❞ رغبة الأغلبية داخل البرلمان في وضع مجلة بيئية جديدة وجامعة تستجيب لمقتضيات دستور 2022 ❝
بعد استماعها منذ 18 جويلية 2024 إلى النواب أصحاب مقترح القانون عدد 54 لسنة 2024 المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة، قررت لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة بتركيبتها الجديدة، استئناف النظر في هذه المبادرة التشريعية التي هي عبارة عن مجلة جامعة للنصوص المتعلقة بحماية البيئة والمحيط وتهدف إلى تنزيل أحكام دستور 2022 إقرار جملة من الضوابط العامة الرامية إلى تلافي كل ما من شأنه الإضرار بالمحيط والموارد الطبيعية حفاظا على الصحة العامة والتنوع البيولوجي وحقوق الأجيال القادمة.
ومن المنتظر أن تعقد اللجنة التي يرأسها النائب غير المنتمي إلى كتل شكري البحري اليوم الثلاثاء 11 فيفري 2025 جلسة استماع إلى وزير البيئة حول هذه المبادرة التشريعية. وكان الوزير تحدث مؤخرا عن مآل مشروع مجلة البيئة الذي أعدته الحكومة وذلك خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب المنعقدة يوم الاثنين 20 جانفي 2025 للنظر في مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 25 جوان 2024 بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل القسط السادس من البرنامج الوطني لربط عدد من الأحياء السكنية بقنوات التطهير. وتعقيبا على النواب الذين استفسروا عن مآل مشروع مجلة البيئة، بين وزير البيئة يومها أنه يوجد فعلا مقترح في الغرض اشتغلت عليه الوزارة وذكر أنه خير معالجة الإشكاليات التي تقتضي إيجاد حلول استعجالية، وتعلق أولها بالإقامات والنزل الموجودة على الشريط الساحلي، حيث تبين أنه يوجد مشكل على مستوى تطبيق الفصل 23 لأن هذا الفصل يوجب على باعث الإقامة بعد خمس سنوات من تركيزه لمشروعه هدم هذه الإقامة وتقديم مطلب جديد للحصول على ترخيص، وذكر أنه غير موافق على هذا الأمر، وأشار إلى أن هناك نزلا تم تشييدها وبعد انتهاء مدة خمس سنوات رفض أصحابها هدمها وستتم تسوية وضعياتها وإتمام نشاطها، أما الإشكال الثاني فيهم ولاية قابس وهناك محاولة لوضع حد نهائي للتلوث الناجم عن مادة الفسفوجيبس وتثمين هذه المادة، وفسر الوزير أنه تم التوجه نحو منح الأولوية لصياغة بعض النصوص القانونية لمعالجة الوضعيات العالقة، وأفاد انه سيتم التدخل من أجل حماية الشريط الساحلي في قابس وأنه يجري العمل على انجاز المشاريع المعطلة، وذكر أن الموضوع الثاني الذي تشتغل عليه الوزارة يتعلق بدراسة المؤثرات على المحيط ولاحظ أن عديد الشركات لم تقم بالدراسات المطلوبة وستتم تسوية وضعياتها وهناك حسب قوله أشياء غير معقولة من قبيل مطالبة خيّاطة في حي سكني بتقديم دراسة حول المؤثرات البيئية لفضلات القماش والخيط وبين أنه تم إلغاء هذا الشرط وتم حذف قرابة 30 بالمائة من كراسات الشروط ورفع العديد من الإشكاليات وذكر أنه تم تقديم هذه المشاريع إلى رئاسة الحكومة.
ويذكر أن وزارة البيئة نشرت منذ غرة سبتمبر 2023 على صفحتها الرسمية معطيات حول حفل تكريم الأطراف المشاركة من مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية والدولية ومكونات المجتمع المدني في إعداد وبلورة وصياغة مشروع مجلة البيئة، وأن هذا المشروع يهدف إلى تجميع الترسانة القانونية والتشريعية البيئية في تونس من أجل تعزيز الحوكمة البيئية، وحماية المنظومات ومقاومة آثار التغيرات المناخية، ومقاومة الإضرار بالبيئة وتكريس المسؤولية المنجرة عن التجاوزات البيئية، وتمويل حماية البيئة في سياق الانتقال الإيكولوجي، من أجل حسن توظيفها في المجال البيئي وتطويعها لتكون أكثر ملاءمة للسياق العالمي وللتشريعات الدولية، وتولت الوزارة آنذاك نشر مشروع المجلة.
وأمام تأخر الحكومة في إحالة مشروع مجلة البيئة على مجلس نواب الشعب، بادر عدد من النواب في الصائفة الماضية بتقديم مقترح قانون لتجريم الاعتداءات على البيئة وتم في إطاره اقتراح إلغاء جميع القوانين ذات الصلة بحماية البيئة ومجلة مكافحة جرائم الاعتداء على البيئة والمحيط ومختلف النصوص القانونية المشابهة إضافة إلى القانون عدد 91 لسنة 1988 المتعلق بالوكالة الوطنية لحماية المحيط والقانون عدد 34 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 المتعلق بنوعية الهواء والقانون عدد 41 لسنة 1996 المتعلق بالنفايات ومراقبة التصرف فيها وإزالتها وتعويضها بمجلة جديدة.
تردي الوضع البيئي
خلال جلسة الاستماع إليهم من قبل لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، أطلق أصحاب مقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة صيحة فزع بسبب تردي الوضع البيئي في تونس، وجاء في محضر جلسة اللجنة المنعقدة يوم 18 جويلية الماضي، أن ممثلي جهة المبادرة:»بينوا أن مقترحهم يهدف إلى تعزيز آليات الحماية والتصدي للانفلات البيئي ووضع حد للاعتداءات على الموارد الطبيعية والأوساط الطبيعية والغابات والمحميات والشريط الساحلي وغيرها، كما يهدف إلى سدّ ثغرة تشريعية تمكّن الجهات المعنية من التدخّل عند الاقتضاء لردع المعتدين على البيئة والمحيط، وأن الغاية من مبادرتهم هي تجميع النصوص القانونية في شكل مجلّة لحماية البيئة، مع التوصية بضرورة تفعيل عديد القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدّولية التي صادقت عليها تونس، وذلك من أجل مقاومة الأخطار التي تهدّد المائدة المائية وتلوث التربة والاعتداء على المساحات الخضراء والمنتزهات والأراضي الفلاحية، إلى جانب مراقبة السلامة الجينية للمنتوجات الفلاحية ومياه الشرب من تداعيات النفايات المصنفة خطرة. كما دعت جهة المبادرة إلى تشريك المواطنين في حملات النظافة والتشجير ونشر الوعي البيئي بين الناشئة من خلال إدماجه في البرامج التعليمية ونوادي البيئة، إضافة إلى ضرورة تحميل المسؤولية للشركات الصّناعية والمصانع في مقاومة التلوّث الهوائي والغازات والمواد الكيميائية والآثار الجانبية للملاّحات وانعكاساتها على الثروة الحيوانية والغطاء النباتي والتنوع البيئي. في حين أشار أعضاء اللجنة إلى أن مقترح القانون المعروض عليهم يعدّ من المبادرات التشريعية التي تخدم الشأن العام الوطني وتسهم في الارتقاء بظروف عيش المواطنين وضمان جودة الحياة، وسيساهم في مقاومة الجرائم البيئية وردع المعتدين على الملك العمومي، ولاحظوا في نفس الوقت كثرة التشريعات والقوانين والاتفاقيات التي تعنى بالبيئة مقابل غياب الرّدع وتداخل المهامّ في ظلّ غياب التنسيق بين الأطراف المعنية. ودعا عدد من أعضاء اللجنة إلى ضرورة تعميق النظر في مقترح القانون بالاستعانة بالخبراء والمختصين والإطلاع على القوانين المقارنة.
وعبّر أصحاب المبادرة عن استعدادهم للاستفادة من المقترحات والملاحظات التي ستقدّمها اللجنة بغاية تحسين وتجويد صياغة مقترح القانون وإثرائه».
الحق في بيئة سليمة
وبالعودة إلى وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة يمكن الإشارة، إلى أن النواب أصحاب هذا المقترح ركزوا على أهمية دسترة حماية البيئة والحق في بيئة سليمة والحق في مناخ سليم والحق في الماء لأن ذلك حسب رأيهم يؤسس لمرحلة هامة على مستوى التطور القانوني وبينوا أن هذه الدسترة تقتضي توفير الوسائل القانونية المناسبة والناجعة لترجمة أحكام الدستور على أرض الواقع ولتفعيل المبادئ والتدابير المنصوص عليها في مختلف الاتفاقيات الدولية الجديدة المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والإحيائي وغيرها، وبالتالي لابد من ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية.
ويتمحور مقترح القانون حول خمسة أهداف رئيسية وهي تجميع النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة وتوحيدها، وتكوين إطار قانوني عام ومرجعي لجميع التشريعات ذات العلاقة بالبيئة وتجنب نسخ النصوص القانونية بتكرار فصول موجودة في أحد القوانين في قانون آخر وتيسير إطلاع مختلف الأطراف المتداخلة على القانون البيئي على غرار الضابطة العدلية والأجهزة التنفيذية المخولة لرفع المخالفات ومحاضر الاعتداء على البيئة، فضلا عن المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في محيط سليم.
تنزيل الدستور
وتم تقديم مقترح القانون المتعلق بمكافحة الجرائم الاعتداء على البيئة من قبل نواب ينتمون إلى عدة كتل وهو ما يدل على رغبة الأغلبية داخل البرلمان في وضع مجلة بيئية جديدة وجامعة تستجيب لمقتضيات دستور 2022 وتراعي الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية، وضمت قائمة الموقعين عليه إلى جانب النائب عادل ضياف النائب عن «كتلة صوت الجمهورية» وعن دائرة سيدي حسين بالعاصمة النواب آمال المؤدب وأحمد السعيداني ومحمد علي وخالد حكيم مبروكي ومحمود العامري وعبد الحافظ الوحيشي وغسان يامون وصالح الصيادي وثابت العابد ومحمد ضو وريم الصغير ولطفي الهمامي وحمادي غيلاني وأسماء الدرويش والمنصف المعلول ووليد الحاجي وصابر الجلاصي ومنير الكموني ونبيه ثابت ومحسن هرمي وشفيق الزعفوري وألفة المرواني.
وتضمن المقترح المذكور 17 فصلا موزعة على 6 أبواب وهي الآتي ذكرها: باب الأحكام العامة، باب في الحماية، باب تجريم الاعتداء على البيئة، باب أنواع الجرائم الضارة بالبيئة، باب العقوبات، باب الأحكام المختلفة. وتم تخصيص الباب الأول للتعريف بالمفاهيم، أما الباب الثاني فتضمن أحكاما من شأنها تحويل البيئة إلى قضية مجتمعية حيث يقتضي واجب حماية البيئة والمحيط، تضافر جهود كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في دفع كل ما من شأنه الإضرار بجميع الأوساط البيئية كما يجب الإشعار بكل ما من شأنه الإضرار بالبيئة والمحيط ويتعين على جميع الأطراف من مجتمع مدني ومواطنين وغيرهم ممن بلغ إلى علمهم وجود خطر محدق أو حاصل يهدد البيئة والمحيط التبليغ عنه، وفي المقابل يجب على كل من يلحق ضررا بالبيئة والمحيط تعويض قيمة الأضرار التي تسبب فيها لفائدة الدولة ويمكن أن يكون هذا التعويض ماديا أو عبر إعادة ما تم إتلافه إلى الحالة التي كان عليها. وتطرق الباب الثالث من مقترح القانون إلى العقوبات حيث تم بمقتضاه سحب مجال تطبيق العقوبات السالبة للحرية والعقوبات التكميلية والعقوبات المالية المنصوص عليها بالفصل الخامس من المجلة الجزائية على مرتكب الاعتداء المضر بعناصر البيئة والمحيط، وذلك بناء على درجة خطورة الفعل المرتكب. ولتحديد الأضرار الحاصلة يتولى القاضي المتعهد بالقضية تكليف خبراء مختصين في المجال.
وحسب ما جاء في مقترح القانون المعروض على أنظار لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة يعتبر اعتداء على البيئة، التصرف في مواد سامة ناتجة عن تجارب صناعية أو إنتاج صناعي أو نفايات خطيرة كيميائية أو بترولية بنية الإضرار بها أو تصريف هذه المواد في أحد مكوناتها. ويعدّ اعتداء على أمن الأجيال اللاحقة في العيش في بيئة سليمة، كل ما من شأنه المساس بسلامة المحيط والبيئة باستعمال الملوثات مهما كان نوعها والتي تتسبب في القضاء على إحدى الثروات الطبيعية، نباتية كانت أو حيوانية أو مائية. وتتم إثارة الدعوى من قبل النيابة العمومية حال علمها بالاعتداء أو عند تشكي من له مصلحة سواء كان هذا الشاكي شخصا طبيعيا أو معنويا، وتتولى النيابة العمومية تتبع جرائم الاعتداء على البيئة، وتكون معاينة هذه الجرائم من قبل ضباط الحالة المدنية وحاملي صفة الضابطة العدلية من ضباط وقوات حاملة للسلاح وعمد وحراس غابات وضباط الشرطة البلدية، وتم التنصيص صلب المبادرة التشريعية على معاقبة كل من يعرقل أعمال الضابطة العدلية أو يمنع إجراء المعاينات بالسجن 3 أشهر.
جرائم وعقوبات
وعدّد الباب الرابع من مقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة أنواع الجرائم البيئية والمقصود بها الأفعال الضارة بالعناصر الطبيعية من قبيل: سكب مخلفات المصانع السائلة والصلبة في البحر والأودية والمنخفضات الترابية والغابات، وكل انبعاث غازي سام ضار ناجم عن تجارب أو إنتاج مواد صناعية مهما كان مصدره وسكب الفضلات المنزلية ومخلفات البناء في غير المصبات المراقبة من طرف الدولة، والبناء على الملك العام البحري أو استغلال الشواطئ دون وجه حق بصفة مؤقتة أو دائمة. أما الباب الخامس فقسم الأفعال المجرمة إلى مخالفات وجنح وجنايات، فمخالفة الاعتداء على البيئة دون قصد الإضرار وإضافة إلى وجوب إزالة الأضرار الناجمة عن ارتكابها وإعادة الوضع إلى الحالة التي كان عليها من قبل مرتكب المخالفة أو من قبل الجهات المختصة تتمثل عقوبة مخالفة الاعتداء على البيئة في خطية مالية بين 500 دينار و1000 دينار وفي صورة العود تضاعف قيمة الخطية وإذا تكرر ارتكاب نفس المخالفة للمرة الثالثة يرتقي الفعل إلى مرتبة الجنحة وعقوبة مرتكبها خطية بمبلغ 500 دينار مع السجن من ستة أشهر إلى سنتين، وإضافة إلى ذلك يمكن معاقبة مرتكبي المخالفات والجنح بعقوبات تكميلية، ولكن في صورة ما إذا كان الاعتداء على البيئة والمحيط شديد الخطورة يتم تكييفه على أنه جناية، وتطبق على مرتكبها أحكام المجلة الجزائية، وتتمثل الاعتداءات الخطيرة على البيئة على سبيل الذكر في تصريف مواد سامة في البحر أو في الطبقة المائية، والبناء على الملك العمومي البحري واستغلاله دون ترخيص، وافتعال حرق الغابات أو الإضرار بالموارد المائية. وتضمن الباب الأخير من مقترح القانون وهو باب الأحكام المختلفة إشارة إلى فصول المجلة الجزائية التي يجب اعتمادها عند تحديد الجريمة والعقوبة وإلى تطبيق مجلة الإجراءات الجزائية على الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية المختصة.
سعيدة بوهلال
❞ رغبة الأغلبية داخل البرلمان في وضع مجلة بيئية جديدة وجامعة تستجيب لمقتضيات دستور 2022 ❝
بعد استماعها منذ 18 جويلية 2024 إلى النواب أصحاب مقترح القانون عدد 54 لسنة 2024 المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة، قررت لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة بتركيبتها الجديدة، استئناف النظر في هذه المبادرة التشريعية التي هي عبارة عن مجلة جامعة للنصوص المتعلقة بحماية البيئة والمحيط وتهدف إلى تنزيل أحكام دستور 2022 إقرار جملة من الضوابط العامة الرامية إلى تلافي كل ما من شأنه الإضرار بالمحيط والموارد الطبيعية حفاظا على الصحة العامة والتنوع البيولوجي وحقوق الأجيال القادمة.
ومن المنتظر أن تعقد اللجنة التي يرأسها النائب غير المنتمي إلى كتل شكري البحري اليوم الثلاثاء 11 فيفري 2025 جلسة استماع إلى وزير البيئة حول هذه المبادرة التشريعية. وكان الوزير تحدث مؤخرا عن مآل مشروع مجلة البيئة الذي أعدته الحكومة وذلك خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب المنعقدة يوم الاثنين 20 جانفي 2025 للنظر في مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 25 جوان 2024 بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل القسط السادس من البرنامج الوطني لربط عدد من الأحياء السكنية بقنوات التطهير. وتعقيبا على النواب الذين استفسروا عن مآل مشروع مجلة البيئة، بين وزير البيئة يومها أنه يوجد فعلا مقترح في الغرض اشتغلت عليه الوزارة وذكر أنه خير معالجة الإشكاليات التي تقتضي إيجاد حلول استعجالية، وتعلق أولها بالإقامات والنزل الموجودة على الشريط الساحلي، حيث تبين أنه يوجد مشكل على مستوى تطبيق الفصل 23 لأن هذا الفصل يوجب على باعث الإقامة بعد خمس سنوات من تركيزه لمشروعه هدم هذه الإقامة وتقديم مطلب جديد للحصول على ترخيص، وذكر أنه غير موافق على هذا الأمر، وأشار إلى أن هناك نزلا تم تشييدها وبعد انتهاء مدة خمس سنوات رفض أصحابها هدمها وستتم تسوية وضعياتها وإتمام نشاطها، أما الإشكال الثاني فيهم ولاية قابس وهناك محاولة لوضع حد نهائي للتلوث الناجم عن مادة الفسفوجيبس وتثمين هذه المادة، وفسر الوزير أنه تم التوجه نحو منح الأولوية لصياغة بعض النصوص القانونية لمعالجة الوضعيات العالقة، وأفاد انه سيتم التدخل من أجل حماية الشريط الساحلي في قابس وأنه يجري العمل على انجاز المشاريع المعطلة، وذكر أن الموضوع الثاني الذي تشتغل عليه الوزارة يتعلق بدراسة المؤثرات على المحيط ولاحظ أن عديد الشركات لم تقم بالدراسات المطلوبة وستتم تسوية وضعياتها وهناك حسب قوله أشياء غير معقولة من قبيل مطالبة خيّاطة في حي سكني بتقديم دراسة حول المؤثرات البيئية لفضلات القماش والخيط وبين أنه تم إلغاء هذا الشرط وتم حذف قرابة 30 بالمائة من كراسات الشروط ورفع العديد من الإشكاليات وذكر أنه تم تقديم هذه المشاريع إلى رئاسة الحكومة.
ويذكر أن وزارة البيئة نشرت منذ غرة سبتمبر 2023 على صفحتها الرسمية معطيات حول حفل تكريم الأطراف المشاركة من مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية والدولية ومكونات المجتمع المدني في إعداد وبلورة وصياغة مشروع مجلة البيئة، وأن هذا المشروع يهدف إلى تجميع الترسانة القانونية والتشريعية البيئية في تونس من أجل تعزيز الحوكمة البيئية، وحماية المنظومات ومقاومة آثار التغيرات المناخية، ومقاومة الإضرار بالبيئة وتكريس المسؤولية المنجرة عن التجاوزات البيئية، وتمويل حماية البيئة في سياق الانتقال الإيكولوجي، من أجل حسن توظيفها في المجال البيئي وتطويعها لتكون أكثر ملاءمة للسياق العالمي وللتشريعات الدولية، وتولت الوزارة آنذاك نشر مشروع المجلة.
وأمام تأخر الحكومة في إحالة مشروع مجلة البيئة على مجلس نواب الشعب، بادر عدد من النواب في الصائفة الماضية بتقديم مقترح قانون لتجريم الاعتداءات على البيئة وتم في إطاره اقتراح إلغاء جميع القوانين ذات الصلة بحماية البيئة ومجلة مكافحة جرائم الاعتداء على البيئة والمحيط ومختلف النصوص القانونية المشابهة إضافة إلى القانون عدد 91 لسنة 1988 المتعلق بالوكالة الوطنية لحماية المحيط والقانون عدد 34 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 المتعلق بنوعية الهواء والقانون عدد 41 لسنة 1996 المتعلق بالنفايات ومراقبة التصرف فيها وإزالتها وتعويضها بمجلة جديدة.
تردي الوضع البيئي
خلال جلسة الاستماع إليهم من قبل لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، أطلق أصحاب مقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة صيحة فزع بسبب تردي الوضع البيئي في تونس، وجاء في محضر جلسة اللجنة المنعقدة يوم 18 جويلية الماضي، أن ممثلي جهة المبادرة:»بينوا أن مقترحهم يهدف إلى تعزيز آليات الحماية والتصدي للانفلات البيئي ووضع حد للاعتداءات على الموارد الطبيعية والأوساط الطبيعية والغابات والمحميات والشريط الساحلي وغيرها، كما يهدف إلى سدّ ثغرة تشريعية تمكّن الجهات المعنية من التدخّل عند الاقتضاء لردع المعتدين على البيئة والمحيط، وأن الغاية من مبادرتهم هي تجميع النصوص القانونية في شكل مجلّة لحماية البيئة، مع التوصية بضرورة تفعيل عديد القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدّولية التي صادقت عليها تونس، وذلك من أجل مقاومة الأخطار التي تهدّد المائدة المائية وتلوث التربة والاعتداء على المساحات الخضراء والمنتزهات والأراضي الفلاحية، إلى جانب مراقبة السلامة الجينية للمنتوجات الفلاحية ومياه الشرب من تداعيات النفايات المصنفة خطرة. كما دعت جهة المبادرة إلى تشريك المواطنين في حملات النظافة والتشجير ونشر الوعي البيئي بين الناشئة من خلال إدماجه في البرامج التعليمية ونوادي البيئة، إضافة إلى ضرورة تحميل المسؤولية للشركات الصّناعية والمصانع في مقاومة التلوّث الهوائي والغازات والمواد الكيميائية والآثار الجانبية للملاّحات وانعكاساتها على الثروة الحيوانية والغطاء النباتي والتنوع البيئي. في حين أشار أعضاء اللجنة إلى أن مقترح القانون المعروض عليهم يعدّ من المبادرات التشريعية التي تخدم الشأن العام الوطني وتسهم في الارتقاء بظروف عيش المواطنين وضمان جودة الحياة، وسيساهم في مقاومة الجرائم البيئية وردع المعتدين على الملك العمومي، ولاحظوا في نفس الوقت كثرة التشريعات والقوانين والاتفاقيات التي تعنى بالبيئة مقابل غياب الرّدع وتداخل المهامّ في ظلّ غياب التنسيق بين الأطراف المعنية. ودعا عدد من أعضاء اللجنة إلى ضرورة تعميق النظر في مقترح القانون بالاستعانة بالخبراء والمختصين والإطلاع على القوانين المقارنة.
وعبّر أصحاب المبادرة عن استعدادهم للاستفادة من المقترحات والملاحظات التي ستقدّمها اللجنة بغاية تحسين وتجويد صياغة مقترح القانون وإثرائه».
الحق في بيئة سليمة
وبالعودة إلى وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة يمكن الإشارة، إلى أن النواب أصحاب هذا المقترح ركزوا على أهمية دسترة حماية البيئة والحق في بيئة سليمة والحق في مناخ سليم والحق في الماء لأن ذلك حسب رأيهم يؤسس لمرحلة هامة على مستوى التطور القانوني وبينوا أن هذه الدسترة تقتضي توفير الوسائل القانونية المناسبة والناجعة لترجمة أحكام الدستور على أرض الواقع ولتفعيل المبادئ والتدابير المنصوص عليها في مختلف الاتفاقيات الدولية الجديدة المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والإحيائي وغيرها، وبالتالي لابد من ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية.
ويتمحور مقترح القانون حول خمسة أهداف رئيسية وهي تجميع النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة وتوحيدها، وتكوين إطار قانوني عام ومرجعي لجميع التشريعات ذات العلاقة بالبيئة وتجنب نسخ النصوص القانونية بتكرار فصول موجودة في أحد القوانين في قانون آخر وتيسير إطلاع مختلف الأطراف المتداخلة على القانون البيئي على غرار الضابطة العدلية والأجهزة التنفيذية المخولة لرفع المخالفات ومحاضر الاعتداء على البيئة، فضلا عن المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في محيط سليم.
تنزيل الدستور
وتم تقديم مقترح القانون المتعلق بمكافحة الجرائم الاعتداء على البيئة من قبل نواب ينتمون إلى عدة كتل وهو ما يدل على رغبة الأغلبية داخل البرلمان في وضع مجلة بيئية جديدة وجامعة تستجيب لمقتضيات دستور 2022 وتراعي الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية، وضمت قائمة الموقعين عليه إلى جانب النائب عادل ضياف النائب عن «كتلة صوت الجمهورية» وعن دائرة سيدي حسين بالعاصمة النواب آمال المؤدب وأحمد السعيداني ومحمد علي وخالد حكيم مبروكي ومحمود العامري وعبد الحافظ الوحيشي وغسان يامون وصالح الصيادي وثابت العابد ومحمد ضو وريم الصغير ولطفي الهمامي وحمادي غيلاني وأسماء الدرويش والمنصف المعلول ووليد الحاجي وصابر الجلاصي ومنير الكموني ونبيه ثابت ومحسن هرمي وشفيق الزعفوري وألفة المرواني.
وتضمن المقترح المذكور 17 فصلا موزعة على 6 أبواب وهي الآتي ذكرها: باب الأحكام العامة، باب في الحماية، باب تجريم الاعتداء على البيئة، باب أنواع الجرائم الضارة بالبيئة، باب العقوبات، باب الأحكام المختلفة. وتم تخصيص الباب الأول للتعريف بالمفاهيم، أما الباب الثاني فتضمن أحكاما من شأنها تحويل البيئة إلى قضية مجتمعية حيث يقتضي واجب حماية البيئة والمحيط، تضافر جهود كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في دفع كل ما من شأنه الإضرار بجميع الأوساط البيئية كما يجب الإشعار بكل ما من شأنه الإضرار بالبيئة والمحيط ويتعين على جميع الأطراف من مجتمع مدني ومواطنين وغيرهم ممن بلغ إلى علمهم وجود خطر محدق أو حاصل يهدد البيئة والمحيط التبليغ عنه، وفي المقابل يجب على كل من يلحق ضررا بالبيئة والمحيط تعويض قيمة الأضرار التي تسبب فيها لفائدة الدولة ويمكن أن يكون هذا التعويض ماديا أو عبر إعادة ما تم إتلافه إلى الحالة التي كان عليها. وتطرق الباب الثالث من مقترح القانون إلى العقوبات حيث تم بمقتضاه سحب مجال تطبيق العقوبات السالبة للحرية والعقوبات التكميلية والعقوبات المالية المنصوص عليها بالفصل الخامس من المجلة الجزائية على مرتكب الاعتداء المضر بعناصر البيئة والمحيط، وذلك بناء على درجة خطورة الفعل المرتكب. ولتحديد الأضرار الحاصلة يتولى القاضي المتعهد بالقضية تكليف خبراء مختصين في المجال.
وحسب ما جاء في مقترح القانون المعروض على أنظار لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة يعتبر اعتداء على البيئة، التصرف في مواد سامة ناتجة عن تجارب صناعية أو إنتاج صناعي أو نفايات خطيرة كيميائية أو بترولية بنية الإضرار بها أو تصريف هذه المواد في أحد مكوناتها. ويعدّ اعتداء على أمن الأجيال اللاحقة في العيش في بيئة سليمة، كل ما من شأنه المساس بسلامة المحيط والبيئة باستعمال الملوثات مهما كان نوعها والتي تتسبب في القضاء على إحدى الثروات الطبيعية، نباتية كانت أو حيوانية أو مائية. وتتم إثارة الدعوى من قبل النيابة العمومية حال علمها بالاعتداء أو عند تشكي من له مصلحة سواء كان هذا الشاكي شخصا طبيعيا أو معنويا، وتتولى النيابة العمومية تتبع جرائم الاعتداء على البيئة، وتكون معاينة هذه الجرائم من قبل ضباط الحالة المدنية وحاملي صفة الضابطة العدلية من ضباط وقوات حاملة للسلاح وعمد وحراس غابات وضباط الشرطة البلدية، وتم التنصيص صلب المبادرة التشريعية على معاقبة كل من يعرقل أعمال الضابطة العدلية أو يمنع إجراء المعاينات بالسجن 3 أشهر.
جرائم وعقوبات
وعدّد الباب الرابع من مقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة أنواع الجرائم البيئية والمقصود بها الأفعال الضارة بالعناصر الطبيعية من قبيل: سكب مخلفات المصانع السائلة والصلبة في البحر والأودية والمنخفضات الترابية والغابات، وكل انبعاث غازي سام ضار ناجم عن تجارب أو إنتاج مواد صناعية مهما كان مصدره وسكب الفضلات المنزلية ومخلفات البناء في غير المصبات المراقبة من طرف الدولة، والبناء على الملك العام البحري أو استغلال الشواطئ دون وجه حق بصفة مؤقتة أو دائمة. أما الباب الخامس فقسم الأفعال المجرمة إلى مخالفات وجنح وجنايات، فمخالفة الاعتداء على البيئة دون قصد الإضرار وإضافة إلى وجوب إزالة الأضرار الناجمة عن ارتكابها وإعادة الوضع إلى الحالة التي كان عليها من قبل مرتكب المخالفة أو من قبل الجهات المختصة تتمثل عقوبة مخالفة الاعتداء على البيئة في خطية مالية بين 500 دينار و1000 دينار وفي صورة العود تضاعف قيمة الخطية وإذا تكرر ارتكاب نفس المخالفة للمرة الثالثة يرتقي الفعل إلى مرتبة الجنحة وعقوبة مرتكبها خطية بمبلغ 500 دينار مع السجن من ستة أشهر إلى سنتين، وإضافة إلى ذلك يمكن معاقبة مرتكبي المخالفات والجنح بعقوبات تكميلية، ولكن في صورة ما إذا كان الاعتداء على البيئة والمحيط شديد الخطورة يتم تكييفه على أنه جناية، وتطبق على مرتكبها أحكام المجلة الجزائية، وتتمثل الاعتداءات الخطيرة على البيئة على سبيل الذكر في تصريف مواد سامة في البحر أو في الطبقة المائية، والبناء على الملك العمومي البحري واستغلاله دون ترخيص، وافتعال حرق الغابات أو الإضرار بالموارد المائية. وتضمن الباب الأخير من مقترح القانون وهو باب الأحكام المختلفة إشارة إلى فصول المجلة الجزائية التي يجب اعتمادها عند تحديد الجريمة والعقوبة وإلى تطبيق مجلة الإجراءات الجزائية على الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية المختصة.