إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مسرحية "لعفرّتة" في عرضها ما قبل الأول.. طرح سؤال حول قدرة الفن الملتزم على الاستمرار في مجتمع لا يأبه بالضرورة لدوره

 

شهدت قاعة الفن الرابع بالعاصمة، مساء الأربعاء، العرض ما قبل الأول لمسرحية «لعفرّته» بحضور عدد هام من المسرحيين ومن عشاق المسرح. والمسرحية الجديدة الحاصلة على دعم من وزارة الشؤون الثقافية من إخراج يوسف مارس، وشارك في تأليفها نور الدين الهمامي.

وقد جسّد كل من نور الدين الهمامي ومنى الشنوفي ولطفي الناجح ووجدي الحداد وياسمين الشكيلي الأدوار على الركح ليقترحوا على الجمهور مجموعة من الأفكار والهواجس حول مكانة الفن الملتزم في مجتمعات لا يجد فيها عموماً دعماً كبيراً، إضافة إلى خوضه الدائم  للصراع مع السلطة.

والسلطة، خاصة في العالم المتخلف، تخشى من كل فكر نقدي، وكل محاولة للتوعية والتنبيه والتحذير، وهي من صلب مهام الفن الملتزم. ولنا أن نشير إلى أن فرقاً موسيقية ومسرحية عانت طيلة فترات الاستبداد السياسي الذي عرفته تونس من محاولات التضييق والتعتيم، حتى أن الأمور تصل أحياناً مع شعراء ومبدعين إلى الملاحقة القضائية بسبب أفكارهم.

وينطلق العمل المسرحي من حكاية مجموعة فنية ملتزمة واجهت المصادرة والمنع ، وطبعا التهميش والتعتيم، ليطرح موضوع الصراع بين الفن الملتزم والسلطة.

و»العفرّته» مصطلح يُستعمل في تونس كثيراً (جمع «عفريت»)، ويطلق هذا المصطلح في قالب صفة للإنسان المتغطرس والماكر والمخادع، كما تُستعمل أحياناً بشكل إيجابي عندما تدل على الإنسان الذكي وسريع البديهة. ومع العنوان باللهجة التونسية «لعفرّته»، أرفق المخرج عنواناً للعمل باللغة الإنجليزية «Whisper» ليؤكد أن ما يكون في البداية همساً يمكن أن يتحول إلى صرخة مدوية عندما تجتمع الأسباب التي تتيح الخروج من حالة كتمان الغضب إلى وضعية مختلفة حيث يصبح لا مكان للصمت.

واختار المخرج يوسف مارس أن يقدم عرضاً بلا ديكور، حيث كان الركح فارغاً، وهو خيار جمالي يسعى إلى تعميق الإحساس بالفراغ. والفراغ في العرض يمكن أن يكون معبراً عن الإقصاء أو التهميش والتجاهل الذي عاشه الفنانون الملتزمون، فكان الركح فضاءً مجرداً من الديكور ليفسح المجال للممثلين لاحتلال كامل المساحة. فأجساد الممثلين وأصواتهم وكلماتهم هي الأدوات الأساسية في تجسيد هذا العمل ركحياً. وقد استطاع الممثلون بأدائهم المقنع إثارة فضول الجمهور وجعله يتفاعل مع عملية الأداء، لأن الممثلين حولوا ببساطة الركح إلى مساحة صاخبة وفضاء للجدال وحتى الصراعات.

وواضح أن المخرج يوسف مارس أراد أن يثير أسئلة ملحّة حول دور الفنان في مواجهة القمع وحول حدود حرية التعبير، وخاصة حول قدرة الكلمة الحرة على الصمود في وجه محاولات التطويق وكتم الحريات. ومن خلال «لعفرّته» يطرح العمل أسئلة كثيرة ما زالت تُصدم بها الملاحظات، وهي: هل ينتهي القمع بتغيير النظام السياسي، أم أنه يأخذ أشكالاً أخرى، وأنه يعود دائماً ليتجسد في عدة أشكال، بما فيها القمع المجتمعي؟

يمكن للجمهور المهتم أن يتلقى هذه المسرحية على أنها «صرخة» من أجل إنقاذ الفن الملتزم والإقرار بأهمية الفنانين الذين يرفضون الخنوع رغم محاولات الإقصاء ورغم المتاعب. إنها دعوة إلى الإقرار بأن الفن الملتزم هو أداة لتبديد العتمة وأنه يبقى صامداً رغم كل محاولات التعتيم والتهميش، ورغم كل ما يواجهه الفنان الملتزم من مشاكل تؤثر أحياناً سلبياً على وضعه الاجتماعي.

إنه عمل لا يثقل كثيراً على الجمهور، وإنما مقاصده واضحة، وهو يجعل هذا الجمهور شريكاً لأنه يتوجه إليه بشكل مباشر ويدفعه إلى المشاركة في طرح الأسئلة المؤرقة على غرار: هل تظل الكلمة الحرة سلاحاً ضد كل محاولات التدجين؟ وهل يمكن للكلمة الحرة أن تصمد وأن تبقى في مجتمع لا يبدو أن مثل هذه الأسئلة تشغله كثيراً في خضم انغماسه في مشاكل الحياة اليومية؟

السؤال كذلك: إلى أي درجة يمكن أن يستمر الفن الملتزم في تونس، وهو الذي كان عبارة عن جرعات من الأوكسجين خلال فترات الاستبداد السياسي التي مرت بها البلاد، في مجتمع منشغل تماماً عن أسئلة الفن، وخاصة أسئلة الفن الملتزم؟

إلى أي درجة يمكن أن تستمر الفرق الموسيقية والفرق المسرحية والفنانون التشكيليون والشعراء وغيرهم في ممارسة فن ملتزم بالقيم، ويحمل رسائل توعوية، في الاضطلاع بدوره في إيقاظ الضمائر في مجتمع قد لا يكون بالضرورة مهتماً بهذا الدور؟

 

◗ س.ت

مسرحية "لعفرّتة" في عرضها ما قبل الأول..   طرح سؤال حول قدرة الفن الملتزم على الاستمرار في مجتمع لا يأبه بالضرورة لدوره

 

شهدت قاعة الفن الرابع بالعاصمة، مساء الأربعاء، العرض ما قبل الأول لمسرحية «لعفرّته» بحضور عدد هام من المسرحيين ومن عشاق المسرح. والمسرحية الجديدة الحاصلة على دعم من وزارة الشؤون الثقافية من إخراج يوسف مارس، وشارك في تأليفها نور الدين الهمامي.

وقد جسّد كل من نور الدين الهمامي ومنى الشنوفي ولطفي الناجح ووجدي الحداد وياسمين الشكيلي الأدوار على الركح ليقترحوا على الجمهور مجموعة من الأفكار والهواجس حول مكانة الفن الملتزم في مجتمعات لا يجد فيها عموماً دعماً كبيراً، إضافة إلى خوضه الدائم  للصراع مع السلطة.

والسلطة، خاصة في العالم المتخلف، تخشى من كل فكر نقدي، وكل محاولة للتوعية والتنبيه والتحذير، وهي من صلب مهام الفن الملتزم. ولنا أن نشير إلى أن فرقاً موسيقية ومسرحية عانت طيلة فترات الاستبداد السياسي الذي عرفته تونس من محاولات التضييق والتعتيم، حتى أن الأمور تصل أحياناً مع شعراء ومبدعين إلى الملاحقة القضائية بسبب أفكارهم.

وينطلق العمل المسرحي من حكاية مجموعة فنية ملتزمة واجهت المصادرة والمنع ، وطبعا التهميش والتعتيم، ليطرح موضوع الصراع بين الفن الملتزم والسلطة.

و»العفرّته» مصطلح يُستعمل في تونس كثيراً (جمع «عفريت»)، ويطلق هذا المصطلح في قالب صفة للإنسان المتغطرس والماكر والمخادع، كما تُستعمل أحياناً بشكل إيجابي عندما تدل على الإنسان الذكي وسريع البديهة. ومع العنوان باللهجة التونسية «لعفرّته»، أرفق المخرج عنواناً للعمل باللغة الإنجليزية «Whisper» ليؤكد أن ما يكون في البداية همساً يمكن أن يتحول إلى صرخة مدوية عندما تجتمع الأسباب التي تتيح الخروج من حالة كتمان الغضب إلى وضعية مختلفة حيث يصبح لا مكان للصمت.

واختار المخرج يوسف مارس أن يقدم عرضاً بلا ديكور، حيث كان الركح فارغاً، وهو خيار جمالي يسعى إلى تعميق الإحساس بالفراغ. والفراغ في العرض يمكن أن يكون معبراً عن الإقصاء أو التهميش والتجاهل الذي عاشه الفنانون الملتزمون، فكان الركح فضاءً مجرداً من الديكور ليفسح المجال للممثلين لاحتلال كامل المساحة. فأجساد الممثلين وأصواتهم وكلماتهم هي الأدوات الأساسية في تجسيد هذا العمل ركحياً. وقد استطاع الممثلون بأدائهم المقنع إثارة فضول الجمهور وجعله يتفاعل مع عملية الأداء، لأن الممثلين حولوا ببساطة الركح إلى مساحة صاخبة وفضاء للجدال وحتى الصراعات.

وواضح أن المخرج يوسف مارس أراد أن يثير أسئلة ملحّة حول دور الفنان في مواجهة القمع وحول حدود حرية التعبير، وخاصة حول قدرة الكلمة الحرة على الصمود في وجه محاولات التطويق وكتم الحريات. ومن خلال «لعفرّته» يطرح العمل أسئلة كثيرة ما زالت تُصدم بها الملاحظات، وهي: هل ينتهي القمع بتغيير النظام السياسي، أم أنه يأخذ أشكالاً أخرى، وأنه يعود دائماً ليتجسد في عدة أشكال، بما فيها القمع المجتمعي؟

يمكن للجمهور المهتم أن يتلقى هذه المسرحية على أنها «صرخة» من أجل إنقاذ الفن الملتزم والإقرار بأهمية الفنانين الذين يرفضون الخنوع رغم محاولات الإقصاء ورغم المتاعب. إنها دعوة إلى الإقرار بأن الفن الملتزم هو أداة لتبديد العتمة وأنه يبقى صامداً رغم كل محاولات التعتيم والتهميش، ورغم كل ما يواجهه الفنان الملتزم من مشاكل تؤثر أحياناً سلبياً على وضعه الاجتماعي.

إنه عمل لا يثقل كثيراً على الجمهور، وإنما مقاصده واضحة، وهو يجعل هذا الجمهور شريكاً لأنه يتوجه إليه بشكل مباشر ويدفعه إلى المشاركة في طرح الأسئلة المؤرقة على غرار: هل تظل الكلمة الحرة سلاحاً ضد كل محاولات التدجين؟ وهل يمكن للكلمة الحرة أن تصمد وأن تبقى في مجتمع لا يبدو أن مثل هذه الأسئلة تشغله كثيراً في خضم انغماسه في مشاكل الحياة اليومية؟

السؤال كذلك: إلى أي درجة يمكن أن يستمر الفن الملتزم في تونس، وهو الذي كان عبارة عن جرعات من الأوكسجين خلال فترات الاستبداد السياسي التي مرت بها البلاد، في مجتمع منشغل تماماً عن أسئلة الفن، وخاصة أسئلة الفن الملتزم؟

إلى أي درجة يمكن أن تستمر الفرق الموسيقية والفرق المسرحية والفنانون التشكيليون والشعراء وغيرهم في ممارسة فن ملتزم بالقيم، ويحمل رسائل توعوية، في الاضطلاع بدوره في إيقاظ الضمائر في مجتمع قد لا يكون بالضرورة مهتماً بهذا الدور؟

 

◗ س.ت

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews