إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: مشروع دستور للجمهورية الثالثة

بقلم محمد صالح الحدري

 عقيد متقاعد من الجيش وباحث في العلوم السياسية.

فتبعا لما عشناه من عبث سياسي خلال العشرية السوداء وعدم استقرار سياسي وفشل تجربة النظام البرلماني المعدل وأزمة سياسة واقتصادية ومالية خانقة وتداين مُشط، اقتنع الرأي العام التونسي ورئاسة الجمهورية بضرورة القيام بتغيير إصلاحي جذري لنظام الدولة بغية تأسيس جمهورية جديدة، تكون الثالثة منذ الاستقلال، عبر سن دستور جديد يُرتب نظاما رئاسيا ويضمن للمواطنين الحرية والكرامة وديمقراطية حقيقية مبنية أساسا على سيادة الشعب.

 ولقد بدأت السلطة التنفيذية الإعداد لذلك وكلفت هيئة وقتية بإعداد نص دستور جديد. وتبعا لما سمعناه من تصريحات رسمية وما تسرب من مداولات الهيئة المذكورة، هيئة الصادق بلعيد، تفاجأنا بتوجّهات غريبة في إنشاء النص الجديد لا يرضى عنها، في نظرنا، الرأي العام التونسي. منها، على سبيل الذكر لا الحصر، حذف عبارة "الإسلام دينها" من الفصل الأول من الدستور بتعلة واهية وعبثية أن الدولة ذات معنوية لا دين لها وهي لا تُصلي ولا تصوم. إنه من المعلوم بالضرورة أن الدولة لا تصلي ولا تصوم! ولكنها، بوجود عبارة "الإسلام دينها" لا يمكنها أن تخالف تعاليم الإسلام في سن القوانين وفي قيام السلطة التنفيذية بمهامها التنفيذية وفي اضطلاع القضاء بمهامه. كما وصل إلى علمنا أن مشروع هيئة الصادق بلعيد يجعل من الحكومة هيئة بسيطة لا سلطة لها ويحذف الهيئات الدستورية التي جاء بها دستور 2014. إلى غير ذلك من النقاط الخلافية...

لذلك، وبما أننا لم يُسمح لنا المشاركة في الحوار الوطني، فإننا نعرض،

على بركة الله، على رئيس الجمهورية والشعب التونسي مسودة مشروع دستور للجمهورية التونسية الثالثة عسى أن يُؤخذ بأفكارنا في بلورة نص الدستور الذي سيُعرض على الاستفتاء.

لقد قمنا بإعداد هذا المشروع طبقا لرُؤية جديدة لتنظيم سلطات الدولة وتوفير العيش الكريم للمواطنين وضمان الحريات وحقوق الإنسان وكل ذلك انطلاقا من أصالتنا العربية الإسلامية. وحرصنا على تكريس المبدأ الأساسي في الديمقراطية المتمثل في الفصل بين السلط الثلاث وجعلها تراقب بعضها البعض وإيجاد التوازن بينها حتى تَحُدَّ السلطةُ السلطةَ ولا تسمح لها بالتغول والانفراد بالحكم.

 قال اللورد أكتون

:(John Acton)

 ."السلطة تميل إلى الإفساد، والسلطة المطلقة تُفسد مُطلقا"

ونقدم، فيما يلي، الملامح الكبرى لمشروعنا.

أولا وببالغ الأهمية، نعتبر فيه القرآن دستورنا الأعلى وهو فوق الدستور الوضعي، وأن الدولة التونسية مسلمة عربية.

يعتمد مشروعنا نظاما ديمقراطيا شوريا، رئاسيا بحتا يفصل تماما بين السلط الثلاث ويضمن بينها التوازن ورقابة بعضها لبعض. وهو مرتكز أساسا على فكرة العدل الخلدونية والمساواة أمام القانون والحرية والكرامة وحقوق الإنسان وله بعد اجتماعي.

تكون فيه مدة عُهدة رئاسة الجمهورية خمسة أعوام ومدة عُهدة أعضاء مجلس الشعب أربعة أعوام. وتُجرى انتخابات تشريعية نصفية كل سنتين لتجديد نصف عدد النواب. ذلك لتدعيم رقابة الناخبين على النواب المنتَخبين. فالناخبون يمكن لهم أن يُغيروا رأيهم في ظرف سنتين عوض ما كان معمول به سابقا من انتظار خمس سنوات للتصويت من جديد.

واخترنا تقليص عدد النواب إلى 120 فقط، على أساس نائب لكل مائة ألف مواطن، حتى لا يتم تضييع الوقت في المداخلات العديدة والمطولة والنقاشات العقيمة ونُقلص من نشوب الخلافات والتشاجر والفوضى. وهو عدد معقول بالنسبة لعدد السكان: 12 مليون نسمة تقريبا.

وتكون الحكومة فيه مسؤولة أمام رئيس الجمهورية ولا يستطيع مجلس الشعب أن يسحب الثقة منها. لكن يمكنه سحب الثقة من بعض الوزراء، فردا فردا، ولا يَعزل الوزيرَ المعنيَّ بالأمر إلا رئيسُ الجمهورية. ومكّنّا مجلس الشعب من سحب الثقة من أي قاض بالتصويت بأغلبية مميَّزة، وعلى المجلس الأعلى للقضاء أن يعزل القاضي المعني بالأمر.

ووفرنا لرئيس الجمهورية إمكانية حل مجلس الشعب مرتين فقط خلال عهدة رئاسية واحدة.

 وجعلنا مبادرة التشريع حصرية لدى نواب الشعب. فلا يمكن للسلطة التنفيذية تقديم مشاريع قوانين إلا عن طريق عدد محدد من النواب.

 يمكن لرئيس الدولة أن يحل مجلس الشعب وفي المقابل يستطيع مجلس الشعب أن يسحب الثقة من رئيس الجمهورية بسبب خيانة عظمى أو خرق جسيم للدستور. وفي هذه الحال يتم عزل رئيس الدولة بحكم من المحكمة الدستورية.

وحافظنا على وجود الهيئات الدستورية المستقلة الموجودة في دستور 2014 وغيرنا طريقة تكوين المحكمة الدستورية بجعل تعيين أربعة من أعضائها من صلاحية كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب والمجلس الأعلى للقضاء.

وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الرضا والخير لوطننا العزيز تونس الخضراء.

 

 منتدى الصباح: مشروع دستور للجمهورية الثالثة

بقلم محمد صالح الحدري

 عقيد متقاعد من الجيش وباحث في العلوم السياسية.

فتبعا لما عشناه من عبث سياسي خلال العشرية السوداء وعدم استقرار سياسي وفشل تجربة النظام البرلماني المعدل وأزمة سياسة واقتصادية ومالية خانقة وتداين مُشط، اقتنع الرأي العام التونسي ورئاسة الجمهورية بضرورة القيام بتغيير إصلاحي جذري لنظام الدولة بغية تأسيس جمهورية جديدة، تكون الثالثة منذ الاستقلال، عبر سن دستور جديد يُرتب نظاما رئاسيا ويضمن للمواطنين الحرية والكرامة وديمقراطية حقيقية مبنية أساسا على سيادة الشعب.

 ولقد بدأت السلطة التنفيذية الإعداد لذلك وكلفت هيئة وقتية بإعداد نص دستور جديد. وتبعا لما سمعناه من تصريحات رسمية وما تسرب من مداولات الهيئة المذكورة، هيئة الصادق بلعيد، تفاجأنا بتوجّهات غريبة في إنشاء النص الجديد لا يرضى عنها، في نظرنا، الرأي العام التونسي. منها، على سبيل الذكر لا الحصر، حذف عبارة "الإسلام دينها" من الفصل الأول من الدستور بتعلة واهية وعبثية أن الدولة ذات معنوية لا دين لها وهي لا تُصلي ولا تصوم. إنه من المعلوم بالضرورة أن الدولة لا تصلي ولا تصوم! ولكنها، بوجود عبارة "الإسلام دينها" لا يمكنها أن تخالف تعاليم الإسلام في سن القوانين وفي قيام السلطة التنفيذية بمهامها التنفيذية وفي اضطلاع القضاء بمهامه. كما وصل إلى علمنا أن مشروع هيئة الصادق بلعيد يجعل من الحكومة هيئة بسيطة لا سلطة لها ويحذف الهيئات الدستورية التي جاء بها دستور 2014. إلى غير ذلك من النقاط الخلافية...

لذلك، وبما أننا لم يُسمح لنا المشاركة في الحوار الوطني، فإننا نعرض،

على بركة الله، على رئيس الجمهورية والشعب التونسي مسودة مشروع دستور للجمهورية التونسية الثالثة عسى أن يُؤخذ بأفكارنا في بلورة نص الدستور الذي سيُعرض على الاستفتاء.

لقد قمنا بإعداد هذا المشروع طبقا لرُؤية جديدة لتنظيم سلطات الدولة وتوفير العيش الكريم للمواطنين وضمان الحريات وحقوق الإنسان وكل ذلك انطلاقا من أصالتنا العربية الإسلامية. وحرصنا على تكريس المبدأ الأساسي في الديمقراطية المتمثل في الفصل بين السلط الثلاث وجعلها تراقب بعضها البعض وإيجاد التوازن بينها حتى تَحُدَّ السلطةُ السلطةَ ولا تسمح لها بالتغول والانفراد بالحكم.

 قال اللورد أكتون

:(John Acton)

 ."السلطة تميل إلى الإفساد، والسلطة المطلقة تُفسد مُطلقا"

ونقدم، فيما يلي، الملامح الكبرى لمشروعنا.

أولا وببالغ الأهمية، نعتبر فيه القرآن دستورنا الأعلى وهو فوق الدستور الوضعي، وأن الدولة التونسية مسلمة عربية.

يعتمد مشروعنا نظاما ديمقراطيا شوريا، رئاسيا بحتا يفصل تماما بين السلط الثلاث ويضمن بينها التوازن ورقابة بعضها لبعض. وهو مرتكز أساسا على فكرة العدل الخلدونية والمساواة أمام القانون والحرية والكرامة وحقوق الإنسان وله بعد اجتماعي.

تكون فيه مدة عُهدة رئاسة الجمهورية خمسة أعوام ومدة عُهدة أعضاء مجلس الشعب أربعة أعوام. وتُجرى انتخابات تشريعية نصفية كل سنتين لتجديد نصف عدد النواب. ذلك لتدعيم رقابة الناخبين على النواب المنتَخبين. فالناخبون يمكن لهم أن يُغيروا رأيهم في ظرف سنتين عوض ما كان معمول به سابقا من انتظار خمس سنوات للتصويت من جديد.

واخترنا تقليص عدد النواب إلى 120 فقط، على أساس نائب لكل مائة ألف مواطن، حتى لا يتم تضييع الوقت في المداخلات العديدة والمطولة والنقاشات العقيمة ونُقلص من نشوب الخلافات والتشاجر والفوضى. وهو عدد معقول بالنسبة لعدد السكان: 12 مليون نسمة تقريبا.

وتكون الحكومة فيه مسؤولة أمام رئيس الجمهورية ولا يستطيع مجلس الشعب أن يسحب الثقة منها. لكن يمكنه سحب الثقة من بعض الوزراء، فردا فردا، ولا يَعزل الوزيرَ المعنيَّ بالأمر إلا رئيسُ الجمهورية. ومكّنّا مجلس الشعب من سحب الثقة من أي قاض بالتصويت بأغلبية مميَّزة، وعلى المجلس الأعلى للقضاء أن يعزل القاضي المعني بالأمر.

ووفرنا لرئيس الجمهورية إمكانية حل مجلس الشعب مرتين فقط خلال عهدة رئاسية واحدة.

 وجعلنا مبادرة التشريع حصرية لدى نواب الشعب. فلا يمكن للسلطة التنفيذية تقديم مشاريع قوانين إلا عن طريق عدد محدد من النواب.

 يمكن لرئيس الدولة أن يحل مجلس الشعب وفي المقابل يستطيع مجلس الشعب أن يسحب الثقة من رئيس الجمهورية بسبب خيانة عظمى أو خرق جسيم للدستور. وفي هذه الحال يتم عزل رئيس الدولة بحكم من المحكمة الدستورية.

وحافظنا على وجود الهيئات الدستورية المستقلة الموجودة في دستور 2014 وغيرنا طريقة تكوين المحكمة الدستورية بجعل تعيين أربعة من أعضائها من صلاحية كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب والمجلس الأعلى للقضاء.

وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الرضا والخير لوطننا العزيز تونس الخضراء.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews