إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هذه ملامح الدستور الجديد وأبرز توجهاته الخلافية

 * إمكانية المزج بين دستور 59 ودستور 2014،  ومضمون الأمر 117

تونس- الصباح

في انتظار صدور مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية في نسخته النهائية يوم 30 جوان الجاري، بدأت في الفترة الأخيرة الملامح الكبرى لمشروع الدستور في البروز على الأقل في ما يتعلق بالنسخة التي تشتغل عليها الهيئة الوطنية الاستشارية بفرعيها القانوني، والاقتصادي والاجتماعي.

وبناء على تصريحات فاعلين أساسيين في كتابة الدستور الجديد أمثال رئيس الجمهورية قيس سعيد والهيئة الاستشارية، وخبراء القانون على غرار العميد الصادق بلعيد، والخبير في القانون الدستوري أمين محفوظ، وشخصيات وطنية مشاركة في الحوار الوطني، وبناء أيضا على نتائج الاستشارة الالكترونية التي أكد الرئيس سعيد مرارا بانها ستكون مرجعا أساسيا في صياغة الدستور،.. يمكن القول أن البناء الهيكلي للدستور بدأ في التوضح وسيكون عاكسا لمشروع الرئيس القانوني والسياسي، ولن يبتعد كثيرا عن مضمون الأمر الرئاسي 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية، والذي يعتبر في حد ذاته دستورا صغيرا مؤقتا.

للوهلة الأولى يمكن الجزم أن أبرز أحكام مشروع الدستور الجديد سوف لن تكون محل خلاف كبير بل هي محور توافقات قديمة- جديدة، على الأقل في ما يتعلق بأبواب تتعلق بأحكام أو مبادئ عامة تستمد فصولها من الثقافة القانونية المحلية السائدة ومن المنظومة الكونية للحقوق والحريات، كما أن بعض الأحكام الدستورية ستفرض نفسها سلفا باعتبارها عصارة نقاشات سابقة ومؤسسين سابقين. على غرار البابين الأولين من دستور 2014 الحالي أي ما باب المبادئ العامة، وباب الحقوق والحريات، رغم أن بعض الفصول المثيرة للجدل الواردة في البابين ستخضع للحذف أو للتعديل..

 ومن شبه المؤكد أن الفلسفة العامة للدستور الجديد ستكون موجهة أساسا لتنقية الشوائب التي لوحظت في دستور 2014 وخاصة في ما يتعلق بتحديد الهوية السياسية للنظام التي كانت توصف في الغالب بالنظام الهجين فلا هو بالبرلماني ولا هو بالرئاسي. كما سيتم على الأرجح توخي أسلوب جديد في كتابة فصول الدستور وأحكامه تقطع مع الضبابية والغموض والأسلوب الإنشائي، ولتجاوز الأخطاء الشكلية لدستور 2014 وأيضا محاولة توضيح الفصول الدستورية وتلخيصها قدر الإمكان..

ومن حيث الشكل أيضا، وبناء على تصريحات خبراء القانون المقربين من الرئيس سعيد هناك اتجاه عام لكتابة دستور مختصر دقيق ولا يضم الكثير من التفاصيل القانونية باعتبار أنه سيتم الاحتكام إلى قاعدة بديهية دستورية تتمثل في الاكتفاء بالتنصيص على الحكم الدستوري دون الخوض في تفاصيله أو إحالة أبعاده التنظيمية والترتيبية والتأسيسية إلى قوانين أساسية أو قوانين عادية..

توازن بين السلطات مع توجه لإقرار النظام الرئاسي

ومن البديهي أن يتم كذلك التركيز على العمل عل تحقيق توازن حقيقي بين السلطات الثلاث وتوضيح العلاقة بينها، والحسم نهائيا في صلاحيات كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة (أو الوزير الأول) حتى لا تتكرر حالات تنازع الصلاحيات وغموضها وتجنبا لوقوع البلاد في هزات أو أزمات سياسية ودستورية عنيفة..

فالدستور الجديد سيكون مزيجا بين دستور الجمهورية الأولى الصادر في غرة جوان 1959 الذي يتكون من 78 فصلا فقط، وبين دستور جانفي 2014 الذي يتكون من 149 فصلا، وقد يحتوي جزءا من فصول الأمر الرئاسي عدد 117 خاصة في ما بابه المتعلق بالسلطة التنفيذية وفي مهام الرئيس وصلاحياته وعلاقته بالحكومة ورئيس الحكومة.. 

لا شك أن النظام السياسي الذي سيتم وضعه سيكون مبدئيا نظاما رئاسيا، وذلك بناء على نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية التي أجاب 87 بالمائة من المشاركين فيها (حوالي 535 ألف مشارك) بتفضيلهم للنظام الرئاسي على النظام البرلماني.

كما أن التوجه العام للدستور الجديد، سيعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية واعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، وبالتالي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة وهو الذي يرسم خطوط السياسية العامة للحكومة، وهو من يعين الوزراء ويعزلهم، على غرار ما هو معمول به حاليا في ممارسة الرئيس سعيد للسلطة وفقا للأمر 117. (الفصل 17 الذي ينص على أن الحكومة "تسهرعلى تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية"، والفصل 18 الذي ينص على أن "الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية").

العودة إلى دستور 59.. وتنقية دستور 2014

من الخاصيات المشتركة التي قد يتم الاستئناس بها من دستور 1959 خاصة ما يتعلق بباب السلطة التنفيذية، إذ من غير المستبعد أن يتم التنصيص على بعض المؤسسات الدستورية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو في بباب السلطة التشريعية خاصة في ما يتعلق بنظام الغرفتين (مجلس النواب، مجلس المستشارين)، مقابل التقليص من الهيئات الدستورية المنصوص عليها في دستور 2014 كهيئة مكافحة الفساد، وهيئات أخرى لم تر النور بعد رغم دسترتها مثل هيئة حقوق الإنسان، وهيئة حماية الثروات وحقوق الأجيال القادمة..

وفي حالة الاختيار على النظام الرئاسي ستكون هذه المهمة يسيرة وتمنع الوقوع في بحر من التأويلات الخطيرة، غير أنه في هذه الحالة قد يتركز النقاش أساسا على موقع البرلمان في النظام الرئاسي المنشود، هل يراد له أن يكون قويا مثل الأنظمة الرئاسية في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة، أو ضعيفا محدود الصلاحيات كأن يتم مثلا حجب صلاحية مساءلة البرلمان لرئيس الجمهورية أو إمكانية حجب الثقة منه، أو منحه صلاحية تشكيل الحكومة أو المصادقة على برنامجها.

كما أن موقع رئيس الجمهورية في هذا النظام وصلاحياته ستكون محل خلاف، فهل يحق له مثلا حل البرلمان وفي أي حالات، وكيف سيتم تحقيق توازن بينه وبين رئيس الحكومة والبرلمان، كيف يتم ضمان عدم تغول الرئيس والاستبداد بالحكم والهيمنة عل بقية السلطات، وهل سيتم اعادة صياغة فصل جديد ينص على كيفية اتخاذ الرئيس لتدابير استثنائية في حالة الخطر الداهم دون الوقوع في فخ الغموض والتأويلات النصية والدستورية..؟

كما ان الباب المتعلق بالسلطة القضائية سيكون محل خلاف كبير، فمن حيث الشكل هل سيتم اعتبار القضاء سلطة حقيقية مستقلة أم أنها مجرد وظيفة من وظائف الدولة، ومضمونا كيف سيتم تنزيل السلطة القضائية في علاقة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، هل سيكون موقعه أفقيا أم عموديا يخضع لهرم السلطة التنفيذية؟ وكيف سيتم ترجمة معنى استقلالية القضاء وأبعادها، وأي صلاحيات ستعطى لهياكل القضاة ومؤسساته مثل المجلس الأعلى للقضاء، والتفقدية العامة، والنيابة العمومية.؟

مسائل خلافية

من بين المسائل الخلافية في علاقة بالسلطة القضائية هي ما يهم الحق النقابي وحق الإضراب والتظاهر، هل سيتم نزع هذا الحق واعتبار أن السلطة القضائية لا يحق لها الإضراب أسوة ببعض مؤسسات الدولة كالجيش والديوانة والأمن؟، وهنا لا بد من الإشارة إلى تصريح الأستاذ أمين محفوظ الذي ألمح إلى إمكانية منع حق الإضراب للقضاة والأمنيين إلى جانب الجيش والديوانة والقوات الحاملة للسلاح..

من المسائل الخلافية التي قد يحسم فيها رئيس الجمهورية باعتباره الكلمة الفصل والنهائية ستكون له قبل نشر مشروع الدستور في نسخة نهائية، مضمون الفصل الأول من الدستور الذي كان محل إجماع عام في دستور 59 أو في دستور 2014.

ومرد الخلاف الجدل الذي يرافق تصريحات خبراء القانون مثل المنسق العام للهيئة العميد الصادق بلعيد، وخبير القانون الدستوري أمين محفوظ، حين أكدا على إمكانية الاستغناء عن التنصيص على الدين الإسلامي كمرجعية للدولة.

ومؤخرا قال بلعيد إن الدستور الجديد لن ينص عل الإسلام دينا للدولة، وأكد أنه سيعرض على الرئيس سعيد نسخة لن تتضمن ذكر "الإسلام دين الدولة". موضحا أن ذلك يأتي بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.

 ومن الملامح الكبرى للدستور الجديد، التنصيص صراحة على دور الدولة في التنمية وقيادة الاقتصاد، فقد اعتبر الرئيس المنسّق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد، في تصريحاته الأخيرة، أنّ الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه البلاد في 2014، هو ''غياب رؤية ومؤسسات اقتصادية''.

وقال:''أعتبر أنّ المستوى التشريعي يجب أن ينقسم إلى مستويين:سياسي واقتصادي.. غرفتان.. نعم أنا مع سلطة تشريعية بغرفتين".

وأوضح أنّ رؤيته تتمثّل في تقسيم الحكم التشريعي إلى غرفتين، الأولى برلمان سياسي، والثانية برلمان اقتصادي واجتماعي بالأساس.

وهنا يتقاطع تصريح بلعيد مع بعض مضامين وأحكام وردت بدستور 59 مثل التنصيص على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو اعتماد نظام برلماني بغرفتين.

ومن غير المستبعد أن يتم في الدستور الجديد، التأكيد على ثوابت النظام الديمقراطي يكون فيه الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، وتكريس دولة القانون، والتنصيص على المبادئ العامة للحقوق والحريات، وذلك تماهيا مع مضمون الفصل 22 من الأمر 117 المعلق بتدابير استثنائية، وهذا التوجه تحدث في شأنه مرارا الخبير أمين محفوظ.

 رفيق بن عبد الله

هذه ملامح الدستور الجديد وأبرز توجهاته الخلافية

 * إمكانية المزج بين دستور 59 ودستور 2014،  ومضمون الأمر 117

تونس- الصباح

في انتظار صدور مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية في نسخته النهائية يوم 30 جوان الجاري، بدأت في الفترة الأخيرة الملامح الكبرى لمشروع الدستور في البروز على الأقل في ما يتعلق بالنسخة التي تشتغل عليها الهيئة الوطنية الاستشارية بفرعيها القانوني، والاقتصادي والاجتماعي.

وبناء على تصريحات فاعلين أساسيين في كتابة الدستور الجديد أمثال رئيس الجمهورية قيس سعيد والهيئة الاستشارية، وخبراء القانون على غرار العميد الصادق بلعيد، والخبير في القانون الدستوري أمين محفوظ، وشخصيات وطنية مشاركة في الحوار الوطني، وبناء أيضا على نتائج الاستشارة الالكترونية التي أكد الرئيس سعيد مرارا بانها ستكون مرجعا أساسيا في صياغة الدستور،.. يمكن القول أن البناء الهيكلي للدستور بدأ في التوضح وسيكون عاكسا لمشروع الرئيس القانوني والسياسي، ولن يبتعد كثيرا عن مضمون الأمر الرئاسي 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية، والذي يعتبر في حد ذاته دستورا صغيرا مؤقتا.

للوهلة الأولى يمكن الجزم أن أبرز أحكام مشروع الدستور الجديد سوف لن تكون محل خلاف كبير بل هي محور توافقات قديمة- جديدة، على الأقل في ما يتعلق بأبواب تتعلق بأحكام أو مبادئ عامة تستمد فصولها من الثقافة القانونية المحلية السائدة ومن المنظومة الكونية للحقوق والحريات، كما أن بعض الأحكام الدستورية ستفرض نفسها سلفا باعتبارها عصارة نقاشات سابقة ومؤسسين سابقين. على غرار البابين الأولين من دستور 2014 الحالي أي ما باب المبادئ العامة، وباب الحقوق والحريات، رغم أن بعض الفصول المثيرة للجدل الواردة في البابين ستخضع للحذف أو للتعديل..

 ومن شبه المؤكد أن الفلسفة العامة للدستور الجديد ستكون موجهة أساسا لتنقية الشوائب التي لوحظت في دستور 2014 وخاصة في ما يتعلق بتحديد الهوية السياسية للنظام التي كانت توصف في الغالب بالنظام الهجين فلا هو بالبرلماني ولا هو بالرئاسي. كما سيتم على الأرجح توخي أسلوب جديد في كتابة فصول الدستور وأحكامه تقطع مع الضبابية والغموض والأسلوب الإنشائي، ولتجاوز الأخطاء الشكلية لدستور 2014 وأيضا محاولة توضيح الفصول الدستورية وتلخيصها قدر الإمكان..

ومن حيث الشكل أيضا، وبناء على تصريحات خبراء القانون المقربين من الرئيس سعيد هناك اتجاه عام لكتابة دستور مختصر دقيق ولا يضم الكثير من التفاصيل القانونية باعتبار أنه سيتم الاحتكام إلى قاعدة بديهية دستورية تتمثل في الاكتفاء بالتنصيص على الحكم الدستوري دون الخوض في تفاصيله أو إحالة أبعاده التنظيمية والترتيبية والتأسيسية إلى قوانين أساسية أو قوانين عادية..

توازن بين السلطات مع توجه لإقرار النظام الرئاسي

ومن البديهي أن يتم كذلك التركيز على العمل عل تحقيق توازن حقيقي بين السلطات الثلاث وتوضيح العلاقة بينها، والحسم نهائيا في صلاحيات كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة (أو الوزير الأول) حتى لا تتكرر حالات تنازع الصلاحيات وغموضها وتجنبا لوقوع البلاد في هزات أو أزمات سياسية ودستورية عنيفة..

فالدستور الجديد سيكون مزيجا بين دستور الجمهورية الأولى الصادر في غرة جوان 1959 الذي يتكون من 78 فصلا فقط، وبين دستور جانفي 2014 الذي يتكون من 149 فصلا، وقد يحتوي جزءا من فصول الأمر الرئاسي عدد 117 خاصة في ما بابه المتعلق بالسلطة التنفيذية وفي مهام الرئيس وصلاحياته وعلاقته بالحكومة ورئيس الحكومة.. 

لا شك أن النظام السياسي الذي سيتم وضعه سيكون مبدئيا نظاما رئاسيا، وذلك بناء على نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية التي أجاب 87 بالمائة من المشاركين فيها (حوالي 535 ألف مشارك) بتفضيلهم للنظام الرئاسي على النظام البرلماني.

كما أن التوجه العام للدستور الجديد، سيعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية واعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، وبالتالي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة وهو الذي يرسم خطوط السياسية العامة للحكومة، وهو من يعين الوزراء ويعزلهم، على غرار ما هو معمول به حاليا في ممارسة الرئيس سعيد للسلطة وفقا للأمر 117. (الفصل 17 الذي ينص على أن الحكومة "تسهرعلى تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية"، والفصل 18 الذي ينص على أن "الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية").

العودة إلى دستور 59.. وتنقية دستور 2014

من الخاصيات المشتركة التي قد يتم الاستئناس بها من دستور 1959 خاصة ما يتعلق بباب السلطة التنفيذية، إذ من غير المستبعد أن يتم التنصيص على بعض المؤسسات الدستورية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو في بباب السلطة التشريعية خاصة في ما يتعلق بنظام الغرفتين (مجلس النواب، مجلس المستشارين)، مقابل التقليص من الهيئات الدستورية المنصوص عليها في دستور 2014 كهيئة مكافحة الفساد، وهيئات أخرى لم تر النور بعد رغم دسترتها مثل هيئة حقوق الإنسان، وهيئة حماية الثروات وحقوق الأجيال القادمة..

وفي حالة الاختيار على النظام الرئاسي ستكون هذه المهمة يسيرة وتمنع الوقوع في بحر من التأويلات الخطيرة، غير أنه في هذه الحالة قد يتركز النقاش أساسا على موقع البرلمان في النظام الرئاسي المنشود، هل يراد له أن يكون قويا مثل الأنظمة الرئاسية في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة، أو ضعيفا محدود الصلاحيات كأن يتم مثلا حجب صلاحية مساءلة البرلمان لرئيس الجمهورية أو إمكانية حجب الثقة منه، أو منحه صلاحية تشكيل الحكومة أو المصادقة على برنامجها.

كما أن موقع رئيس الجمهورية في هذا النظام وصلاحياته ستكون محل خلاف، فهل يحق له مثلا حل البرلمان وفي أي حالات، وكيف سيتم تحقيق توازن بينه وبين رئيس الحكومة والبرلمان، كيف يتم ضمان عدم تغول الرئيس والاستبداد بالحكم والهيمنة عل بقية السلطات، وهل سيتم اعادة صياغة فصل جديد ينص على كيفية اتخاذ الرئيس لتدابير استثنائية في حالة الخطر الداهم دون الوقوع في فخ الغموض والتأويلات النصية والدستورية..؟

كما ان الباب المتعلق بالسلطة القضائية سيكون محل خلاف كبير، فمن حيث الشكل هل سيتم اعتبار القضاء سلطة حقيقية مستقلة أم أنها مجرد وظيفة من وظائف الدولة، ومضمونا كيف سيتم تنزيل السلطة القضائية في علاقة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، هل سيكون موقعه أفقيا أم عموديا يخضع لهرم السلطة التنفيذية؟ وكيف سيتم ترجمة معنى استقلالية القضاء وأبعادها، وأي صلاحيات ستعطى لهياكل القضاة ومؤسساته مثل المجلس الأعلى للقضاء، والتفقدية العامة، والنيابة العمومية.؟

مسائل خلافية

من بين المسائل الخلافية في علاقة بالسلطة القضائية هي ما يهم الحق النقابي وحق الإضراب والتظاهر، هل سيتم نزع هذا الحق واعتبار أن السلطة القضائية لا يحق لها الإضراب أسوة ببعض مؤسسات الدولة كالجيش والديوانة والأمن؟، وهنا لا بد من الإشارة إلى تصريح الأستاذ أمين محفوظ الذي ألمح إلى إمكانية منع حق الإضراب للقضاة والأمنيين إلى جانب الجيش والديوانة والقوات الحاملة للسلاح..

من المسائل الخلافية التي قد يحسم فيها رئيس الجمهورية باعتباره الكلمة الفصل والنهائية ستكون له قبل نشر مشروع الدستور في نسخة نهائية، مضمون الفصل الأول من الدستور الذي كان محل إجماع عام في دستور 59 أو في دستور 2014.

ومرد الخلاف الجدل الذي يرافق تصريحات خبراء القانون مثل المنسق العام للهيئة العميد الصادق بلعيد، وخبير القانون الدستوري أمين محفوظ، حين أكدا على إمكانية الاستغناء عن التنصيص على الدين الإسلامي كمرجعية للدولة.

ومؤخرا قال بلعيد إن الدستور الجديد لن ينص عل الإسلام دينا للدولة، وأكد أنه سيعرض على الرئيس سعيد نسخة لن تتضمن ذكر "الإسلام دين الدولة". موضحا أن ذلك يأتي بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.

 ومن الملامح الكبرى للدستور الجديد، التنصيص صراحة على دور الدولة في التنمية وقيادة الاقتصاد، فقد اعتبر الرئيس المنسّق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد، في تصريحاته الأخيرة، أنّ الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه البلاد في 2014، هو ''غياب رؤية ومؤسسات اقتصادية''.

وقال:''أعتبر أنّ المستوى التشريعي يجب أن ينقسم إلى مستويين:سياسي واقتصادي.. غرفتان.. نعم أنا مع سلطة تشريعية بغرفتين".

وأوضح أنّ رؤيته تتمثّل في تقسيم الحكم التشريعي إلى غرفتين، الأولى برلمان سياسي، والثانية برلمان اقتصادي واجتماعي بالأساس.

وهنا يتقاطع تصريح بلعيد مع بعض مضامين وأحكام وردت بدستور 59 مثل التنصيص على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو اعتماد نظام برلماني بغرفتين.

ومن غير المستبعد أن يتم في الدستور الجديد، التأكيد على ثوابت النظام الديمقراطي يكون فيه الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، وتكريس دولة القانون، والتنصيص على المبادئ العامة للحقوق والحريات، وذلك تماهيا مع مضمون الفصل 22 من الأمر 117 المعلق بتدابير استثنائية، وهذا التوجه تحدث في شأنه مرارا الخبير أمين محفوظ.

 رفيق بن عبد الله

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews