بالرغم من تأكيد التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان مسؤولي صندوق النقد الدولي بان المحادثات الفنية بين الحكومة التونسية والصندوق تحرز تقدما مع اقتراب انطلاق المفاوضات الرسمية بشان إبرام برنامج تمويل جديد، إلا أن الوضع الذي تعيش على وقعه البلاد في الآونة الأخيرة يدحض هذه التصريحات باتجاه صعوبة التوصل إلى هذا الاتفاق.
فما يفصل البلاد سوى يومين عن تنفيذ إضراب عام في جميع القطاعات بطلب من الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجا على قرارات رئيس الجمهورية في العديد من المسارات ذات علاقة بالحوار الوطني والاستفتاء وأشغال اللجنة الاستشارية وصياغة الدستور الجديد...
هذا الإضراب الذي تجنبته العديد من الأطراف في الداخل التونسي لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد حراك الـ 25 من جويلية وحماية مسار الانتقال الديمقراطي الذي أشاد به الخارج ما بعد ثورة 2011، كانت قد دعت إليه المنظمة الشغيلة لعدة اعتبارات أهمها القرارات الأحادية التي تقررها تبعا رئاسة الجمهورية والتي أحدثت في مجملها اضطرابات اجتماعية خاصة تلك التي تتعلق بجيب التونسي وعلى رأسها قرارات البرنامج الحكومي الإصلاحي.
ففي الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة أن تفعيل هذا البرنامج سيمر بالبلاد إلى بر الأمان على المدى القصير والمتوسط، تصفه المنظمة الشغيلة ومن ورائها العديد من التونسيين بأنه برنامج غير واقعي وستكون تداعياته وخيمة في قادم الأيام على المقدرة الشرائية للمواطن.
ويأتي البرنامج الحكومي الإصلاحي كأبرز التوصيات التي اشترطها صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية مقابل حصولها على تمويلات جديدة في شكل برنامج تمويل بقيمة تناهز الـ 4 مليار دولار أي ما يعادل الـ 12 مليار دينار تونسي.
كما أن الصندوق كان قد اشترط على الحكومة التونسية أن يتم تفعيل قرارات البرنامج الإصلاحي قبل انطلاق المفاوضات الرسمية وان تكون محل توافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين على غرار منظمة الأعراف واتحاد الشغل، لكن الوضع اليوم قد اختلف واتجه نحو مزيد من التعقيدات مما يتوقع فشل هذه المفاوضات التي انطلقت في جزئها الفني وبالتالي استحالة حصول تونس على تمويلات جديدة.
اكراهات البرنامج تثير جدلا
البرنامج الحكومي شمل العديد من الاكراهات التي عارضها الشعب التونسي على غرار المساس بأجور ومرتبات الأجراء والشغالين ورفع الدعم عل الطاقة والمواد الأساسية، فضلا عن التفويت في المنشآت العمومية، والتي رفضها الاتحاد بشدة حتى أنها كانت النقطة الخلافية التي أعلن عنها ومازال متمسكا بها حتى في اللقاء الأخير مع رئاسة الجمهورية...
من بين هذه الاكراهات التي تضمنها البرنامج الرفع التدريجي للدعم عن أسعار المحروقات وقوارير الغاز المنزلي والمواد الغذائية وبيعها للمواطنين بأسعارها الحقيقية مقابل تمتع العائلات المستحقة للدعم بتحويلات مالية وعدة إجراءات مصاحبة أخرى.
ويهدف البرنامج الإصلاحي وفق الحكومة إلى استعادة الثقة واستحثاث نسق الاستثمار والتنمية الاجتماعية لبعث اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات.
بالمقابل، تجد الحكومة نفسها اليوم وفي ظل الوضع الجديد الذي تعيش على وقعه البلاد أمام تحديات كبيرة إن لم نقل في منعرج خطير في تفعيل قرارات البرنامج، خاصة أن توفر الاستقرار من ابرز شروط الاتفاق المرتقب بين تونس والصندوق "وبالتالي فانه من الصعب إن لم نقل من المستحيل تطبيق برنامج الإصلاح الحكومي"، وفق ما أفاد به أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الاقتصادي أرام بالحاج في تصريح إعلامي مؤخرا، رغم أن البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة يعد ثريا كما ذكر المختص في الشأن الاقتصادي أن هذا البرنامح يواجه إشكاليات حقيقية في التطبيق باعتبار غياب شروط ضرورية للانطلاق في تنفيذه خصوصا في ظل عدم الاستقرار السياسي والظرف العالمي وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على التقدم في انجازه، فضلا عن عدم ايلاء رئيس الجمهورية الأولوية الكبرى للمسائل الاقتصادية الحارقة.
وبين بالحاج أن ارتفاع الأسعار وتصاعد وتيرة نسب التضخم وتآكل الطبقة المتوسطة عوامل تجعل نسبة هامة من التونسيين ليست لها القابلية أو الاستعداد لقبول ترفيع جديد في أسعار المواد الغذائية والمحروقات والطاقة وبيعها بأسعارها الحقيقية.
كما أشار الخبير الاقتصادي أرام بالحاج إلى أن غياب التوافق أو تقارب وجهات النظر بين رؤية الحكومة ورؤية اتحاد الشغل للبرنامج الإصلاحي والخلاف الكبير بينها خصوصا حول كتلة الأجور وإصلاح المؤسسات العمومية وإقرار المنظمة الشغيلة إضرابا عاما في المؤسسات العمومية يوم 16 جوان الجاري يعمق تعقيدات انطلاق البرنامج الإصلاحي الذي تقترح الحكومة.
ورجح بالحاج في ذات التصريح الإذاعي أن جزءا كبيرا من المجتمع المدني لن يؤيد برنامج الحكومة الإصلاحي باعتبار انه لم يكن على اطلاع كاف على المشاورات التي تجريها الحكومة مع ممثلي صندوق النقد الدولي ولم يشارك في صياغة هذه الإصلاحات.
الحكومة مطمئنة رغم صعوبة التفعيل
من جهتها، أكّدت الحكومة على لسان وزير التشغيل والتكوين المهني والناطق الرسمي لها نصر الدين نصيبي، أنّ المحادثات مع صندوق النقد الدولي تقدّمت بشكل جيّد، مشدّدا على أنّ "الحوار مع شركاء تونس صريح ومبني على الشفافية".
وأضاف الوزير أن الأمور تسير في المسار الصحيح، وقيمة القرض 4 مليارات دولار، ستصرف بالأساس في استعادة الاقتصاد التونسي وإعادة التوازنات الكبرى وتفادي التراكمات التي عانى منها الشعب التونسي لأكثر من 10 سنوات، موضحا انه قريبا جدّا سننتقل في مناقشة الاتفاقية مع النقد الدولي..
وأشار الوزير إلى أنّ الحكومة اشتغلت بمشاركة أكثر من 400 كفاءة تونسية، بجدّية لإعداد ملف نوعي من حيث المصداقية، وهو ملف مقبول من ناحية واقعيته واستباقيته للأزمة وقدرته على الإصلاح...
وفي نفس السياق، قال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أن المناقشات الفنية التي يجريها الصندوق مع تونس تحرز تقدما، معبرا عن أمل الصندوق في أن تبدأ المحادثات بشأن برنامج جديد مع السلطات التونسية قريبا، دون أن يحدد أي توقيت للمناقشات على مستوى الخبراء.
ووصف المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، المفاوضات الحالية مع تونس بالمتقدمة". مضيفا في تغريدة على حسابه بـ"تويتر" إننا "نأمل أن تبدأ النقاشات بشأن برنامج جديد مع السلطات التونسية قريبا"، ولم يحدد المسؤول توقيتا للمفاوضات الرسمية على مستوى الخبراء.
كذلك أشار رايس، إلى أن صندوق النقد الدولي تلقى طلبا من السلطات التونسية من أجل الحصول على برنامج دعم، مبرزا حرص المانح الدولي على أن يكون "شريكا فاعلا لتونس".
كما رحب صندوق النقد الدولي، بنشر برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اقترحته السلطات التونسية، التي تخوض حاليا مفاوضات فنية مع المؤسسة المالية الدولية بغرض الحصول على برنامج دعم جديد.
وفاء بن محمد
تونس-الصباح
بالرغم من تأكيد التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان مسؤولي صندوق النقد الدولي بان المحادثات الفنية بين الحكومة التونسية والصندوق تحرز تقدما مع اقتراب انطلاق المفاوضات الرسمية بشان إبرام برنامج تمويل جديد، إلا أن الوضع الذي تعيش على وقعه البلاد في الآونة الأخيرة يدحض هذه التصريحات باتجاه صعوبة التوصل إلى هذا الاتفاق.
فما يفصل البلاد سوى يومين عن تنفيذ إضراب عام في جميع القطاعات بطلب من الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجا على قرارات رئيس الجمهورية في العديد من المسارات ذات علاقة بالحوار الوطني والاستفتاء وأشغال اللجنة الاستشارية وصياغة الدستور الجديد...
هذا الإضراب الذي تجنبته العديد من الأطراف في الداخل التونسي لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد حراك الـ 25 من جويلية وحماية مسار الانتقال الديمقراطي الذي أشاد به الخارج ما بعد ثورة 2011، كانت قد دعت إليه المنظمة الشغيلة لعدة اعتبارات أهمها القرارات الأحادية التي تقررها تبعا رئاسة الجمهورية والتي أحدثت في مجملها اضطرابات اجتماعية خاصة تلك التي تتعلق بجيب التونسي وعلى رأسها قرارات البرنامج الحكومي الإصلاحي.
ففي الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة أن تفعيل هذا البرنامج سيمر بالبلاد إلى بر الأمان على المدى القصير والمتوسط، تصفه المنظمة الشغيلة ومن ورائها العديد من التونسيين بأنه برنامج غير واقعي وستكون تداعياته وخيمة في قادم الأيام على المقدرة الشرائية للمواطن.
ويأتي البرنامج الحكومي الإصلاحي كأبرز التوصيات التي اشترطها صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية مقابل حصولها على تمويلات جديدة في شكل برنامج تمويل بقيمة تناهز الـ 4 مليار دولار أي ما يعادل الـ 12 مليار دينار تونسي.
كما أن الصندوق كان قد اشترط على الحكومة التونسية أن يتم تفعيل قرارات البرنامج الإصلاحي قبل انطلاق المفاوضات الرسمية وان تكون محل توافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين على غرار منظمة الأعراف واتحاد الشغل، لكن الوضع اليوم قد اختلف واتجه نحو مزيد من التعقيدات مما يتوقع فشل هذه المفاوضات التي انطلقت في جزئها الفني وبالتالي استحالة حصول تونس على تمويلات جديدة.
اكراهات البرنامج تثير جدلا
البرنامج الحكومي شمل العديد من الاكراهات التي عارضها الشعب التونسي على غرار المساس بأجور ومرتبات الأجراء والشغالين ورفع الدعم عل الطاقة والمواد الأساسية، فضلا عن التفويت في المنشآت العمومية، والتي رفضها الاتحاد بشدة حتى أنها كانت النقطة الخلافية التي أعلن عنها ومازال متمسكا بها حتى في اللقاء الأخير مع رئاسة الجمهورية...
من بين هذه الاكراهات التي تضمنها البرنامج الرفع التدريجي للدعم عن أسعار المحروقات وقوارير الغاز المنزلي والمواد الغذائية وبيعها للمواطنين بأسعارها الحقيقية مقابل تمتع العائلات المستحقة للدعم بتحويلات مالية وعدة إجراءات مصاحبة أخرى.
ويهدف البرنامج الإصلاحي وفق الحكومة إلى استعادة الثقة واستحثاث نسق الاستثمار والتنمية الاجتماعية لبعث اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات.
بالمقابل، تجد الحكومة نفسها اليوم وفي ظل الوضع الجديد الذي تعيش على وقعه البلاد أمام تحديات كبيرة إن لم نقل في منعرج خطير في تفعيل قرارات البرنامج، خاصة أن توفر الاستقرار من ابرز شروط الاتفاق المرتقب بين تونس والصندوق "وبالتالي فانه من الصعب إن لم نقل من المستحيل تطبيق برنامج الإصلاح الحكومي"، وفق ما أفاد به أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الاقتصادي أرام بالحاج في تصريح إعلامي مؤخرا، رغم أن البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة يعد ثريا كما ذكر المختص في الشأن الاقتصادي أن هذا البرنامح يواجه إشكاليات حقيقية في التطبيق باعتبار غياب شروط ضرورية للانطلاق في تنفيذه خصوصا في ظل عدم الاستقرار السياسي والظرف العالمي وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على التقدم في انجازه، فضلا عن عدم ايلاء رئيس الجمهورية الأولوية الكبرى للمسائل الاقتصادية الحارقة.
وبين بالحاج أن ارتفاع الأسعار وتصاعد وتيرة نسب التضخم وتآكل الطبقة المتوسطة عوامل تجعل نسبة هامة من التونسيين ليست لها القابلية أو الاستعداد لقبول ترفيع جديد في أسعار المواد الغذائية والمحروقات والطاقة وبيعها بأسعارها الحقيقية.
كما أشار الخبير الاقتصادي أرام بالحاج إلى أن غياب التوافق أو تقارب وجهات النظر بين رؤية الحكومة ورؤية اتحاد الشغل للبرنامج الإصلاحي والخلاف الكبير بينها خصوصا حول كتلة الأجور وإصلاح المؤسسات العمومية وإقرار المنظمة الشغيلة إضرابا عاما في المؤسسات العمومية يوم 16 جوان الجاري يعمق تعقيدات انطلاق البرنامج الإصلاحي الذي تقترح الحكومة.
ورجح بالحاج في ذات التصريح الإذاعي أن جزءا كبيرا من المجتمع المدني لن يؤيد برنامج الحكومة الإصلاحي باعتبار انه لم يكن على اطلاع كاف على المشاورات التي تجريها الحكومة مع ممثلي صندوق النقد الدولي ولم يشارك في صياغة هذه الإصلاحات.
الحكومة مطمئنة رغم صعوبة التفعيل
من جهتها، أكّدت الحكومة على لسان وزير التشغيل والتكوين المهني والناطق الرسمي لها نصر الدين نصيبي، أنّ المحادثات مع صندوق النقد الدولي تقدّمت بشكل جيّد، مشدّدا على أنّ "الحوار مع شركاء تونس صريح ومبني على الشفافية".
وأضاف الوزير أن الأمور تسير في المسار الصحيح، وقيمة القرض 4 مليارات دولار، ستصرف بالأساس في استعادة الاقتصاد التونسي وإعادة التوازنات الكبرى وتفادي التراكمات التي عانى منها الشعب التونسي لأكثر من 10 سنوات، موضحا انه قريبا جدّا سننتقل في مناقشة الاتفاقية مع النقد الدولي..
وأشار الوزير إلى أنّ الحكومة اشتغلت بمشاركة أكثر من 400 كفاءة تونسية، بجدّية لإعداد ملف نوعي من حيث المصداقية، وهو ملف مقبول من ناحية واقعيته واستباقيته للأزمة وقدرته على الإصلاح...
وفي نفس السياق، قال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أن المناقشات الفنية التي يجريها الصندوق مع تونس تحرز تقدما، معبرا عن أمل الصندوق في أن تبدأ المحادثات بشأن برنامج جديد مع السلطات التونسية قريبا، دون أن يحدد أي توقيت للمناقشات على مستوى الخبراء.
ووصف المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، المفاوضات الحالية مع تونس بالمتقدمة". مضيفا في تغريدة على حسابه بـ"تويتر" إننا "نأمل أن تبدأ النقاشات بشأن برنامج جديد مع السلطات التونسية قريبا"، ولم يحدد المسؤول توقيتا للمفاوضات الرسمية على مستوى الخبراء.
كذلك أشار رايس، إلى أن صندوق النقد الدولي تلقى طلبا من السلطات التونسية من أجل الحصول على برنامج دعم، مبرزا حرص المانح الدولي على أن يكون "شريكا فاعلا لتونس".
كما رحب صندوق النقد الدولي، بنشر برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اقترحته السلطات التونسية، التي تخوض حاليا مفاوضات فنية مع المؤسسة المالية الدولية بغرض الحصول على برنامج دعم جديد.