إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد أن جرّده الأمر 117 من قوته عزل القضاة ينهي كل تأثير للقضاء الإداري!



تونس- الصباح 

ما زال قرار عزل 57 قاضيا بأمر رئاسي من رئيس الجمهورية قيس سعيد، يثير ردود فعل في الداخل والخارج حيث عبرت منظمات دولية عن قلقها مما وصفته بالانحراف بالديمقراطية، وبين كل هذه المواقف تبقى مواقف الهياكل المهنية للقضاة هي الأهم، ناهيك وأنها معنية مباشرة بقرارات العزل هذه..، ومن بين هذه القرارات نجد موقف اتحاد القضاة الإداريين الذي كان بيانه إلى الرأي العام لافتا، وخاصة عند تأكيده على الدور المحوري للمحكمة الإدارية في حماية مبدأ الشرعية وحماية ما استقر عليه فقه قضائها بخصوص إعفاء القضاة بصفة أحادية من طرف السلطة التنفيذية دون اتباع السلم التأديبي والجزائي وما ينطوي على ذلك من انحراف فادح بالإجراءات، وفق نص بيان اتحاد القضاة الإداريين.

وعلى عكس ما يعتقده البعض فان معركة قيس سعيد مع القضاء لم تنطلق في البداية بفتح جبهة القضاء العدلي بل كانت البداية بالقضاء الإداري عندما جرّد الأمر الرئاسي 117 الصادر في 22 سبتمبر الماضي، المحكمة الإدارية من أبرز اختصاصها وهو إمكانية الطعن أمامها على خلفية الانحراف بالسلطة حيث كان الطعن أمام المحكمة الإدارية آلية رقابة صارمة أمام كل القرارات الصادرة عن أجهزة رسمية للنظر في مدى انسجامها مع القوانين والدستور.

وحتى القضاة الذين تم عزلهم بقرار من وزير العدل آنذاك في حكومة "الترويكا" نور الدين البحيري في 2012 تمتعوا بآلية الطعن أمام المحكمة الإدارية وقد أنصفتهم بقرارات تاريخية قضت ببطلان قرار الاعفاء في حقهم واعادتهم الى العمل ولكن اغلب هذه القرارات لم تطبق بإرادة سياسية وتم تطبيقها في النهاية عندما تغيرت السلطة الحاكمة، ولكن القضاة المعزولين اليوم لا يتمتعون بإمكانية الطعن في قرار العزل أمام المحكمة الإدارية الا بعد استكمال الأبحاث الجزائية في حقهم والتي تم فتحها انطلاقا من تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل والتي استند اليها قيس سعيد في تفعيل قرار العزل.

 

رفض دون تأثير..

 

في بيانهم الأخير أكد اتحاد القضاة الإداريين، عن رفضه القاطع للأحكام الواردة في المرسوم الرئاسي عدد 35، والذي أصبحت لرئيس الدولة بمقتضاه صلاحية إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلق به ما يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره، مع عدم إمكانية الطعن في ذلك الأمر إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة للقاضي. واعتبر الاتحاد أن ما تضمنه المرسوم عدد 35 "يعد إنهاء لكل مقومات استقلال القاضي واستقلالية القضاء في حدودها الدنيا، وترهيبا للقضاة من شأنه تقويض دورهم كحماة للشرعية وللحقوق والحريات". كما استنكر عزل قضاة "بالشبهة أو حتى دون شبهة كإعفائهم من اجل مواقفهم واجتهاداتهم في تطبيق القانون، دون تمكينهم من الحد الأدنى من ضمانات الدفاع والمحاكمة العادلة، ومن حقهم الطبيعي في التقاضي الذي كرسه الدستور والمعاهدات الدولية". كما أعلن الاتحاد عن استعداد أعضائه لاتخاذ كل الخطوات النضالية التي يقتضيها استقلال القضاء والمؤسسات القضائية والسلامة الجسدية للقضاة، داعيا كافة الهياكل الى مواصلة الذود عن استقلالية السلط القضائية.

وكان المكتب التنفيذي لاتحاد القضاة الإداريين في فيفري الماضي قد اعتبر أن المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء هو في حكم المعدوم ولا عمل عليه، مطالبا القضاة المعينين بالصفة والقضاة المتقاعدين إلى عدم الاعتراف بهذا المجلس ومقاطعة أعماله، وقال إنّ المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء فاقد لأدنى مقومات استقلالية السلطة القضائية من ناحية الشكل والمضمون، منددا بحل المجلس الأعلى للقضاء ورافضا لأي تدخل في شأن القضاء..، كما أكد اتحاد القضاة الإداريين أن حالة الاستثناء لا تبرر المساس من البناء الدستوري للسلطة القضائية..

ورغم تعدد بيانات الهياكل المهنية وتصريحات القضاة الرافضة لقرارات رئيس الجمهورية الأخيرة، إلا أن القضاة لم يتحركوا ميدانيا للدفاع عن استقلالية القضاء أو لرفض قرارات العزل، حيث أن وجود بعض الأسماء في قائمة العزل ممن تعلقت بهم شبهات فساد قوية وتم تداولها لدى الرأي العام في وقت سابق مثل حالة الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد أو وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي والذي لاحقته اتهامات خطيرة حول التلاعب بملفات الإرهاب وبملابسات وحيثيات قضايا الاغتيال، حشر الجميع في الزاوية – وهو ما سعى له سعيد منذ البداية - وجعل حتى ردود الفعل تبدو محتشمة ولم تكن عاصفة كما كان متوقعا.. إلا أن نوايا الرئيس المعلنة لإصلاح القضاء لا تعني عدم وجود رغبة خفية في السيطرة على هذا الجهاز الحساس الذي خاض طوال تاريخه معركة مع كل الأنظمة المتعاقبة من اجل استقلالية حقيقية ولكن كل مرة يحول الاختراق السياسي دون هذا الإصلاح.

منية العرفاوي

 بعد أن جرّده الأمر 117 من قوته عزل القضاة ينهي كل تأثير للقضاء الإداري!



تونس- الصباح 

ما زال قرار عزل 57 قاضيا بأمر رئاسي من رئيس الجمهورية قيس سعيد، يثير ردود فعل في الداخل والخارج حيث عبرت منظمات دولية عن قلقها مما وصفته بالانحراف بالديمقراطية، وبين كل هذه المواقف تبقى مواقف الهياكل المهنية للقضاة هي الأهم، ناهيك وأنها معنية مباشرة بقرارات العزل هذه..، ومن بين هذه القرارات نجد موقف اتحاد القضاة الإداريين الذي كان بيانه إلى الرأي العام لافتا، وخاصة عند تأكيده على الدور المحوري للمحكمة الإدارية في حماية مبدأ الشرعية وحماية ما استقر عليه فقه قضائها بخصوص إعفاء القضاة بصفة أحادية من طرف السلطة التنفيذية دون اتباع السلم التأديبي والجزائي وما ينطوي على ذلك من انحراف فادح بالإجراءات، وفق نص بيان اتحاد القضاة الإداريين.

وعلى عكس ما يعتقده البعض فان معركة قيس سعيد مع القضاء لم تنطلق في البداية بفتح جبهة القضاء العدلي بل كانت البداية بالقضاء الإداري عندما جرّد الأمر الرئاسي 117 الصادر في 22 سبتمبر الماضي، المحكمة الإدارية من أبرز اختصاصها وهو إمكانية الطعن أمامها على خلفية الانحراف بالسلطة حيث كان الطعن أمام المحكمة الإدارية آلية رقابة صارمة أمام كل القرارات الصادرة عن أجهزة رسمية للنظر في مدى انسجامها مع القوانين والدستور.

وحتى القضاة الذين تم عزلهم بقرار من وزير العدل آنذاك في حكومة "الترويكا" نور الدين البحيري في 2012 تمتعوا بآلية الطعن أمام المحكمة الإدارية وقد أنصفتهم بقرارات تاريخية قضت ببطلان قرار الاعفاء في حقهم واعادتهم الى العمل ولكن اغلب هذه القرارات لم تطبق بإرادة سياسية وتم تطبيقها في النهاية عندما تغيرت السلطة الحاكمة، ولكن القضاة المعزولين اليوم لا يتمتعون بإمكانية الطعن في قرار العزل أمام المحكمة الإدارية الا بعد استكمال الأبحاث الجزائية في حقهم والتي تم فتحها انطلاقا من تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل والتي استند اليها قيس سعيد في تفعيل قرار العزل.

 

رفض دون تأثير..

 

في بيانهم الأخير أكد اتحاد القضاة الإداريين، عن رفضه القاطع للأحكام الواردة في المرسوم الرئاسي عدد 35، والذي أصبحت لرئيس الدولة بمقتضاه صلاحية إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلق به ما يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره، مع عدم إمكانية الطعن في ذلك الأمر إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة للقاضي. واعتبر الاتحاد أن ما تضمنه المرسوم عدد 35 "يعد إنهاء لكل مقومات استقلال القاضي واستقلالية القضاء في حدودها الدنيا، وترهيبا للقضاة من شأنه تقويض دورهم كحماة للشرعية وللحقوق والحريات". كما استنكر عزل قضاة "بالشبهة أو حتى دون شبهة كإعفائهم من اجل مواقفهم واجتهاداتهم في تطبيق القانون، دون تمكينهم من الحد الأدنى من ضمانات الدفاع والمحاكمة العادلة، ومن حقهم الطبيعي في التقاضي الذي كرسه الدستور والمعاهدات الدولية". كما أعلن الاتحاد عن استعداد أعضائه لاتخاذ كل الخطوات النضالية التي يقتضيها استقلال القضاء والمؤسسات القضائية والسلامة الجسدية للقضاة، داعيا كافة الهياكل الى مواصلة الذود عن استقلالية السلط القضائية.

وكان المكتب التنفيذي لاتحاد القضاة الإداريين في فيفري الماضي قد اعتبر أن المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء هو في حكم المعدوم ولا عمل عليه، مطالبا القضاة المعينين بالصفة والقضاة المتقاعدين إلى عدم الاعتراف بهذا المجلس ومقاطعة أعماله، وقال إنّ المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء فاقد لأدنى مقومات استقلالية السلطة القضائية من ناحية الشكل والمضمون، منددا بحل المجلس الأعلى للقضاء ورافضا لأي تدخل في شأن القضاء..، كما أكد اتحاد القضاة الإداريين أن حالة الاستثناء لا تبرر المساس من البناء الدستوري للسلطة القضائية..

ورغم تعدد بيانات الهياكل المهنية وتصريحات القضاة الرافضة لقرارات رئيس الجمهورية الأخيرة، إلا أن القضاة لم يتحركوا ميدانيا للدفاع عن استقلالية القضاء أو لرفض قرارات العزل، حيث أن وجود بعض الأسماء في قائمة العزل ممن تعلقت بهم شبهات فساد قوية وتم تداولها لدى الرأي العام في وقت سابق مثل حالة الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد أو وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي والذي لاحقته اتهامات خطيرة حول التلاعب بملفات الإرهاب وبملابسات وحيثيات قضايا الاغتيال، حشر الجميع في الزاوية – وهو ما سعى له سعيد منذ البداية - وجعل حتى ردود الفعل تبدو محتشمة ولم تكن عاصفة كما كان متوقعا.. إلا أن نوايا الرئيس المعلنة لإصلاح القضاء لا تعني عدم وجود رغبة خفية في السيطرة على هذا الجهاز الحساس الذي خاض طوال تاريخه معركة مع كل الأنظمة المتعاقبة من اجل استقلالية حقيقية ولكن كل مرة يحول الاختراق السياسي دون هذا الإصلاح.

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews