رغم أن هذا الدستور هو من أهم الدساتير في العالم، فالمشكلة ليست في الدستور وإنما هي في عدم تفعيل الكثير من أحكامه خاصة ما تعلق منها بالمحكمة الدستورية والهيئات المستقلة، وكذلك في سياسات الدولة، وفسر قائلا إن الدستور نص على سبيل الذكر لا الحصر على الحق في العمل والحق في الماء لكن سياسات الدولة غيبتهما. وأشار إلى أنه كان من الممكن الاكتفاء بتنقيح بعض فصول دستور 2014 لكن رئيس الجمهورية جاء بدستور جديد والحال أن هناك إشكاليات سياسية لا يتم حلها بتنقيح الدستور وإنما بمراجعة القانون الانتخابي ومنها على سبيل الذكر مشكل السياحة الحزبية في البرلمان.

وأشار الهرابي إلى أن المشهد الذي كان موجودا في البرلمان والذي هو من بين أهم أسباب 25 جويلية والذي بسببه يمكن أن يتحول التصويت من تصويت على مشروع دستور إلى تصويت على شخص رئيس الجمهورية، هو مشهد مرده القانون الانتخابي وليس الدستور فلو تم اعتماد عتبة بخمسة بالمائة ومنع السياحة الحزبية لتم تلافي المشاكل الموجودة في البرلمان.

 مشهد غير عادي

أشار المدير التنفيذي لمرصد شاهد أن رئيس الجمهورية أوضح من خلال التعديلات التي أدخلها على مشروع الدستور نقاطا غامضة، وهو ما بعث شيئا من الطمأنينة لكن هذا لا يكفي، وفسر أنه كان يتمنى لو تمت الاستجابة على طلبات المجتمع المدني وتم تحديد نسبة مشاركة معينة في الاستفتاء تصرح على أساسها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج، فهذا ليس بدعة في التشريع الوطني لأن مجلة الجماعات المحلية عندما تعرضت للاستفتاء المحلي تطرقت إلى مسألة النسبة، وأضاف أنه عندما يقول هذا الكلام فذلك لأن المشهد السياسي غير عادي والحملة غير عادية والظروف المناخية التي تدور فيها الحملة غير عادية، وكل هذه الظروف مجتمعة من شأنها أن تفقد المواطن الثقة في العملية الانتخابية وهذا خطير للغاية لأن الانتخابات هي أساس الديمقراطية، والمواطن من المفروض أن يشعر بأن نتيجة الانتخابات صحيحة ولا غبار عليها، ولكن في ظل الوضع الراهن هناك هيئة انتخابات معينة من قبل رئيس الجمهورية، ومهما كانت درجة استقلالية أعضاء الهيئة فإن الهيئة ستظل محل تشكيك، وهو أمر منطقي لأن لجنة البندقية تعتبر أنه لا يمكن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية قبل موعد الانتخابات بسنة وإلا فإنها ستصبح على المقاس، لكن رئيس الجمهورية وفي وقت وجيز غير القانون الانتخابي بمرسومين وغير قانون هيئة الانتخابات ثم نشر مشروع دستور وغيره بعد أسبوع من انطلاق الحملة..

وخلص محدثنا إلى أنه يتوقع أن استفتاء 25 جويلية في مشروع الدستور الجديد سيكون شبيها باستفتاء ماي 2002 حيث بلغت نسبة الموافقة على التعديل الدستوري وقتها 99 فاصل 52 بالمائة وهي أعلى من نسبة المشاركة أي أن هناك مواطنين في منازلهم ولم يذهبوا لمراكز التصويت لكن أصواتهم دخلت إلى الصندوق واليوم وإن كان هذا السيناريو غير مطروح، لكن من سيذهب إلى صندوق الاقتراع هو الذي سيصوت بنعم لشخص رئيس الجمهورية قيس سعيد أما البقية فهم مقاطعون أو لا يهتمون بالشأن السياسي مطلقا.

وذكر الهرابي أن مرصد شاهد سيراقب الاستفتاء وسيرسل يوم 25 جويلية ملاحظين لمراكز الاقتراع بمعدل ملاحظ عن كل بلدية وذلك إضافة إلى تعيين منسقين جهويين، وقبل ذلك سيتولى تكوينهم في مجال ملاحظة الاستفتاءات، وذلك إدراكا منه لأهمية دور المجتمع المدني في مراقبة المحطات الانتخابية.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews