إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شخصيات وطنية "اختفت" بجرة قلم من سعيد!

تونس – الصباح

لم يغيّر مسار 25 جويلية، وبشكل عميق، ملامح المشهد السياسي فقط، ولم يكتف رئيس الجمهورية قيس سعيد بوضع قواعد جديدة للعبة السياسية منسجمة مع مزاجه وتفكيره وتترجم رؤيته لتسيير الدولة أو لتنظيم الحكم، حيث نجح وبجرة قلم ودون تردد ورغم الاحتجاجات والمعارضة والاستياء في المضي قدما في خياراته.. ولكن مسار التغيير الجذري الذي انتهجه رئيس الجمهورية لم يرسم فقط واقعا سياسيا جديدا بل إن سياسية "التطهير" التي كان ينادي بها بدعوى تخليص الدولة من مراكز النفوذ والأذرع القوية نجحت في "الإطاحة" بشخصيات كان لها حضورها وتأثيرها ونفوذها في المشهد، رغم أن بعض هذه الشخصيات لاحقتها الشبهات والاتهامات إلا أن الأغلبية لم تثبت في شأنها أي تهمة..

اختفاء.. انسحاب ومحاولات يائسة للاستمرار

ومن بين هذه الشخصيات التي كان لها تأثير قوي في المشهد السياسي نجد رئيس البرلمان المنحل، راشد الغنوشي الذي يحتكر قطب الصراع السياسي مع قيس سعيد، ولكن منذ تجميد البرلمان مرورا بحله بقرار من رئيس الجمهورية وصولا الى اليوم، تقلص نفوذ وقوة الغنوشي في المشهد السياسي رغم محاولاته المستميتة في الدفاع عن موقعه كزعيم للمعارضة السياسية التي تواجه ما يصفه الغنوشي "انقلابا على الشرعية الدستورية"  ولكن هذه المواجهة مع قيس سعيد والمتواصلة منذ شهر جويلية لم تغير موازين القوى لصالحه ولم تحقق نتائج تذكر، خاصة مع إسناد ودعم محتشم من الشارع، ومن بقية القوى السياسية المعارضة الأخرى والمختلفة مع توجهات النهضة الفكرية والأيديولوجية والتي ترفض أن تتحالف مع راشد الغنوشي وحزبه، في مواجهة خيارات مسار 25 جويلية، وحتى أغلب الكتل النيابة تخلت عن راشد الغنوشي بل وحملته مسؤولية ما حصل في 25 جويلية وبعضها يطرح اليوم مسألة عودة البرلمان مقابل تنازل الغنوشي على رئاسته .

من الشخصيات السياسية الأخرى التي اختفت من المشهد ومنذ اللحظة الأولى لمسار 25 جويلية نجد رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي غاب تماما عن المشهد وانزوى بعيدا عن كل ما يحدث بعد تقديمه لاستقالته دون شرح لأسباب الاستقالة تلك، وهل انه فعلا تم إجباره عليها؟ خاصة وأن جزءا من فشل منظومة ما قبل الإجراءات الاستثنائية والتي استدعت تفعيل الفصل 80 وفق تعليل رئيس الجمهورية، يتحمله هشام المشيشي وحكومته التي كانت إدارتها لملف جائحة كورونا من أبرز عناوين فشل تلك الحكومة التي اختفى كل أعضائها من المشهد تماما بعد إعلان مرحلة التدابير الاستثنائية .

ومن الشخصيات السياسية التي تضررت بشكل مباشر من مسار 25 جويلية وتم تشويهها بشكل كبير نجد الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد الذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، رغم أن الطبيب سبق أن تمت إقالته من طرف رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في أوت 2020 وتعويضه بالقاضي عماد بوخريص الذي اختفى بدوره بعد إعلان إجراءات 25 جويلية وتطويق هيئة مكافحة الفساد وحجز كل وثائقها بالقوة العامة، وعند إقالة شوقي الطبيب لم توضح الحكومة أسباب ذلك، وأتى قرار الإقالة بعد إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح إلى القضاء من طرف الفخفاخ.. وبعد وضعه لمدة طويلة تحت الإقامة الجبرية وموجة التعاطف الكبيرة مع العميد السابق للمحامين شوقي الطبيب تم رفع قرار الإقامة الجبرية دون أن تثبت في حقه كل تلك التهم التي تم الترويج لها على شبكات التواصل الاجتماعي ليختفي بدوره من المشهد بعد بذلك .

متلازمة نائب الرئيس ..

ولم يكن مصير رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر أفضل من مصير العميد السابق للمحامين شوقي الطبيب، حيث بعد معركة تواصلت لأشهر بين القضاة ورئيس الجمهورية الذي طالما اتهم القضاء بالتقاعس والتستر على الجرائم وعدم القيام بدوره في ملاحقة الفاسدين ومحاسبة من أجرم في حق الشعب، نجح رئيس الجمهورية في حل المجلس الأعلى للقضاء بقيادة بوزاخر وتعيين مجلس جديد اختار الرئيس حوالي نصف أعضائه رغم المحاولات المستميتة لجمعية القضاة في الدفاع عن استقلالية مجلس القضاء عن السلطة السياسية وتمسك بوزاخر بشرعيته كرئيس ولكنه في النهاية أُجبر على القبول بالواقع الجديد وانسحب بدوره من المشهد.. ونفس الأمر ينسحب على رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابق نبيل بفون الذي أقاله الرئيس قيس سعيد بعد تغييره للمرسوم المؤسس للهيئة العليا للانتخابات وتعيينه لتركيبتها ليخلفه في منصبه على رأس الهيئة نائبه فاروق بوعسكر.

ومتلازمة نائب الرئيس لم تتوقف عند بفون الذي خسر منصبه لصالح نائبه، حيث بلغ الأمر اتحاد الفلاحين عندما ظهرت منذ البداية علاقة الجفاء والفتور بين رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد عبد المجيد الزار بسبب انتمائه لحركة النهضة المعلن، حيث انشق عنه في الأيام الأخير نائبه نور الدين بن عياد المنتخب كرئيس بديل  للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وقد صرّح بن عياد أن رئيس الجمهورية قيس سعيد طلب منه، حرفيا، أن يقوموا بتطهير المنظمة من شخص رئيسها عبد المجيد الزار، وفق تعبيره، وانتخاب بن عياد أثار أزمة داخل المنظمة وبعد سحب الثقة من الزار لأنه رفض الاستقالة، وتوجهه الى القضاء للطعن في قرار انتخاب الزار، رغم أن خليفته نور الدين أكد أن شبهات الفساد التي تحوم حوله هي شبهات مؤكدة لدى رئيس الجمهورية قيس سعيد.

وبالإضافة الى هذه الانسحابات المفروضة أو الاضطرارية، تمت منذ 25 جويلية إقالة عدد كبير من الولاة والمعتمدين وآخرهم إقالة 42 معتمدا في شكل استقالة وهي الإقالات الأكبر منذ الثورة والتي تمت دفعة واحدة.. وكل ذلك يتنزل في سياسة التطهير التي أعلنها رئيس الجمهورية دون أن يعلن عن معايير واضحة لها إذ أن الأغلبية الساحقة لهذه الإقالات المباشرة أو المقنعة تتم بشكل آحادي وبقرار من الرئيس قيس سعيد .

منية العرفاوي

شخصيات وطنية "اختفت" بجرة قلم من سعيد!

تونس – الصباح

لم يغيّر مسار 25 جويلية، وبشكل عميق، ملامح المشهد السياسي فقط، ولم يكتف رئيس الجمهورية قيس سعيد بوضع قواعد جديدة للعبة السياسية منسجمة مع مزاجه وتفكيره وتترجم رؤيته لتسيير الدولة أو لتنظيم الحكم، حيث نجح وبجرة قلم ودون تردد ورغم الاحتجاجات والمعارضة والاستياء في المضي قدما في خياراته.. ولكن مسار التغيير الجذري الذي انتهجه رئيس الجمهورية لم يرسم فقط واقعا سياسيا جديدا بل إن سياسية "التطهير" التي كان ينادي بها بدعوى تخليص الدولة من مراكز النفوذ والأذرع القوية نجحت في "الإطاحة" بشخصيات كان لها حضورها وتأثيرها ونفوذها في المشهد، رغم أن بعض هذه الشخصيات لاحقتها الشبهات والاتهامات إلا أن الأغلبية لم تثبت في شأنها أي تهمة..

اختفاء.. انسحاب ومحاولات يائسة للاستمرار

ومن بين هذه الشخصيات التي كان لها تأثير قوي في المشهد السياسي نجد رئيس البرلمان المنحل، راشد الغنوشي الذي يحتكر قطب الصراع السياسي مع قيس سعيد، ولكن منذ تجميد البرلمان مرورا بحله بقرار من رئيس الجمهورية وصولا الى اليوم، تقلص نفوذ وقوة الغنوشي في المشهد السياسي رغم محاولاته المستميتة في الدفاع عن موقعه كزعيم للمعارضة السياسية التي تواجه ما يصفه الغنوشي "انقلابا على الشرعية الدستورية"  ولكن هذه المواجهة مع قيس سعيد والمتواصلة منذ شهر جويلية لم تغير موازين القوى لصالحه ولم تحقق نتائج تذكر، خاصة مع إسناد ودعم محتشم من الشارع، ومن بقية القوى السياسية المعارضة الأخرى والمختلفة مع توجهات النهضة الفكرية والأيديولوجية والتي ترفض أن تتحالف مع راشد الغنوشي وحزبه، في مواجهة خيارات مسار 25 جويلية، وحتى أغلب الكتل النيابة تخلت عن راشد الغنوشي بل وحملته مسؤولية ما حصل في 25 جويلية وبعضها يطرح اليوم مسألة عودة البرلمان مقابل تنازل الغنوشي على رئاسته .

من الشخصيات السياسية الأخرى التي اختفت من المشهد ومنذ اللحظة الأولى لمسار 25 جويلية نجد رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي غاب تماما عن المشهد وانزوى بعيدا عن كل ما يحدث بعد تقديمه لاستقالته دون شرح لأسباب الاستقالة تلك، وهل انه فعلا تم إجباره عليها؟ خاصة وأن جزءا من فشل منظومة ما قبل الإجراءات الاستثنائية والتي استدعت تفعيل الفصل 80 وفق تعليل رئيس الجمهورية، يتحمله هشام المشيشي وحكومته التي كانت إدارتها لملف جائحة كورونا من أبرز عناوين فشل تلك الحكومة التي اختفى كل أعضائها من المشهد تماما بعد إعلان مرحلة التدابير الاستثنائية .

ومن الشخصيات السياسية التي تضررت بشكل مباشر من مسار 25 جويلية وتم تشويهها بشكل كبير نجد الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد الذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، رغم أن الطبيب سبق أن تمت إقالته من طرف رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في أوت 2020 وتعويضه بالقاضي عماد بوخريص الذي اختفى بدوره بعد إعلان إجراءات 25 جويلية وتطويق هيئة مكافحة الفساد وحجز كل وثائقها بالقوة العامة، وعند إقالة شوقي الطبيب لم توضح الحكومة أسباب ذلك، وأتى قرار الإقالة بعد إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح إلى القضاء من طرف الفخفاخ.. وبعد وضعه لمدة طويلة تحت الإقامة الجبرية وموجة التعاطف الكبيرة مع العميد السابق للمحامين شوقي الطبيب تم رفع قرار الإقامة الجبرية دون أن تثبت في حقه كل تلك التهم التي تم الترويج لها على شبكات التواصل الاجتماعي ليختفي بدوره من المشهد بعد بذلك .

متلازمة نائب الرئيس ..

ولم يكن مصير رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر أفضل من مصير العميد السابق للمحامين شوقي الطبيب، حيث بعد معركة تواصلت لأشهر بين القضاة ورئيس الجمهورية الذي طالما اتهم القضاء بالتقاعس والتستر على الجرائم وعدم القيام بدوره في ملاحقة الفاسدين ومحاسبة من أجرم في حق الشعب، نجح رئيس الجمهورية في حل المجلس الأعلى للقضاء بقيادة بوزاخر وتعيين مجلس جديد اختار الرئيس حوالي نصف أعضائه رغم المحاولات المستميتة لجمعية القضاة في الدفاع عن استقلالية مجلس القضاء عن السلطة السياسية وتمسك بوزاخر بشرعيته كرئيس ولكنه في النهاية أُجبر على القبول بالواقع الجديد وانسحب بدوره من المشهد.. ونفس الأمر ينسحب على رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابق نبيل بفون الذي أقاله الرئيس قيس سعيد بعد تغييره للمرسوم المؤسس للهيئة العليا للانتخابات وتعيينه لتركيبتها ليخلفه في منصبه على رأس الهيئة نائبه فاروق بوعسكر.

ومتلازمة نائب الرئيس لم تتوقف عند بفون الذي خسر منصبه لصالح نائبه، حيث بلغ الأمر اتحاد الفلاحين عندما ظهرت منذ البداية علاقة الجفاء والفتور بين رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد عبد المجيد الزار بسبب انتمائه لحركة النهضة المعلن، حيث انشق عنه في الأيام الأخير نائبه نور الدين بن عياد المنتخب كرئيس بديل  للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وقد صرّح بن عياد أن رئيس الجمهورية قيس سعيد طلب منه، حرفيا، أن يقوموا بتطهير المنظمة من شخص رئيسها عبد المجيد الزار، وفق تعبيره، وانتخاب بن عياد أثار أزمة داخل المنظمة وبعد سحب الثقة من الزار لأنه رفض الاستقالة، وتوجهه الى القضاء للطعن في قرار انتخاب الزار، رغم أن خليفته نور الدين أكد أن شبهات الفساد التي تحوم حوله هي شبهات مؤكدة لدى رئيس الجمهورية قيس سعيد.

وبالإضافة الى هذه الانسحابات المفروضة أو الاضطرارية، تمت منذ 25 جويلية إقالة عدد كبير من الولاة والمعتمدين وآخرهم إقالة 42 معتمدا في شكل استقالة وهي الإقالات الأكبر منذ الثورة والتي تمت دفعة واحدة.. وكل ذلك يتنزل في سياسة التطهير التي أعلنها رئيس الجمهورية دون أن يعلن عن معايير واضحة لها إذ أن الأغلبية الساحقة لهذه الإقالات المباشرة أو المقنعة تتم بشكل آحادي وبقرار من الرئيس قيس سعيد .

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews