إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صلح جزائي متعثّر وقانون جديد للمصادرة.. متى تنتهي تعقيدات استرجاع المال العام المنهوب؟ !

 

ما زال ملف استرجاع الأموال المنهوبة من المال العام يراوح مكانه دون تقدّم، فكما فشل مرسوم المصادرة بعد كل هذه السنوات في إعادة ما نُهب من أموال ومكتسبات تعتبر من مقدّرات الشعب التونسي، فإن تجربة الصلح الجزائي لم تحقق إلى اليوم أية نتيجة تذكر، حيث أكّد رئيس الجمهورية في زيارته الأخير لمقرّ لجنة المصادرة أن البعض قد نهب المليارات من المال العام ولكنه إلى اليوم مازال يعرض مبالغ هزيلة لقاء تمتّعه بالصلح، وهذا الفشل الذي رافق لجنة الصلح الجزائي في تحقيق مهامها التي حاولت من خلالها تدارك الفشل الذي تركته لجنة المصادرة وخاصة لجنة التصرّف في الأملاك المصادرة، تسعى اليوم الحكومة لتفاديه وإنجاح تجربة الصلح الجزائي وكذلك إنعاش خيار المصادرة بإجراءات جديدة تم التطرّق لها في المجلس الوزاري المضيّق الذي انعقد أوّل أمس ..

حيث أشرف رئيس الحكومة كمال المدّوري على مجلس وزاري مضيّق خصّص للنظر في النسخة الأولية لمشروع قانون يتعلق بمصادرة الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة واسترجاعها والتصرّف فيها وذلك في متابعة لمدى تقدّم تنفيذ القرارات الصّادرة عن المجلس الوزاري المضيّق المنعقد في نوفمبر الماضي والمخصّص لمتابعة التّصرف في الأموال والممتلكات المعنيّة بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدّولة.

رئيس الحكومة أشار في مستهّل الاجتماع الوزاري إلى أنّ ملف الأملاك المصادرة يكتسي أولويّة قصوى تتطلّب وبصفة عاجلة إقرار إجراءات فعّالة وناجعة، تكفل أنجع السّبل للمحافظة على العقارات والمنقولات والأموال المصادرة واستغلالها الاستغلال الأمثل بما يضمن حوكمة التصرّف فيها. ويهدف هذا القانون وفق بلاغ رئاسة الحكومة إلى معالجة جملة الإشكاليات والثغرات القانونية والتعقيدات وطول الإجراءات وتعدد اللّجان من خلال إرساء حوكمة أنجع وضمانات قانونية وإجرائية تكفل حق الدّولة وتتلاءم مع المعايير الدّولية لمكافحة الفساد. ولا يمكن إنكار في هذا السياق أن مسألة تعدّد اللجان كانت من بين أسباب فشل مسار المصادرة وعدم تحقيقه لأهدافه..

الصلح الجزائي.. إلى أين؟

تم مؤخّرا، تعيين رئيسة لجنة الصلح الجزائي مشكاة سلامة الخالدي وزيرة جديدة للمالية، دون أن يتم تعويضها على رأس اللجنة إلى حدّ كتابة هذه الأسطر، هذه اللجنة التي مرّت بثلاثة أطوار وتم التمديد في أجال عملها أكثر من مرّة وتنقيح القانون المنظمّ لها، لم تحقق إلى اليوم نتائج ملموسة على مستوى الصلح الجزائي بما دعا بعدد من النواب مؤخرا في البرلمان إلى المطالبة مجدّدا بمزيد التساهل وتبسيط الإجراءات لفائدة طالبي الصلح، حيث أكد النائب ياسين مامي في تصريحات إعلامية أنه مر عام على تنقيح قانون الصلح الجزائي مضيفا أن لجنة الصلح استلمت خلال فترة توليها مهامها من مارس إلى سبتمبر 2024 ما يقارب 370 ملف صلح جزائي ولم تتمكن سوى من حسم حوالي 80 ملفا بسبب ضيق الوقت والإجراءات، كما اقترح ياسين مامي التمديد في عمل لجنة الصلح الجزائي أحد الحلول لحسم هذا الملف نهائيا مع الكشف المحيّن لنتائج عمل اللجنة ومدى تحقيقها للنتائج المطلوبة.

وقد شهد ملف الصلح الجزائي، منذ صدور المرسوم عدد 13 لسنة 2022 والمتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، على مستوى الإجراءات والقرارات تطورات ومستجدات ولكنه على مستوى النتائج والمآلات مازال الملف يراوح مكانه رغم التمديد في عمل اللجنة المكلفة بالصلح الجزائي وتغيير تركيبتها أكثر من مرة، وحسب المرسوم المنظّم لعمل لجنة الصلح الجزائي قبل تنقيحه، فإن عمل اللجنة انتهى في نوفمبر 2023 بعد التمديد لها بستّة أشهر، ثم بعد ذلك تم تنقيح القانون وتشكيل لجنة جديدة في مارس الماضي، ورغم أنه في تنقيح القانون حاول المشرّع تذليل أغلب الصعوبات الإجرائية ومنحها كل الوسائل القانونية للقيام بعملها بشكل ناجز وناجع، إلا أنه إلى اليوم لم تظهر نتائج هذا العمل ولم يتم الإعلان عن أية عائدات حققتها اللجنة من العائدات المتوقعة والتي قدّرت في وقت سابق بـ 13 مليار دينار .

تعود فكرة لجنة الصلح الجزائي إلى مقترح تقدّم به رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل توليه الرئاسة وتحديدا في سنة 2012 حيث اقترح إبرام صلح جزائي مع المتورطين ويكون ذلك في إطار قضائي، حيث يتم ترتيب المعنيين ترتيبا تنازليا بحسب المبالغ المحكوم بها عليهم ويتم ترتيب المعتمديات ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا ويتعهد كل محكوم عليه بإنجاز المشاريع التي يطالب بها الأهالي في كل معتمدية (طرق، مؤسسات استشفائية، مؤسسات تربوية) وذلك تحت إشراف لجان جهوية تتولى المراقبة والتنسيق، على أن لا يتم إبرام الصلح النهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر ما يفيد إنجازه للمشاريع في حدود المبالغ المحكوم بها عليه.

رهان على انجاز مسار الصلح الجزائي

ورغم رهان الدولة وحرص رئاسة الجمهورية على انجاز مسار الصلح الجزائي إلا أن هناك من يعتبر أن الصلح الجزائي من المستبعد أن يعيد الأموال المنهوبة أو يعيد التوازنات المالية للخزينة العامة وحلّ مشاكل البلاد الاقتصادية، وأن هذا الصلح كان يمكن أن ينجح في السنوات التي تلت الثورة مباشرة ولكن اليوم يواجه صعوبات لعدة اعتبارات..، إلا أن رئيس الجمهورية صرّح أكثر من مرة أن الدولة التونسية لا تسعى إلى التنكيل بأحد ولكنها تسعى إلى استرجاع حق الشعب في الأموال والمقدّرات التي نُهبت منه، مع إعطاء فرصة جديدة للمعنيين بالصلح الجزائي للعودة إلى سالف عملهم آمنين بعيدا عن كل ابتزاز.. وذلك لمحاولة طمأنة رجال الأعمال بضرورة القبول بالصلح الجزائي لأن اليوم ليس هناك بديل آخر، علما أن عددا من رجال الأعمال ملاحقون اليوم قضائيا بتهم مختلفة ذات طابع مالي واقتصادي وبعضهم في السجن، وقبولهم بالصلح الجزائي هو بمثابة الفرصة الثانية لاستعادة نشاطهم الاقتصادي على أن يقبلوا بالصلح .

والى جانب تنقيح القانون كان هناك حرص رسمي أيضا لتسهيل عمل اللجنة من طرف الحكومة حيث نصّ المنشور الحكومي عدد 9 لسنة 2023 على ضرورة  تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من الملفات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية وبالأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية والتي أنتجت ضررا ماليا بالدولة .

ورغم هذا الحرص الرسمي ومحاولة تذليل كل العقبات إلا أنه إلى اليوم لم يتم الإعلام عن تنفيذ أي اتفاق لهذا الصلح الجزائي يستطيع تحقيق عائدات للدولة ومازالت أغلب الملفات لم تكتمل بعد لتكون جاهزة لإبرام الصلح رغم كل التسهيلات الإجرائية ، إلا أن هناك من مختصين يرون أن هناك موافقة من عدد من رجال الأعمال للانخراط في هذا الصلح الجزائي ولكن الأمر يستدعي إطلاق سراح من أبدى استعداد للانخراط في هذا الصلح ورفع التجميد على ممتلكاته وبعد ذلك في حال عدم الالتزام باتفاق الصلح وفق المبلغ المقترح والمدة الزمنية تتم مصادرة أملاك المتهرّب من الصلح الجزائي.

منية العرفاوي

صلح جزائي متعثّر وقانون جديد للمصادرة..   متى تنتهي تعقيدات استرجاع المال العام المنهوب؟ !

 

ما زال ملف استرجاع الأموال المنهوبة من المال العام يراوح مكانه دون تقدّم، فكما فشل مرسوم المصادرة بعد كل هذه السنوات في إعادة ما نُهب من أموال ومكتسبات تعتبر من مقدّرات الشعب التونسي، فإن تجربة الصلح الجزائي لم تحقق إلى اليوم أية نتيجة تذكر، حيث أكّد رئيس الجمهورية في زيارته الأخير لمقرّ لجنة المصادرة أن البعض قد نهب المليارات من المال العام ولكنه إلى اليوم مازال يعرض مبالغ هزيلة لقاء تمتّعه بالصلح، وهذا الفشل الذي رافق لجنة الصلح الجزائي في تحقيق مهامها التي حاولت من خلالها تدارك الفشل الذي تركته لجنة المصادرة وخاصة لجنة التصرّف في الأملاك المصادرة، تسعى اليوم الحكومة لتفاديه وإنجاح تجربة الصلح الجزائي وكذلك إنعاش خيار المصادرة بإجراءات جديدة تم التطرّق لها في المجلس الوزاري المضيّق الذي انعقد أوّل أمس ..

حيث أشرف رئيس الحكومة كمال المدّوري على مجلس وزاري مضيّق خصّص للنظر في النسخة الأولية لمشروع قانون يتعلق بمصادرة الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة واسترجاعها والتصرّف فيها وذلك في متابعة لمدى تقدّم تنفيذ القرارات الصّادرة عن المجلس الوزاري المضيّق المنعقد في نوفمبر الماضي والمخصّص لمتابعة التّصرف في الأموال والممتلكات المعنيّة بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدّولة.

رئيس الحكومة أشار في مستهّل الاجتماع الوزاري إلى أنّ ملف الأملاك المصادرة يكتسي أولويّة قصوى تتطلّب وبصفة عاجلة إقرار إجراءات فعّالة وناجعة، تكفل أنجع السّبل للمحافظة على العقارات والمنقولات والأموال المصادرة واستغلالها الاستغلال الأمثل بما يضمن حوكمة التصرّف فيها. ويهدف هذا القانون وفق بلاغ رئاسة الحكومة إلى معالجة جملة الإشكاليات والثغرات القانونية والتعقيدات وطول الإجراءات وتعدد اللّجان من خلال إرساء حوكمة أنجع وضمانات قانونية وإجرائية تكفل حق الدّولة وتتلاءم مع المعايير الدّولية لمكافحة الفساد. ولا يمكن إنكار في هذا السياق أن مسألة تعدّد اللجان كانت من بين أسباب فشل مسار المصادرة وعدم تحقيقه لأهدافه..

الصلح الجزائي.. إلى أين؟

تم مؤخّرا، تعيين رئيسة لجنة الصلح الجزائي مشكاة سلامة الخالدي وزيرة جديدة للمالية، دون أن يتم تعويضها على رأس اللجنة إلى حدّ كتابة هذه الأسطر، هذه اللجنة التي مرّت بثلاثة أطوار وتم التمديد في أجال عملها أكثر من مرّة وتنقيح القانون المنظمّ لها، لم تحقق إلى اليوم نتائج ملموسة على مستوى الصلح الجزائي بما دعا بعدد من النواب مؤخرا في البرلمان إلى المطالبة مجدّدا بمزيد التساهل وتبسيط الإجراءات لفائدة طالبي الصلح، حيث أكد النائب ياسين مامي في تصريحات إعلامية أنه مر عام على تنقيح قانون الصلح الجزائي مضيفا أن لجنة الصلح استلمت خلال فترة توليها مهامها من مارس إلى سبتمبر 2024 ما يقارب 370 ملف صلح جزائي ولم تتمكن سوى من حسم حوالي 80 ملفا بسبب ضيق الوقت والإجراءات، كما اقترح ياسين مامي التمديد في عمل لجنة الصلح الجزائي أحد الحلول لحسم هذا الملف نهائيا مع الكشف المحيّن لنتائج عمل اللجنة ومدى تحقيقها للنتائج المطلوبة.

وقد شهد ملف الصلح الجزائي، منذ صدور المرسوم عدد 13 لسنة 2022 والمتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، على مستوى الإجراءات والقرارات تطورات ومستجدات ولكنه على مستوى النتائج والمآلات مازال الملف يراوح مكانه رغم التمديد في عمل اللجنة المكلفة بالصلح الجزائي وتغيير تركيبتها أكثر من مرة، وحسب المرسوم المنظّم لعمل لجنة الصلح الجزائي قبل تنقيحه، فإن عمل اللجنة انتهى في نوفمبر 2023 بعد التمديد لها بستّة أشهر، ثم بعد ذلك تم تنقيح القانون وتشكيل لجنة جديدة في مارس الماضي، ورغم أنه في تنقيح القانون حاول المشرّع تذليل أغلب الصعوبات الإجرائية ومنحها كل الوسائل القانونية للقيام بعملها بشكل ناجز وناجع، إلا أنه إلى اليوم لم تظهر نتائج هذا العمل ولم يتم الإعلان عن أية عائدات حققتها اللجنة من العائدات المتوقعة والتي قدّرت في وقت سابق بـ 13 مليار دينار .

تعود فكرة لجنة الصلح الجزائي إلى مقترح تقدّم به رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل توليه الرئاسة وتحديدا في سنة 2012 حيث اقترح إبرام صلح جزائي مع المتورطين ويكون ذلك في إطار قضائي، حيث يتم ترتيب المعنيين ترتيبا تنازليا بحسب المبالغ المحكوم بها عليهم ويتم ترتيب المعتمديات ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا ويتعهد كل محكوم عليه بإنجاز المشاريع التي يطالب بها الأهالي في كل معتمدية (طرق، مؤسسات استشفائية، مؤسسات تربوية) وذلك تحت إشراف لجان جهوية تتولى المراقبة والتنسيق، على أن لا يتم إبرام الصلح النهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر ما يفيد إنجازه للمشاريع في حدود المبالغ المحكوم بها عليه.

رهان على انجاز مسار الصلح الجزائي

ورغم رهان الدولة وحرص رئاسة الجمهورية على انجاز مسار الصلح الجزائي إلا أن هناك من يعتبر أن الصلح الجزائي من المستبعد أن يعيد الأموال المنهوبة أو يعيد التوازنات المالية للخزينة العامة وحلّ مشاكل البلاد الاقتصادية، وأن هذا الصلح كان يمكن أن ينجح في السنوات التي تلت الثورة مباشرة ولكن اليوم يواجه صعوبات لعدة اعتبارات..، إلا أن رئيس الجمهورية صرّح أكثر من مرة أن الدولة التونسية لا تسعى إلى التنكيل بأحد ولكنها تسعى إلى استرجاع حق الشعب في الأموال والمقدّرات التي نُهبت منه، مع إعطاء فرصة جديدة للمعنيين بالصلح الجزائي للعودة إلى سالف عملهم آمنين بعيدا عن كل ابتزاز.. وذلك لمحاولة طمأنة رجال الأعمال بضرورة القبول بالصلح الجزائي لأن اليوم ليس هناك بديل آخر، علما أن عددا من رجال الأعمال ملاحقون اليوم قضائيا بتهم مختلفة ذات طابع مالي واقتصادي وبعضهم في السجن، وقبولهم بالصلح الجزائي هو بمثابة الفرصة الثانية لاستعادة نشاطهم الاقتصادي على أن يقبلوا بالصلح .

والى جانب تنقيح القانون كان هناك حرص رسمي أيضا لتسهيل عمل اللجنة من طرف الحكومة حيث نصّ المنشور الحكومي عدد 9 لسنة 2023 على ضرورة  تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من الملفات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية وبالأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية والتي أنتجت ضررا ماليا بالدولة .

ورغم هذا الحرص الرسمي ومحاولة تذليل كل العقبات إلا أنه إلى اليوم لم يتم الإعلام عن تنفيذ أي اتفاق لهذا الصلح الجزائي يستطيع تحقيق عائدات للدولة ومازالت أغلب الملفات لم تكتمل بعد لتكون جاهزة لإبرام الصلح رغم كل التسهيلات الإجرائية ، إلا أن هناك من مختصين يرون أن هناك موافقة من عدد من رجال الأعمال للانخراط في هذا الصلح الجزائي ولكن الأمر يستدعي إطلاق سراح من أبدى استعداد للانخراط في هذا الصلح ورفع التجميد على ممتلكاته وبعد ذلك في حال عدم الالتزام باتفاق الصلح وفق المبلغ المقترح والمدة الزمنية تتم مصادرة أملاك المتهرّب من الصلح الجزائي.

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews