من بين المسائل الخلافية التي وردت بمشروع الدستور المقترح من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد والمنشور بالرائد الرسمي يوم 30 جوان 2022، والمعروض على الاستفتاء الشعبي برمته يوم 25 جويلية الجاري، وأثارت جدلا واسعا بين النخب الفكرية ورجال القانون والفاعلين السياسيين، مسألة الهوية الدينية للدولة وتوظيف الدين في السياسة، على غرار ما ورد بالفصل الخامس من مشروع الدستور.
وتباينت الآراء بخصوص هذا الفصل، بين من حذّر من خطورته باعتباره يهدد مدنية الدولة التونسية ويؤسس لدولة إسلامية، وبين من يمدح صياغته ويؤكد أن الفصل جاء لينهي مع الاجتهادات الشخصية في تأويل الدين ويقطع مع السمسرة السياسية بالدين..
وينص ذات الفصل على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على الّنفس والعرض والمال والدين والحرية".
اعتبر أمين عام حزب تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، وهو من بين المؤيدين لمشروع الدستور، في تصريح إعلامي أن الفصل 5 من مشروع الدستور، أغلق الباب أمام القراءات الشخصية للدين، حيث تتكفل الدولة بتحقيق مقاصده ورعايته..
ويرى البريكي أنّه كان بالإمكان تجاوز هذا الجدل من خلال الخروج من دائرة التنصيص على دين للدولة مما يحيل إلى إمكانية الحكم بالشريعة الإسلامية وبالدستور والاكتفاء فقط بالتنصيص على أنّ تونس بلد عربي إسلامي. وثمّن التنصيص على مسؤولية الدولة على الدين مما سيجنب البلاد تدخل ما أسماهم بشيوخ الفتنة.
وفي سياق متصل، اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن الفصل الخامس من مشروع الدستور سيقطع الطريق أمام الجمعيات الدينية.
وقال في تصريحات إعلامية، إن الفصل الخامس حقق تقدما كبيرا مقارنة بالفصل المنقح من الدستور السابق. وقال:"عندما نقول أن الدولة هي التي تحتكر هذا فيعني أنه تم غلق الباب أمام ما يصطلح عنه بالإسلام السياسي فلا الجمعيات ولا الأحزاب السياسية ولا غيرهم هم الذين يقدمون التفسير الرسمي للإسلام فبالتالي التفسير هو تفسير مقاصدي ولا مذهبي ولا غيره، وبالتالي فإن هناك حرية تامة وكبيرة."
وعلى النقيض من الآراء الداعمة لهذا الفصل، علق أستاذ التاريخ والناشط السياسي ومؤسس مشروع "تقدم"، عادل اللطيفي، على مضمون الفصل، وقال في تدوينه له على موقع التواصل الاجتماعي: "ما لم يقدر الإسلاميون على تمريره في دستور 2014، قدمه قيس سعيد لهم كهدية في هذا الدستور، وهي "دسترة الشريعة" في الفصل الخامس." وتابع: "ما حاربنا من أجله جاء قيس سعيد ووضعه بجّرة قلم في دستوره"،
بدوره، حذر أستاذ القانون ورئيس معهد تونس للسياسة، أحمد إدريس خلال حضوره أمس الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، من خطورة استعمال الفصل الخامس للحد من الحريات وقال:" لا يمكن فهم الفصول المتعلّقة بالحرية إلا إذا رجعنا إلى الفصل الخامس حسب مقاصد الإسلام الحنيف''.
وأضاف:''وبالتالي كل فهم للحرية يكون وفق تلك المقاصد، وقد تفرض قيودا تتعارض مع تلك المقاصد وهذا خطير جدا إذ كأننا نؤسس لدولة إسلامية".
وتأييدا لنفس الموقف، انتقدت أستاذة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية بتونس سناء بن عاشور مضمون الفصل الخامس من مشروع الدستور، وقالت إننا انتقلنا من الفصل الأول في دستور 2014 الى الفصل الخامس من مشروع دستور 2022 عشرة قرون على الوراء.
واستنكرت المرشحة سابقا لعضوية المحكمة الدستورية في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، هذا الفصل معتبرة أنه تم تناسي تحقيق مقصد العقل في الإسلام، ولكنها لا تعتقد أن ذلك تمّ سهوا..
وفي نفس السياق، اعتبر أستاذ القانون ورئيس الجمعية التونسية للدفاع على الحريات الفردية وحيد الفرشيشي في قراءة في مشروع دستور، نشرها على موقع ''المفكرة القانونية'' أن مشروع الدستور تضمن جملة من المخاطر منها الخطر التحول من دولة مدنية إلى دولة تحقق مقاصد الدين الحنيف.
ولاحظ الغياب التام لمفهوم مدنية الدولة في مشروع الدستور الجديد، مقابل حضور مفاهيم وآليات من شأنها ضرب هذه المدنية.
وأشار إلى غلبة الطابع الديني الخطير لمشروع الدستور رغم حذف عبارة دين الدولة من الفصل الأول من الدستور، إلا أن الدين يبقى حاضرا بصورة قد تهدد الحقوق والحريات.
وقال: "في حين أشار الدستور في ديباجته إلى الأبعاد الإنسانية للدين الإسلامي، فإنه عاد ليؤكد في فصله الخامس على "انتماء تونس للأمة الإسلامية والدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف والحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".
وبذلك، بموجب هذا المشروع في حال إقراره، تتحول الدولة من دولة محايدة شعبها مسلم وهي مدنية إلى دولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام. وبذلك يصبح العامل الديني وتحديدا الإسلام مكّونا ليس فقط من مكونات الثقافة بل عنصرا من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة. وفسّر كيف أن الدولة ستعمل بموجب الفصل الخامس، على تحقيق مقاصد الإسلام إنما يوجب عليها مراجعة تشريعاتها وتركيبة مؤسساتها بما ينسجم مع مقاصد الإسلام. وبذلك، يكتسب الدين دورا فاعلا ومدسترا بعدما كان مجّرد عنصر توصيفي ثقافي في دستور 2014 يتوقف عند حدود الدولة المدنية الكفيلة في إيقاف أي مشروع ديني أو أي مسعى لتغليب الاعتبار الديني في تشريعات الدولة.
واعتبر الفرشيشي أن من شأن إقرار الاعتبار الديني على النحو المقترح أن يرّتب انعكاسات هامة فيما يتعلق بالتشريعات المستقبلية والحدود المفروضة عليها وعلى ضمانات حمايتها..
كما انتقد حزب القطب، في بيان أصدره أمس، مشروع الدستور، الذي اعتمد "مصطلحات غير واضحة وفضفاضة تحتمل تأويلات عديدة وتضرب الحريات في جوهرها"، فضلا عن كونه "حذف التنصيص على مدنية الدولة وأضاف فصولا جديدة تعود بنا إلى نقاشات هووية جوفاء تستنزف مجانا القوى الحية للبلاد وتشرع لأسلمة الدولة ومقاصد الشريعة"، وفق نص البيان.
رفيق
تونس- الصباح
من بين المسائل الخلافية التي وردت بمشروع الدستور المقترح من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد والمنشور بالرائد الرسمي يوم 30 جوان 2022، والمعروض على الاستفتاء الشعبي برمته يوم 25 جويلية الجاري، وأثارت جدلا واسعا بين النخب الفكرية ورجال القانون والفاعلين السياسيين، مسألة الهوية الدينية للدولة وتوظيف الدين في السياسة، على غرار ما ورد بالفصل الخامس من مشروع الدستور.
وتباينت الآراء بخصوص هذا الفصل، بين من حذّر من خطورته باعتباره يهدد مدنية الدولة التونسية ويؤسس لدولة إسلامية، وبين من يمدح صياغته ويؤكد أن الفصل جاء لينهي مع الاجتهادات الشخصية في تأويل الدين ويقطع مع السمسرة السياسية بالدين..
وينص ذات الفصل على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على الّنفس والعرض والمال والدين والحرية".
اعتبر أمين عام حزب تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، وهو من بين المؤيدين لمشروع الدستور، في تصريح إعلامي أن الفصل 5 من مشروع الدستور، أغلق الباب أمام القراءات الشخصية للدين، حيث تتكفل الدولة بتحقيق مقاصده ورعايته..
ويرى البريكي أنّه كان بالإمكان تجاوز هذا الجدل من خلال الخروج من دائرة التنصيص على دين للدولة مما يحيل إلى إمكانية الحكم بالشريعة الإسلامية وبالدستور والاكتفاء فقط بالتنصيص على أنّ تونس بلد عربي إسلامي. وثمّن التنصيص على مسؤولية الدولة على الدين مما سيجنب البلاد تدخل ما أسماهم بشيوخ الفتنة.
وفي سياق متصل، اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن الفصل الخامس من مشروع الدستور سيقطع الطريق أمام الجمعيات الدينية.
وقال في تصريحات إعلامية، إن الفصل الخامس حقق تقدما كبيرا مقارنة بالفصل المنقح من الدستور السابق. وقال:"عندما نقول أن الدولة هي التي تحتكر هذا فيعني أنه تم غلق الباب أمام ما يصطلح عنه بالإسلام السياسي فلا الجمعيات ولا الأحزاب السياسية ولا غيرهم هم الذين يقدمون التفسير الرسمي للإسلام فبالتالي التفسير هو تفسير مقاصدي ولا مذهبي ولا غيره، وبالتالي فإن هناك حرية تامة وكبيرة."
وعلى النقيض من الآراء الداعمة لهذا الفصل، علق أستاذ التاريخ والناشط السياسي ومؤسس مشروع "تقدم"، عادل اللطيفي، على مضمون الفصل، وقال في تدوينه له على موقع التواصل الاجتماعي: "ما لم يقدر الإسلاميون على تمريره في دستور 2014، قدمه قيس سعيد لهم كهدية في هذا الدستور، وهي "دسترة الشريعة" في الفصل الخامس." وتابع: "ما حاربنا من أجله جاء قيس سعيد ووضعه بجّرة قلم في دستوره"،
بدوره، حذر أستاذ القانون ورئيس معهد تونس للسياسة، أحمد إدريس خلال حضوره أمس الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، من خطورة استعمال الفصل الخامس للحد من الحريات وقال:" لا يمكن فهم الفصول المتعلّقة بالحرية إلا إذا رجعنا إلى الفصل الخامس حسب مقاصد الإسلام الحنيف''.
وأضاف:''وبالتالي كل فهم للحرية يكون وفق تلك المقاصد، وقد تفرض قيودا تتعارض مع تلك المقاصد وهذا خطير جدا إذ كأننا نؤسس لدولة إسلامية".
وتأييدا لنفس الموقف، انتقدت أستاذة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية بتونس سناء بن عاشور مضمون الفصل الخامس من مشروع الدستور، وقالت إننا انتقلنا من الفصل الأول في دستور 2014 الى الفصل الخامس من مشروع دستور 2022 عشرة قرون على الوراء.
واستنكرت المرشحة سابقا لعضوية المحكمة الدستورية في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، هذا الفصل معتبرة أنه تم تناسي تحقيق مقصد العقل في الإسلام، ولكنها لا تعتقد أن ذلك تمّ سهوا..
وفي نفس السياق، اعتبر أستاذ القانون ورئيس الجمعية التونسية للدفاع على الحريات الفردية وحيد الفرشيشي في قراءة في مشروع دستور، نشرها على موقع ''المفكرة القانونية'' أن مشروع الدستور تضمن جملة من المخاطر منها الخطر التحول من دولة مدنية إلى دولة تحقق مقاصد الدين الحنيف.
ولاحظ الغياب التام لمفهوم مدنية الدولة في مشروع الدستور الجديد، مقابل حضور مفاهيم وآليات من شأنها ضرب هذه المدنية.
وأشار إلى غلبة الطابع الديني الخطير لمشروع الدستور رغم حذف عبارة دين الدولة من الفصل الأول من الدستور، إلا أن الدين يبقى حاضرا بصورة قد تهدد الحقوق والحريات.
وقال: "في حين أشار الدستور في ديباجته إلى الأبعاد الإنسانية للدين الإسلامي، فإنه عاد ليؤكد في فصله الخامس على "انتماء تونس للأمة الإسلامية والدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف والحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".
وبذلك، بموجب هذا المشروع في حال إقراره، تتحول الدولة من دولة محايدة شعبها مسلم وهي مدنية إلى دولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام. وبذلك يصبح العامل الديني وتحديدا الإسلام مكّونا ليس فقط من مكونات الثقافة بل عنصرا من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة. وفسّر كيف أن الدولة ستعمل بموجب الفصل الخامس، على تحقيق مقاصد الإسلام إنما يوجب عليها مراجعة تشريعاتها وتركيبة مؤسساتها بما ينسجم مع مقاصد الإسلام. وبذلك، يكتسب الدين دورا فاعلا ومدسترا بعدما كان مجّرد عنصر توصيفي ثقافي في دستور 2014 يتوقف عند حدود الدولة المدنية الكفيلة في إيقاف أي مشروع ديني أو أي مسعى لتغليب الاعتبار الديني في تشريعات الدولة.
واعتبر الفرشيشي أن من شأن إقرار الاعتبار الديني على النحو المقترح أن يرّتب انعكاسات هامة فيما يتعلق بالتشريعات المستقبلية والحدود المفروضة عليها وعلى ضمانات حمايتها..
كما انتقد حزب القطب، في بيان أصدره أمس، مشروع الدستور، الذي اعتمد "مصطلحات غير واضحة وفضفاضة تحتمل تأويلات عديدة وتضرب الحريات في جوهرها"، فضلا عن كونه "حذف التنصيص على مدنية الدولة وأضاف فصولا جديدة تعود بنا إلى نقاشات هووية جوفاء تستنزف مجانا القوى الحية للبلاد وتشرع لأسلمة الدولة ومقاصد الشريعة"، وفق نص البيان.