إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما المتقاضون يدفعون الثمن.. القضاة يرفضون الاقتطاع.. ووزارة العدل تهدّد

رئيسة اتحاد القضاة الإداريين لـ"الصباح": بلاغ وزارة العدل ترهيب وتهديد مباشر للقضاة على خلفية تعليق القضاة العمل بجميع المحاكم

تونس- الصباح

دخل الإضراب الذي دعت إليه الهياكل القضائية احتجاجا على الأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 المتعلق بإعفاء 57 قاض، وعلى المرسوم عدد 35 المؤرخ في 1 جوان 2022 المتعلّق بإتمام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، أمس أسبوعه الرابع على التوالي وسط حالة من الاحتقان والترقب، إذ هناك قضاة متحمسون لمواصلة الإضراب الذي انطلق منذ 6 جوان الجاري وهم غاضبون جدا على رئيس الجمهورية لأنه لم يتراجع قيد أنملة عن أمر الإعفاء الذي هو في نظرهم جائر، ولأنه لم يلغ المرسوم عدد 35 الذي يعتبرونه إعلانا صريحا من رئيس الجمهورية عن نيته شطب السلطة القضائية بجرة قلم. في حين هناك قضاة رافضون للإضراب أصلا ولم يلبوا دعوة الهياكل القضائية منذ البداية، وهناك قضاة أضربوا خلال الأسبوع الأول فقط وآخرون أضربوا خلال الأسبوعين الأول والثاني وقضاة أضربوا خلال الأسابيع الثالث الماضية، ووجدوا أنفسهم مترددين بين خيارين إما الاستجابة إلى طلب هياكلهم في مواصلة الإضراب الذي قد يتمدد إلى غاية انطلاق العطلة القضائية،أو العودة للعمل خشية الاقتطاع من أجورهم لأنهم في صورة تواصل الإضراب إلى غاية انطلاق العطلة القضائية وفي صورة الاقتطاع من أجورهم سيجدون أنفسهم وعائلاتهم في وضعية مادية صعبة للغاية..

وفي ظل هذه الأزمة الخانقة، تتواصل معاناة المتقاضين وعائلاتهم من طول الانتظار جراء تعطل مرفق العدالة، وهو ما رفضه مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس في بيانه الصادر الأسبوع الماضي، فلئن عبر مجلس الهيئة عن تمسكه بمبدأ سيادة القانون القائم على قرينة البراءة والحق في الدفاع والتقاضي والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب فإنه اعتبر أن استمرار إضراب القضاة فاقد للشرعية لمخالفته للقوانين السارية التي تحجر الإضراب ولكونه يتجافى ومقتضيات ممارسة الحق النقابي الذي يقتضي استمرارية سير المرفق العام ولأنه ينال من حقوق المواطنين في النفاذ إلى العدالة والانتصاف القضائي. ولم يكتف مجلس الهيئة بهذه الإشارة بل ذكر في بيانه الرأي العام بالإضراب الذي قام به القضاة خلال السنة القضائية الفارطة لمدة شهرين متتاليين لا لشيء إلا للتحصيل على جملة من المنافع المالية مما صير مرفق العدالة وحقوق المتقاضين رهينة مصالحهم القطاعية وأضر بالصالح العام ودعا مجلس الهيئة الوطنية للمحامين وزارة العدل والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء إلى إيجاد الحلول العاجلة والكفيلة لضمان استمرارية المرفق وضمان حق المواطنين في النفاذ إلى القضاء.

رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين، أشارت في تصريح لـ"الصباح" أنه يجب رفع مغالطة كبرى وهي أن قرار إيقاف العمل أدى إلى تعطيل مصالح المتقاضين خاصة الذين هم في حالة إيقاف، وبينت أن قرار إيقاف العمل استثنى الموقوفين كما استثنى مطالب البت في الإفراج، وذكرت أن تعطيل مرفق العدالة لم يتسبب فيه القضاة وإنما تسبب فيه رئيس الجمهورية لأنه جعل القضاة في وضعية لا يستطيعون من خلالها أن يحكموا، فالقاضي أصبح مهددا في كل حين بالعزل والإعفاء، ولم تعد هناك ضمانات لاستقلالية القضاء.

وأضافت أن تنسيقية الهياكل القضائية عندما قررت مواصلة تعليق العمل للأسبوع الرابع فذلك لأنها لم تجد أي تفاعل من قبل السلطة التنفيذية بخصوص مطالبها المتعلقة بإلغاء المرسوم عدد 35 والأمر عدد 516.

وكانت تنسيقية الهياكل القضائية المتكونة من جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين واتحاد قضاة محكمة المحاسبات وجمعية القاضيات التونسيات وجمعية القضاة الشبان، دعت يوم 25 جوان الجاري عموم القضاة العدليين والقضاة الماليين والقضاة الإداريين إلى مواصلة تعليق العمل بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية للأسبوع الرابع بداية من يوم 27 جوان 2022 احتجاجا على المرسوم عدد 35 وعلى الأمر المتعلق بإعفاء 57 قاض.

وفي هذا الخصوص أوضحت المباركي أن الإعفاء تم بتدخل من السلطة التنفيذية، والحال أنه في دولة ديمقراطية تحترم نفسها لا يجوز إعفاء قضاة بصفة جائرة ودون المرور بالمسارات التأديبية وفي خرق واضح لمبادئ المحاكمة العادلة ولقرينة البراءة وحق الدفاع.

دعوة للحوار

وأضافت رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين أن أياديهم في تنسيقية الهياكل القضائية مفتوحة للحوار، وأكدت أنهم وجهوا رسالة إلى رئيس الجمهورية منذ أسبوعين وطلبوا فيها إجراء لقاء معه لكنهم لم يجدوا أي تفاعل يذكر، وليس هذا فقط، بل فاجأتهم وزارة العدل يوم الأحد الماضي بقرارها التصعيدي الذي يراد منه تهريب القضاة من خلال الاستناد إلى مقتضيات غير دستورية تعتبر في حكم المعدوم. وفسرت محدثتنا أن وزارة العدل ورغبة منها في تهديد القضاة طلبت منهم تطبيق أحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وخاصة الفصل 9 منه الذي يُحجّر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب، والذي تعتبره تنسيقية الهياكل القضائية فصل غير دستوري وهو في حكم المعدوم لأن الإضراب حق يكفله دستور 2014 ولأن هذا الدستور مازال ساري المفعول.

وللتذكير، فقد أصدرت وزارة العدل أول أمس الأحد بلاغا جاء فيه أنه إثر الدعوة المتعلقة بمواصلة الإضراب وتعطيل العمل بالمحاكم للأسبوع الرابع على التوالي وتداعياته على حقوق الدفاع ومصالح المتقاضين وخاصة الموقوفين منهم،تذكر وزارة العدل بمواصلة تنفيذ إجراءات الاقتطاع من الأجر عملا بقاعدة العمل المنجز وذلك بالنسبة لمرتب شهر جويلية 2022. كما تنبه الوزارة إلى ضرورة تطبيق القوانين الجاري بها العمل، بما في ذلك تفعيل أحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 وخاصة الفصل 9 منه وما يترتب عنه من إجراءات تأديبية. ويحجر الفصل التاسع على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي مُنظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم. ودعت الوزارة في بلاغها المذكور القضاة إلى تحمل مسؤولياتهم والتمسك بحقهم في العمل وضمان السير العادي لنسق انعقاد الجلسات والبت في القضايا.

وردا على بلاغ وزارة العدل، سارعت تنسيقية الهياكل القضائية في نفس اليوم إلى إصدار بيان شديد اللهجة معتبرة أن ما ورد في البلاغ هو ترهيب وتهديد مباشر للقضاة على خلفية تنفيذهم لتعليق العمل بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية والتمديد فيه للأسبوع الرابع بداية من يوم 27 جوان 2022 احتجاجا على المرسوم عدد35 لسنة 2022 والأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 الذي تم بمقتضاه إعفاء 57 قاضيا بصفة جائرة ودون المرور بالمسارات التأديبية وفي خرق واضح لمبادئ المحاكمة العادلة ولقرينة البراءة وحق الدفاع.

ونددت التنسيقية في بيانها بشدّة بما وصفته بأسلوب "الضغط والترهيب" المضمن ببلاغ وزارة العدل والذي "استندت من خلاله وزيرة العدل إلى مقتضيات غير دستورية تعتبر في حكم العدم". وذكرت التنسيقية بأن الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب للقضاة مكفول بدستور الجمهورية التونسية وبالمعاهدات الدولية المصادق عليها، وأكدت على أن ما وصفته بسياسة الترهيب الممنهجة لن تثني القضاة عن الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية كضمانة أساسية للمتقاضي وعن رفضهم لآلية "الإعفاء التعسفي" واستماتتهم من أجل الحفاظ على المكتسبات الدستورية ورفع اليد عن السلطة القضائية خاصة في ظل ممارسة عدد من القضاة المشمولين بالإعفاء لإضراب جوع "دفاعا عن شرف وكرامة القضاء واستقلاليته كمطلب وطني وديمقراطي".

وأبدت تنسيقية الهياكل القضائية استغرابها مما اعتبرته"مواصلة السلطة التنفيذية سياسة الهروب إلى الأمام والإمعان في تعقيد الأزمة التي كانت هي المتسببة فيها وتأجيج حالة الاحتقان التي يعيشها الوسط القضائي عوض فتح باب الحوار لإيجاد الحلول العادلة والمنصفة لها رغم الدعوات الصادرة عن القضاة وعن هياكلهم الممثلة".كما حذرت وزارة العدل "من اتّخاذ أيّة إجراءات تعسفية ضد القضاة على خلفية نضالاتهم المشروعة" وأكدت استعدادها للتصدي لذلك "بجميع الوسائل القانونية والأشكال النضالية المتاحة على الصعيدين الوطني والدولي" دعت عموم القضاة العدليين والإداريين والماليين إلى "مزيد الإيمان بعدالة قضيتهم ومواصلة التمسك بوحدة الصف القضائي وبالدفاع عن مبادئ ومقومات وضمانات استقلال السلطة القضائية عماد دولة القانون والثبات على ذلك مهما تعددت الضغوطات والتهديدات".

تواصل الاحتجاجات

وتعقيبا على سؤال حول ما إذا سيتواصل الإضراب رغم البلاغ الصادر عن وزارة العدل أشارت رفقة المباركي إلى أن تعليق العمل بكافة المحاكم العدلية والإدارية والمالية والمؤسسات القضائية بدأ منذ السادس من جوان الجاري وهو متواصل للأسبوع الرابع، وذكرت أنهم سيواصلون تحركاتهم الاحتجاجية وسيواصلون التصعيد وذلك إضافة إلى إضراب الجوع الذي دخل فيه القضاة المشمولون بأمر الإعفاء الذي بلغ أمس يومه السادس.

وردا عن استفسار آخر حول ما إذا كانت فرضية تواصل الإضراب إلى منتصف جويلية المقبل أي إلى آخر يوم قبل انطلاق العطلة القضائية قائمة، أجابت المباركي أنهم بصدد تدارس كافة التحركات الممكنة خلال الأسابيع القادمة وأنهم في انتظار تفاعل رئيس الجمهورية معهم، ولكن لا يمكنهم أن يتراجعوا عن مطلبهم، كما أنهم يترقبون ردة فعل من المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الصامت على المساس باستقلالية القضاء، وقالت إن المجلس الأعلى للقضاء تنطبق عليه مقولة لا حياة لمن تنادي إذ لم يبادر بأي ردة فعل رغم الأزمة الموجودة، والحال أن المجلس الأعلى بنص الدستور يضمن حسن سير القضاء واحترام استقالة ولكن تم التعدي على اختصاصه من قبل السلطة التنفيذية ولم يرد الفعل.

وفي المقابل أبدت المباركي ارتياحها لالتزام عموم القضاة بقرارات الجلسة العامة بتعليق العمل وبعدم الترشح لعضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، وبينت أن هناك قضاة وردت أسماؤهم في القائمة التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمتعلقة بالترشحات لعضوية الهيئات الفرعية، وحسب المعلومات التي بلغتها فإنهم سيقومون بسحب ترشحاتهم لأنهم قدموها قبل الجلسة العامة.. وذكرت أن القضاة أحرار في قناعاتهم لكن من يؤمن باستقلالية القضاء يجب أن ينسحب من الهيئة، لأن استقلالية القضاء تم ضربها بأمر الإعفاء وبالمرسوم عدد 35.

وللتذكير فإن الأمـر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان 2022 الذي احتجت عليه تنسيقية الهياكل القضائية يتعلـق بإعفاء القضاة الآتي ذكرهم الطيب راشد، البشير العكرمي، يوسف بوزاخر، بوبكر الجريدي، عماد الجمني، قيس الصباحي، خالد عباس، محمد كمون، بلحسن بن عمر، يوسف الزواغي، عبد الرزاق الحنيني، رياض الصيد، سامي بن هويدي، محمد الطاهر الخنتاش، رمضانة الرحالي، الهادي مشعب، سفيان السليطي، سمير حميّد، صادق حشيشة، عبد الكريم مقطوف، حسن الحاجي، مكرم المديوني، سامي المهيري، سامي بسر، عبد اللطيف الميساوي، رفيعة نوار، مليكة المزاري، منجي بولعراس، ناجي درمش، عادل الدريسي، هشام بن خالد، ماهر كريشان، سامي بعزاوي، داود الزنتاني، المنصف الحامدي، نضال التليلي، أحمد العبيدي، عماد بن طالب علي، عبد الستار الخليفي، مكرم حسونة، فيصل الذيب، مهذب المسعدي، مراد المسعودي، حمادي الرحماني، خيرة بن خليفة، عبد الكريم العلوي، نسرين كعبية، ألفة مطاوع، طه قوجة، إكرام مقداد، رمزي بحرية، علي محمّد، عبد الحكيم العبيدي، معز ستوري، محمد الطاهر الكنزاري، شكري الطريفي، محمد علي البرهومي.

أما المرسوم عدد 35 فهو يتيح لرئيس الجمهورية، في صورة التأكّد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلّل من الجهات المخوّلة، إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلّق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حُسن سيره. وحسب نفس المرسوم تُثار ضدّ كل قاض يتم إعفاؤه الدعوى العمومية، ولا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

فيما المتقاضون يدفعون الثمن.. القضاة يرفضون الاقتطاع.. ووزارة العدل تهدّد

رئيسة اتحاد القضاة الإداريين لـ"الصباح": بلاغ وزارة العدل ترهيب وتهديد مباشر للقضاة على خلفية تعليق القضاة العمل بجميع المحاكم

تونس- الصباح

دخل الإضراب الذي دعت إليه الهياكل القضائية احتجاجا على الأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 المتعلق بإعفاء 57 قاض، وعلى المرسوم عدد 35 المؤرخ في 1 جوان 2022 المتعلّق بإتمام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، أمس أسبوعه الرابع على التوالي وسط حالة من الاحتقان والترقب، إذ هناك قضاة متحمسون لمواصلة الإضراب الذي انطلق منذ 6 جوان الجاري وهم غاضبون جدا على رئيس الجمهورية لأنه لم يتراجع قيد أنملة عن أمر الإعفاء الذي هو في نظرهم جائر، ولأنه لم يلغ المرسوم عدد 35 الذي يعتبرونه إعلانا صريحا من رئيس الجمهورية عن نيته شطب السلطة القضائية بجرة قلم. في حين هناك قضاة رافضون للإضراب أصلا ولم يلبوا دعوة الهياكل القضائية منذ البداية، وهناك قضاة أضربوا خلال الأسبوع الأول فقط وآخرون أضربوا خلال الأسبوعين الأول والثاني وقضاة أضربوا خلال الأسابيع الثالث الماضية، ووجدوا أنفسهم مترددين بين خيارين إما الاستجابة إلى طلب هياكلهم في مواصلة الإضراب الذي قد يتمدد إلى غاية انطلاق العطلة القضائية،أو العودة للعمل خشية الاقتطاع من أجورهم لأنهم في صورة تواصل الإضراب إلى غاية انطلاق العطلة القضائية وفي صورة الاقتطاع من أجورهم سيجدون أنفسهم وعائلاتهم في وضعية مادية صعبة للغاية..

وفي ظل هذه الأزمة الخانقة، تتواصل معاناة المتقاضين وعائلاتهم من طول الانتظار جراء تعطل مرفق العدالة، وهو ما رفضه مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس في بيانه الصادر الأسبوع الماضي، فلئن عبر مجلس الهيئة عن تمسكه بمبدأ سيادة القانون القائم على قرينة البراءة والحق في الدفاع والتقاضي والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب فإنه اعتبر أن استمرار إضراب القضاة فاقد للشرعية لمخالفته للقوانين السارية التي تحجر الإضراب ولكونه يتجافى ومقتضيات ممارسة الحق النقابي الذي يقتضي استمرارية سير المرفق العام ولأنه ينال من حقوق المواطنين في النفاذ إلى العدالة والانتصاف القضائي. ولم يكتف مجلس الهيئة بهذه الإشارة بل ذكر في بيانه الرأي العام بالإضراب الذي قام به القضاة خلال السنة القضائية الفارطة لمدة شهرين متتاليين لا لشيء إلا للتحصيل على جملة من المنافع المالية مما صير مرفق العدالة وحقوق المتقاضين رهينة مصالحهم القطاعية وأضر بالصالح العام ودعا مجلس الهيئة الوطنية للمحامين وزارة العدل والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء إلى إيجاد الحلول العاجلة والكفيلة لضمان استمرارية المرفق وضمان حق المواطنين في النفاذ إلى القضاء.

رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين، أشارت في تصريح لـ"الصباح" أنه يجب رفع مغالطة كبرى وهي أن قرار إيقاف العمل أدى إلى تعطيل مصالح المتقاضين خاصة الذين هم في حالة إيقاف، وبينت أن قرار إيقاف العمل استثنى الموقوفين كما استثنى مطالب البت في الإفراج، وذكرت أن تعطيل مرفق العدالة لم يتسبب فيه القضاة وإنما تسبب فيه رئيس الجمهورية لأنه جعل القضاة في وضعية لا يستطيعون من خلالها أن يحكموا، فالقاضي أصبح مهددا في كل حين بالعزل والإعفاء، ولم تعد هناك ضمانات لاستقلالية القضاء.

وأضافت أن تنسيقية الهياكل القضائية عندما قررت مواصلة تعليق العمل للأسبوع الرابع فذلك لأنها لم تجد أي تفاعل من قبل السلطة التنفيذية بخصوص مطالبها المتعلقة بإلغاء المرسوم عدد 35 والأمر عدد 516.

وكانت تنسيقية الهياكل القضائية المتكونة من جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين واتحاد قضاة محكمة المحاسبات وجمعية القاضيات التونسيات وجمعية القضاة الشبان، دعت يوم 25 جوان الجاري عموم القضاة العدليين والقضاة الماليين والقضاة الإداريين إلى مواصلة تعليق العمل بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية للأسبوع الرابع بداية من يوم 27 جوان 2022 احتجاجا على المرسوم عدد 35 وعلى الأمر المتعلق بإعفاء 57 قاض.

وفي هذا الخصوص أوضحت المباركي أن الإعفاء تم بتدخل من السلطة التنفيذية، والحال أنه في دولة ديمقراطية تحترم نفسها لا يجوز إعفاء قضاة بصفة جائرة ودون المرور بالمسارات التأديبية وفي خرق واضح لمبادئ المحاكمة العادلة ولقرينة البراءة وحق الدفاع.

دعوة للحوار

وأضافت رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين أن أياديهم في تنسيقية الهياكل القضائية مفتوحة للحوار، وأكدت أنهم وجهوا رسالة إلى رئيس الجمهورية منذ أسبوعين وطلبوا فيها إجراء لقاء معه لكنهم لم يجدوا أي تفاعل يذكر، وليس هذا فقط، بل فاجأتهم وزارة العدل يوم الأحد الماضي بقرارها التصعيدي الذي يراد منه تهريب القضاة من خلال الاستناد إلى مقتضيات غير دستورية تعتبر في حكم المعدوم. وفسرت محدثتنا أن وزارة العدل ورغبة منها في تهديد القضاة طلبت منهم تطبيق أحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وخاصة الفصل 9 منه الذي يُحجّر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب، والذي تعتبره تنسيقية الهياكل القضائية فصل غير دستوري وهو في حكم المعدوم لأن الإضراب حق يكفله دستور 2014 ولأن هذا الدستور مازال ساري المفعول.

وللتذكير، فقد أصدرت وزارة العدل أول أمس الأحد بلاغا جاء فيه أنه إثر الدعوة المتعلقة بمواصلة الإضراب وتعطيل العمل بالمحاكم للأسبوع الرابع على التوالي وتداعياته على حقوق الدفاع ومصالح المتقاضين وخاصة الموقوفين منهم،تذكر وزارة العدل بمواصلة تنفيذ إجراءات الاقتطاع من الأجر عملا بقاعدة العمل المنجز وذلك بالنسبة لمرتب شهر جويلية 2022. كما تنبه الوزارة إلى ضرورة تطبيق القوانين الجاري بها العمل، بما في ذلك تفعيل أحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 وخاصة الفصل 9 منه وما يترتب عنه من إجراءات تأديبية. ويحجر الفصل التاسع على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي مُنظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم. ودعت الوزارة في بلاغها المذكور القضاة إلى تحمل مسؤولياتهم والتمسك بحقهم في العمل وضمان السير العادي لنسق انعقاد الجلسات والبت في القضايا.

وردا على بلاغ وزارة العدل، سارعت تنسيقية الهياكل القضائية في نفس اليوم إلى إصدار بيان شديد اللهجة معتبرة أن ما ورد في البلاغ هو ترهيب وتهديد مباشر للقضاة على خلفية تنفيذهم لتعليق العمل بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية والتمديد فيه للأسبوع الرابع بداية من يوم 27 جوان 2022 احتجاجا على المرسوم عدد35 لسنة 2022 والأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 الذي تم بمقتضاه إعفاء 57 قاضيا بصفة جائرة ودون المرور بالمسارات التأديبية وفي خرق واضح لمبادئ المحاكمة العادلة ولقرينة البراءة وحق الدفاع.

ونددت التنسيقية في بيانها بشدّة بما وصفته بأسلوب "الضغط والترهيب" المضمن ببلاغ وزارة العدل والذي "استندت من خلاله وزيرة العدل إلى مقتضيات غير دستورية تعتبر في حكم العدم". وذكرت التنسيقية بأن الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب للقضاة مكفول بدستور الجمهورية التونسية وبالمعاهدات الدولية المصادق عليها، وأكدت على أن ما وصفته بسياسة الترهيب الممنهجة لن تثني القضاة عن الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية كضمانة أساسية للمتقاضي وعن رفضهم لآلية "الإعفاء التعسفي" واستماتتهم من أجل الحفاظ على المكتسبات الدستورية ورفع اليد عن السلطة القضائية خاصة في ظل ممارسة عدد من القضاة المشمولين بالإعفاء لإضراب جوع "دفاعا عن شرف وكرامة القضاء واستقلاليته كمطلب وطني وديمقراطي".

وأبدت تنسيقية الهياكل القضائية استغرابها مما اعتبرته"مواصلة السلطة التنفيذية سياسة الهروب إلى الأمام والإمعان في تعقيد الأزمة التي كانت هي المتسببة فيها وتأجيج حالة الاحتقان التي يعيشها الوسط القضائي عوض فتح باب الحوار لإيجاد الحلول العادلة والمنصفة لها رغم الدعوات الصادرة عن القضاة وعن هياكلهم الممثلة".كما حذرت وزارة العدل "من اتّخاذ أيّة إجراءات تعسفية ضد القضاة على خلفية نضالاتهم المشروعة" وأكدت استعدادها للتصدي لذلك "بجميع الوسائل القانونية والأشكال النضالية المتاحة على الصعيدين الوطني والدولي" دعت عموم القضاة العدليين والإداريين والماليين إلى "مزيد الإيمان بعدالة قضيتهم ومواصلة التمسك بوحدة الصف القضائي وبالدفاع عن مبادئ ومقومات وضمانات استقلال السلطة القضائية عماد دولة القانون والثبات على ذلك مهما تعددت الضغوطات والتهديدات".

تواصل الاحتجاجات

وتعقيبا على سؤال حول ما إذا سيتواصل الإضراب رغم البلاغ الصادر عن وزارة العدل أشارت رفقة المباركي إلى أن تعليق العمل بكافة المحاكم العدلية والإدارية والمالية والمؤسسات القضائية بدأ منذ السادس من جوان الجاري وهو متواصل للأسبوع الرابع، وذكرت أنهم سيواصلون تحركاتهم الاحتجاجية وسيواصلون التصعيد وذلك إضافة إلى إضراب الجوع الذي دخل فيه القضاة المشمولون بأمر الإعفاء الذي بلغ أمس يومه السادس.

وردا عن استفسار آخر حول ما إذا كانت فرضية تواصل الإضراب إلى منتصف جويلية المقبل أي إلى آخر يوم قبل انطلاق العطلة القضائية قائمة، أجابت المباركي أنهم بصدد تدارس كافة التحركات الممكنة خلال الأسابيع القادمة وأنهم في انتظار تفاعل رئيس الجمهورية معهم، ولكن لا يمكنهم أن يتراجعوا عن مطلبهم، كما أنهم يترقبون ردة فعل من المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الصامت على المساس باستقلالية القضاء، وقالت إن المجلس الأعلى للقضاء تنطبق عليه مقولة لا حياة لمن تنادي إذ لم يبادر بأي ردة فعل رغم الأزمة الموجودة، والحال أن المجلس الأعلى بنص الدستور يضمن حسن سير القضاء واحترام استقالة ولكن تم التعدي على اختصاصه من قبل السلطة التنفيذية ولم يرد الفعل.

وفي المقابل أبدت المباركي ارتياحها لالتزام عموم القضاة بقرارات الجلسة العامة بتعليق العمل وبعدم الترشح لعضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، وبينت أن هناك قضاة وردت أسماؤهم في القائمة التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمتعلقة بالترشحات لعضوية الهيئات الفرعية، وحسب المعلومات التي بلغتها فإنهم سيقومون بسحب ترشحاتهم لأنهم قدموها قبل الجلسة العامة.. وذكرت أن القضاة أحرار في قناعاتهم لكن من يؤمن باستقلالية القضاء يجب أن ينسحب من الهيئة، لأن استقلالية القضاء تم ضربها بأمر الإعفاء وبالمرسوم عدد 35.

وللتذكير فإن الأمـر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان 2022 الذي احتجت عليه تنسيقية الهياكل القضائية يتعلـق بإعفاء القضاة الآتي ذكرهم الطيب راشد، البشير العكرمي، يوسف بوزاخر، بوبكر الجريدي، عماد الجمني، قيس الصباحي، خالد عباس، محمد كمون، بلحسن بن عمر، يوسف الزواغي، عبد الرزاق الحنيني، رياض الصيد، سامي بن هويدي، محمد الطاهر الخنتاش، رمضانة الرحالي، الهادي مشعب، سفيان السليطي، سمير حميّد، صادق حشيشة، عبد الكريم مقطوف، حسن الحاجي، مكرم المديوني، سامي المهيري، سامي بسر، عبد اللطيف الميساوي، رفيعة نوار، مليكة المزاري، منجي بولعراس، ناجي درمش، عادل الدريسي، هشام بن خالد، ماهر كريشان، سامي بعزاوي، داود الزنتاني، المنصف الحامدي، نضال التليلي، أحمد العبيدي، عماد بن طالب علي، عبد الستار الخليفي، مكرم حسونة، فيصل الذيب، مهذب المسعدي، مراد المسعودي، حمادي الرحماني، خيرة بن خليفة، عبد الكريم العلوي، نسرين كعبية، ألفة مطاوع، طه قوجة، إكرام مقداد، رمزي بحرية، علي محمّد، عبد الحكيم العبيدي، معز ستوري، محمد الطاهر الكنزاري، شكري الطريفي، محمد علي البرهومي.

أما المرسوم عدد 35 فهو يتيح لرئيس الجمهورية، في صورة التأكّد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلّل من الجهات المخوّلة، إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلّق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حُسن سيره. وحسب نفس المرسوم تُثار ضدّ كل قاض يتم إعفاؤه الدعوى العمومية، ولا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews