* عضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: المدرسة التونسية توقفت عن أن تكون مصعدا اجتماعيا
* مختص في علم الاجتماع: هنالك خلل هيكلي وظيفي في المجتمع تترجمه أزمة قيم
تونس-الصباح
استفحلت وبشكل يرتقي الى مرتبة الداء أو الورم الذي يصعب استئصاله ظاهرة الأمية في بلادنا.. هذه المعضلة التي تزحف تدريجيا في ظل وجود عوامل تساهم في تغذيتها لعل أهمها ظاهرة التسرب أو الانقطاع المدرسي التي ساهمت بشكل أو بأخر في ارتفاع منسوب العنف وارتفاع مستوى الجريمة ..
في هذا الخصوص تشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية (استنادا الى بيان صادر عن الوزارة بتاريخ جانفي 2022) الى أن نسبة الأمية في تونس تبلغ 17,7 بالمائة أي ما يعادل مليوني أمي وهي نسبة مستقرة مقارنة بالسنوات الماضية حيث كشفت الإحصائيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة الأمية تقدر بـ17.7 في المائة وذلك استنادا الى آخر مسح وطني لعام 2019. .
ومع ذلك تظل النسبة مرتفعة مقارنة بالجهود المبذولة في هذا الإطار، حيث أكد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي على هامش بيان الوزارة الصادر بتاريخ جانفي الماضي على مزيد بذل الجهود للحد من انتشار الأمية والحد من ظاهرة التسرب المدرسي مؤكدا أن محاربة الأمية مسؤولية وطنية مشتركة بين كل الأطراف.. غير أن هذه النسبة الرسمية –على أهميتها- يرى كثيرون أنها مرجحة للارتفاع خلال السنوات المقبلة في ظل هيمنة وسيطرة عديد العوامل لعل أبرزها استفحال معضلة الانقطاع المدرسي من سنة الى أخرى وتراجع جملة من المفاهيم كالثقافة والوعي الجماعي الأمر الذي من شانه أن تكون له تداعيات خطيرة لاحقا..
في هذا الإطار لا يمكن الخوض في مسالة الأمية دون التطرق الى آفة التسرب المدرسي التي تنخر سنويا المنظومة التربوية حيث يتفق كثيرون على أننا مقبلون خلال السنوات القادمة على نسب مهولة تعكس ارتفاع ظاهرة الأمية بما أن العديد من الخبراء يرون أن هذه المعضلة تغذيها بشكل كبير ظاهرة الانقطاع المدرسي.
التسرب رافد من روافد الأمية
وفي هذا السياق أورد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين في تصريح أمس لـ"الصباح" انه ورغم مجهودات الدولة للقضاء على الأمية إلا أن هذه الظاهرة تتغذى وبشكل رئيسي بما وصفه "لغز الانقطاع المدرسي".
وفسر محدثنا في هذا الإطار أن نسبة الأمية مستقرة في حدود 18 و19 بالمائة هذه النسبة التي تعززت باستفحال ظاهرة التسرب المدرسي.
وكشف في هذا الخصوص أن آخر الأرقام تشير الى نسبة الانقطاع في التعليم الابتدائي تقدر بـ 1 بالمائة أي ما يعادل 10 آلاف تلميذ منقطع عن الدراسة في المرحلة الابتدائية رغم أن إجمالي عدد التلاميذ في هذه المرحلة يقدر بمليون طفل. أما في المرحلة الإعدادية فان أعلى نسبة من التسرب المدرسي تسجل في السنة السابعة حيث بلغت نسبة الانقطاع المدرسي في هذا المستوى حوالي 45 بالمائة. كما تسجل أيضا أعلى نسبة من الانقطاع في المرحلة الثانوية في السنة الأولى من التعليم الثانوي حيث تقدر النسبة بـ 48 بالمائة. وفي هذا الإطار أشار محدثنا الى ذروة الانقطاع المدرسي تم رصدها في السنوات التي تعكس انتقالا من مرحلة تعليمية الى أخرى موضحا من جانب آخر الى أن ظاهرة الانقطاع المدرسي هي ظاهرة ذكورية بامتياز حيث تشير الأرقام الى ان ثلثي المنقطعين ذكور والثلث الآخر إناث. أما عن العدد السنوي للمنقطعين كشف محدثنا أن الأرقام المسجلة تشير تقريبا الى تسجيل 108 آلاف منقطع سنويا..
ولدى تطرقه الى خصائص المنقطعين عن الدراسة أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أكثر من 92 بالمائة منهم ينتمون الى الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة وفقرا وهو ما يؤشر الى أن المدرسة التونسية بصدد إعادة إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية التي افرزها المنوال التنموي مشيرا الى أن المدرسة أضحت تسير نحو السّلعنة حيث أخضعت الى معايير اقتصاد السوق وبالتالي فان من لديه إمكانيات يدرس ومن ليس لديه لا يدرس.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تدعيم التسرب المدرسي وبالتالي تعزيز نسبة الأمية تطرق محدثنا الى وجود ما يقارب 500 ألف مدرسة تفتقر الى الماء الصالح للشرب وحتى الى وحدات صحية تحترم حرمة الجسد وهو ما يدفع بالفتيات الى الانقطاع المدرسي مشيرا الى أن المدرسة التونسية توقفت عن أن تكون مصعدا اجتماعيا كما توقفت عن انتاج خدمات للتنمية.
هذه الوضعية ساهمت من وجهة نظر منير حسين في ارتفاع نسبة الأمية رغم مجهودات الدولة الكبيرة للقضاء عليها منذ الاستقلال على اعتبار أن التسرب المدرسي من الروافد الهامة التي تغذي آفة الأمية.
من جهة أخرى وبعيدا عن ظاهرة التسرب المدرسي التي تعتبر رافدا هاما من روافد الأمية تشير عديد التقارير والدراسات الى أن ارتفاع معدلات الأمية يعكس ارتفاعا في منسوب العنف ومستويات الجريمة.
وفي تفاعله مع هذا الطرح أورد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح أمس لـ"الصباح" ان هذا الطرح لا يستقيم على اعتبار انه في بعض دول العالم على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد نسبة أمية ضئيلة للغاية إلا أن نسب الجريمة مرتفعة جدا حتى ان بعض المدن في أمريكيا تعرف بارتفاع مستوى الجريمة ومنسوب العنف فيها مؤكدا أن المسالة ترتبط وتقترن أساسا بالوعي المجتمعي.
وفسر عز الدين أن غالبية الشعب التونسي في القرون الماضية كان أميا غير أننا لم نشهد من قبل ارتفاعا في مستوى الجريمة مقارنة بما يحدث اليوم وبالتالي فانه لا يوجد من وجهة نظره علاقة بين ارتفاع نسبة الأمية وارتفاع مستوى الجريمة.
وأشار في هذا الخصوص الى وجود خلل هيكلي يتمظهر في عدم وجود علاقة بالوظائف مع المؤسسات وأوضح في هذا الإطار أن المؤسسات التربوية هدفها الجوهري نشر التعليم والمعرفة والرقي في كل المجالات غير أنها أضحت تنتج سنويا آلاف المنقطعين عن الدراسة الذي يجدون الشارع ملاذا لهم في ظل غياب أدني تكوين لهم الأمر الذي قد يكون وازعا لارتكاب الجريمة.
أمية ثقافية؟؟
من جانب آخر أوضح المختص في علم الاجتماع أن الأمية ليست بالضرورة أمية أبجدية وإنما قد تكون الأمية ثقافية معرجا في هذا الإطار على قضية الدجال "بلقاسم" التي غزت مؤخرا الرأي العام بما ان ضحاياه من الجامعيات.. واعتبر عز الدين في هذا الاتجاه أن هذه القضية عكست وجود أمية ثقافية وتصحرا فكريا بما أن ضحاياه ورغم أنهم مستوى باكالوريا فما فوق إلا أنهم انساقوا وراء هذا التيار قائلا :" حقيقة هنالك خلل هيكلي وظيفي في المجتمع تترجمه أزمة قيم وتراجع في قيم العمل والاجتهاد مقابل ارتفاع في قيم الاستهلاك الاشهارية أي كل القيم التي تقترن بالمصلحة الفردية وبالتالي فإننا نعاني من أزمة قيم وأزمة مؤسسات".
وفي نفس الإطار وبالعودة الى مرد ارتفاع نسبة الأمية رغم الجهود التي تبذلها الدولة منذ الاستقلال أورد محدثنا أن المؤسسة التربوية لم تعد تقوم بدورها على الوجه المطلوب أي أن هنالك ما يسمي بالخلل الهيكلي في الوظيفة التربوية. وفسر عز الدين أن المدرسة كانت بمثابة الحلم لجيل الثمانينات والتسعينات بما أنها تقوم بدورها كمصعد اجتماعي إلا أن المفاهيم انقلبت ولم تعد المدرسة اليوم مطلقا مصعدا اجتماعيا وهو ما يترجمه الآلاف الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل.
في هذا الخضم وبالعودة الى نسبة الأمية المعلن عنها سلفا والمرجحة للارتفاع في السنوات القادمة وفقا لعديد الخبراء يتضح ان السياسات التعليمية الفاشلة هي المتهم الرئيسي بما أنها قادت على مدار السنوات الماضية الى ارتفاع "مقلق" في نسبة الأمية . ولان التعليم هو المقياس الرئيسي لتطور الشعوب ونموها وازدهارها ولان تونس تعرف ومنذ الاستقلال كبلد راهن على التعليم فانه يتعين اليوم على جميع المهتمين والمتداخلين في الشأن التربوي من سلطة إشراف ونقابات ومنظمات مجتمع مدني أن يدقوا ناقوس الخطر وان يطالبوا بحوار وطني لإيقاف نزيف التسرب المدرسي الذي يرتفع بدوره من سنة الى أخرى. كما يتعين على سلطة الإشراف أن تأخذ على محمل الجد الأقسام التي تمثل الذروة في عدد المتسربين وان تسعى بما أن هذه الأقسام تشهد انتقالا من مرحلة تعليمية الى أخرى الى إدخال إصلاحات أو تعديلات أو لم لا تفعيل قاطرة الإصلاح التربوي التي تعثرت منذ سنوات.. لا بد من حلول جوهرية وعدا ذلك فان تونس بارتفاع نسبة الأمية وارتفاع مؤشرات التسرب المدرسي من شانها ان تخسر مكانتها كبلد راهن منذ الاستقلال على التعليم والتنوير.. كما لا يستقيم الحديث عن تنمية أو تقدم في بلد يعاني من الأمية والانقطاع المدرسي ..
منال حرزي
* عضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: المدرسة التونسية توقفت عن أن تكون مصعدا اجتماعيا
* مختص في علم الاجتماع: هنالك خلل هيكلي وظيفي في المجتمع تترجمه أزمة قيم
تونس-الصباح
استفحلت وبشكل يرتقي الى مرتبة الداء أو الورم الذي يصعب استئصاله ظاهرة الأمية في بلادنا.. هذه المعضلة التي تزحف تدريجيا في ظل وجود عوامل تساهم في تغذيتها لعل أهمها ظاهرة التسرب أو الانقطاع المدرسي التي ساهمت بشكل أو بأخر في ارتفاع منسوب العنف وارتفاع مستوى الجريمة ..
في هذا الخصوص تشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية (استنادا الى بيان صادر عن الوزارة بتاريخ جانفي 2022) الى أن نسبة الأمية في تونس تبلغ 17,7 بالمائة أي ما يعادل مليوني أمي وهي نسبة مستقرة مقارنة بالسنوات الماضية حيث كشفت الإحصائيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة الأمية تقدر بـ17.7 في المائة وذلك استنادا الى آخر مسح وطني لعام 2019. .
ومع ذلك تظل النسبة مرتفعة مقارنة بالجهود المبذولة في هذا الإطار، حيث أكد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي على هامش بيان الوزارة الصادر بتاريخ جانفي الماضي على مزيد بذل الجهود للحد من انتشار الأمية والحد من ظاهرة التسرب المدرسي مؤكدا أن محاربة الأمية مسؤولية وطنية مشتركة بين كل الأطراف.. غير أن هذه النسبة الرسمية –على أهميتها- يرى كثيرون أنها مرجحة للارتفاع خلال السنوات المقبلة في ظل هيمنة وسيطرة عديد العوامل لعل أبرزها استفحال معضلة الانقطاع المدرسي من سنة الى أخرى وتراجع جملة من المفاهيم كالثقافة والوعي الجماعي الأمر الذي من شانه أن تكون له تداعيات خطيرة لاحقا..
في هذا الإطار لا يمكن الخوض في مسالة الأمية دون التطرق الى آفة التسرب المدرسي التي تنخر سنويا المنظومة التربوية حيث يتفق كثيرون على أننا مقبلون خلال السنوات القادمة على نسب مهولة تعكس ارتفاع ظاهرة الأمية بما أن العديد من الخبراء يرون أن هذه المعضلة تغذيها بشكل كبير ظاهرة الانقطاع المدرسي.
التسرب رافد من روافد الأمية
وفي هذا السياق أورد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين في تصريح أمس لـ"الصباح" انه ورغم مجهودات الدولة للقضاء على الأمية إلا أن هذه الظاهرة تتغذى وبشكل رئيسي بما وصفه "لغز الانقطاع المدرسي".
وفسر محدثنا في هذا الإطار أن نسبة الأمية مستقرة في حدود 18 و19 بالمائة هذه النسبة التي تعززت باستفحال ظاهرة التسرب المدرسي.
وكشف في هذا الخصوص أن آخر الأرقام تشير الى نسبة الانقطاع في التعليم الابتدائي تقدر بـ 1 بالمائة أي ما يعادل 10 آلاف تلميذ منقطع عن الدراسة في المرحلة الابتدائية رغم أن إجمالي عدد التلاميذ في هذه المرحلة يقدر بمليون طفل. أما في المرحلة الإعدادية فان أعلى نسبة من التسرب المدرسي تسجل في السنة السابعة حيث بلغت نسبة الانقطاع المدرسي في هذا المستوى حوالي 45 بالمائة. كما تسجل أيضا أعلى نسبة من الانقطاع في المرحلة الثانوية في السنة الأولى من التعليم الثانوي حيث تقدر النسبة بـ 48 بالمائة. وفي هذا الإطار أشار محدثنا الى ذروة الانقطاع المدرسي تم رصدها في السنوات التي تعكس انتقالا من مرحلة تعليمية الى أخرى موضحا من جانب آخر الى أن ظاهرة الانقطاع المدرسي هي ظاهرة ذكورية بامتياز حيث تشير الأرقام الى ان ثلثي المنقطعين ذكور والثلث الآخر إناث. أما عن العدد السنوي للمنقطعين كشف محدثنا أن الأرقام المسجلة تشير تقريبا الى تسجيل 108 آلاف منقطع سنويا..
ولدى تطرقه الى خصائص المنقطعين عن الدراسة أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أكثر من 92 بالمائة منهم ينتمون الى الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة وفقرا وهو ما يؤشر الى أن المدرسة التونسية بصدد إعادة إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية التي افرزها المنوال التنموي مشيرا الى أن المدرسة أضحت تسير نحو السّلعنة حيث أخضعت الى معايير اقتصاد السوق وبالتالي فان من لديه إمكانيات يدرس ومن ليس لديه لا يدرس.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تدعيم التسرب المدرسي وبالتالي تعزيز نسبة الأمية تطرق محدثنا الى وجود ما يقارب 500 ألف مدرسة تفتقر الى الماء الصالح للشرب وحتى الى وحدات صحية تحترم حرمة الجسد وهو ما يدفع بالفتيات الى الانقطاع المدرسي مشيرا الى أن المدرسة التونسية توقفت عن أن تكون مصعدا اجتماعيا كما توقفت عن انتاج خدمات للتنمية.
هذه الوضعية ساهمت من وجهة نظر منير حسين في ارتفاع نسبة الأمية رغم مجهودات الدولة الكبيرة للقضاء عليها منذ الاستقلال على اعتبار أن التسرب المدرسي من الروافد الهامة التي تغذي آفة الأمية.
من جهة أخرى وبعيدا عن ظاهرة التسرب المدرسي التي تعتبر رافدا هاما من روافد الأمية تشير عديد التقارير والدراسات الى أن ارتفاع معدلات الأمية يعكس ارتفاعا في منسوب العنف ومستويات الجريمة.
وفي تفاعله مع هذا الطرح أورد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح أمس لـ"الصباح" ان هذا الطرح لا يستقيم على اعتبار انه في بعض دول العالم على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد نسبة أمية ضئيلة للغاية إلا أن نسب الجريمة مرتفعة جدا حتى ان بعض المدن في أمريكيا تعرف بارتفاع مستوى الجريمة ومنسوب العنف فيها مؤكدا أن المسالة ترتبط وتقترن أساسا بالوعي المجتمعي.
وفسر عز الدين أن غالبية الشعب التونسي في القرون الماضية كان أميا غير أننا لم نشهد من قبل ارتفاعا في مستوى الجريمة مقارنة بما يحدث اليوم وبالتالي فانه لا يوجد من وجهة نظره علاقة بين ارتفاع نسبة الأمية وارتفاع مستوى الجريمة.
وأشار في هذا الخصوص الى وجود خلل هيكلي يتمظهر في عدم وجود علاقة بالوظائف مع المؤسسات وأوضح في هذا الإطار أن المؤسسات التربوية هدفها الجوهري نشر التعليم والمعرفة والرقي في كل المجالات غير أنها أضحت تنتج سنويا آلاف المنقطعين عن الدراسة الذي يجدون الشارع ملاذا لهم في ظل غياب أدني تكوين لهم الأمر الذي قد يكون وازعا لارتكاب الجريمة.
أمية ثقافية؟؟
من جانب آخر أوضح المختص في علم الاجتماع أن الأمية ليست بالضرورة أمية أبجدية وإنما قد تكون الأمية ثقافية معرجا في هذا الإطار على قضية الدجال "بلقاسم" التي غزت مؤخرا الرأي العام بما ان ضحاياه من الجامعيات.. واعتبر عز الدين في هذا الاتجاه أن هذه القضية عكست وجود أمية ثقافية وتصحرا فكريا بما أن ضحاياه ورغم أنهم مستوى باكالوريا فما فوق إلا أنهم انساقوا وراء هذا التيار قائلا :" حقيقة هنالك خلل هيكلي وظيفي في المجتمع تترجمه أزمة قيم وتراجع في قيم العمل والاجتهاد مقابل ارتفاع في قيم الاستهلاك الاشهارية أي كل القيم التي تقترن بالمصلحة الفردية وبالتالي فإننا نعاني من أزمة قيم وأزمة مؤسسات".
وفي نفس الإطار وبالعودة الى مرد ارتفاع نسبة الأمية رغم الجهود التي تبذلها الدولة منذ الاستقلال أورد محدثنا أن المؤسسة التربوية لم تعد تقوم بدورها على الوجه المطلوب أي أن هنالك ما يسمي بالخلل الهيكلي في الوظيفة التربوية. وفسر عز الدين أن المدرسة كانت بمثابة الحلم لجيل الثمانينات والتسعينات بما أنها تقوم بدورها كمصعد اجتماعي إلا أن المفاهيم انقلبت ولم تعد المدرسة اليوم مطلقا مصعدا اجتماعيا وهو ما يترجمه الآلاف الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل.
في هذا الخضم وبالعودة الى نسبة الأمية المعلن عنها سلفا والمرجحة للارتفاع في السنوات القادمة وفقا لعديد الخبراء يتضح ان السياسات التعليمية الفاشلة هي المتهم الرئيسي بما أنها قادت على مدار السنوات الماضية الى ارتفاع "مقلق" في نسبة الأمية . ولان التعليم هو المقياس الرئيسي لتطور الشعوب ونموها وازدهارها ولان تونس تعرف ومنذ الاستقلال كبلد راهن على التعليم فانه يتعين اليوم على جميع المهتمين والمتداخلين في الشأن التربوي من سلطة إشراف ونقابات ومنظمات مجتمع مدني أن يدقوا ناقوس الخطر وان يطالبوا بحوار وطني لإيقاف نزيف التسرب المدرسي الذي يرتفع بدوره من سنة الى أخرى. كما يتعين على سلطة الإشراف أن تأخذ على محمل الجد الأقسام التي تمثل الذروة في عدد المتسربين وان تسعى بما أن هذه الأقسام تشهد انتقالا من مرحلة تعليمية الى أخرى الى إدخال إصلاحات أو تعديلات أو لم لا تفعيل قاطرة الإصلاح التربوي التي تعثرت منذ سنوات.. لا بد من حلول جوهرية وعدا ذلك فان تونس بارتفاع نسبة الأمية وارتفاع مؤشرات التسرب المدرسي من شانها ان تخسر مكانتها كبلد راهن منذ الاستقلال على التعليم والتنوير.. كما لا يستقيم الحديث عن تنمية أو تقدم في بلد يعاني من الأمية والانقطاع المدرسي ..