* مستشار في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بوزارة التربية لـ"الصباح": الغش يتحول من ممارسة التلميذ إلى المجموعة.. والتقييم يجب أن يشمل اكتساب المهارات
* رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم: مدرستنا اليوم مجرّد مرآة لمحيطها
* رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ: التركيز على منطق العقاب لا يكفي وحده لمعالجة ظاهرة الغش
تونس – الصباح
أسباب عديدة أدت إلى انتعاش ظاهرة الغش التي تغذت من التفقير الممنهج للمنظومة التعليمية وفقدان العملية التربوية لمختلف معانيها لتختزل في جملة من الارقام الصماء التي لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل غياب اي شعور بالمسؤولية حيال ما يمكن ان تسببت فيه هذه المنظومة بدءا بالمناهج التربوية وصولا الى عمليات التقييم التي اصبحت تدور حول هاجس الامتحانات وكيف سيخرج التلميذ منها بكسب عديد النقاط وكأننا بصدد القيام بعملية تجارية ربحية وليست عملية تربوية تعليمية.
وكالعادة مع انطلاق اجراء الامتحانات الوطنية يعود الجدل للحديث عن محاولات الغش ومرتكبيها والاساليب المعتمدة والتي اصبحت مواكبة للتطورات التكنولوجية فاصبح الممتحن يلجأ الى الساعات الذكية وسماعات "البلوتوث" الخاصة ويبحر في مواقع الانترنت التي تروج للعديد من وسائل الغش، هذا دون أن ننسى أن استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات دليل قطعي على انحدار العملية التربوية وتراجع دور المدرسة العمومية منذ سنوات مع مواصلة حصر الفعل التربوي في "التّعليم الصّفّي" والنجاح رهين التفوق في مواد معينة.
وكانت مصالح وزارة التربية لسير الاختبارات الكتابية لامتحان البكالوريا دورة 2022، اعلنت عن تسجيل 78 حالة غشّ خلال اليوم الأول من الامتحان، وعن الشروع في اتخاذ الإجراءات التأديبية ضدّ المتورطين منهم في ذلك، والإيقاف الفوري عن مواصلة الامتحان للضالعين منهم في شبكات الغش الالكتروني، وافادت الوزارة في بيانها امس انها بصدد التعرّف على هويات بقية المشاركين في هذه العمليات، وذلك بالتنسيق مع الهياكل الأمنيّة والمختصّة في الغرض.
وللبحث في اسباب الظاهرة التي اصبحت تقليدية وانتعشت بسبب التطور التكنولوجي وتوسعت دائرتها لتصبح عملية الغش مشتركة تؤمنها مجموعات رصدت "الصباح" اراء خبراء في التربية.
"الغش " ظاهرة عابرة
المستشار في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بوزارة التربية محمد البشير اعتبر أن ظاهرة الغش هي عابرة مجتمعيا وما حدث مع في اول يوم من امتحان الباكالوريا من تسجيل العديد من حالات الغش ناجم عن استثمار التكنولوجيا في عمليات لا اخلاقية ولا قانونية وتتعارض مع مبادئ التميز المعرفي، كما ان ظاهرة الغش لا تقتصر على الامتحانات حيث نجدها في الترقيات الوظيفية وفي عروض الانتداب.
ورأى المستشار في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي ان التطور التكنولوجي ساهم في دخول اطراف اخرى على الخط ليتحول الغش من ممارسة الفرد اي التلميذ الى الجماعة أي أصبحنا نشهد غشا جماعيا لنجد أطرافا من الأسرة التربوية تؤجر محلات وتوفر كل ما هو لوجستي لتأمين عمليات الغش، غير ان البعد الزجري في التعامل مع هذه الظاهرة غير ناجع ويظل الحل الانسب هو تغيير الاساليب والمناهج والمقاربات البيداغوجية في ما يتعلق بطرق التقييم مثلما فعلت عديد الدول المتقدمة منذ الثمانينات حيث اصبح التقييم لا يقتصر فقط على المعارف ليشمل اكتساب المهارات لأخذ فكرة حول مدى تمكن المتعلم على مواجهة المشاكل وحلها.
وحسب محدثنا فان أغلب من يلجأ إلى الغش في الامتحانات هم الذين لهم صعوبات في التحصيل الدراسي لذلك يجب مراجعة طريقة الارتقاء في سنوات السابعة والثامنة والتاسعة والاولى ثانوي لان هناك تساهلا في التقييم بخصوص المستويات المذكورة.
وتبقى المنظومة التعليمية في تونس في حاجة ماسة الى عديد المراجعات خاصة على مستوى جودة المناهج وفي هذا السياق اعتبر قاسم سليم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم "انّ مدرستنا اليوم هي مجرّد مرآة لمحيطها، بعد أن تخلّت منذ سنوات طويلة عن دورها الأساسيّ في بناء الإنسان والارتقاء بالمجتمع، وفقدت مقوّما أساسيّا من مقوّمات هويّتها باعتبارها حاضنة للقيم والمبادئ ومؤتمنة على تأصيلها في نفوس النّاشئة وضمان استمراريّتها، لذلك فإنّ التّباكي اليوم بسبب انتشار ظاهرة الغشّ، وبالأمس بسبب انتشار ظواهر العنف والمخدّرات والتّطرّف والانحلال الأخلاقيّ، ليس سوى استمرار لنهج النّفاق الاجتماعيّ المتفشّي، وتأكيد لحالة الفصام التي يعيشها الكثير منّا."
هذه الأسباب التي باتت أمرا واقعا في المحيط الدراسي والعبث بمقوّمات مدرسة الجمهوريّة الذي يتواصل منذ ما يزيد عن العقدين لم يحوّل فقط المدرسة حسب رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم إلى كيان أجوف بلا روح ولا هويّة ولا دور حقيقيّ باستثناء الاحتفاظ بالنّاشئة لأطول فترة ممكنة قبل الإلقاء بها إلى الشّارع، بل إنّه قد أضعف مناعة هذه المؤسّسة وجعلها مرتعا لكافّة أنواع الانحرافات، والتّفسير الوحيد للتّركيز على ظاهرة الغشّ في الامتحانات بالذّات، ولحالة الاستنفار القصوى التي نراها خلال هذه الفترة من كلّ عام، هو أنّ الامتحانات باتت تمثّل آخر الأركان المتماسكة من المنظومة التّربويّة ومصدر شرعيّتها الأوّل وربّما الوحيد، إلى درجة أنّ النّجاح في تنظيمها بات يُسوَّق لنا على أنّه نجاح للسّنة الدّراسيّة برمّتها، وهي حالة عجيبة من إنكار الواقع والإصرار على عدم طرح أسئلة الإصلاح الحقيقيّة لا نكاد نقف لها على مثيل في بلد آخر من العالم.
ضرب ممنهج لقيم العمل والتّميّز
ورأى سليم قاسم انه "علينا أن نعترف بأنّنا اليوم مجتمع قد ارتقى بأساليب الغشّ والتّحيّل والأنانيّة والانتهازيّة إلى مرتبة المنوال السلوكيّ الأنجح والأقدر على نيل المطالب وتحقيق الأمنيات، وأنّ لهذا المنوال أبطاله وبطلاته ممّن تُفتح أمامهم البلاتوهات والبرامج الإذاعيّة والتّلفزيّة في ساعات ذروة الاستماع والمشاهدة لتقديم قصص نجاحهم في هذا المجال أمام أبنائنا، واستعراض ما ينعمون به من خيرات بفضل إبداعهم فيه، فماذا ننتظر من جيل فتح عينيه على مثل هذا الضرب الممنهج والمستمرّ لقيم العمل والتّميّز، والذي لا يرى حيث التفت سوى مظاهر الغشّ والاستهتار بالقانون؟ ولماذا نلوم هذا الجيل وننسى الأولياء الذين يقدّمون لمنظوريهم ما يلزم لتمويل عمليّات الغشّ بل وفيهم من يسعون بأنفسهم لتيسيرها؟ وماذا فعلت الوزارة أمام تنامي هذه الظّواهر، وهي التي تصرّ عاما بعد عام على معالجة الأعراض وتجاهل الأمراض."
كما شدد محدثنا على ان البرامج الدّراسيّة وطرق التقديم والتقييم في قطيعة تامّة مع ناشئتنا ومع خصوصيّاتها واهتماماتها وتطلّعاتها، إلى درجة أنّ هذه النّاشئة لم تعد ترى أيّ مبرّر لمجرّد المناقشة فضلا عن الرّفض أو التّمرّد، ولذلك نرى أنّ أعدادا متزايدة من التّلاميذ تتعامل مع مدرستها بمنطق الخضوع والمخاتلة، بعد أن فقدت كلّ أمل في تغيّر الأوضاع وبعد أن فقد فعل التّعلّم كلّ معنى لديها، وإنّه لخطب عظيم عند كلّ من يدرك.
كما يرى الخبراء في التربية أن هذه الظاهرة انتشرت في الاوساط المدرسية والجامعة على حد السواء وحتى في اعتى الجامعات التي تدرس اختصاصات حساسة ودقيقة كالعلوم والطب وغيرها رغم ان آفة الغش تتعارض مع القيم الاخلاقية ولها تداعيات خطيرة على المجتمع ومستقبل اجيال عدة لكن تبقى معالجتها محدودة ومناسبتية وفي اوقات معينة مثل امتحانات البكالوريا حيث يكثر الحديث والجدل حول الموضوع واساليب العقوبات التي ستسلطها سلط الاشراف ممثلة في وزارة التربية على كل ممتحن يلجأ الى الغش.
واجمع جلّهم على تطور اساليب الغش نتيجة التطور المتسارع للتكنولوجيات الحديثة هذا الى جانب تنقل الظاهرة من الفرد الى المجموعة حيث اصبحنا نسمع عن حالات غش جماعي يشترك فيها اكثر من طرف.
رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ علق على انتعاش ظاهرة الغش في منظومة الامتحانات قائلا:" تبعا لما اقر به السيد وزير التربية بخصوص تسريب امتحان الفلسفة لدورة جوان 2022 ونشره على شبكات التواصل الاجتماعي وبخصوص ظاهرة الغش في الامتحانات والتي أصبحت تتزعمها عصابات منظمة تعبر الجمعية التونسية على عجزها على ايجاد العبارات التي يمكن لها ان تصف بها خطورة الوضع في كل المستويات دون ان ننسى ضرب مصداقية المنظومة التربوية عموما والامتحانات الوطنية بالخصوص".
واعتبر الزهروني أن التركيز على الجوانب التقنية لا يكفي وحده لمعالجة الظاهرة، وستتعمق اكثر ان لم تتم معاجلتها بشكل جذري لان السبب الرئيسي في تفشي هذه الظاهرة يعود بالأساس الى عدم قدرة المنظومة على توفير المستوى المطلوب من التحصيل المعرفي لاجتياز الامتحان بنسبة معقولة من الاطمئنان على النجاح.
كما اشار رئيس الجمعية التونسية للأولياء إلى أن الحلول التقنية بجوانبها القانونية والتأديبية والزجرية ستزيد في الرفع في مستوى انعدام الثقة في المنظومة من طرف الاولياء والتلاميذ وفي تنمية الشعور عندهم بالتظلم وبالاستهداف من طرف سلطة الإشراف وكأنهم كلهم متهمون بالغش.
وأكد الزهروني على انعدام الوعي عند كل مستويات تسيير الدولة بالخطورة القصوى التي اصبحت تمثلها منظومتنا التربوية من خطورة على المجتمع التونسي في كل المجالات، مضيفا بان الحل في الاقتناع على المستوى السياسي من طرف هرم السلطة بضرورة الإسراع بإنقاذ الوضع ومقاطعة الصمت على الكارثة التي اصبحت تمثلها المنظومة التربوية انسانيا واجتماعيا واخلاقيا ومعرفيا واقتصاديا وثقافيا وامنيا.
جهاد الكلبوسي
* مستشار في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بوزارة التربية لـ"الصباح": الغش يتحول من ممارسة التلميذ إلى المجموعة.. والتقييم يجب أن يشمل اكتساب المهارات
* رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم: مدرستنا اليوم مجرّد مرآة لمحيطها
* رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ: التركيز على منطق العقاب لا يكفي وحده لمعالجة ظاهرة الغش
تونس – الصباح
أسباب عديدة أدت إلى انتعاش ظاهرة الغش التي تغذت من التفقير الممنهج للمنظومة التعليمية وفقدان العملية التربوية لمختلف معانيها لتختزل في جملة من الارقام الصماء التي لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل غياب اي شعور بالمسؤولية حيال ما يمكن ان تسببت فيه هذه المنظومة بدءا بالمناهج التربوية وصولا الى عمليات التقييم التي اصبحت تدور حول هاجس الامتحانات وكيف سيخرج التلميذ منها بكسب عديد النقاط وكأننا بصدد القيام بعملية تجارية ربحية وليست عملية تربوية تعليمية.
وكالعادة مع انطلاق اجراء الامتحانات الوطنية يعود الجدل للحديث عن محاولات الغش ومرتكبيها والاساليب المعتمدة والتي اصبحت مواكبة للتطورات التكنولوجية فاصبح الممتحن يلجأ الى الساعات الذكية وسماعات "البلوتوث" الخاصة ويبحر في مواقع الانترنت التي تروج للعديد من وسائل الغش، هذا دون أن ننسى أن استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات دليل قطعي على انحدار العملية التربوية وتراجع دور المدرسة العمومية منذ سنوات مع مواصلة حصر الفعل التربوي في "التّعليم الصّفّي" والنجاح رهين التفوق في مواد معينة.
وكانت مصالح وزارة التربية لسير الاختبارات الكتابية لامتحان البكالوريا دورة 2022، اعلنت عن تسجيل 78 حالة غشّ خلال اليوم الأول من الامتحان، وعن الشروع في اتخاذ الإجراءات التأديبية ضدّ المتورطين منهم في ذلك، والإيقاف الفوري عن مواصلة الامتحان للضالعين منهم في شبكات الغش الالكتروني، وافادت الوزارة في بيانها امس انها بصدد التعرّف على هويات بقية المشاركين في هذه العمليات، وذلك بالتنسيق مع الهياكل الأمنيّة والمختصّة في الغرض.
وللبحث في اسباب الظاهرة التي اصبحت تقليدية وانتعشت بسبب التطور التكنولوجي وتوسعت دائرتها لتصبح عملية الغش مشتركة تؤمنها مجموعات رصدت "الصباح" اراء خبراء في التربية.
"الغش " ظاهرة عابرة
المستشار في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بوزارة التربية محمد البشير اعتبر أن ظاهرة الغش هي عابرة مجتمعيا وما حدث مع في اول يوم من امتحان الباكالوريا من تسجيل العديد من حالات الغش ناجم عن استثمار التكنولوجيا في عمليات لا اخلاقية ولا قانونية وتتعارض مع مبادئ التميز المعرفي، كما ان ظاهرة الغش لا تقتصر على الامتحانات حيث نجدها في الترقيات الوظيفية وفي عروض الانتداب.
ورأى المستشار في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي ان التطور التكنولوجي ساهم في دخول اطراف اخرى على الخط ليتحول الغش من ممارسة الفرد اي التلميذ الى الجماعة أي أصبحنا نشهد غشا جماعيا لنجد أطرافا من الأسرة التربوية تؤجر محلات وتوفر كل ما هو لوجستي لتأمين عمليات الغش، غير ان البعد الزجري في التعامل مع هذه الظاهرة غير ناجع ويظل الحل الانسب هو تغيير الاساليب والمناهج والمقاربات البيداغوجية في ما يتعلق بطرق التقييم مثلما فعلت عديد الدول المتقدمة منذ الثمانينات حيث اصبح التقييم لا يقتصر فقط على المعارف ليشمل اكتساب المهارات لأخذ فكرة حول مدى تمكن المتعلم على مواجهة المشاكل وحلها.
وحسب محدثنا فان أغلب من يلجأ إلى الغش في الامتحانات هم الذين لهم صعوبات في التحصيل الدراسي لذلك يجب مراجعة طريقة الارتقاء في سنوات السابعة والثامنة والتاسعة والاولى ثانوي لان هناك تساهلا في التقييم بخصوص المستويات المذكورة.
وتبقى المنظومة التعليمية في تونس في حاجة ماسة الى عديد المراجعات خاصة على مستوى جودة المناهج وفي هذا السياق اعتبر قاسم سليم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم "انّ مدرستنا اليوم هي مجرّد مرآة لمحيطها، بعد أن تخلّت منذ سنوات طويلة عن دورها الأساسيّ في بناء الإنسان والارتقاء بالمجتمع، وفقدت مقوّما أساسيّا من مقوّمات هويّتها باعتبارها حاضنة للقيم والمبادئ ومؤتمنة على تأصيلها في نفوس النّاشئة وضمان استمراريّتها، لذلك فإنّ التّباكي اليوم بسبب انتشار ظاهرة الغشّ، وبالأمس بسبب انتشار ظواهر العنف والمخدّرات والتّطرّف والانحلال الأخلاقيّ، ليس سوى استمرار لنهج النّفاق الاجتماعيّ المتفشّي، وتأكيد لحالة الفصام التي يعيشها الكثير منّا."
هذه الأسباب التي باتت أمرا واقعا في المحيط الدراسي والعبث بمقوّمات مدرسة الجمهوريّة الذي يتواصل منذ ما يزيد عن العقدين لم يحوّل فقط المدرسة حسب رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم إلى كيان أجوف بلا روح ولا هويّة ولا دور حقيقيّ باستثناء الاحتفاظ بالنّاشئة لأطول فترة ممكنة قبل الإلقاء بها إلى الشّارع، بل إنّه قد أضعف مناعة هذه المؤسّسة وجعلها مرتعا لكافّة أنواع الانحرافات، والتّفسير الوحيد للتّركيز على ظاهرة الغشّ في الامتحانات بالذّات، ولحالة الاستنفار القصوى التي نراها خلال هذه الفترة من كلّ عام، هو أنّ الامتحانات باتت تمثّل آخر الأركان المتماسكة من المنظومة التّربويّة ومصدر شرعيّتها الأوّل وربّما الوحيد، إلى درجة أنّ النّجاح في تنظيمها بات يُسوَّق لنا على أنّه نجاح للسّنة الدّراسيّة برمّتها، وهي حالة عجيبة من إنكار الواقع والإصرار على عدم طرح أسئلة الإصلاح الحقيقيّة لا نكاد نقف لها على مثيل في بلد آخر من العالم.
ضرب ممنهج لقيم العمل والتّميّز
ورأى سليم قاسم انه "علينا أن نعترف بأنّنا اليوم مجتمع قد ارتقى بأساليب الغشّ والتّحيّل والأنانيّة والانتهازيّة إلى مرتبة المنوال السلوكيّ الأنجح والأقدر على نيل المطالب وتحقيق الأمنيات، وأنّ لهذا المنوال أبطاله وبطلاته ممّن تُفتح أمامهم البلاتوهات والبرامج الإذاعيّة والتّلفزيّة في ساعات ذروة الاستماع والمشاهدة لتقديم قصص نجاحهم في هذا المجال أمام أبنائنا، واستعراض ما ينعمون به من خيرات بفضل إبداعهم فيه، فماذا ننتظر من جيل فتح عينيه على مثل هذا الضرب الممنهج والمستمرّ لقيم العمل والتّميّز، والذي لا يرى حيث التفت سوى مظاهر الغشّ والاستهتار بالقانون؟ ولماذا نلوم هذا الجيل وننسى الأولياء الذين يقدّمون لمنظوريهم ما يلزم لتمويل عمليّات الغشّ بل وفيهم من يسعون بأنفسهم لتيسيرها؟ وماذا فعلت الوزارة أمام تنامي هذه الظّواهر، وهي التي تصرّ عاما بعد عام على معالجة الأعراض وتجاهل الأمراض."
كما شدد محدثنا على ان البرامج الدّراسيّة وطرق التقديم والتقييم في قطيعة تامّة مع ناشئتنا ومع خصوصيّاتها واهتماماتها وتطلّعاتها، إلى درجة أنّ هذه النّاشئة لم تعد ترى أيّ مبرّر لمجرّد المناقشة فضلا عن الرّفض أو التّمرّد، ولذلك نرى أنّ أعدادا متزايدة من التّلاميذ تتعامل مع مدرستها بمنطق الخضوع والمخاتلة، بعد أن فقدت كلّ أمل في تغيّر الأوضاع وبعد أن فقد فعل التّعلّم كلّ معنى لديها، وإنّه لخطب عظيم عند كلّ من يدرك.
كما يرى الخبراء في التربية أن هذه الظاهرة انتشرت في الاوساط المدرسية والجامعة على حد السواء وحتى في اعتى الجامعات التي تدرس اختصاصات حساسة ودقيقة كالعلوم والطب وغيرها رغم ان آفة الغش تتعارض مع القيم الاخلاقية ولها تداعيات خطيرة على المجتمع ومستقبل اجيال عدة لكن تبقى معالجتها محدودة ومناسبتية وفي اوقات معينة مثل امتحانات البكالوريا حيث يكثر الحديث والجدل حول الموضوع واساليب العقوبات التي ستسلطها سلط الاشراف ممثلة في وزارة التربية على كل ممتحن يلجأ الى الغش.
واجمع جلّهم على تطور اساليب الغش نتيجة التطور المتسارع للتكنولوجيات الحديثة هذا الى جانب تنقل الظاهرة من الفرد الى المجموعة حيث اصبحنا نسمع عن حالات غش جماعي يشترك فيها اكثر من طرف.
رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ علق على انتعاش ظاهرة الغش في منظومة الامتحانات قائلا:" تبعا لما اقر به السيد وزير التربية بخصوص تسريب امتحان الفلسفة لدورة جوان 2022 ونشره على شبكات التواصل الاجتماعي وبخصوص ظاهرة الغش في الامتحانات والتي أصبحت تتزعمها عصابات منظمة تعبر الجمعية التونسية على عجزها على ايجاد العبارات التي يمكن لها ان تصف بها خطورة الوضع في كل المستويات دون ان ننسى ضرب مصداقية المنظومة التربوية عموما والامتحانات الوطنية بالخصوص".
واعتبر الزهروني أن التركيز على الجوانب التقنية لا يكفي وحده لمعالجة الظاهرة، وستتعمق اكثر ان لم تتم معاجلتها بشكل جذري لان السبب الرئيسي في تفشي هذه الظاهرة يعود بالأساس الى عدم قدرة المنظومة على توفير المستوى المطلوب من التحصيل المعرفي لاجتياز الامتحان بنسبة معقولة من الاطمئنان على النجاح.
كما اشار رئيس الجمعية التونسية للأولياء إلى أن الحلول التقنية بجوانبها القانونية والتأديبية والزجرية ستزيد في الرفع في مستوى انعدام الثقة في المنظومة من طرف الاولياء والتلاميذ وفي تنمية الشعور عندهم بالتظلم وبالاستهداف من طرف سلطة الإشراف وكأنهم كلهم متهمون بالغش.
وأكد الزهروني على انعدام الوعي عند كل مستويات تسيير الدولة بالخطورة القصوى التي اصبحت تمثلها منظومتنا التربوية من خطورة على المجتمع التونسي في كل المجالات، مضيفا بان الحل في الاقتناع على المستوى السياسي من طرف هرم السلطة بضرورة الإسراع بإنقاذ الوضع ومقاطعة الصمت على الكارثة التي اصبحت تمثلها المنظومة التربوية انسانيا واجتماعيا واخلاقيا ومعرفيا واقتصاديا وثقافيا وامنيا.